في 24 أبريل/ نيسان 2025، أصدرت دائرة الاستئناف في المحكمة الجنائية الدولية قرارَين متزامنين شكّلا محطة محورية في مسار المساءلة الدولية عن الجرائم المرتكبة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

فقد قضى القرار الأول برفض طلب تعليق تنفيذ مذكرتَي التوقيف الصادرتَين بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، فيما أعاد القرار الثاني ملف اختصاص المحكمة إلى الدائرة التمهيدية؛ لإعادة النظر فيه على ضوء معايير قانونية أدق.

وقد أثار هذا التطور تساؤلات كثيرة لا بدّ من التوقف عندها: ما الذي دفع المحكمة إلى إصدار هذين القرارين في هذا التوقيت بالذات؟ وما الذي شكّل خلفية هذا الحسم القضائي غير المسبوق؟ ولماذا قررت المحكمة أن تواصل السير في الإجراءات رغم حملات الطعن والضغط السياسي التي قادتها إسرائيل؟

وكيف يمكن تفسير أن دولة مثل إسرائيل، التي طالما أنكرت اختصاص المحكمة، أن تبادر إلى تشكيل فريق دفاع قانوني وطعنت رسميًا أمامها؟ وهل انطوى هذا السلوك على اعتراف ضمني بشرعية المحكمة رغم خطابها العلني الرافض لها؟

في المقابل، على ماذا استندت إسرائيل في دفوعها؟ وهل أقنعت حججها- بشأن غياب صفة الدولة عن فلسطين، أو الحصانة الوظيفية للمسؤولين- أي جهة قانونية محايدة؟ ثم كيف ردّت المحكمة؟ وما هي النصوص القانونية التي استندت إليها في تثبيت اختصاصها وتأكيد سريان مذكرات التوقيف؟ وهل نجحت المحكمة في فرض منطق القانون على منطق القوة السياسية والدبلوماسية؟

إعلان

وأمام هذا الموقف، كيف كان على الدّول الأطراف في نظام روما أن تتصرّف؟ وهل التزمت بواجبها القانوني الواضح، أم اختارت المراوغة والصمت؟ وهل شكّل هذا القرار بالفعل نقطة تحوّل نوعية في مسار المحكمة تجاه المساءلة في فلسطين؟ أم إنه بقي في دائرة الرمزية القانونية، في ظل غياب إرادة دولية جدية لتنفيذه؟

ورغم ما دوّناه سابقًا من ملاحظات تقنية ومبدئية على أداء المحكمة، لا سيما في بعض الملفات ذات الطابع السياسي، فإننا هنا نقف بوضوح إلى جانب هذا القرار، دفاعًا عن استقلال القضاء الدولي، واحترامًا لحق الضحايا في العدالة، وإيمانًا بأن العدالة لا تُستجدى، بل تُنتزع، وأن مَن يحاول منعها هو الذي ينبغي أن يُدان، لا من يسعى إليها.

مبررات إسرائيل لرفض اختصاص المحكمة وطلب تعليق مذكّرات التوقيف

قدّمت إسرائيل دفوعًا متعدّدة أمام المحكمة الجنائية الدولية للطعن في اختصاصها وطلب تعليق تنفيذ مذكرتَي التوقيف الصادرتَين بحق كلٍّ من بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت.

تمثلت هذه الدفوع أولًا في الادعاء بأن فلسطين ليست دولة ذات سيادة بالمعنى المقصود في المادة 2 (1) (أ) من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969، ما يجعل من انضمامها إلى نظام روما الأساسي باطلًا، أو على الأقل موضعَ نزاع قانوني.

كما دفعت إسرائيل بأن المادة 12 من النظام الأساسي تشترط وجود ولاية إقليمية تمارسها دولة طرف، وهو ما لا ينطبق على الأراضي الفلسطينية، التي تعتبرها إسرائيل "أراضي متنازعًا عليها".

إلى جانب ذلك، تمسّكت إسرائيل بما يُعرف بـالحصانة الوظيفية للمسؤولين الرسميين، المستندة إلى قواعد العرف الدولي، والتي تمنع توقيف وملاحقة رؤساء الحكومات ووزراء الدفاع أثناء تولّيهم مناصبهم، في غياب تفويض من مجلس الأمن بموجب الفصل السابع.

