أثار قرار جيش الاحتلال الإسرائيلي حجب وجوه وأسماء 120 جندياً خلال مشاركتهم في الحفل السنوي لتكريم الجنود والذي أُقيم في مقر الرئاسة الإسرائيلية بمدينة القدس المحتلة، جدلا واسعا وذلك خشية تعرضهم للملاحقة القضائية الدولية على خلفية حرب الإبادة المتواصلة ضد قطاع غزة.

وقد حضر الجنود المراسم دون السماح بعرض وجوههم أمام وسائل الإعلام، في خطوة اتخذتها الرقابة العسكرية التي عمدت أيضًا إلى تمويه وجوه الجنود خلال لقاء جمعهم برئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو وزوجته، خوفًا من رصد هوياتهم من قِبل جهات حقوقية أو قانونية دولية.



ويرى خبراء أن هذه الإجراءات تعكس قلق المؤسسة العسكرية الإسرائيلية من التبعات القانونية المحتملة، وتشير بشكل غير مباشر إلى إدراكها لحجم الانتهاكات التي قد يكون جنودها قد ارتكبوها بحق المدنيين في غزة، وهو ما قد يعرّضهم للمساءلة الدولية٬ ويقيد حركة سفرهم في الخارج.

At the annual Israeli Presidential Outstanding Soldiers Ceremony, 120 IDF soldiers were photographed facing away from cameras to avoid ICC exposure (!).

Further, if ICC investigations do materialize, the ceremony could backfire—publicly binding the state to their actions. pic.twitter.com/4vQc95hpFW — מתקנים (@metaknim) May 3, 2025
وتعمل منظمات إسرائيلية على حماية جنود الاحتلال المتورطين في جرائم إبادة جماعية في غزة من الملاحقة. ووفقا لما ذكرته وكالة بلومبيرغ فإن "منظمة الهاديجل" – وهي كيان يضم ضباط احتياط في جيش الاحتلال – تتعامل بجدية مع هذه التهديدات القانونية التي تلاحق جنود الاحتلال، حيث بادرت المنظمة، بالتعاون مع مكتب "هرتزوغ فوكس ونيمان" للمحاماة في الاحتلال الإسرائيلي، إلى إعداد حزمة مساعدات قانونية للجنود النظاميين وجنود الاحتياط. 

وتهدف هذه المبادرة إلى تقديم الدعم القانوني لأي من أفراد الجيش الذين قد يُلاحقون أمام محاكم دولية بتهم تتعلق بالانتهاكات في غزة، وسط تصاعد الدعوات الحقوقية لإجراء تحقيقات ومحاسبة المسؤولين عن جرائم الحرب المحتملة.


من هي "منظمة الهاديجل"؟
حركة إسرائيلية تأسست بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، على يد مجموعة من ضباط الاحتياط الذين خدموا في وحدات قتالية، مثل وحدة "سييرت متكال" النخبوية.  

وتنشط المنظمة في المجالات الاجتماعية والسياسية والقانونية، وتركز على تعزيز القيم الصهيونية ودعم المجتمع الإسرائيلي، خاصة في أوقات الأزمات.

ودعا دافيد شيراز، وهو أحد المؤسسين ومن أبرز الأصوات في الحركة، دعا إلى "إعادة ضبط" النظام السياسي والعسكري والقضائي في الاحتلال الإسرائيلي، معتبراً أن التغيير الحقيقي يجب أن يأتي من خارج المؤسسة السياسية التقليدية.

كما شاركت "الهاديجل" في تنظيم مسيرات تطالب بالتجنيد الإلزامي لجميع الإسرائيليين، بما في ذلك المتدينين من الحريديم، وذلك بهدف "تحقيق العدالة" في تحمل أعباء الخدمة العسكرية. 

كما أطلقت الحركة برامج دعم قانوني للجنود والضباط الذين قد يواجهون ملاحقات قانونية دولية بسبب مشاركتهم في الإبادة الجماعية خاصة في قطاع غزة.

