سامح قاسم يكتب | مجدي أحمد علي.. عينٌ على المدينة وقدمٌ في الحلم
تاريخ النشر: 24th, April 2025 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
ليس من السهل أن تقف في منتصف الحكاية، أن تتأمل النهر دون أن تغرق فيه أو تبتعد عنه. مجدي أحمد علي، المخرج الذي لم يأتِ من الحكاية، بل جاء من أطرافها، من شوارع ضيّقة في مدينة تعج بالمفارقات، ومن أصوات النساء اللواتي يُخفين وجوههن في الأحياء الشعبية، ومن عيون الرجال الذين فقدوا البوصلة في زمن مشوَّه.
ولد مجدي في صخب القاهرة، وعاش على تخوم الحلم القومي والسقوط الاجتماعي. درس الصيدلة أولًا، وكأن القدر شاء أن يجعله يعرف معنى المداواة قبل أن يجرحه الفن، لكنه ما لبث أن انحاز إلى المعهد العالي للسينما، متّبعًا صوتًا داخليًا لا يمكن إسكاتُه. وهناك، بدأ في شق طريقه ببطء وصدق، بعيدًا عن بهرجة الضوء، قريبًا من قلب الواقع.
لكن مجدي ليس مخرجًا فقط، بل هو ناسك سينمائي؛ يكتب ويخرج وكأنه يفتح أبواب بيت قديم يسكنه الحنين والغضب. في فيلمه الأول "يا دنيا يا غرامي"، لا يستعرض المجد بقدر ما يستعرض المأساة اليومية للمرأة المصرية التي تُجلد في صمت. تلك النبرة، النابعة من تعاطف حقيقي، ظلت ترافقه في أفلامه التالية، كـ"خلطة فوزية" و"أسرار البنات"، حيث الكاميرا ليست عينًا عُليا تحكم، بل رفيق درب يحاول أن يفهم.
يملك مجدي قدرة فريدة على الإنصات. أفلامه لا تصرخ، بل تهمس. وفي الهمس، غالبًا ما يُقال كل شيء. خذ مثلًا "عصافير النيل"، المأخوذ عن رواية إبراهيم أصلان، ستجد فيه تأملًا طويلًا في الإنسان الذي يعيش على حافة الانطفاء. لا بطولة هنا، بل هشاشة. لا صراع خارجي، بل داخل روح باردة تبحث عن شيء يشبه الحياة.
أما فيلم "مولانا"، فكان بمثابة منعطف. ليس لأنه يقترب من موضوعات شائكة كالدين والسياسة فحسب، بل لأنه يعلن بوضوح عن شجاعة مجدي في اقتحام المسكوت عنه، دون أن يفقد رهافته. الشيخ في الفيلم ليس مجرد رمز، بل هو رجل ممزق بين الميكروفون والمحراب، بين الإيمان واللعبة الكبرى.
وفي "2 طلعت حرب"، يصل مجدي إلى ذروة رمزيته، إذ تتحول الشقة المطلة على الميدان إلى مسرح مغلق لتاريخ وطن بحاله. أربعة مشاهد، أربعة أزمنة، أربعة وجوه للخذلان. هنا، لم تعد السينما مرآة للواقع، بل صدى لما لم يُقَل بعد. الحكايات ليست متجاورة فحسب، بل متورطة في بعضها، كما هو حال التاريخ عندما يُعاد تدويره في غرف مغلقة.
لكن ما يُميز مجدي أحمد علي، بعيدًا عن مُنجزه السينمائي، هو حضوره الخافت والمستمر في المشهد الثقافي. لا يُكثر من الظهور، لكنه حين يتكلم، يضع إصبعه على الجرح دون تردد. لا يسعى إلى النجومية، بل إلى بناء أرشيف سينمائي مقاوم للنسيان، أرشيف يحاول فيه كل فيلم أن يستبقي لحظة ما من الصدق قبل أن تبتلعها الموجة.
