د. إسماعيل بن صالح الأغبري

لكل دولة من الدول هويتها الدبلوماسية التي تميزها عن غيرها، تحدد آليات علاقاتها مع دول العالم وترسم خطواتها الدبلوماسية في كيفية معالجة الحوادث المستجدة، ولسلطنة عُمان هويتها في ميادين مختلفة ومنها الميدان الدبلوماسي، فالتخفيف من الاحتقانات التي قد تقع بين الدول أو بين أطراف الدولة الواحدة معلم من معالم الهوية العُمانية، ولذا فإنَّ دبلوماسيتها ذات بصمات إيجابية في حلحلة بؤر النزاع بين هذه الأطراف كما وإن هذه الهوية تتجلى في عدم تأجيج الفتن والنزاعات وذلك عن طريق إقامة علاقات طبيعية مع الدول خالية من المناكفات، بعيدة عن المزايدات، ثم  استثمار علاقاتها الإيجابية للقيام بدور تصالحي بين الدول المتباينة في الرؤى ووجهات النظر متى ما تراضت الأطراف التحاكم إليها أو الاحتكام إلى دبلوماسيتها المشهود لها بالحكمة والحنكة.

دبلوماسية سلطنة عُمان لا تفرض نفسها على بقية الدول المتباينة ولكن إن طلب منها الفرقاء تسهيلا أو تذليلا لعقبات أو تصفية لأجواء أو استضافة لحوارات داخل الأرض العُمانية أو خارجها في حرمها الدبلوماسي فإنها تقوم بذلك خدمة للسلم الإقليمي والدولي معًا.

إيمان الدبلوماسية العُمانية بأنَّ أي اضطراب في علاقات الدول الإقليمية والعالمية سيؤثر سلباً على الاستقرار السياسي العالمي تماماً كاهتزاز طرف الحبل فإنَّ ذلك ينذر باهتزاز أول الحبل ووسطه وآخره.

الدبلوماسية العُمانية تنحاز لرجل إطفاء الحرائق المشتعلة أو الموشكة على الاشتعال، وتتجنب الاصطفاف مع أي فريق يصعد من خطاباته أو يعكر صفو الاستقرار السياسي والدبلوماسي بين الدول.

ولهذه الهوية العُمانية في الميدان الدبلوماسي نماذج كثيرة، ولا أدل على ذلك من المفاوضات الجارية حاليا بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والولايات المتحدة الأمريكية، فالبلدان ارتضيا مسقط عاصمة سلطنة عُمان موئلا ومكانا جامعاً لهما للقاء غير مباشر حسب المعلن عنه، ثم إن الطرفين يثقان بالدبلوماسية العُمانية لخبرتهما بها خاصة فيما يتعلق بالاتفاق النووي الموقع بين الطرفين عام 2015م.

مكان التفاوض بين البلدين مسقط، وهي تؤمن بضرورة تذليل العقبات وبذل ما أمكن من تسهيلات لأن المنطقة منطقة الخليج، شريان الذهب الأسود إلى قارات العالم، وشرارة واحدة ولو بالخطأ تعني تطاير ألسنة اللهب إلى كافة الدول، وتأخر تصدير قطرة منه يعني مساسا بالاقتصاد العالمي، وتعطل كثير من المصانع الإقليمية والدولية.

 مسقط تدرك أن الطرفين ليسا نكرة بين دول العالم، فأمريكا تمثل القطب العالمي الأوحد حتى الساعة، ولديها من المقدرات والقدرات في مختلف المجالات ما يجعلها قادرة على إحداث ألم شديد سياسي وعسكري واقتصادي وسط هذا العالم المترامي الأطراف.

وبالنسبة لإيران فهي أيضاً قوة لا يستهان بها عسكريا على أقل تقدير، قادرة على وضع بصماتها المؤثرة على الدول القريبة والبعيدة معاً لامتدادها الجغرافي ولها تأثيرها الثقافي على عدد من دول العالم الإسلامي أما عن قدراتها العسكرية خاصة الصاروخية فهي في تنامٍ مستمر.

