عربي21:
2025-10-13@23:12:13 GMT

لذا لزم التنويه: الزمن في السجن (4)

تاريخ النشر: 28th, April 2025 GMT

"أضعُ علامة جديدة على الحائط، لأنهي شهرا بانتظارٍ آخر
في الحائطِ متسعٌ لمنتهى العمر.. عاما بعد عام
الحوائط -أصلا- لا تعبأ بالحياة، تماما كما لا يعبأ السجان
أما النفسُ فقد ضاقت بالعلاماتِ.. بالحوائط.. وبالانتظار"

ليس أحمق من بدء رحلتك السجنيّة بحساب الوقت، تلك العلامات على الحائط ستبقى ندوبا في روحك، حتى بعد خروجك، وإلى أن تموت، لن تنصلح علاقتك بالوقتِ وقد ظللت تحسبه يوما فساعة فدقيقة، بانتظارِ أن تخطّ خطا جديدا على حائط زنزانتك، لن تسامحه و-ربّما لن تسامح نفسك.



وليس أحمق كذلك من التخلّي عن الانتباه للوقتِ والوعي به، حفرةٌ هائلةٌ تترقّب ابتلاعك حينها، في لحظتك المناقضة لكلّ ما هو حيّ/حيوي أو إنساني، عليكَ أن تنتبه دون أن تسقط، عليكَ أن تعي -ربّما- حتى تستطيع التحايل. فالزمن السجنيّ ليس مجرّد معيار، إنّما معركة قائمة/مستمرّة بين حفرة اللحظة، وبين الماضي ذاكرة والقادمُ أحلاما، وكلّ احتيالٍ تقوم به سيكون جسرا يعبر بك إلى العالم والحياة والحريّة ولو لـ لحظات.

الوقت في السجن ليس محايدا، بل هو سلطة، أداةُ قمع، ومعركةٌ دائمة. ويكفي -بحسب فوكو- أن يُنتزع منك الحق في إدارة وقتك حتى تُنتزع إنسانيّتك بالتدريج، لا يحتاج الأمر إلى أسوار وأبواب ليحدث، فما بالك وكلاهما واقعٌ في حياتك السجنيّة؟ بين عشرات الجدران الأسمنتيّة الخرساء، وعشرات الأبواب الحديديّة الصدئة، تحدّد السلطةُ -حسب قوانينها أو حسب مزاج المختلّ صاحب القرار- متى تستيقظ ومتى تأكل ومتى تنام ومتى تتحرّك و-ربّما- متى تموت.

هي لا تسجن جسدكَ وحده حين تفعل، إنّما زمنك كذلك، وسجن الزمن ليس فقط أشدّ قسوة، إنّما أكثر قدرة على الإرباك، وإحداث الزلزلة فيما رسخ بنفسك وذهنك.

في السجن ليس ثمّة زمنٌ واحد، هناك زمنٌ آخر تحت الجلد وفي الدماغ أو الروح، زمنٌ داخليٌّ أشدّ بطئا وثِقلا من ذلك الآخر الدائر في تعاقب الليل والنّهار. إنّه ذلك الزمن الحيويّ الذي لا يدور مع عقارب الساعة أو يُنزع مع أوراق التقويم، بل تقيسه دقّات قلبٍ وتخلّجات جلد وتقلّباتُ نفس، دقيقةُ الانتظار تمتدُ فيه عمرا، ولمسةٌ في الزيارة تطولُ لتملأ أسابيع ما بين زيارتين.

والزيارةُ ليست ذلك اللقاء الذي يجرب تحت أعين الضباط والمخبرين وأجهزة التسجيل فحسب، بل هو نصٌّ مليءٌ بالعلامات وكل نصّ يفتح أبوابا للمعنى تمتد بعيدا عن الحوائط والقضبان: كلّ كلمة عابرة، نَفَس روتينيّ، رعشة شفاة، أو تشتّت فكرٍ ونظر.. يُعاد رسم الزمن حولها -كما الأفكار والهواجس- فتطول وتقصر حسب ما تحمله من أملٍ أو خيبة.وسطر في الرسالة قادرٌ على "شقلبة" عالمك لأيّام: تؤوِّلُ الكلمات، تستنبط النبرة والصوت، تفتّش عمّا لم يُقل وتفسّر ما لم يُبيّن، تقرأ الفراغات بين السطور قبل أن تقرأ الكلام المكتوب ذاته.