ماذا تقدم للجنود؟
أطلقت منظمة "إل هاديجل" بالتعاون مع مكتب "هيرتسوغ فوكس ونييمان" — أحد أبرز مكاتب المحاماة في الاحتلال الإسرائيلي — حزمة دعم قانوني مخصصة للجنود النظاميين والاحتياطيين الإسرائيليين الذين يواجهون خطر الملاحقة القضائية الدولية على خلفية مشاركتهم في حرب الإبادة الجماعية على غزة منذ 2023–حتى الآن. 

وتهدف هذه الحزمة إلى توفير حماية قانونية شاملة للجنود، خاصة عند سفرهم إلى الخارج.


أولا: استشارات قانونية قبل السفر
توفر الحزمة فحصاً دقيقاً للوضع القانوني للجنود قبل مغادرتهم الأراضي المحتلة لا سيما في ما يتعلق بالدول التي تطبق مبدأ "الاختصاص القضائي العالمي"، مثل إسبانيا والمملكة المتحدة، حيث يمكن فتح تحقيقات بتهم جرائم حرب بناء على بلاغات من منظمات حقوقية دولية.

ثانيا: تمثيل قانوني خارجي عند الاعتقال
في حال اعتقال أحد الجنود أو استدعائه للتحقيق أثناء تواجده خارج الاحتلال الإسرائيلي، يتم تفعيل شبكة من المحامين المحليين لتمثيله أمام الجهات القضائية، والعمل على منعه من الترحيل أو الملاحقة القضائية.

ثالثا: تحركات قانونية مضادة
تشمل الإجراءات أيضاً ملاحقة المنظمات أو الأفراد الذين يرفعون شكاوى تُعتبر "كيدية" ضد الجنود، عبر دعاوى تشهير، أو الضغط على حكومات أجنبية لرفض تلك الشكاوى. كما بعثت المنظمة برسالة إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب تطالبه بفرض عقوبات على الجهات التي تسعى لمحاسبة الجنود الإسرائيليين.

إجراءات احترازية وتوجيهات
ونشرت المنظمة "دليلاً توعووياً" للجنود يحذرهم من السفر إلى دول تُصنّف على أنها عالية الخطورة من الناحية القانونية. كما نُصِح الجنود بحذف صورهم العسكرية من حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي قبل السفر، والاحتفاظ بأرقام هواتف القنصليات الإسرائيلية تحسباً لأي طارئ.

وأوصت مستشارة قانونية إسرائيلية الجنود بعدم الإدلاء بأي معلومات للمحققين في حال توقيفهم، مؤكدة أن الصمت يعدّ إجراءً وقائياً في مثل هذه الحالات.


توسعة في التأمين
وفي ظل تصاعد المخاوف، طرحت إحدى شركات التأمين الإسرائيلية خياراً إضافياً ضمن تأمين السفر لجنود الاحتلال، يوفر تغطية تصل إلى ألفي دولار للاستشارات القانونية الأولية، في حال خضوع الجندي لإجراء قانوني مرتبط بخدمته العسكرية.

تندرج هذه الجهود ضمن ما تعتبره تل أبيب استراتيجية دفاعية ضد ما تسميه بـ"حرب القانون" ، والتي تصفها بأنها استخدام معادٍ للقانون الدولي لاستهداف جنودها. في المقابل، ترى منظمات فلسطينية ودولية أن هذه المبادرات تسعى لحماية المتورطين في جرائم حرب وتحصينهم من المساءلة الدولية.

"هند رجب" لهم بالمرصاد
وقامت مؤسسة هند رجب الحقوقية بسلسلة من المبادرات القانونية لملاحقة المسؤولين الإسرائيليين المتورطين في جرائم حرب، مع تركيز خاص على الانتهاكات التي ارتكبت بحق الفلسطينيين منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

وشهدت الأشهر الماضية تصعيداً ملحوظاً في جهود المؤسسة، من خلال تحريك دعاوى قضائية وإجراءات قانونية استهدفت شخصيات عسكرية وسياسية إسرائيلية بارزة.