كما رأت أنَّ إصدار المذكّرات في هذا التوقيت، في ظلّ نزاع مسلّح نشط، يُهدد الاستقرار الإقليميّ، ويُقوّض الجهود الدبلوماسيّة المبذولة للتهدئة.

إعلان ردّ المحكمة على دفوع إسرائيل: التّكييف القانوني والتحليل الحقوقي والإجرائي

جاء ردّ المحكمة الجنائية الدولية على دفوع إسرائيل متماسكًا من الناحية القانونية، وراسخًا في بنيته الحقوقية والإجرائية. فقد رفضت المحكمة هذه الدفوع بشكل منهجي، مستندة إلى أحكام واضحة في نظام روما الأساسي، وعلى رأسها المادة 12 (2) (أ)، التي تتيح للمحكمة ممارسة اختصاصها على الجرائم المرتكبة في إقليم أيّ دولة طرف.

وبما أن فلسطين انضمت رسميًا إلى النظام الأساسي في 1 أبريل/ نيسان 2015، وتم قبول صك انضمامها من قبل الأمين العام للأمم المتحدة، فإنها تُعدّ دولةً طرفًا لأغراض هذا النظام، بصرف النظر عن مدى تحقق سيادتها وفقًا لمعايير القانون الدولي العام.

وقد دعّمت المحكمة هذا الموقف بإشارة إجرائية دقيقة، إلى المادة 125 التي تنظّم آلية الانضمام، مؤكدة أن انضمام فلسطين تمّ بصورة قانونية سليمة وكاملة.

أمّا فيما يتعلق بمسألة الحصانات السيادية، فقد استندت المحكمة إلى المادة 27 من النظام الأساسي، التي تنصّ بوضوح على أن "المركز الرسمي لأي شخص، سواء بصفته رئيسًا لدولة أو حكومة، أو عضوًا في حكومة أو برلمان، لا يعفيه من المسؤولية الجنائية"، ولا يشكّل سببًا لتخفيف العقوبة.

وهذه المادة تُعدّ قاعدة آمرة ضمن النظام القانوني للمحكمة، وتعلو على الأعراف التقليدية المتعلّقة بالحصانات، خصوصًا عند النظر في جرائم خطيرة كجرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية.

على المستوى الحقوقي، شكّل القرار إعادة اعتبار جوهرية لمفهوم العدالة الدوليّة، عبر تأكيد المحكمة أنّ الصفة الرسمية لا تحجب المسؤولية الفردية، وأن مبدأ المساءلة يجب أن يُطبّق على الجميع دون استثناء، بمن في ذلك قادة الدول.

وهذا يعيد التوازن لحقوق الضحايا، لا سيّما المدنيين في غزة، الذين لا يجوز حرمانهم من حقهم في الوصول إلى العدالة بحجة المناصب الرسمية للمتّهمين.

أما إجرائيًا، فقد عكست المحكمة استقلالًا قضائيًا حقيقيًا في وجه ضغوط سياسية وأمنية حاولت تقويض صلاحياتها. وأكدت أنّ إجراءاتها القضائية لا تخضع لمعادلات التفاوض أو التهدئة السياسية، بل تستند حصرًا إلى معايير قانونية.

إعلان

ووفقًا للمادة 58، فإن إصدار مذكرات التوقيف تمّ استنادًا إلى اقتناع الدائرة التمهيدية بوجود أسباب معقولة للاعتقاد بارتكاب الجرائم، ما يعني أن المحكمة لم تتجاوز صلاحياتها، بل مارستها بموجب التفويض المنصوص عليه.

وفي المحصّلة، يكرّس ردّ المحكمة مبدأ عدم الإفلات من العقاب، ويثبت أن العدالة الجنائيّة الدولية، رغم هشاشتها أمام السياسة، ما تزال قادرة على الصمود متى توفّرت الإرادة القضائية والانضباط الإجرائي.

ازدواجية إسرائيل في التعامل مع المحكمة: طعنٌ في الاختصاص، وتفاعل فعلي مع آلياتها – كيف نفهم ذلك؟

رغم أن إسرائيل ليست دولةً طرفًا في نظام روما الأساسي، ورغم مواقفها السياسية المتكررة التي تشكك في شرعية المحكمة واختصاصها، فإنها انخرطت بشكل فعّال ومباشر في المسار القضائي عند صدور مذكرتَي التوقيف بحقّ كبار مسؤوليها.