والزمنُ في السجن أزمانٌ، أو على الأقلّ هو زمنٌ مركّب: زمنٌ مسلوبٌ وآخر داخليّ مقاوم أو منكسر، وثالثٌ كنصٍّ يُعاد تأويله بعد قراءته مع كلّ رسالةٍ أو زيارةٍ أو خبر.

هكذا تصبح الرسالةُ براحا متحايلا، وشعاع حريّةٍ أو جسر عبورٍ مؤقّت إلى رحابة العالم من ضيق الزنزانة، وإلى الوقت الحيّ من مواقيت السجّان القسريّة.

والزيارةُ كذلك لا تعودُ مجرّد لقاءٍ جسديّ مؤّقت، بل طقسُ مقاومة، و"وعاء ادّخار" للمشاعر كما للجسد وللذاكرة كما للروح، يتجسّد فيها زمنك الداخليّ: عناق لحظةٍ يروي عطش أسابيع الحرمان، ونظرة واحدة تختزنُ عونا على ألف يومٍ من الغياب؛ الزيارةُ تعيد تشكيل الزمن، وتكسر إيقاع السجن المفروض.

حتى التريّض "ساعةُ الشمس في السجن" التي رأى درويش استحقاقها لأن تُذكر ضمن ما تستحقّ الحياة لأجله على هذه الأرض، يتحول إلى فسحة دلالية: خطى قليلة بين جدارين قريبين، تصبح إبحارا كاملا إلى ذكريات العمر جميلها وثقيلها، أو إلى مستقبلٍ تخلقه متجاوزا لإمكانات الواقع والجسد في خيالك الذي لا يُسجن.

في مواجهة زمننا السجنيّ، نبتكرُ جسورا أو ثغرات "ربّما ننفق العمر كي نثقب ثغرة ليمرّ النور للأجيال مرّة"، لكنّنا نفعل هذه المرّة ليمرّ النور والحريّة والحياة -ولو مؤقّتا وجزئيّا- لنا نحن.. جسور من أحلام مؤجّلة، من رسائل سوّد الكثير من سطورها حبرُ الرقيب، من زيارات تخرقُ الزمن ولو خرقتها أعين الضبّاط والمخبرين، من تريّضٍ يُستعاد فيه الجسد ولو لدقائق، ولو في الخيال المتفلّت من الرقابة والقمع.

ولأن فوكو علّمنا أن الزمن المراقب يخلق أجسادا طيّعة، فإن جسورنا ليست مجرد عزاء، بل مقاومة.. ولأن برغسون أهدانا فكرة الزمن الحي، فإن كل لحظة أملٍ -مهما خفت نورها- تمتد كالعروق تحت تراب الأسى.. ولأن بارت نبهنا إلى أن كل نصّ مفتوح على تأويلات لا نهائية، فإن كل رسالة وزيارة تصبح وثيقة حرية مكتوبة بالحبر الخفي للصبر.

هكذا يصبح السجن ليس موتا للزمن بالضرورة، كما يريد منه أن يكون، بل مولدا لأزمنةٍ جديدة: زمن الذاكرة، زمن الحلم، زمن التأويل، زمن الحب.. والوقت الذي كان سلاحا بيد السجّان، نصنع منه نحن جسورا صغيرة، ضيقة، لكنها تقود إلى عالم كامل من الحياة والحريّة.

سيأتي يومٌ -ولو بعُد-

تعالجُ ضمتُنا فيه كلَّ ما اعتَرَانا،
تسيلُ دمعاتُنا المؤجلات، وداعا لمن فُقد،
ننتشي بالشعر، بالأمنيات، بالحياة.

أنشغلُ عنها بصحبةِ موسيقاي وكتبي،
وتنشغلُ عني بتخيّل طفلٍ تأخرَ مجيئه.

ننحشرُ في مطبخٍ صغير، نعدُّ وجبة نحبها،
ولا يفيقنا من (قبلةٍ اعتراضية) إلا رائحة الشوّاط.