???? BREAKING:
The #HindRajabFoundation has filed a criminal complaint in #Colombia against Israeli-French sniper Gabriel Ben Haim. The suspect is accused of war crimes in Gaza—including sniper killings of civilians and attacks on medical staff.
More info ⬇️… pic.twitter.com/thTCZs9upY — The Hind Rajab Foundation (@HindRFoundation) April 23, 2025
ففي 8 من شباط/ فبراير الماضي تقدمت المؤسسة بطلب رسمي إلى المحكمة الجنائية الدولية لإصدار مذكرة اعتقال بحق العميد يهودا فاخ، قائد الفرقة 252 في جيش الاحتلال، وذلك على خلفية تورطه في عمليات قتل جماعي وجرائم ضد الإنسانية، خصوصاً تلك التي وقعت في منطقة ممر نتساريم بقطاع غزة.

وفي 11 من شباط/ فبراير الماضي، رفعت المؤسسة دعوى قضائية أمام القضاء البرازيلي ضد الجندي يوڤال ڤاجداني، بعد ظهوره في صور موثقة وهو يشارك في عمليات هدم منازل الفلسطينيين في غزة. 

وقد غادر ڤاجداني الأراضي البرازيلية فوراً، هرباً من الملاحقة القضائية المحتملة.

War crimes suspect Yuval Shatel has been located. He is staying in Fort Worth, Texas.
The U.S. Attorney General has a legal obligation to act by preventing the suspect from leaving U.S. jurisdiction and by initiating an investigation into war crimes and genocide in accordance… pic.twitter.com/1o4WbqDN9L — The Hind Rajab Foundation (@HindRFoundation) April 19, 2025
كما قدمت المؤسسة، في 16 من شباط/ فبراير الماضي، شكوى رسمية إلى المحكمة الجنائية الدولية ضد وزير خارجية الاحتلال الإسرائيلي جدعون ساعر، متهمةً إياه بالتورط المباشر في جرائم حرب إلى جانب رئيس وزراء الاحتلال ضمن سياق الحرب المستمرة على قطاع غزة.

وتأتي هذه التحركات القانونية في إطار سعي المؤسسة لتفعيل أدوات العدالة الدولية، ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني، لا سيما في ظل تعاظم المطالبات الحقوقية بإجراء تحقيقات دولية مستقلة وشفافة.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية نتنياهو جرائم الملاحقة السفر القضاء نتنياهو قضاء جرائم السفر ملاحقة المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الاحتلال الإسرائیلی جرائم حرب فی جرائم فی غزة

إقرأ أيضاً:

لماذا غابت الفيديوهات التي توثق ما يجري في الأقصى؟

مع دخول المسجد الأقصى المبارك في موسم الاقتحامات الأطول والأعتى خلال العام، والذي بدأ برأس السنة العبرية، مرورا بيوم الغفران وانتهاء بالموسم الأخطر، وهو عيد العُرش (المظال)، كان لا بد من بسط قضية التغطية الإعلامية لما يجري في المسجد على طاولة البحث والدراسة.

فالمتابع لأحوال المسجد الأقصى لا يخفى عليه التراجع الشديد مؤخرا لعدد الصور والفيديوهات التي توثق الاقتحامات، وما يقوم به أفراد جماعات المعبد المتطرفة داخل المسجد يوميا.

حتى وصل الأمر إلى أن جميع الصور والفيديوهات التي وثقت اقتحامات رأس السنة العبرية في 23 من سبتمبر/أيلول الماضي واقتحامات يوم الغفران مطلع أكتوبر/تشرين الأول الحالي، كانت من خارج المسجد، بل من خارج البلدة القديمة كلها.

وكان عدد لا بأس به من الصور التي بثتها صفحات إخبارية ووسائل إعلام عربية لتغطية الحدث قد التقطت من فوق جبل الزيتون الذي يبعد مسافة حوالي 500 متر هوائي عن أسوار المسجد الأقصى الشرقية.