أما بالنسبة للدولتين المتفاوضتين فإنَّ الولايات المتحدة الأمريكية وفي عهد الجمهوريين تحديداً لا ترغب في ميلاد قوة خارجة عن ضبط إيقاعهم، ويتصورون إمكانية وقوع ذلك من إيران إن لم يصلوا معها إلى اتفاق خاصة وأنهم يعتقدون أن إيران ذات أيدولوجية ككوريا الشمالية مع اختلاف مرجعية الأيدولوجيتين، فالمجاهرة بعداء إسرائيل وعدم الاعتراف بها دولة قائمة بناء على منطلقات شرعية مع بقاء إيران الدولة الوحيدة المتمكنة حالياً من تهديد إسرائيل عسكرياً يعزز إصرار الأمريكيين على الضغط على إيران.

الطرفان: إيران وأمريكا لا يريد أي منهما أن يظهر وكأنَّ خصمه كسر إرادته مراعاة لمنطلقات كل منهما، فالجمهوريون حصدوا الأصوات بناءً على ما رفعوه من شعارات منها: أمريكا أولا، وكذلك إعادة الهيبة لأمريكا أو لنقل ترسيخ الهيمنة الأمريكية كقوة عظمى في هذا العالم.

والإيرانيون لهم نظام حكم ذو نزعة استقلالية، يتكئون في ذلك على مواريثهم الحضارية وعلى الأيدلوجية الإسلامية الحاكمة، ومن الصعب عليهم الظهور بمظهر المغلوب على أمره أو التنازل عن مبادئ قامت عليها الجمهورية الإسلامية في إيران، وعلى ذلك فإنَّ الطرفين لا بد لكل منهما التزحزح عن بعض ما يرفعه لتحقيق اختراق لازم، يسفر عن نتائج إيجابية مرتقبة من العالم.

وختاماً فإنَّ الدبلوماسية العُمانية بساط أخضر واسع، يمكنها احتواء الأطراف المختلفة، وكذلك فإن الإرادة العُمانية الجادة في سبيل إطفاء فتيل الأزمات تعين على التقريب بين وجهات النظر.

قلما دخلت الدبلوماسية العُمانية في معترك الوساطات إلا وأسفر ذلك عن توصل الأطراف إلى حل جامع لهذه الأطراف، وإن لم تصل الأطراف إلى المرجو من التفاوض فلا أقل من تهدئة بينهما.

إذا تنفس الصبح في مسقط، وانبلج فجر المفاوضات، وأشرقت شمس التقاء الأطراف، وبزغ النجم المرتقب فإنَّ ذلك حصاد الدبلوماسية العُمانية المشهود لها، وبذلك تكون سلطنة عُمان قد أسدت خدمة جليلة للخليج من حيث استقراره وإمكانية تصدير نفطه، وتكون كذلك أسدت للعالم خدمة جليلة من حيث تجنيب العالم ويلات الصدام المسلح أو الحروب الاقتصادية. الدول تنتظر بفارغ الصبر صبح مسقط بشرط أن يتخلى كل طرف من المتفاوضين عن بعض ما يُؤمن به ليلتقيا في نقاط مشتركة، ليس أحد منهما أُريق ماء وجهه.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

مصر في الصدارة.. وفاة 7 ملايين شخص حول العالم بسبب التدخين في 2023

كشفت دراسة أجراها معهد القياسات والتقييم الصحي (IHME) بجامعة واشنطن أن واحدُا من بين كل ثمانية أشخاص يتوفى نتيجة التدخين، مع ارتفاع هذه النسبة في بعض الدول مثل مصر. اعلان

وقدّر الباحثون أن التعرض للتدخين تسبب في مقتل أكثر من 7 ملايين شخص حول العالم في عام 2023. وكان السبب الرئيسي للوفيات بين الرجال، حيث توفي بسببه 5.59 مليون رجل، بينما جاء في المرتبة السابعة كعامل مسبب للوفاة بين النساء، بعد تسجيل 1.77 مليون حالة وفاة.

وأشاروا إلى أن بعض الدول شهدت زيادة كبيرة في الوفيات المرتبطة به، وعلى رأسها مصر، حيث ارتفعت نسبتها خلال عام 2023 بقدر 124.3% مقارنة بعام 1990.

