راهن بعض الناس، حتى من أبناء الجاليات المسلمة في أمريكا الذين منحوا أصواتهم للرئيس دونالد ترامب، على وعوده بوقف الإبادة الجماعية في غزة، وهي إبادة لم يشهد التاريخ لها مثيلا، وعلى إنهاء الحروب المشتعلة في العالم. لكن، ويا للأسف، لم يتحقق شيء من ذلك، بل ازداد العالم اشتعالا، وتوسّعت رقعة الحروب والكوارث، واكتملت فعلا حلقات الفوضى الخلاقة للصهاينة، والهدامة لكل القيم والإنسانية.



فالإبادة في غزة مستمرة بأشد صورها، والإغاثة الإنسانية تحوّلت إلى فخاخٍ قاتلة تُستدرج إليها بطون الجوعى ليُبادوا عندها، في مشهد لا تكاد تصدقه الضمائر الحيّة. معدل القتل بلغ مستويات مرعبة، حيث يقدَّر عدد الشهداء والجرحى بأكثر من مئتي ألف، فيما تتفاقم المجاعة والأمراض بصورة خطيرة تهدد وجود الجيل بأكمله في غزة.

نحن نشهد في هذا العصر، عملية قتل ممنهجة، وإبادة شاملة تستهدف نحو مليونين ونصف المليون من المدنيين في غزة، معظمهم من النساء والأطفال، في ظل صمت دولي مخزٍ. دُمِّرت البيوت والمنازل والمساجد والمستشفيات والمدارس والكنائس، بل حتى الخيام والملاجئ المؤقتة لم تسلم من آلة القتل. كل ذلك يحدث تحت مرأى ومسمع من العالم الذي يدّعي التحضّر، وبأسلحة فتاكة أمريكية وغربية، وبغطاء سياسي سافر من بعض الدول الغربية.

لقد انهارت في هذا العالم المعايير الأخلاقية والقوانين الإنسانية، ولم يعد للأمم المتحدة أيّ دور يُذكَر، حتى في حماية مؤسساتها الأممية كالأونروا. أما هذه الفوضى الشاملة، فهي جزء من مشروع صهيوني قديم، قائم على مبدأ "الفوضى الخلاقة"، والذي يهدف إلى إسقاط كل الضوابط والحدود التي يمكن أن تحدّ من تغوّلهم، حتى يصبحوا فوق القانون، وفوق الأخلاق، وفوق كل المحاسبة.

وهذا ما نشهده اليوم: حكومة متطرفة في كيان الاحتلال، يتزعمها نتنياهو، تصول وتجول وتفعل ما تشاء في غزة، وتقتل من تشاء في لبنان وسوريا واليمن والعراق، وأخيرا في إيران، من دون رادع أو محاسبة.

أما المواقف الدولية، فتنقسم إلى ثلاثة أنماط:

- تأييد مطلق ودعم مباشر سياسيا وعسكريا ولوجستيا، كما هو الحال مع الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية.

- دعم خفي أو صمت مدوٍّ، كما تمارسه معظم دول العالم.

- إدانة لفظية خجولة من بعض الدول العربية والإسلامية، بلا أي ضغط سياسي أو اقتصادي فعّال، وكأنّها تواسي الضمير لا أكثر.

هذا الانحدار الأخلاقي، وهذه الازدواجية في المعايير، حسب سنن الله تعالى، مؤذنةٌ بخراب هذه الحضارة المادية الظالمة، التي صار لها وجهان كاذبان، ولسانان متناقضان. إنه تسارع نحو نهايتها، ونهاية مشروع الإفساد الصهيوني العالمي
هذا الانحدار الأخلاقي، وهذه الازدواجية في المعايير، حسب سنن الله تعالى، مؤذنةٌ بخراب هذه الحضارة المادية الظالمة، التي صار لها وجهان كاذبان، ولسانان متناقضان. إنه تسارع نحو نهايتها، ونهاية مشروع الإفساد الصهيوني العالمي، كما بشّرنا القرآن الكريم، حين أخبرنا أن نهاية الظالمين تبدأ بانكشاف جرائمهم، وبتحوّل وجوههم إلى السواد، وتنفير القلوب منهم، فتبدأ الأمم المتحالفة معهم برفضهم والتبرؤ من تصرفاتهم، وتنقلب الموازين.