وهذه الزاوية بدورها لا تغطي إلا مساحة صغيرة من المسجد الأقصى أمام الجامع القبلي، ولا يمكن منها مراقبة ما كان يجري خلال تجمع المستوطنين في المنطقة الشرقية للمسجد، أو خلال أدائهم طقوسهم الدينية في الجهة الشمالية أو الغربية من المسجد الأقصى.

أما الصور والفيديوهات التي أظهرت أفعال هذه الجماعات فكان مصدرها للأسف هو صفحات هذه الجماعات نفسها على وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك بعد نشرها صورا وفيديوهات تبين ما فعله أفرادها في المسجد من باب التفاخر بإنجازاتها خلال الاقتحامات.

ولعل أحد أهم النماذج التي بينت خطورة ما يجري هو مسألة نفخ بوق رأس السنة العبري داخل المسجد، حيث غاب هذا الحدث عن التغطيات بشكل كامل، حتى ادعت جماعة "بيدينو" المتطرفة أن المستوطنين نفخوا البوق داخل المسجد خمس مرات في ذلك اليوم، بينما أظهرت شهادات المقدسيين الذين تمكنوا من الوصول إلى الأقصى في تلك الفترة سماعَ صوت البوق مرة أو مرتين خلال اليوم دون تصوير.

إعلان

ولم يكن بالإمكان تأكيد ذلك أو نفيه، إلى أن نشرت نفس الجماعة المتطرفة فيديو لأحد المستوطنين ينفخ البوق داخل المسجد قبل أن يتم إخراجه من المسجد على يد شرطة الاحتلال.

فيما يحتفي الحاخام المتطرف يهودا غليك عراب اقتحامات المسجد الأقصى المبارك بهذه العملية، ويسوقها كـ"انتصار رمزي" في معركة السيطرة الدينية على المكان.

خلال العام الأخير، شددت قوات الاحتلال قبضتها على المسجد الأقصى المبارك بشكل غير مسبوق، حيث وصل الأمر إلى تدخلها في كل صغيرة وكبيرة داخل المسجد، وحتى التدخل في عمل دائرة الأوقاف الإسلامية كمنع ذكر غزة في خطب الجمعة، أو حتى الإشارة إليها وإن من بعيد، تحت طائلة الإبعاد عن المسجد دون النظر إلى طبيعة شخصية الخطيب ومركزه الديني والاجتماعي والرسمي، كما فعلت مع الشيخ محمد سرندح خطيب المسجد الأقصى، والشيخ عكرمة صبري خطيب الأقصى ورئيس الهيئة الإسلامية العليا، والشيخ محمد حسين مفتي القدس والديار الفلسطينية، وغيرهم.

وقد ترافق ذلك مع تضييق ممنهج على الصحفيين المقدسيين والمصورين الذين يشكلون عين الناس على ما يجري داخل المسجد، إذ أصبح كثير منهم عرضة للاستدعاء، أو الإبعاد، أو مصادرة الهواتف والكاميرات عند محاولتهم توثيق أي حدث، بل وبلغ الأمر بشرطة الاحتلال، تفتيش هواتف المصلين المسلمين أثناء وجودهم داخل المسجد الأقصى؛ للتأكد من أنهم لم يلتقطوا صورا أو فيديوهات للمستوطنين خلال الاقتحامات، الأمر الذي جعل من عملية نقل الصورة من داخل المسجد شبه مستحيلة في كثير من الأوقات.

وتشير شهادات عدد من الصحفيين والناشطين المحليين، إلى أن قوات الاحتلال لم تكتفِ بإغلاق الأبواب في وجوههم، بل قامت في أحيان كثيرة بإخراجهم من باحات المسجد قبل بدء الاقتحامات بدقائق، أو منعهم من دخول المسجد أصلا تحت ادعاءات مختلفة؛ ليبقى الميدان خاليا إلا من المستوطنين والشرطة.