وفي هذا السياق، علّق بروكس مورغان، الباحث في المعهد، بالقول: "بينما تسجل بعض الدول انخفاضًا مشجعًا في الوفيات المرتبطة بالتدخين، تسير دول أخرى في الاتجاه المعاكس."

وقد عُرض هذا البحث، إلى جانب أوراق أخرى، في المؤتمر العالمي لمكافحة التبغ الذي عُقد في دبلن يوم الإثنين.

Relatedدراسة جديدة تكشف: أدوية السمنة قد تساعد في تقليل الرغبة في الكحول والتدخينحظر التدخين.. مشروع في مهب الريح وسط انقسامات داخل البرلمان الأوروبيتقرير صحي جديد: الأزمات العالمية تعرقل جهود الملايين في الإقلاع عن التدخيندراسات أخرى

حاول فريق من معهد الفعالية السريرية والصحية (IECS) في الأرجنتين دراسة تأثير التدخين في كل من بوليفيا، هندوراس، نيجيريا، باراغواي، وأوروغواي، وقد وجدوا أنه تسبب في أكثر من 41,000 حالة وفاة في تلك الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط.

بالإضافة إلى ذلك، تبين أن تلك الدول تتكبد خسائر مالية تقارب 4.3 مليار دولار، تشمل نفقات طبية، فقدان الإنتاجية، ورعاية غير رسمية كنتيجة للتدخين.

تجربة تبعث على التفاؤل في الصين

في المقابل، أظهرت ورقة بحثية أخرى تجربة ناجحة في الصين، حيث ساعدتأدوات مدعومة بالذكاء الاصطناعي المدخنين على التوقف التدريجي عن عاداتهم السيئة. وقد شملت الدراسة 272 مدخنًا، وكان معدل الإقلاع 17.6% بين مستخدمي هذه الأدوات، مقارنة بـ7.4% فقط في المجموعة الأخرى.

جميع منتجات التبع مضرة

في هذا السياق، قالت كاساندرا كيلي-سيرينو، المديرة التنفيذية للاتحاد الدولي لمكافحة السل وأمراض الرئة: "تُعد نتائج هذه الأبحاث تذكيرًا قويًا بأن التبغ لا يزال أحد أخطر التهديدات الصحية العامة في عصرنا. لا وجود لمنتج تبغ صحي، وغالبًا ما تؤدي محاولات تقليل المخاطر إلى زيادة أرباح الشركات. علينا أن نتبنى نهجًا صارمًا لا يتسامح مع هذه المنتجات."

من جهته، وصف الدكتور تيدروس أدهانوم غيبريسوس، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، التقدم في مكافحة التبغ بأنه هش، وقال: "رغم زيادة التنظيم، تواصل صناعة التبغ تطورها، وتروج لمنتجات جديدة، وتستهدف الشباب، وتحاول تقويض جهودنا."

انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة

مقالات مشابهة

  • «قرقاش الدبلوماسية» تستضيف جلسة آليات حقوق الإنسان
  • مصر في الصدارة.. وفاة 7 ملايين شخص حول العالم بسبب التدخين في 2023
  • جلسة أساسيات ريادة الأعمال الثقافية تسلط الضوء على بناء اقتصاد إبداعي متجذر في الهوية العُمانية
  • باحثة عُمانية تطوّر فلاتر كربونية من مخلفات القهوة لمعالجة المياه
  • الغرب بين الدبلوماسية والتردد.. لماذا يخشى مواجهة جذور الأزمة في الشرق الأوسط؟
  • باحثة عُمانية تُحوّل مخلفات القهوة إلى حلول مائية مستدامة
  • 5 ولايات عُمانية ضمن المراكز الأولى عالميًا في شدة الحرارة
  • المملكة تدعو إلى تكاتف الجهود الدولية لتعزيز الشراكات والقدرة على مواجهة الجفاف حول العالم
  • الفوضى الخلّاقة الشاملة: مشروع صهيوني لتحقيق الهيمنة
  • خارطة طريق تمويل المناخ تواجه تعثرا وسط غموض في مصادر التمويل