قراءة في كتاب لقد أحضرت لك يدا مقطوعة
تاريخ النشر: 7th, May 2025 GMT
تشكل تجربة الشاعر الفلسطيني السوري غياث المدهون، فرقا واضحا في الشعرية الفلسطينية، فهو لا يعترف بما سبق من شعر رغم قراءته له، وليس لديه فضول لأن يعرف ماذا سيصير الشعر في المستقبل، هذا شعر قادم من الآن، من السخط والرغبة في تكسير كل مرآة من الحب المخنوق وعبثية كل شيء، حالة هيجان وفوضى جميلة يمثلها شعر غياث الذي فر من سوريا أوائل الثورة بحثا عن حرية الكلام والصراخ والفوضى، آخر كتب فوضوي الشعر والحياة هذا الكتاب الذي بين أيدينا الصادر عن دار المتوسط، بقطع متوسط مائة وستين صفحة، من القطع المتوسط والذي كتب على غلافه هويته محددا إياها بصرامة: نصوص وهوامش، هذه نماذج منها:
(خلال الانتفاضة كنا نأخذ قطعا صغيرة من فلسطين ونرميها على الجنود الإسرائيليين فيهربون وكنت أتساءل منذ كنت طفلا: لماذا يهربون حين نرمي عليهم قطعا من أرض الميعاد؟).
في نصوص غياث، يحضر اليأس بكثرة مع التاريخ وتنهض الجغرافيا مع الألم والرياضيات مع الخوف وتغني الفلسفة وتطل السياسة برأسها وتنفجر المعارف كلها، ليس لديه مشكلة مع أي معرفة ترغب بالدخول إلى نصوصه، نصوصه مفتوحة الأبواب لكل من يطرقها، بشرط واضح أن يضيف إلى ما قبله ما يغني نصه لا ما يسطحه، المسألة إذن ليست عبثية، غياث المدهون ليس شخصا يهذي، ولا يقول شيئا دون سياق، ودون دراسة، هو يعرف ماذا يكتب وكيف يكتب، وما السهولة القشرية التي تبدو عليه نصوصه سوى خدعة يكمن بها لقرائه المستعجلين. فلسطين ليست موجودة بصورتها المعتادة، لا تتوقع أن يقول لك غياث إن فلسطين أجمل بلد في العالم، ليس لأنها ليست كذلك، بل لأنه لم يجهز بعد جملته التي سيصفها فيها، ولا يريد أن يمشي على خطى واصفيها المبتذلين، غياث عدو الابتذال، لا يطيق أن يكتب مثل الآخرين، كما هي حياته، تماما لا يستطيع أن يحياها مثل الآخرين، الشعر الفلسطيني بشكل عام لا يستطيع مجاورة نصوص غياث، أكاد أتخيل محمود درويش وهو ينصح غياثا بالهدوء والتنفس بشكل أعمق، وتخفيف الغضب، وبالاتساق الشعري أو الانتظام في الشعور واحترام وزن العبارة وإيقاعها، هذا لا يعني أن محمود درويش على خطأ، ربما يكون محقا، وله الحق في تبني نسق شعري معين، كما يحق لغياث ذلك، وهناك وجهات نظر حداثية هامة ومثقفة يمكن أن تبرر رفض نصوص المدهون، وتشرحه بالتفصيل، فكل نص من هذا العالم من حق كل شخص تذوقه بطريقته، كذلك شاعرنا يستطيع أن يرفض أنساق الآخرين، كما يفعل الآن بالكتابة والحياة. الكثير من النقاد والمتابعين يتابعون تجربة المدهون بكل حماسة، معتبرين أن الفوضى الظاهرية سحرية، وأن الحرية التي يمتشقها الشاعر مثيرة وتحرر القارئ المكبل بالوزن والمثل الشعرية التقليدية، داخل النص المدهوني يمور حزن وجودي، ويأس بطل، هذا اليأس الشعري الذي يتميز به الفلسطينيون، بالكتابة وبالحياة.
الشاعر في سطور.
غياث المدهون، فلسطيني سوري سويدي، من أصل غزي، مواليد الشام 1979، عاش في مخيمات سوريا، تُرجمت أعماله إلى العديد من اللغات منها السويدية والألمانية واليونانية والإيطالية والإنجليزية والهولندية والفرنسية والإسبانية والتشيكية والكرواتية والألبانية والإندونيسية والفارسية والصينية.
