بعد 6 عقود من حكم حزب البعث، وهيمنة عائلة الأسد على السلطة في سوريا، يتركز اهتمام السوريين على بناء دولة وطنية ديمقراطية، تتوفر فيها شروط الحياة الكريمة، على الرغم مما يواجهونه من تحديات، وواقع معيشي مثقل بالهموم والمصاعب.

وحذر خبراء من أن الطريق إلى هذا الهدف لا يزال يواجه عوائق كثيرة، فبالإضافة إلى إرث الرئيس المخلوع بشار الأسد وتداعياته على بلد خرج لتوه من الجحيم، ولا يزال يعاني من أزمة إنسانية متواصلة منذ 2011، تواجه سوريا هجمة مضادة، تسعى من خلالها فلول النظام السابق إلى جانب قوى محلية وجهات خارجية إلى تقويض ما أنجزته الثورة، وصبغ المرحلة الانتقالية بصبغة طائفية، تمهيدا لإنشاء كيانات تخدم مصالحها وتوجهاتها.

قوات الأمن العام السورية تعتقل مجموعة أشخاص يشتبه بانتمائهم إلى مليشيات فلول الأسد (أسوشيتد برس) سياسة الأسد الطائفية

يوارى أحمد، خلفَ هدوئه، وهو يتحدث، أوجاع سنوات من القهر والعذاب، فقد فر مع عائلته إلى تركيا إثر تعرض أحياء مدينة حمص الثائرة وسط البلاد لقصف بري وجوي حوّلها إلى ركام.

وبعد سقوط الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي، استفاد كغيره من السوريين الخاضعين للحماية المؤقتة في تركيا، من تسهيلات قدمتها الحكومة التركية، سمحت لهم بزيارة مدنهم الأصلية، والاطمئنان على سلامة أوضاعها، قبل أن يقرروا العودة ومغادرة تركيا بشكل طوعي.

إعلان

وتحدث أحمد للجزيرة نت عما شاهده قائلا "رأيت منزلي مجرد أطلال، الحياة شبه معدومة داخل الحي بسبب الخراب، وعلى مشارف أحياء أخرى تتمركز قوات الأمن العام تراقب بحذر حركة السيارات دون إزعاج، بعد أن تعرض بعض عناصرها لكمائن محكمة من قبل فلول النظام السابق، أسفرت عن مقتل العشرات".

وخلال الفترة التي قضاها، شنت تجمعات عسكرية لفلول النظام السابق في مدن مجاورة لمدينته هجمات مسلحة على عناصر الأمن العام ومقرات الحكومة، ما دعاه ليؤكد أن ما يجري لا يشكل تهديدا أمنيا فحسب، بل من شأنه تفكيك المجتمع، رغم هشاشة تماسكه متأثرا بإرث سياسة الأسد الطائفية.

وكانت مدن الساحل السوري إلى جانب أحياء في حمص يقطنها علويون قد شهدت خلال الأشهر الثلاثة الماضية، اشتباكات وتوترات طائفية على إثر هجمات مسلحة شنها موالون للأسد على قوات الأمن العام أدت إلى مقتل المئات.

وامتدت التوترات والصدامات مؤخرا إلى مناطق بريف دمشق تسيطر عليها مليشيات درزية إثر سجالات من التصريحات الطائفية، تخللها تدخل إسرائيلي.

طريق المستقبل ليس ممهدا بالكامل

بعد عقود من حكم الاستبداد، بات السوريون يأملون أن يشكل انهيار نظام الأسد فرصة ثمينة لتجسيد ما دعت إليه ثورتهم ضد النظام السابق، بالانتقال إلى دولة ديمقراطية، تضمن الحرية والكرامة للجميع، وتصون وحدة أراضيها.

ويخشى كثيرون -بحسب منشورات على منصات التواصل الاجتماعي- من أن يفسد الحراك الطائفي والمناطقي عليهم فرحتهم بسقوط الأسد، أو يحبط ما تبقى لديهم من طموحات وآمال بمستقبل أفضل.

وفي هذا الإطار، استبعد الخبير الحقوقي عبد الملك الأحدب أن تمتلك الحكومة المؤقتة حلا سحريا لمشكلات سوريا الراهنة في ظل استمرار العقوبات التي فرضها الغرب على النظام السابق.