فقد سارعت إلى تشكيل فريق قانوني دولي رفيع، وقدّمت دفوعًا تفصيلية أمام دائرة الاستئناف، وطعنت في الاختصاص، وطلبت تعليق الإجراءات. وهذا السلوك، رغم ظاهره المناقض، يحمل دلالات إيجابية جوهرية يمكن قراءتها كالتالي:

أولًا: اعتراف عملي بشرعية المحكمة

حتى وإن لم تعترف إسرائيل بالمحكمة من الناحية النظرية، فإن انخراطها في المسار القضائي يشكّل اعترافًا فعليًا بسلطة المحكمة ومكانتها.

إذ لو كانت المحكمة "فاقدة للشرعية"- كما تدّعي إسرائيل- لما أجهدت نفسها بتقديم دفوع رسمية أمامها. هذا يكشف عن قوة الموقف القانوني للمحكمة، وعمق تأثيرها حتى على الجهات التي تعارضها سياسيًا.

ثانيًا: تعزيز شرعية المحكمة على المستوى الدولي

السلوك الإسرائيلي، رغم طابعه الدفاعي، يصبّ في خانة تعزيز موقع المحكمة في النظام القانوني الدولي. فحين تكون دولة كإسرائيل – مدعومة من قوى عظمى – مضطرة لأن تخوض جدالًا قانونيًا أمام المحكمة، فهذا يبعث برسالة للعالم مفادها أن المحكمة لا يمكن تجاوزها، حتى من قبل المعترضين عليها.

ثالثًا: انتصار مبدأ المساءلة، حتى من خارج نظام روما

يُظهر هذا التفاعل أن مبدأ المساءلة الدولية بات عابرًا للعضوية الرسمية، وأن مجرد وجود آلية قضائية مستقلة قد يجبر حتى غير الأعضاء على التعامل معها، وهو ما يُعطي الأمل بتوسيع أثر المحكمة ليطال أنظمة أخرى معادية للعدالة.

إعلان

احترام الالتزامات القانونية وتنفيذ قرارات المحكمة: مسؤولية الدول الأطراف

بعد أن أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرتَي توقيف بحق بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت، وأكدت دائرة الاستئناف قانونية هذه الخطوة ورفضت تعليقها، لم يعد من المقبول أن تقف الدول الأطراف في نظام روما الأساسي موقف المتفرّج أو المتردّد. فبموجب المادتَين: 86 و89 من النظام، تلتزم الدول الأطراف بالتّعاون الكامل مع المحكمة، لا سيما في تنفيذ أوامر التوقيف الصادرة عنها.

إنّ أي تهاون في تنفيذ هاتين المذكرتَين لا يمثّل فقط إخلالًا قانونيًا فادحًا، بل يُسهم في تقويض مصداقية النظام القضائي الدولي، ويمنح الحصانة السياسية مجالًا لتتفوق على العدالة.

فالدول الأطراف، لا سيما في أوروبا وأميركا اللاتينية وأفريقيا، مطالَبة الآن أكثر من أي وقت مضى باتخاذ موقف قانوني واضح يحترم قرارات المحكمة، ويترجم مبادئ المساءلة إلى إجراءات تنفيذية ملموسة.

فمن غير المنطقي – واللاأخلاقي – أن تُنفق الدول على دعم المحكمة، وتُشيد بدورها في النزاعات الأخرى، ثم تتلكأ في تنفيذ مذكرات توقيف عندما تطال مسؤولين من دول مدعومة سياسيًا. العدالة ليست انتقائية، ولا مشروطة بموازين القوة.

إن تنفيذ قرارات المحكمة الجنائية الدولية ليس شأنًا إجرائيًا فقط، بل هو مؤشر على التزام الدول بمنظومة القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان.