وهذا الإخلاء المسبق للمكان من الإعلاميين والمرابطين يأتي ضمن خطة واضحة لتغييب الصورة الحقيقية لما يحدث، بحيث لا تصل الصورة إلا بعد انتهاء الحدث عبر الرواية الإسرائيلية الجاهزة التي تُقدَم بصفاقة على أنها "صلاة محدودة" أو "زيارة جماعية منظمة" لباحات عامة مفتوحة حسب التعريف الإسرائيلي للمسجد الأقصى.

ومع غياب العدسة الميدانية، تضعف قدرة الرأي العام العربي والإسلامي على متابعة ما يجري في المسجد، لتتحول القدس إلى مجرد عنوان عابر في نشرات الأخبار، بينما تتواصل في داخلها عمليات فرض التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى بهدوء وصمت تام.

فالمشهد الذي كان قبل سنوات يملأ الشاشات بأصوات التكبير والاحتجاج، أصبح اليوم صامتا إلا من بيانات مقتضبة تصدر عن دائرة الأوقاف الإسلامية، أو وزارة الخارجية الأردنية، أو عن بعض المؤسسات المختصة والمهتمة.

إن ما يجري ليس مجرد صدفة ظرفية، بل هو نتاج سياسة طويلة المدى تهدف إلى سلخ المسجد الأقصى عن حضوره الإعلامي، وهو جزء من هندسة الوعي العام بإلغاء المسجد منه.

فالمعركة على المسجد ليست معركة حجارة ومبانٍ فقط، بل معركة رواية وصورة وذاكرة، إذ إن المشهد المرئي هو واحد من أبرز أدوات تحفيز الوعي القادرة على خلق التعاطف لدى الناس، ومن يمتلكُ القدرة على نقل الصورة، يملك القدرة على تشكيل الرواية، ومن يحتكرُ الرواية، يستطيع أن يبرر الفعل ويطمس الحقيقة.

إعلان

ولأن الاحتلال أدرك مبكرا أن صورة الجندي وهو يقتحم المسجد أو صورة المستوطن وهو يرفع علمه في باحات الأقصى كفيلة بإشعال غضب عالمي واسع، فقد قرر أن يمنع الكاميرات من الدخول، وأن يفتح المجال بالمقابل لعدسات إسرائيلية مختارة تلتقط المشهد بالطريقة التي يريدها هو، ثم تُوزع لاحقا في وسائل التواصل الاجتماعي لجماعات المعبد المتطرفة مصحوبة برؤيتها وتبريراتها للحدث.

ما يزيد خطورة المشهد أن منصات التواصل الاجتماعي التي شكلت على الدوام أداة مهمة لنشر ما يجري في الأقصى، ومقاومة التعتيم الإسرائيلي، أصبحت هي الأخرى ساحة للرقابة الصامتة.

فبمجرد أن تنتشر مقاطع توثق أي اقتحامات، أو اعتداءات على المسجد الأقصى أو المصلين فيه، تُحجب أو تُخفض درجة ظهورها؛ بحجة "مخالفة معايير المجتمع"، وهو ما يجعل التعتيم اليوم أكثر إحكاما وتطورا، إذ لم يعد بحاجة إلى جنود يمنعون الكاميرات عند الأبواب بالضرورة، بل يكفي أن تعمل خوارزميات الشركات الكبرى لحجب الصورة في لحظة.

بالمقابل، فإن المرابطين والناشطين المقدسيين الذين يوثقون لحظات الاقتحام والاعتداء، ولو من بعيد وينشرونها بسرعة قبل أن يقبض عليهم الاحتلال، أصبحوا اليوم خط الدفاع الأول عن الذاكرة البصرية للمسجد، ولولاهم لانقطعت الصلة بين العالم وبين ما يجري فعلا في باحاته. لكن هذه الجهود الفردية، مهما بلغت شجاعتها، تفتقد اليوم إلى منظومة دعم إعلامي ومؤسسي تحميها للأسف.

