ترجمة وتحرير “يمن مونيتور”

كتبته: فاطمة أبو الأسرار محلل أول، مركز واشنطن للدراسات اليمنية

المصدر: Arab Gulf States Institute in Washington

في السادس من مايو/أيار، أعلنت عُمان أنها توسطت في وقف إطلاق النار بين الولايات المتحدة والمتمردين الحوثيين في اليمن. وفي غضون ساعات، أعلن الرئيس دونالد ترامب أن الحوثيين – الذين استهدفتهم حملة جوية أمريكية منذ منتصف مارس/آذار – قد “استسلموا”.

ولكن داخل اليمن، واصل الحوثيون فعل ما يفعلونه دائمًا في لحظات الضغط – تشديد السيطرة، وليس تخفيفها. لم يكن هناك بيان عام ولا اعتراف بالتنازل. من خلال حملة مدري، وهي عبارة عامية يمنية تعني “لا أعرف”، حوّل الحوثيون غياب المعلومات إلى مبدأ حاكم. في حرب تكون فيها الروايات قوية مثل الأسلحة، فإن مدري ليست تراجعًا. إنها أكثر أشكال المقاومة فعالية للنظام.

كما هو الحال مع المؤسسة الدينية في إيران أو سلالة كيم في كوريا الشمالية، يدرك الحوثيون أن السلطة تعتمد على احتكار السرد. فعندما يتمكن المواطنون من توثيق الأحداث بشكل مستقل، يفقد النظام سيطرته على السرد. لا يقتصر الأمر على إدارة الرأي العام فحسب، بل يشمل أيضًا منع وقائع أخرى من الظهور. إن حملة الحوثيين “مدري” تُحوّل المواطنين اليمنيين إما إلى مشاركين متواطئين في إنكار جماعي أو أعداء للدولة.

خبراء يعلقون على اتفاق ترامب والحوثيين.. أسوأ تحدٍ للحكومة وتنسيق خليجي أوسع (ذا اتلانتك).. اتفاق “أمريكا أولا” مع الحوثيين يكشف شكل السياسة الخارجية لإدارة ترامب هندسة التجهيل القسري

لسيطرة الحوثيين على المعلومات جذورٌ عميقة في تاريخ اليمن. فقد قمع الإمام يحيى، ملك اليمن بين عامي 1918 و1948، التعليمَ العلماني، وحصره في التعليم الديني. لم تكن هذه مجرد سياسة تعليمية، بل كانت خطوةً استراتيجيةً في الحكم لعزل اليمنيين عن الأفكار الخارجية. عندما أسس أحمد نعمان مدرسةً لتعليم الرياضيات في ثلاثينيات القرن الماضي، وُصفت مدرسته بأنها “غير إسلامية” ووُضعت تحت إشراف ديني. وقد حافظ هذا التضييق المتعمد على المعرفة على نفوذ النخبة الزيدية – وهي سابقة تاريخية لحملة الحوثيين “مدري” اليوم على وعيّ المواطنين.

بالنسبة لقيادة الحوثيين المُسيطرة، فإن السلاح الأكثر تهديدًا ليس بالضرورة الصاروخ المُوجّه، بل الهاتف الذكي المدني. كل صورة مُلتقطة تُخاطر بكشف الهوة بين الخطاب الثوري والواقع، كاشفةً عن مخابئ أسلحة في الأحياء السكنية، وتحويل المساعدات الإنسانية إلى المقاتلين بينما يتضور المدنيون جوعًا، أو أنماط الحياة المُترفة للقادة في ظل الانهيار الاقتصادي في اليمن.

ما بدأ بتوجيهاتٍ مُهموسة لتجنب مناقشة الغارات الجوية الأمريكية تحوّل إلى سياسةٍ مُتشدِّدة. في 17 مارس/آذار، أصدر وزير الإعلام الحوثي، هاشم شرف الدين، توجيهًا بثلاثة محاور أساسية: أولًا، حظر نشر أي صور للغارات الجوية الأمريكية؛ ثانيًا، حظر مشاركة معلومات عن ضحايا هذه الغارات، بما في ذلك حتى أسماء الضحايا؛ وثالثًا، قيود على تحديد المواقع المتضررة من العمليات العسكرية. في الوقت نفسه تقريبًا، ضخّم الإعلامي الموالي للحوثيين هذه الرسالة، مُعيدًا صياغة “لا أعرف” على أنها ليست مجرد حماية ذاتية، بل واجب وطني.