أخيرًا، لا يمكن الحديث عن مجدي دون التوقف عند ابنه أحمد مجدي، الذي ورث الفن بروحه لا بألقه. من السهل أن ترى بين الاثنين جسرًا غير مرئي، مبنيًا على احترام الحكاية والانحياز إلى الإنسان العادي، إلى الذين لا يملكون أصواتًا ولكنهم يملكون وجوهًا لا تُنسى.
في زمن السينما التي تحاول أن تُرضي الجميع، يظل مجدي أحمد علي مخرجًا لا يهمّه أن يُرضي أحدًا سوى وعيه وضميره. ولذلك تحديدًا، تظل أفلامه شاهدة على عصر، لا بوقًا له.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: مجدی أحمد علی
إقرأ أيضاً:
فى ذكرى وفاته.. نجوم جسدوا شخصية رفاعة رافع الطهطاوي
تميز الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي أحد أعلام التنوير في مصر، والذي تحل اليوم ذكرى رحيله، بميزات شخصية متعددة، ونظر إلى الجديد بعين أصيلة لم تتنكر لذاتها، ولم تبدأ من الصفر، وتمكن من أن يحقق من الجديد ظلالًا مختلفة لمجتمعه من خلال التأمل والنقد والإعجاب والترجيح والتدبر والتعلم والمفاضلة والتوطين والتمكين والتطوير، وفي أحيان قليلة الرفض والاستعلاء المبررين.
وبرغم من أهمية شخصية رفاعة الطهطاوى الا أنه لم يقدم بالدراما والسينما المصرية بشكل كبير حيث اقتصر على تقديم عملين فقط وقدمت شخصيته ايضا فى الإذاعة لتكشف هذه الأعمال عن بعض المراحل المهمة فى تاريخه.
وكانت أولى الاعمال التى جسدت مسيرة رفاعة الطهطاوى مسلسل حمل نفس الاسم وقدم عام 1987 وجسد شخصيته الفنان سمير البنا وشاركه البطولة شكري سرحان وأنور إسماعيل وزين العشماوي وهدي رمزي وتهاني راشد ، وأخرجه الفنان نور الدمرداش وكتبه حسن محسب ومحمد أبو الخير.
بينما برع فى تجسيد شخصية رفاعة الطهطاوى في مسلسل “بوابة الحلواني” في جزأيه الثاني والثالث الفنان الكبير حمدي غيث، والمسلسل من تأليف الكاتب الكبير الراحل محفوظ عبد الرحمن ، وإخراج المخرج الكبير إبراهيم الصحن ، و" بوابة الحلواني" مسلسل تاريخي مصري من أربعة أجزاء، يعالج مرحلة حكم الخديوي اسماعيل لمصر. يستعرض المسلسل -الذي يتشكل من عدة أجزاء بعضا من تاريخ مصر.
رفاعة الطهطاوي فى الإذاعةوقدم شخصية رفاعة الطهطاوى أيضا ولكن هذه المرة فى الإذاعة الفنان عبد الرحمن أبوزهرة من خلال "البرنامج الخاص" وهو من كنوز ماسبيرو، وكتبه للإذاعة شريف أباظة، وإخراج إيمان فرغلي ، وبطولة عبد الرحمن أبو زهرة ، واشترك في التمثيل: عبد المنعم أبو الفتوح - محمد ولاء الدين - محمد منصور - همام عبد المطلب ، بالاشتراك مع: ناهد سمير.
وقدم الشاعر فؤاد حداد والموسيقار سيد مكاوي حلقات غنائية من برنامج بعنوان "من نور الخيال وصنع الأجيال" في تاريخ القاهرة عن رفاعة الطهطاوي، واشترك في الآداء التمثيلي بها سهير المرشدي، وفي الآداء الغنائي محمود السكري ، وإخراج صفح الله الصفتي.