إذن، فالتعتيم الإعلامي لم يعد مجرد عَرَض جانبي للصراع على المسجد الأقصى، بل أصبح أداة رئيسة في إدارة المشهد. فحين لا تُرى الانتهاكات، لا يُحاسَب أحد، وحين تغيب الصورة، يغيب معها الإحساس بخطورة ما يجري. ولهذا يبدو الاحتلال أكثر حرصا على إغلاق العدسات من حرصه على إغلاق الأبواب.

هذا يفتح الباب للسؤال عن كيفية التعامل مع ما يجري، وهنا لا بد من الإشارة مباشرة إلى الجهات الرسمية في المسجد الأقصى، وتحديدا دائرة الأوقاف الإسلامية التي تتبع وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الأردنية، التي بات الاحتلال يتعامل معها باعتبارها تدير الوجود الإسلامي داخل المسجد الأقصى فقط، ولا تدير المسجد نفسه، وهذا الأمر ينبغي عدم السكوت عنه وعدم التهاون معه.

إن المطلوب من الأردن الرسمي أن يمارس حقه القانوني والسياسي الكامل في إدارة شؤون المسجد الأقصى المبارك حتى لو أدى ذلك إلى تأزيم الموقف مع إسرائيل، فالتأزيم وإن كان يبدو سلبيا للوهلة الأولى إلا أن نتائجه على المستويين؛ المتوسط والبعيد إيجابية، فالاحتلال الذي يحاول أن يظهر اليوم قويا بإطلاق جنونه في غزة والضفة الغربية في الحقيقة لا يمكنه في هذا الوقت المغامرة بفتح جبهات أكثر من اللازم.

ومغامرة التصعيد والتأزيم مع بلد مثل الأردن، ستعمق الشرخ في المجتمع السياسي الإسرائيلي المنقسم على نفسه أصلا، خاصة بالنظر إلى أن الأردن يقع على أطول خط حدود برية مع إسرائيل.

ملف المسجد الأقصى بالنسبة للأردن يعتبر مسألة وجودية لا يمكن ولا يجوز التهاون فيها مهما كانت النتائج. ولذلك، فإن أقل ما يمكن للأردن أن يفعله هو ممارسة حقه المكفول بموجب القانون الدولي باعتباره يمثل السلطة الدينية صاحبة الحق الحصري في إدارة الأقصى وصيانته وإعماره بما في ذلك مراقبة كافة أرجاء المسجد الأقصى ونشر حراسه فيها لتوثيق ونشر ما يحدث فيه من عدوان لا يمكن السكوت عنه؛ وإلا فإن هذا التعتيم المقصود يمكن أن يكون مدخلا لطمس هوية الأقصى والتأسيس للمعبد معنويا وماديا تحت ستار الحصار والتعتيم، وعند ذلك لن ينفع الندم.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطبيان إمكانية الوصولخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • أحمد موسى: نتنياهو فشل في إعادة الرهائن رغم الإبادة التي قام بها
  • غزة.. أسطورة الصمود التي كسرت هيبة الاحتلال وأعادت للحق صوته
  • لماذا غابت الفيديوهات التي توثق ما يجري في الأقصى؟
  • منظمة العمل العربية تؤكد دعمها لحقوق عمال وشعب فلسطين
  • وزير الصحة يبحث مع منظمة «فريدنزدورف» الدولية تعزيز الدعم الطبي للأطفال المتضررين من الحروب
  • بيان اليونيسف يشعل الغضب من دور المؤسسات الدولية.. من يحمي الطفل الفلسطيني؟
  • انسحاب الاحتلال من غزة يكشف عن جثث عليها آثار إعدام ولعب أطفال مفخخة
  • الشرطة بغزة ستبدأ الانتشار بالمناطق التي انسحب الاحتلال منها
  • داخلية غزة: سنبدأ الانتشار بالمناطق التي ينسحب منها الاحتلال
  • الاحتلال الإسرائيلي يبدأ انسحاباً محدوداً من القطاع