اليوم -مع صدور قرار المحكمة- برفض تعليق مذكرات التوقيف، بات نتنياهو رسميًا في موقع الملاحق دوليًا بجرائم خطيرة تشمل استخدام التجويع كسلاح حرب وارتكاب جرائم ضد الإنسانية. وبموجب النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، يصبح أي سفر له إلى الدول الأطراف محفوفًا بمخاطر الاعتقال. ورغم أن التنفيذ الفعلي للمذكرة لا يزال مرتبطًا بإرادة الدول الأطراف، فإن المكانة السياسية لنتنياهو قد تلقت ضربة قاسية، وأصبح شبح الملاحقة القضائية يلاحقه، مما يضع قيودًا جدية على حركته الخارجية ويُضعف قدرته على المناورة الدبلوماسية. وهكذا، يبدو أن عقاب نتنياهو، الذي طالما تهرب منه عبر الدعم الدولي، قد بدأ يلوح كاحتمال جادٍّ في الأفق القانوني.

إعلان

الدول الأطراف مدعوّة اليوم إلى أن تثبت أن عضويتها في المحكمة ليست رمزية، بل تستند إلى قناعة حقيقية بأن العدالة لا يمكن أن تُجزأ، وأن الجرائم ضد المدنيين، أيًا كان مرتكبوها، يجب أن تُقابل بالمحاسبة، لا بالصمت أو الحماية.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات المحکمة الجنائیة الدولیة نظام روما الأساسی النظام الأساسی الدول الأطراف فی نظام روما من النظام ة الدولیة ت المحکمة قانونی ا مذکرت ی

إقرأ أيضاً:

ما وراء خطة نتنياهو بشأن احتلال غزة التي لا ترضي أحدًا؟

أكد تحليل لشبكة "سي إن إن " أنه  بعد مرور ما يقارب العامين على اندلاع حرب الإبادة الإسرائيلية ضد قطاع غزة، صوّت المجلس الوزاري الأمني المصغر على خطة توسع عسكري جديدة تستهدف السيطرة على مدينة غزة. 

وأضاف التحليل أن "المبادرة، التي جاءت بدفع مباشر من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، تكشف على نحو واضح عن أبعاد سياسية داخلية أكثر مما تعكس استراتيجية عسكرية محكمة الإعداد".

وقال إنه "رغم التحذيرات الشديدة من القيادة العسكرية الإسرائيلية والمخاوف المعلنة من تفاقم الأزمة الإنسانية وتعريض حياة نحو خمسين رهينة إسرائيلياً ما زالوا في غزة للخطر، أصر نتنياهو على المضي بالخطة قدماً. يأتي هذا التوجه في وقت يشهد فيه الدعم الدولي لإسرائيل تراجعاً ملحوظاً، إلى جانب انخفاض التأييد الشعبي الداخلي لاستمرار الحرب"، على حد وصفه.


ونقل عن مراقبين قولهم إن "لهذه الخطوة فائدة خفية لنتنياهو، إذ تمنحه مساحة زمنية إضافية لتعزيز فرص بقائه السياسي، خاصة مع اعتماده على دعم شركائه في الائتلاف اليميني المتطرف، وهو ما يعني عملياً إطالة أمد الحرب. فقد لعب وزراء مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش دوراً أساسياً في تعطيل أي تقدم بمفاوضات وقف إطلاق النار، مهددين بإسقاط الحكومة إذا توقفت العمليات العسكرية".

ومع ذلك، لم تصل خطة نتنياهو للسيطرة على مدينة غزة إلى مستوى طموحات شركائه، إذ يطالب بن غفير وسموتريتش باحتلال كامل للقطاع كخطوة أولى لإعادة بناء المستوطنات الإسرائيلية فيه، وصولاً إلى ضمه نهائياً. حتى أن الخطة لم تواكب ما روج له نتنياهو نفسه قبل الاجتماع، حيث صرح في مقابلة مع قناة "فوكس نيوز" بأن إسرائيل تعتزم السيطرة على كامل قطاع غزة، ما أعطى انطباعاً بحسمه قرار الاحتلال الكامل.

وأوضح التقرير أن "نتنياهو تبنى نهجاً تدريجياً، يبدأ بمدينة غزة فقط، متجنباً السيطرة على مخيمات أخرى قريبة يُعتقد أن بعض الرهائن الإسرائيليين محتجزون فيها. وحدد موعداً فضفاضاً لبدء العملية بعد شهرين، تاركاً الباب مفتوحاً أمام جهود دبلوماسية محتملة لإحياء صفقة تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار، وربما إلغاء العملية".