 

تسليح الصمت

في 20 أبريل/نيسان، أخطأ صاروخ حوثي هدفه، وسقط في سوق مزدحم بمديرية شعوب بصنعاء، مما أسفر عن مقتل 12 شخصًا وإصابة أكثر من 30 آخرين وإلحاق أضرار بالمنازل المجاورة. ووفقًا لمصادر متعددة، أُطلق الصاروخ من موقع دفاع جوي يسيطر عليه الحوثيون غرب العاصمة. وبدلًا من تحمّل المسؤولية، شنّ الحوثيون حملة قمع. وأُلقي القبض على أكثر من 30 مواطنًا يُشتبه في تصويرهم للأحداث. في البداية، لم تُشر وسائل الإعلام الرسمية إلى الانفجار أو الخسائر البشرية، لكن لاحقًا، ألقت وزارة الصحة التابعة للحوثيين باللوم في الانفجار على غارة جوية أمريكية.

تشير تقارير أيضًا إلى أن الحوثيين بدأوا بقمع مراسم جنازات موتاهم، وهي حساباتٌ جنونيةٌ تُعتبر فيها الاعتراف بالخسارة أمرًا خطيرًا، إذ يُنظر إليه على أنه يُعطي الولايات المتحدة معلوماتٍ قيّمة. وبعيدًا عن السيطرة المحلية، تُعدّ هذه استراتيجيةً لمكافحة التجسس لتعقيد التقييمات الأمريكية والإقليمية. ويهدف إسكات المعزين إلى ترهيب الأحياء، وتقليل فعالية ضربات العدو المُثبتة.

ومع ذلك، حين يطالب النظام ب”مدري”، يرد بعض اليمنيين بسخرية، محولين العبارة المُملاة إلى تحريفٍ خاص. على مواقع التواصل الاجتماعي، يطرح اليمنيون أسئلةً تُجيب على نفسها: “من اختلس رواتب الموظفين؟” مدري. “من حوّل الأحياء إلى مستودعات أسلحة؟” مدري. “من يستجيب لطهران، لا للشعب؟” مدري.

دخان يتصاعد بعد غارة جوية إسرائيلية على البنية التحتية للحوثيين في صنعاء باليمن 6 مايو 2025. رويترز / حرب السرد

حملة الحوثيين “مدري” هي حربٌ سرديةٌ مُعدّةٌ لطمس الحقائق، وتضليل المحللين، وتقويض المساءلة على المستوى الدولي. فمن خلال قمع الصور، ومنع الجنازات، وكتم الشهادات المباشرة، يسعون إلى الهيمنة ليس فقط على الخطاب المحلي، بل أيضًا على الانطباعات في واشنطن والرياض وبروكسل. يُشكّل هذا التلاعب بالواقع تحديًا مباشرًا للحكومات والمنظمات التي تسعى إلى الاستجابة بفعالية للصراع.

تتوافق حملة الحوثيين “مدري” بشكل جيد مع حملة الاعتقالات السابقة والمستمرة التي استهدفت موظفي الأمم المتحدة، والمستمرة منذ منتصف عام 2024، واتهاماتهم الأخيرة بوجود ” شبكة تجسس أمريكية-إسرائيلية ” مزعومة، زعموا أنها متغلغلة في المنظمات الدولية ووكالات الأمم المتحدة. وبينما ركّز الحوثيون، من خلال حملة الاعتقالات والإجراءات ضد شبكة التجسس المزعومة، على نزع الشرعية عن الجهات الخارجية الموثوقة ومكافحة التجسس، فإن هذه الأهداف تدعم جهود حملة “مدري” لإعادة صياغة المشاهدة الأساسية للأحداث على أنها تجسس موجه من الخارج.

بالنسبة لصانعي السياسات الأمريكيين، الدرس واضح: الغارات الجوية وحدها لن تُغير سلوك الحوثيين. ينبغي على واشنطن دمج حرب السرديات في استراتيجيتها العسكرية للحفاظ على الأصوات والشهادات اليمنية التي يسعى الحوثيون إلى إسكاتها. هذا يعني الاستثمار في شبكات تحقق قوية مفتوحة المصدر، قادرة على توثيق الغارات والانتهاكات آنيًا، مع دعم الصحفيين والمدنيين المحليين في الوقت نفسه من خلال الشراكات، والمساعدات الطارئة، والمنصات الآمنة. لا يُمكن قياس النجاح بغياب الأدلة؛ لذا ينبغي على صانعي السياسات تطوير أطر تقييم تأخذ في الاعتبار التعتيم الاستراتيجي للحوثيين على المعلومات.

