الأمة.. إشكالية الهوية فيما بعد التاريخ (1)
تاريخ النشر: 9th, May 2025 GMT
لعل تسريبات الرئيس الراحل عبد الناصر، استثارت فيّ فكرة الهوية التي قد أثرتها في المقال السابق (تسريبات عبد الناصر وتساؤلات الهوية والقضية)، إذ إن هذه القضية فتحت جرحا يكاد الكل يتحاشى الكشف عن ضمادته، حتى لا ينزف فيصيب ثوب الأمة الذي يتجمل بمساحيق العروبة والإسلام، رغم قيح العلمانية والتغريب الذي يأكل في جسده، بل الأخطر هي حالة اللا هوية التي بدأت تتسرب في وجدان الشباب والفتيان، فلا موجّه ولا معين لتشكيل شخصيته، في زمن العولمة وآلة الإبهار الغربية، التي تدغدغ مشاعر الجيل لاعبة على حالة الانفصام التي تعيشها الأنظمة، حتى بدأت تتلاشى فكرة الأمة.
منذ عشر سنوات، وفي جلسة جمعتني بعدد من نخبة الساسة والمسؤولين في العالم الإسلامي -يشمل العرب- دار الحديث، كما كل جلسات من يهتمون بالشأن السياسي ممن ينتمون إلى التيار الإسلامي، بأحوال الشعوب العربية والإسلامية، وما تعانيه هذه الشعوب، في محاولة لفهم لماذا وصلت هذه الشعوب إلى ما وصلت إليه، لكن المستغرب، إنكار أحد الساسة الكبار في بلده، وكان مستشارا لرئيس الوزراء في ذلك البلد الكبير الصاعد والمنتشي بما حققه خلال الأعوام العشرين الماضية، المستغرب إنكاره استخدامي كلمة أمة للتعبير عن هذه الشعوب التي تجمعها جغرافيا ودين وإن اختلفت ألسنتهم، فجلهم يفهمون العربية، رغبة في التشبث بهويتهم الإسلامية، وذهب الرجل إلى أنه لم تعد هناك أمة، ولا يجب استخدام هذا المصطلح.
الأمر يتعلق بمجموعة بشرية ارتضت لنفسها هذا الدين كرابط، فلا مناص من أن نذهب إلى ما ذهبوا إليه، وتمسكوا به رغم مرور الزمن وما اعتراهم من، وهن جعلت قبضتهم تنحل شيئا يسيرا عن هذه الرابطة
وكما أي باحث، يجب للذهاب إلى مشكلة البحث أن نحرر المصطلحات المبحوثة، لذا فيجب أن نعرف معنى كلمة أمة في اللغة والاصطلاح، حتى نذهب معا إلى مدار البحث وصولا إلى نتيجة..
عرف المعجم الوسيط الأمة بأنها الوالدة، وأنها جماعة من الناس أكثرهم من أصل واحد وتجمعهم صفات موروثة ومصالح وأماني واحدة، أو يجمعهم أمر واحد من دين أو مكان أو زمان.
وتعرف الأمة في الاصطلاح عند الحكيم الترمذي بأنها: "الجماعة التي يؤمها الناس ويقصدونها، فإنما صارت الأمة في هذا المكان الجماعة؛ لأنه الذي يقصده الناس، ويبصرونه".
وفي علم السياسة، الأمة تتألف من أفراد يجمعهم نوع أو أكثر من أنواع الروابط التي تعلو عليهم، ويستجيبون طوعا لها في الوقت عينه، وهو أحد التعريفات التي انسحبت فيما بعد، على كل مجموعة من البشر يعيشون على رقعة جغرافية تجمعهم مصالح مشتركة، دون النظر إلى توافقهم الفكري أو العرقي أو الديني أو حتى الأيديولوجي.
السؤال الآن: هل المسلمون أمة؟ وهل تنطبق عليهم هذه التعريفات؟ من ثم هل تغيرت المعطيات، من ثم تغيرت التوصيفات لهذه الشعوب؟
واسمح لي عزيزي القارئ أن استخدم الآيات والأحاديث جنبا إلى جنب مع تعريفات الساسة والأكاديميين للبحث في المسألة، وإن كان ذلك سيزعج بعضهم، ولكني مضطر، لأن الأمر يتعلق بمجموعة بشرية ارتضت لنفسها هذا الدين كرابط، فلا مناص من أن نذهب إلى ما ذهبوا إليه، وتمسكوا به رغم مرور الزمن وما اعتراهم من، وهن جعلت قبضتهم تنحل شيئا يسيرا عن هذه الرابطة، واسمح لي أيضا أن أفرق بين ما هي عليه نظم الحكم في تلك البقعة الجغرافية من طنجة إلى جاكرتا، وبين الشعوب التي تعيش على هذه البقعة، وتمتد إلى خارجها بحكم هذه الرابطة، أقصد الدين.
"إذ كنتم أعداء، فألف بين قلوبكم" (آل عمران: 103)، فإن كانت الآية نزلت في الأوس والخزرج، إلا أنها تنسحب على كل شعوب الأرض الذين وصلهم الإسلام، ولأن الإنسان عدو ما يجهل كما قال الإمام علي بن أبي طالب، فإن حالة العداء تنشأ مع نشأة أي منظومة فكرية أو تنظيمية تحرك ثوابت أي مجتمع، لكن مع ثبات أصحاب هذه الفكرة ومع الوقت يألف الرافضون، وتتحول قلوبهم بأمر الله إلى الألفة مع أصحاب نهج الجديد، لا سيما بعد أن تثبت صوابية هذا المنهج.