صدر له مؤخرا كتاب نصوص وهوامش: (لقد أحضرت لك يدا مقطوعة،) عن دار المتوسط الإيطالية العربية.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
حكايات.. أول كتاب تصدره مكتبة مصر العامة بأقلام القراء والمستفيدين
احتفالًا بمرور 30 عامًا على افتتاح مكتبة مصر العامة (1995 - 2025)، أصدرت مكتبة مصر العامة الرئيسية بالدقي، برئاسة السفير عبد الرؤوف الريدي، مؤخرًا كتابًا فريدًا من نوعه بعنوان "ولنا في المكتبة حكايات"، في تجربة غير مسبوقة، حيث تم جمع محتوى الكتاب من شهادات وتجارب حقيقية لرواد المكتبة من مختلف الفئات العمرية والاجتماعية، إلى جانب شهادات مؤثرة لأمناء المكتبات الذين عايشوا هذه القصص عن قرب.
على مدار ثلاثة عقود، استطاعت مكتبة مصر العامة أن ترسخ مكانتها كمؤسسة ثقافية نابضة بالحياة، من خلال تقديم خدمات متنوعة شملت إتاحة الكتب والمراجع، وتنظيم فعاليات ثقافية، وورش فنية وعلمية، إلى جانب دورات تدريبية لتنمية المهارات. ولم تغفل المكتبة عن مواكبة التطور الرقمي، حيث وفرت خدمات إلكترونية وتطبيقات تتيح للمستفيدين الوصول السهل إلى مواردها.
يسلط الكتاب الضوء على الأثر العميق الذي تركته المكتبة في نفوس زوارها. فالأطفال وجدوا فيها عالمًا سحريًا من الخيال والمعرفة، بينما اعتبرها الشباب منصة للتنمية الذاتية والاستعداد لمتطلبات سوق العمل، أما كبار السن، فقد وجدوها ملاذًا للهدوء والتأمل والتواصل المجتمعي، وقد تحولت علاقة الجمهور بالمكتبة من كونها مكانًا للقراءة إلى مجتمع ثقافي نابض، يشكل جزءًا أساسيًا من حياتهم اليومية.
وفي تقديمها للكتاب، أكدت رانيا شرعان، مديرة مكتبة مصر العامة، أن هذا الإصدار يأتي كشهادة حية على نجاح مشروع المكتبة في تحقيق رسالتها المجتمعية والثقافية، مشيرة إلى أن الكتاب يعكس عمق الروابط الإنسانية والمعرفية التي نشأت بين الجمهور وأمناء المكتبات، الذين أصبحوا أصدقاء ومستشارين وداعمين حقيقيين لرواد المكان.
وأوضح فريق التحرير أن فكرة الكتاب بدأت باستبيان لقياس تأثير المكتبات على الجمهور، إلا أن النتائج كانت مفاجئة في عمقها وثرائها، ما دفعهم لتحويلها إلى تجربة موثقة في كتاب. وأضاف الفريق أن الكتاب يعكس صورة حقيقية ومعاصرة للمكتبات باعتبارها أماكن للتعلم والتواصل والاندماج الاجتماعي، وليست مجرد قاعات للقراءة فقط.
ويضم الكتاب أيضًا مقتطفات من شهادات مستخدمي المكتبات العامة في الخارج، إلى جانب أقوال معبرة ومواقف إنسانية مؤثرة من مستفيدي مكتبة مصر العامة وأمنائها، مثل قول أحدهم: "كنت عايزة أستخبى جوا المكتبة وأعيش هناك عشان أكمّل قراءة الكتب كلها"، وشهادة إحدى أمينات المكتبة التي روت بأسى فقدان أحد رواد المكتبة الذي اعتاد على تحيتها يوميًا.
يأتي هذا الكتاب ليكون بمثابة مرآة تعكس أثر المكتبات العامة في وجدان المجتمع، ويعيد تسليط الضوء على أهمية تلك المساحات الثقافية في حياة الأفراد، من الطفولة وحتى الشيخوخة، كأماكن للحرية والإلهام والانتماء.