حملة مدري هي استراتيجية ممنهجة للتعمية القسرية. لكن مع هوسهم بالسيطرة، نسي الحوثيون أقدم قاعدة في التاريخ: ما إن يطلب النظام من الناس ألا يراقبوا، حتى يبدأ الجميع بالمراقبة.

المصدر: يمن مونيتور

كلمات دلالية: حملة الحوثیین من خلال

إقرأ أيضاً:

أكاديمي مصري يحذر من حملة استخباراتية في اليمن

وقال سامح شكري في تغريدة له "سوف يتعرض اليمن لأكبر حملة مخابرات ربما في التاريخ الفترة المقبلة، فالذي رأيناه من اختراق مخابراتي في لبنان وإيران لن يكون شيئا بالنسبة للاختراق المخابراتي الذي سيجري التجهيز له في اليمن".

وعلق نائب رئيس اللجنة الإعلامية لأنصار الله نصر الدين عامر على ذلك بالقول " التحذير من استهداف اليمن بحرب استخباراتية له أساس واقعي، فاليمن اليوم بات يشكل محورًا مهمًا في جبهة المقاومة، وشارك بشكل مباشر في دعم غزة ولبنان وإيران ضد الكيان الصهيوني".

وأضاف عامر " القوى الغربية، وعلى رأسها أمريكا وإسرائيل، تعتمد بشكل كبير على العمل الاستخباراتي لإضعاف الجبهات غير التقليدية التي لا يمكن مواجهتها عسكريًا بسهولة".

وتابع عامر " دخول اليمن رسميًا في خط المواجهة الكبرى في المنطقة يجعل من استهدافه أمنيًا واستخباراتيًا مسألة حتمية وليست خيالية".

وقال الأكاديمي المصري " سوف يتعرض اليمن لأكبر حملة مخابرات ربما في التاريخ الفتره المقبلة، فالذي رأيناه من اختراق مخابراتي في لبنان وإيران لن يكون شيئا بالنسبة للاختراق المخابراتي الذي سيجري التجهيز له في اليمن".

وأضاف " اليمن بالنسبة للعقيدة الرأسمالية الغربية وبالنسبة للعقيدة الصهيونية صارت خطرا وجوديا، عمليات اختراقها صارت من متطلبات الأمن القومي الصهيوني وكذلك هو من متطلبات الأمن القومي الرأسمالي للدول الغربية".

وتابع سامح شكري " كانت نقطه ضعف إسرائيل والولايات المتحدة في عدوانهم المتكرر على اليمن هو جهلهم باليمن وباليمنيين وبالطبيعة اليمنية والثقافة والسياسة اليمنية، كل هذا صار من الماضي لديهم، فهم يجهزون أنفسهم الآن لتغيير تلك الوضعية".

 

مقالات مشابهة

  • “إزالة النفايات ومخلفات الحرب”.. الخرطوم تدشن حملة الإسناد الطبي لمحليات أمبدة وأمدرمان وكرري
  • أكاديمي مصري يحذر من حملة استخباراتية في اليمن
  • من “تيتانيك” إلى فرط الحركة.. سلوى محمد علي تروي حكايات لم تُروَ من قبل!
  • تحذير غربي .. الحوثيون يقد يستأنفون الحرب نيابة عن إيران في اليمن
  • المساوى يدشن حملة “بلاستيك أقل ..حياة أفضل” في تعز
  • اليمن يدين “العدوان الإيراني” على قطر وتؤكد دعمها الكامل للدوحة
  • “مسام” يعلن نزع 3699 لغم وذخيرة في اليمن منذ بداية الشهر الجاري
  • الإمام “القاسم الرسي”.. نواة “آل محمد” في اليمن ومرجعاً لسائر الطوائف الإسلامية في عصره
  • وزير خارجية اليمن: أي تصعيد يشارك فيه الحوثيون “يهدد مصالح الشعوب ويزيد توتر المنطقة”
  • شاهد بالفيديو.. اللقاء الذي أثار غضب المطرب شريف الفحيل.. الفنان محمد بشير يقتحم بث مباشر للناشطة الشهيرة “ماما كوكي” والأخيرة تصفه بإبن الأصول