وأشار الأحدب، في حديثه للجزيرة نت، إلى أن الطريق نحو المستقبل ليس ممهدا بالكامل، إذ تعترضه تحديات، منها:

إعلان الوضع الحياتي، حيث يحتاج الاقتصاد إلى رافعة تمكن البلد من تلبية متطلبات نهوضه وإعادة إعماره، ومن ثم تهيئة الظروف لعودة ملايين اللاجئين. أزمة الأقليات، التي انحرف بعض من تصدروا لتمثيلها على خلفية انفصالية للاستقواء بدول أجنبية، من بينها إسرائيل. التحدي الخارجي، ويتصل بالعقوبات التي ما زال الغرب يفرضها، ويربط رفعها بمطالب قد تمس سيادة الدولة. إلى جانب ما تشكله هجمات إسرائيل العسكرية، واستثمارها الجانب الطائفي من الأزمة الداخلية، من خطر يهدد الأمن القومي السوري. قوات سورية أمنية في إحدى الحملات على مسلحين موالين للنظام السوري السابق (غيتي إيميجز) السرديات الطائفية تدعم الفلول

وانتقد الأحدب السردية التي تروجها الأطراف المتضررة من سقوط الأسد، معتبرا أن "ما يتم تصويره كصراع طائفي أو مواجهة بين أغلبية سنية وأقليات المجتمع السوري، هو تضليل خطير، يراد منه توجيه رسالة للغرب مفادها أن الأقليات تتعرض لمذابح على يد الإسلاميين (النظام الجديد) وعلى المجتمع الدولي إنقاذها".

ويتفق ما طرحه الخبير الأحدب، مع ما ذهب إليه الباحث في معهد دراسات الحرب، رايان كارتر، حيث أوضح في تقرير أن السرديات الطائفية التي تنشرها جهات مناهضة لحكومة أحمد الشرع، تدعم أهداف المتمردين.

وحث الحكومات الغربية على توخي الحذر عند تقييم العنف الناشئ، لأن الجهات الفاعلة في سوريا والمنطقة تحاول دعم روايات المتمردين -عن قصد أو بغير قصد- المصممة لتقويض النظام الجديد.

كما كشف كارتر وجود حسابات شعبية على مواقع التواصل الاجتماعي، بعضها باللغة الإنجليزية، تنشر محتوى يهدف إلى تأجيج هذا التوتر. ومن المرجح -بحسب رأيه- أن يكون هدفها هو نزع الشرعية عن الحكومة  لدى الجمهور الأجنبي، وتعزيز مشاعر الخوف والحرمان الكامنة لدى العلويين.

إسرائيل في عمق المشهد

لطالما ادعت إسرائيل -التي ربطتها مع النظام المخلوع تفاهمات فرضت استقرارا يحفظ أمنها- وقوفها على الحياد من  المذابح والمجازر التي كان يرتكبها الأسد بحق شعبه طوال الأعوام الماضية.

إعلان

دفع سقوط النظام السابق المدوي على يد الثوار الإسلاميين، إسرائيل إلى العودة لسياسة كانت قد استخدمتها سابقا في العراق ولبنان، ترتكز في مبادئها على إضعاف خصومها، وشل قدراتهم، وتشجيع الأقليات على إنشاء كانتونات تخدم مصالحها.

وذكرت صحيفة وول ستريت جورنال، نقلا عن مصادر لم تسمها، أن تل أبيب تعمل حاليا على إقناع القوى العالمية بدعم فكرة تبني الدولة الناشئة في سوريا، نظاما اتحاديا، يضم مناطق عرقية مستقلة، مع جعل المناطق الحدودية الجنوبية منزوعة السلاح، معتبرة "سعي الإسلاميين لتوحيد سوريا إنما يشكل تهديدا لها".

وفي المقابل، ذهب يائير رافيد رافيتز، رئيس فرع عمليات الموساد في بيروت، إلى أبعد من ذلك، عندما طلب من حكومته التعاون مع الأقليات السورية لمواجهة من أسماهم أعداء اسرائيل.

وذكر لصحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، وجود تنسيق يجرى على الأرض بين إسرائيل والدروز، شارحا، أنه رغم غياب المعلومات المؤكدة لديه، إلا أنه يقدّر، استنادا إلى معرفته، أن الأسلحة الإسرائيلية تنقَل بالفعل إلى محافظة السويداء.