بقاء هؤلاء المجرمين واستمرار هيمنتهم لم يكن ليحصل لولا خذلان الأمة، وتفريطها بأوامر الله، وانحرافها عن نهيه. وقد نُزع من قلوب كثير من قادتها الإحساس بكرامة الأمة، وباتوا يكتفون ببيانات الإدانة، دون أن يستخدموا أي ورقة ضغط، من المقاطعة السياسية والاقتصادية، إلى إعادة تقييم العلاقات الدولية.

وما يؤلمنا أشد الألم، مع مشاهد الإبادة اليومية في غزة، هو صمت العالم الذي يسمي نفسه متحضرا، بل وتواطؤ بعضه، إذ يُشرعن القتل ويغطي عليه. ولكن ما هو أكثر إيلاما، هو موقف معظم دولنا الإسلامية والعربية، التي لم تخرج عن دائرة الإدانة اللفظية، ولم تلوّح حتى بالحد الأدنى من أوراق الضغط، لا السياسية ولا الاقتصادية ولا حتى الدبلوماسية، وأشد إيلاما هو تعاون بعض الدول العربية -ومعهم بعض من يدعي العقيدة الصحيحة!!- بل دعمهم لأعداء الدين والعروبة، فأين الدين والمبادئ والجسد الواحد والعقيدة والولاء والبراء؟ وأين العروبة والشهامة والمرجلة، والأمة العربية الواحدة؟!

إنها مأساة حضارية وإنسانية، نعيشها أمام أعيننا، في ظل عالم متوحّش فقد ضميره، وأمة مخذولة فرّطت في قيمها، فاستُبيح دمها وديارها.

والله المستعان.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء ترامب غزة صهيوني غزة ابادة صهيوني ترامب قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة تكنولوجيا رياضة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة بعض الدول فی غزة

إقرأ أيضاً:

بقيمة 13.5 مليار يورو... إيطاليا تقر مشروع أطول جسر في العالم لربط صقلية بالبر الرئيسي

ويُعد هذا المشروع حلمًا قديمًا يعود إلى أواخر الستينيات، لطالما روّج له رئيس الوزراء الراحل سيلفيو برلسكوني خلال ولاياته، إلا أنه واجه عراقيل متكررة تتعلق بكلفته الضخمة، ومخاوف الزلازل، والبيئة، فضلاً عن احتمالات تسلل نفوذ المافيا. اعلان

أعلنت الحكومة الإيطالية، برئاسة جورجيا ميلوني، عن منح الضوء الأخضر النهائي لأحد أضخم مشاريع البنية التحتية في تاريخ البلاد: بناء جسر عملاق يربط جزيرة صقلية بمدينة فيلا سان جوفاني في كالابريا، بتكلفة تُقدّر بـ13.5 مليار يورو، ليكون الأطول في العالم من حيث الامتداد عبر قوس واحد.

ويمتد الجسر المزمع بناؤه لمسافة 3.7 كيلومترات فوق مضيق ميسينا، وسيمتد إنشاؤه على مدار عشر سنوات، بحسب ما أكده وزير النقل الإيطالي ماتيو سالفيني، الذي وصف المشروع بأنه "مترو معلق فوق البحر"، مضيفًا أن هدف الحكومة هو إتمامه بحلول عام 2032 أو 2033.

ويُعد هذا المشروع حلمًا قديمًا يعود إلى أواخر الستينيات، لطالما روّج له رئيس الوزراء الراحل سيلفيو برلسكوني خلال ولاياته، إلا أنه واجه عراقيل متكررة تتعلق بكلفته الضخمة، ومخاوف الزلازل، والبيئة، فضلاً عن احتمالات تسلل نفوذ المافيا.