إذن، فإن شعوبنا هذه لم تكن أمة فيما قبل نشر دعوة الإسلام، لكن ومع نشر هذه الدعوة، تحولت هذه الشعوب إلى حالة أخرى يربطها رباط الأخوة والدين ثم المصالح وبالتالي المصير، متمسكين في هذا بقوله تعالى: "فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين. فقد وضع الله معيار الأخوة بإقامة الدين، وربط النبي صلى الله عليه وسلم هذه الرابطة، بقوله: "من لم يهتم بأمر المسلمين، فليس منهم"، وإن كان الحديث فيه ضعفا لكن العلماء صححوا معناه.
ونستكمل حديثنا في الجزء التالي من هذا المقال بعون الله الأسبوع القادم..
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء الهوية الأمة العرب اسلام عرب هوية أمة مفهوم قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة هذه الرابطة هذه الشعوب أمة فی
إقرأ أيضاً:
عدد من المكاتب الخدمية في البيضاء تحتفي بذكرى المولد النبوي الشريف
الثورة نت/ محمد المشخر
نظمت مكاتب هيئة الأوقاف والثقافة والسياحة والتخطيط والاحصاء والإرشاد بمحافظة البيضاء، اليوم، فعالية خطابية وثقافية بمناسبة قدوم ذكرى المولد النبوي الشريف لعام 1447هـ.
وخلال الفعالية التي حضرها عضو مجلس الشورى عبدالله صالح المظفري ووكيلا المحافظة صالح أحمد المنصوري وزين الريامي، أكد وكيل المحافظة محمد أحمد الحميقاني، أن الاحتفاء بميلاد النبي الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم هو تعبير عن الفرح بفضل الله ورحمته المتمثلة في بعثته المباركة، مشيراً إلى أن رسول الله كان رحمة مهداة للعالمين، وخاتم الأنبياء والمرسلين، وقد جاء برسالة عالمية تحمل القيم والمبادئ السامية التي أخرجت البشرية من الظلمات إلى النور.
وأوضح الوكيل الحميقاني، أن الأمة بحاجة ماسة اليوم للعودة إلى منهج الرسول الكريم، والاقتداء بسيرته في مواجهة التحديات والمخططات التي تستهدف هوية الأمة وقيمها، مؤكداً أن أعداء الإسلام يسعون لفرض نماذج مشوهة بديلة عن القدوة المحمدية، الأمر الذي يتطلب التمسك بنهج النبي قولاً وعملاً.
وحث وكيل محافظة البيضاء، الجميع الى ضرورة التفاعل مع الفعاليات والحشد للمشاركة في الفعالية المركزية يوم الثاني عشر من ربيع الأول يوم ميلاد الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم.
وفي الفعالية أكد مدير عام مكتب الثقافة بالمحافظة أحمد سالم الهصيصي في كلمة الجهات المنظمة، أن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف يعكس الارتباط الروحي والوجداني للشعب اليمني بنبيه الكريم، ويجدد العهد بالسير على نهجه في مواجهة الطغيان ونصرة المستضعفين، وفي مقدمتهم الشعب الفلسطيني في غزة وفلسطين المحتلة.
وأشار الهصيصي إلى أن أبناء اليمن ورثوا عن أجدادهم الأنصار شرف نصرة الرسول الأعظم، وما يزالون ثابتين على ذات الدرب في مقارعة قوى الظلم والهيمنة، مشدداً على أن هذه المناسبة فرصة لتجديد الولاء لرسول الله، وترسيخ القيم الإنسانية والإيمانية التي جاء بها.
من جانبه، أكد مدير عام مكتب الهيئة العامة للأوقاف بالمحافظة عبدالرحمن الجرموزي، عظمة هذه المناسبة وأهدافها السامية، موضحاً أن ميلاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم يمثل محطة إيمانية وروحية لتعزيز الارتباط برسول الله في جميع مجالات الحياة،و استلهام قيمه ومبادئه في العمل والجهاد والبناء، مشدداً على أن ذكرى المولد النبوي يجب أن تكون دافعاً لمزيد من الثبات والصمود في وجه قوى الاستكبار العالمي.
وتطرق الجرموزي إلى الحملات المغرضة الساعية لتبديع الاحتفال بالمولد النبوي وتثبيط همم المسلمين عن تعظيم رسول الأمة وقائدها وهاديها ومخرجها من ظلال الجاهلية إلى نور الإيمان، مبيناً أن إحياء مولد النبي الخاتم هو إحياء للقيم والأخلاق النبيلة التي جاء بها.
بدوره اعتبر عضو رابطة علماء اليمن العلامة عبدالرحمن حسين الهدار في كلمة العلماء، إحياء ذكرى المولد النبوي، محطة إيمانية تجدد فيها الأمة ارتباطها بالرسول الكريم، وتستلهم من سيرته معاني الصبر والثبات ومواجهة الطغيان، مشيراً إلى الأوضاع التي تمر بها الأمة نتيجة التخلي عن المبادئ التي أرساها ديننا الإسلامي.
تخللت الفعالية التي حضرها مدراء عموم المكاتب التنفيذية بالمحافظة وقيادة ومدراء ورؤساء الأقسام وموظفو الجهات المنظمة، قصيدة شعرية للشاعر سليمان الحميقاني وأنشودة أوبريت وبرع الشرح البيضاني لطلاب مدرسة أبي ذر الغفاري العلمية المغلقة بمدينة البيضاء، معبرة عن المناسبة ومكانة الرسول الأعظم في قلوب اليمنيين.