واستعرض رافيتز خطط تل أبيب المستقبلية لاستخدام الأكراد والعلويين في تحقيق أهدافها، مؤكدا -وفق الصحيفة- أن الظروف مهيأة لدعم الحركة الكردية في سوريا سرّا، وحتى تزويدها بالسلاح. أما بالنسبة للعلويين، فيرى أنه من المناسب تقديم دعم سري لهم، وتزويدهم بالسلاح والمعدات "لاستنزاف دماء أعدائنا الرئيسين في سوريا حاليا، وهم السنة المنتمون لتنظيم القاعدة".

مسيحيون ينتمون للكنيسة الأرثوذكسية يسيرون للاحتفال بأحد الشعانين في حي القصاع بدمشق (أسوشيتد برس) "كفوا عن مناصرة الأقليات"

بَيد أن حدثا مهما كشف جانبا من الوضع السائد، وقدم صورة مغايرة للسردية الرائجة حول حقيقة الأوضاع في سوريا. ففي فبراير/شباط الماضي، التقت رئيسة الأمانة الدولية للحرية الدينية، نادين ماينزا، بطاركة وأساقفة وقساوسة مسيحيين أثناء زيارتها لدمشق برفقة وفد رسمي يمثل منظمات دولية.

إعلان

ونقلت ماينزا عن رجال الدين المسيحيين في سوريا قولهم "على الغرب أن يكف عن مناصرة وحماية الأقليات في سوريا، لأن من شأن ذلك أن يعزز الرواية الخطيرة التي استخدمها الأسد، وقسمت سوريا إلى أغلبية وأقلية. وبدلًا من ذلك، عليه السعي للاعتراف بهم كعناصر متساوية في المجتمع حتى ولو قلت أعدادهم".

وذكرت ماينزا في تقرير أعدته عن الزيارة، ونشره مركز ويلسون، الذي يقدم المشورة والرؤى حول الشؤون العالمية لصناع القرار في الولايات المتحدة، أنها استمعت لأغلب الحضور، وكان من جملة ما أكدوا عليه أن معظم جيرانهم المسلمين السنة يرفضون الطائفية والعنف، وأنه في فترة ما قبل حكم الأسد، عاشت الطوائف الدينية والعرقية المتنوعة في سوريا معًا في سلام نسبي، ويأملون استعادة هذا التاريخ.

وأكدوا كذلك أن تأجيج التوترات الطائفية الذي أثبت فشله في العراق بعد الإطاحة بصدام حسين، غذى عدم الاستقرار بدلًا من تعزيز التعافي، ودعوا إلى عدم تكرار نظام المحاصّة العراقي أو النظام الطائفي اللبناني، خشية أن يرسّخ الانقسامات الطائفية نفسها.

وأفادت ماينزا بأن هناك إجماعا على الحاجة الملحة لرفع العقوبات، إذ تنذر الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في سوريا بالتحول إلى مجاعة جماعية. وقالت "أعرب معظم الذين قابلتهم عن امتنانهم للرئيس أحمد الشرع الذي أطاح بالأسد، على الرغم من وجود مخاوف جدية لديهم بشأن صِلاته القديمة".

"ارفعوا أيديكم عن سوريا"

من وجهة نظر الكاتب البريطاني، سيمون تيسدال، الذي يرى في تدخل القوى الأجنبية بالشأن السوري أمرا قد يعرض ثورة السوريين للخطر، بدأت سخرية المواقف الحالية تخطف الأنفاس. فالأصدقاء والجيران تكالبوا كالذئاب المفترسة، على جثة نظام البعث المخلوع، التي لا تزال تنتفض، وإذا لم يتم كبح جماحهم -كما يرى- فقد يمزقون سوريا من جديد.

وأوضح في مقال، نشرته صحيفة غارديان البريطانية، أن على القوى الأجنبية أن تدع سوريا وشأنها، وترْكَ أمر مستقبل السوريين للسوريين.