وذكر أن "هذا الموقف أثار غضب شركائه اليمينيين الذين اعتبروا الخطة غير كافية. وقال مصدر مقرب من سموتريت:ش إن الاقتراح الذي قاده نتنياهو ووافق عليه مجلس الوزراء يبدو جيداً على الورق، لكنه في الواقع مجرد تكرار لما جرى من قبل، قرار بلا معنى، ولا أخلاقي، ولا يخدم المشروع الصهيوني".

وقال إن "التحفظات لم تأتِ من الجناح السياسي فقط، بل من المؤسسة العسكرية أيضاً. ففي اجتماع ماراثوني استمر عشر ساعات، عرض رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، إيال زامير، معارضة الجيش الحاسمة لإعادة احتلال غزة، محذراً من أن أي عملية جديدة ستعرض حياة الرهائن والجنود للخطر، وستحوّل غزة إلى "فخ" يفاقم استنزاف الجيش المنهك بفعل القتال المستمر، كما سيزيد من عمق المأساة الإنسانية للفلسطينيين".

وبيّن أن "هذه المخاوف العسكرية تتسق مع توجهات الرأي العام، إذ تظهر استطلاعات متكررة أن غالبية الإسرائيليين تؤيد إبرام اتفاق لوقف إطلاق النار يعيد الرهائن وينهي الحرب. لكن قرارات نتنياهو تبدو منفصلة عن توصيات الجيش وإرادة الجمهور، بل مدفوعة، وفق محللين ومعارضين سياسيين، باعتبارات البقاء السياسي الضيقة".


وأضاف "دولياً، تضع خطة السيطرة على غزة إسرائيل في عزلة متزايدة. فحتى مع الدعم الواسع الذي حصلت عليه من إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب خلال الحرب، فإن تفاقم أزمة الجوع والمجاعة في القطاع أضعف شرعية العمليات الإسرائيلية. وقد كانت التداعيات سريعة، إذ أعلنت ألمانيا، الحليف الاستراتيجي الأهم بعد الولايات المتحدة، تعليق بعض صادراتها العسكرية إلى إسرائيل، فاتحة الباب أمام دول أوروبية أخرى لخفض مستوى العلاقات".

وأشار إلى أنه "في نهاية المطاف، يمضي نتنياهو بخطة لا تحظى برضا أحد: لا شركاء إسرائيل الدوليون، ولا قيادتها العسكرية، ولا الجمهور الذي يطالب بإنهاء الحرب، ولا حتى حلفاؤه المتشددون الذين يرون أنها غير كافية".

وأوضح أن "الجمهور الوحيد الذي تخدمه هذه الخطة – كما يصفه منتقدوه – هو نتنياهو نفسه، إذ تمنحه مزيداً من الوقت لتجنب الخيار الحاسم بين وقف إطلاق نار قد ينقذ الرهائن، أو تصعيد عسكري واسع يُرضي ائتلافه. وبذلك، فإن الخطوة تمثل أكثر من مجرد مناورة عسكرية؛ إنها استمرار لأسلوب نتنياهو الكلاسيكي في إطالة أمد الحرب، على حساب سكان غزة والرهائن الإسرائيليين، من أجل هدف واحد: بقاؤه السياسي".

مقالات مشابهة

  • سنيدل أمام الجنائية الدولية.. هل تصل ليبيا للعدالة الدولية؟
  • خبراء: الضغوط الغربية على “الجنائية الدولية” تهديد خطير للعدالة
  • خبراء: الضغوط الغربية على الجنائية الدولية تهديد خطير لمستقبل العدالة الدولية
  • الاتحاد الدولي للصحفيين: الاحتلال يستهدف الصحفيين في غزة لطمس الحقيقة وإخفاء جرائمه
  • ما وراء خطة نتنياهو بشأن احتلال غزة التي لا ترضي أحدًا؟
  • انقلاب داخلي بالمحكمة الجنائية.. خطة سرية لحماية قادة إسرائيل من المُحاكمة
  • هل أصدرت المحكمة الدستورية قرارين متناقضين تسببا في إرباك وزارة العدل؟
  • الخارجية الفلسطينية: الاعترافات الدولية بفلسطين تعزز حل الدولتين
  • الأولمبية الدولية تصادق على النظام الداخلي لمركز التسوية والتحكيم العراقي
  • تحليل لـCNN.. ما وراء خطة نتنياهو بشأن غزة التي لا ترضي أحدًا