ننتفضُ في حضرةِ فلسطين، بتوقٍ وحنين.
نتأسّى على ثورتنا المغدورة،
نرفضُ الكراهيةَ والقبح،
نُكملُ الحلم، ونُكملُ الحياة.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء السجن قمع مصر اعتقال سجن قمع معتقل قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی السجن

إقرأ أيضاً:

تركيا.. العثور على مطلوب فر من السجن قبل 11 عاما في مخبأ سري

ألقت السلطات التركية القبض على رجل فارّ من العدالة منذ أكثر من 11 عاما في عملية أمنية بمدينة فان شرقي البلاد، بعدما عُثر عليه مختبئا داخل مخبأ سري مُعدّ بعناية داخل منزله، مزوّد بوسائل معيشة سمحت له بالاختباء طوال هذه المدة من دون أن يثير الشبهات.

وذكرت مصادر أمنية أن العملية نُفّذت بعد تتبع طويل الأمد لتحركات المتهم، الصادر بحقه حكم بالسجن المؤبد بتهمة القتل العمد بحق شخص يُدعى تكين أورهان.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2سيدة فرنسية تلقى حتفها اختناقا بعد انغلاق نافذة سيارتها الكهربائيةlist 2 of 2جريمة صادمة في لندن.. مراهقات يضربن رجلا حتى الموت ويوثّقن الجريمة بالهاتفend of list

وحسب وسائل إعلام تركية، فقد فرّ المتهم من السجن عام 2013، وظلّ منذ ذلك الحين متواريا عن الأنظار، متنقلا بين مناطق جبلية ومدن مختلفة في أنحاء البلاد، مستخدما هويات مزوّرة لتجنّب الملاحقة.

Van'da müebbet hapis cezasıyla 11 yıldır aranan hükümlü, evin altındaki gizli bölmede yakalandı. pic.twitter.com/5vf9CRZWYu

— TRT HABER (@trthaber) October 11, 2025

وخلال المداهمة، استخدمت الفرق الأمنية أجهزة تصوير حرارية وكاميرات قادرة على كشف الفراغات تحت الأرض، مما قادها إلى اكتشاف حجرة سرّية أُنشئت خصيصا خلف جدار غرفة المعيشة وتحت إحدى الأرائك.

وعند فتح المخبأ، عثرت القوات على الرجل مختبئا في مساحة ضيّقة مجهّزة بإضاءة ووسائل تهوية وأغراض معيشة بسيطة، مما سمح له بالبقاء داخلها لفترات طويلة دون أن يلاحظه أحد من الجيران أو الزائرين، إذ أُلقي القبض عليه، ونُقل مباشرة إلى مركز الشرطة لاستكمال الإجراءات القانونية بحقه، قبل تسليمه إلى السجن لقضاء العقوبة المؤبدة التي كان قد صدرت بحقه قبل أكثر من عقد.

ووفق بيان رسمي، فإن التحقيقات أظهرت أن المتهم أمضى فترات من هروبه في المناطق الجبلية الوعرة، متنقلا بين بيوت آمنة وأقارب بعيدين، قبل أن يستقر مؤخرا في منزل بمدينة فان، حيث أعدّ المخبأ بمساعدة أحد معارفه.

وختمت السلطات بيانها بالتشديد على أن العملية تُعدّ من أنجح المداهمات الأمنية خلال السنوات الأخيرة، نظرا لتعقيدها وطول فترة الاختفاء، مشيرة إلى أن الرجل أعيد إلى السجن بعد استكمال الفحوصات والإجراءات النظامية.

إعلان

مقالات مشابهة

  • صورة نادية الجندي وفاروق الفيشاوي تشعل السوشيال ميديا وتعيد ذكريات الزمن الجميل
  • السجن المؤبد بحق مدان ضبط بحوزته 4 الاف حبة مخدرة في الأنبار
  • الزمالك يسابق الزمن لتسوية مستحقات الأجانب قبل مهلة 15 أكتوبر
  • ترامب: منحنا حماس الموافقة لإبقاء الأمن في غزة لفترة من الزمن
  • ياسمين عز تسأل الزوجات سؤالا محرجا على الهواء عن أزواجهن.. ماذا قالت؟
  • ياسمين عز للسيدات: لو رجع بيكي الزمن هتتجوزي جوزك تاني؟
  • تركيا.. العثور على مطلوب فر من السجن قبل 11 عاما في مخبأ سري
  • تقارير إسرائيلية: حماس تسابق الزمن لإتمام صفقة الأسرى قبل زيارة ترامب
  • مانشيستر يونايتد يسابق الزمن لضم نجم كريستال بالاس
  • رئيس وزراء فرنسا يتحدى الزمن لتشكيل حكومة