إعلان

وأضاف "ليس للمجتمع الدولي الحق بإبداء رأيه بعد 13 عاما من الفشل في سوريا، خصوصا أن "تدخلات الغرب الجبانة" أجّجت الحرب، وأمام القيادة الحالية العديد من المصاعب، من إعادة اللاجئين والتخلص من الألغام إلى إصلاح اقتصاد البلاد المتهالك والتعافي من السنوات السابقة.

وتساءل تيسدال "كم سيكون من المنعش أن يثق العالم ولو لمرة واحدة فقط بشعب تحرَّر للتوّ، كي يرسم طريقه نحو العدالة والمصالحة وإعادة الإعمار بعيدا عن التدخل الخارجي؟".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات النظام السابق الأمن العام فی سوریا

إقرأ أيضاً:

الاتحاد الأوروبي يفرض عقوبات على 5 أشخاص مرتبطين ببشار الأسد


أعلن الاتحاد الأوروبي يوم الاثنين فرض عقوبات على 5 خمسة أشخاص مرتبطين بالرئيس السوري السابق بشار الأسد شملت تجميد أصول وحظر سفر إلى دول الاتحاد، وذلك لدعمهم جرائم ضد الإنسانية.

ووفقا لوكالة "رويترز: فإن مجلس الاتحاد الأوروبي أعلن أن الإجراءات استهدفت ثلاثة أعضاء سابقين في الحرس الجمهوري والقوات المسلحة السورية، مسؤولين عن انتهاكات لحقوق الإنسان خلال حكم الأسد تشمل دعم استهداف المدنيين بالأسلحة الكيماوية وتأجيج العنف الطائفي، والتعذيب والإعدام خارج نطاق القضاء.

وذكرت "رويترز" أن من بين المعاقبين أشخاصا تورطوا في موجة العنف التي وقعت في مارس الماضي.

وبحسب الوكالة، شملت العقوبات أيضا رجلي أعمال بارزين يمثلان المصالح التجارية والمالية لحكومة الأسد في روسيا، حيث يرى الاتحاد الأوروبي أن لهما دورا في تمويل جرائم ضد الإنسانية.

يذكر أن الاتحاد الأوروبي كان قد أعلن في أواخر مايو الماضي رفع كافة العقوبات الاقتصادية القطاعية المفروضة على سوريا، وتمديد العقوبات المفروضة على نظام الأسد السابق "الذي تهدد شبكاته استقرار البلاد".

وحذر الاتحاد الأوروبي من أن "شبكة نظام الأسد، المنتشرة داخل البلاد وخارجها، لم تُحل بعد ولم تخضع للمساءلة. ولا يزال هناك حقا خطر زعزعة الاستقرار وإمكانية عودة نفوذ النظام السابق، لا سيما في ظل الحوادث الأخيرة التي شهدتها المناطق الساحلية السورية، والتي أدت إلى أعمال عنف دامية بدعم من أنصار الأسد، هدفت إلى تقويض العملية الانتقالية".

كذلك أشار إلى وجود أكثر من 100 موقع مشتبه باحتوائه على أسلحة كيميائية في سوريا وهو رقم يتجاوز بكثير ما تم الاعتراف به سابقا، داعيا إلى تدميرها لما في ذلك "أولوية لضمان سلامة السكان

مقالات مشابهة

  • تغيير النظام لن يوقف مساعي إيران النووية
  • الاتحاد الأوروبي يفرض عقوبات على 5 أشخاص مرتبطين ببشار الأسد
  • وزيرة الشؤون الاجتماعية في سوريا: العمل الجبان الذي استهدف مصلّين داخل بيت من بيوت الله هو اعتداء على جميع السوريين
  • هل يفتح القبض على وسيم الأسد بوابة العدالة الانتقالية لضحايا النظام السابق؟
  • جهاد عبده: السينما سلاح وطني لبناء الوعي وتغيير الصورة النمطية عن سوريا
  • ضربة إسرائيل القوية التي وحّدت إيران
  • الداخلية السورية تعلن عن القبض على وسيم الأسد
  • وزير الإعلام: القبض على وسيم الأسد يندرج ضمن مسار ملاحقة مرتكبي الانتهاكات بحق السوريين
  • الوزير الويس: العدالة ستأخذ مجراها بحق من تلطخت يداه بدماء السوريين
  • القبض على أول شخص من عائلة بشار الأسد في سابقة أمنية لافتة بعد سقوط النظام