Related إيطاليا بين الأمن واكتظاظ السجون: هل تحمل خطة ميلوني الحل أم الأزمة؟حديقة حيوانات روما تقدم وجبات مجمّدة لنزلائها بسبب موجة الحر التي تجتاح إيطاليا800 قتيل منذ بداية العام.. منظمات إنسانية تتهم إيطاليا بـ"معاقبة المنقذين" في البحر المتوسط التحالف المنفذ للمشروع

سيُنفذ الجسر من قِبل تحالف شركات تقوده مجموعة Webuild الإيطالية، ويضم شركتي Sacyr الإسبانية وIHI اليابانية. ووفقًا لبيترو ساليني، الرئيس التنفيذي لشركة Webuild، فإن المشروع سيكون "تحويليًا لكل البلاد"، متوقعًا أن يوفر أكثر من 100 ألف وظيفة.

دوافع اقتصادية ومخاوف بيئية

تقول الحكومة إن المشروع سيساهم في تعزيز التنمية الاقتصادية في جنوب البلاد، حيث لا يزال التنقل بين صقلية والبر الرئيسي معتمدًا على العبارات، في رحلة تستغرق نحو 30 دقيقة. غير أن المشروع لم يسلم من الانتقادات. فقد تقدّمت جمعيات بيئية هذا الأسبوع بشكوى إلى الاتحاد الأوروبي، محذّرة من "مخاطر جسيمة" على النظام البيئي المحلي، فيما وصف النائب عن تحالف الخضر واليسار، أنجيلو بونيلي، المشروع بأنه "هدر مالي ضخم"، متعهدًا بمواصلة مقاومته.

وتقع منطقة البناء في إحدى أكثر المناطق نشاطًا زلزاليًا في أوروبا، ما يُعد مصدر قلق كبير للخبراء والمعارضين.

ترحيل سكاني ومراقبة أمنية مشددة

تشير التقديرات إلى أن نحو 4,000 شخص على جانبي المضيق سيُجبرون على مغادرة منازلهم ضمن خطة نزع ملكية ستوفر تعويضات، لكنها لم تنجح في تهدئة وتيرة الاحتجاجات.

وأكد سالفيني أن المشروع سيخضع لمراقبة مشددة لمنع تسلل جماعات الجريمة المنظمة، مشددًا: "إذا ثبت وجود المافيا في سلسلة التوريد، فلن يُبنى الجسر". كما أشار إلى أن الموافقة النهائية بانتظار مصادقة محكمة التدقيق الوطنية، متوقعًا انطلاق الأعمال التمهيدية في سبتمبر أو أكتوبر المقبل.

انتقل إلى اختصارات الوصول شارك هذا المقال محادثة

مقالات مشابهة

  • سنة النبي في صلاة الفجر.. ما السور التي كان يقرأها الرسول بعد الفاتحة؟
  • مفكر سياسي : اعتراف دول غربية بالدولة الفلسطينية تطور إيجابي
  • اعتراف صهيوني بتأثيرات العمليات اليمنية على اقتصاده
  • «التكنولوجيا المتطورة».. القوة الضاربة في العالم
  • الذكاء الاصطناعي ييثير قلق العالم .. ما سبب فرض بعض الدول قيودا على استخدامه؟
  • حين يضيق الفضاء الرقمي.. هل تمهد بلوسكاي لنهاية الهيمنة؟
  • البخيتي: قرار نزع سلاح حزب الله أمريكي صهيوني ويفتح باب الفتنة في لبنان والمنطقة
  • إيطاليا تطلق مشروع بناء أطول جسر معلق في العالم بأزيد من 13 مليار أورو
  • الحسيني: مصر الدولة الأولى في العالم التي تمتلك دستور دواء
  • بقيمة 13.5 مليار يورو... إيطاليا تقر مشروع أطول جسر في العالم لربط صقلية بالبر الرئيسي