النظام العالمي أسسته أميركا بعد الحرب العالمية الثانية.. هل يهدمه ترامب؟
تاريخ النشر: 9th, May 2025 GMT
واشنطن- قبل 80 عاما خرجت الولايات المتحدة كأكبر المنتصرين من الحرب العالمية الثانية، وبعيدا عن الدمار الذي شهدته اليابان ودول جنوب وشرق آسيا، دمرت الحرب القارة الأوروبية خاصة فرنسا وألمانيا وروسيا، وإلى حد كبير بريطانيا، وكبَّدتها ديونا ضخمة، وبدأت معها خسارة إمبراطورياتها الاستعمارية حول العالم.
ولم ينجُ من الخسائر الكبيرة إلا الولايات المتحدة بسبب مشاركتها المتأخرة في القتال، إضافة إلى عزلتها الجغرافية بين المحيطين، الأطلسي شرقا والهادي غربا.
وظهرت مؤسسات عالمية اقتصادية مثل البنك الدولي وصندوق النقد، وأصبح الدولار العملة غير الرسمية للتبادلات الدولية، كما أسست واشنطن التنظيم الدولي في مؤسساته الحديثة من هيئة الأمم المتحدة، ومنظماتها المتخصصة، وعسكريا أسست حلف "الناتو"، وعبر هذه الأدوات سيطرت أميركا على العالم خلال العقود الثمانية الماضية.
تضحيات أميركاومنذ بدء فترة حكمه الثانية، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب حربا تجارية على جيرانه وأقرب شركائه التجاريين، كندا والمكسيك، وطالب الدانمارك ببيعه جزيرة غرينلاند وأن تسلم بنما قناتها المائية لأميركا.
إعلانوتحرك ترامب للانسحاب من منظمة الصحة العالمية، التي ساعدت الولايات المتحدة في تأسيسها، وألغى معظم برامج المساعدات الخارجية لفقراء العالم، ويقول إن العالم كله يستغل هذا النظام الدولي لاستغلال أميركا، والإضرار بمواطنيها ومصالحها.
ورغم ذلك، أصدر البيت الأبيض بيانا للاحتفال بما اعتبره "واحدة من أكثر الانتصارات الملحمية لقوى الحرية بتاريخ العالم"، وأضاف البيان "لولا تضحيات جنودنا الأميركيين، لما كُسِبت هذه الحرب، وسيبدو عالمنا اليوم مختلفا تماما، ونجدد التزامنا بالحفاظ على أميركا والعالم بأسره آمنا مزدهرا وحرا".
ويمثل إعلان ترامب في الاحتفال "بيوم النصر" في 8 مايو/أيار 2025، دليلا على إدراكه لأهمية هذا اليوم، بالرغم مما يتخذه من قرارات تعصف بالنظام الذي بني على أساس نتائج هذه الحرب.
ويقول الرئيس التنفيذي لمشروع الأمن الأميركي، ماثيو والين، "أشعر بالفزع من المحاولات المتعمدة لتفكيك الأنظمة التي عملت الولايات المتحدة بشق الأنفس لتجميعها على مدى السنوات السبعين الماضية، أخشى أننا فشلنا في تعلم دروس الماضي. لم يكن النظام مثاليا لأي شخص، لكنه أفضل نظام طوره هذا الكوكب حتى الآن".
ليس الوحيدوعلى مدار تاريخها الممتد لـ249 عاما، دفع تيار أميركي قومي قوي إلى انعزال بلاده عن تقلبات ومعارك السياسة الدولية خاصة في الساحة الأوروبية.
ويشير خبير الشؤون الدولية، ولغانغ بوستزتاي، إلى أن ترامب لم يخترع نهج "الانعزالية الأميركية"، بل كان منذ جورج واشنطن أحد مفاهيم السياسة الخارجية الرائدة، وأكثرها شعبية خاصة بين الجمهوريين، ويضيف "هيمنا على معظم القرن التاسع عشر وحتى الهجوم على بيرل هاربر (1942). غالبا ما تم دمجها مع التدخل في نصف الكرة الغربي".
إعلانويقول للجزيرة نت، إن هذا النهج الانعزالي العام لإدارة ترامب يتم تجنبه من خلال الإجراءات التي تعزز المصالح الوطنية الأميركية على مستوى العالم وعند الضرورة. وأضاف "يجب النظر إلى جميع إجراءات السياسة الخارجية لترامب من هذا الجانب. فعندما لا يكون هناك شيء ما في المصلحة الوطنية بوضوح، يتم لعب ورقة الانعزالية".
"أميركا أولا"
من جانبه، أشار والين إلى أن الهدف المعلن للرئيس ترامب في "زعزعة" النظام الدولي الأميركي الصنع هو محاولة لإعادة التوازن إلى علاقة أميركا بالعالم لمعالجة ما يراه "ظلما" في العلاقة. وهو يعتقد "أن الاختلالات في الإنفاق التجاري والدفاعي تأتي على حساب الولايات المتحدة".
فيما أشار بوستزتاي إلى أن المنظمات والتحالفات الدولية هي "أداة إستراتيجية" للأداة الدبلوماسية لسلطة الدولة، وتستخدِم معظم الدول هذه الأداة وفقا لمصالحها الوطنية، وتلعب الأمم المتحدة دورا رئيسيا في النظام العالمي.
وبما أن أميركا -يقول بوستزتاي- لم تعد تؤمن بهذا النظام، على الأقل ليس بشكل كامل، فقد تراجعت أولوية الأمم المتحدة لدى واشنطن، وينعكس ذلك أيضا "بخفض التمويل المقدم لها ولمنظماتها الفرعية".
وعن الناتو، قال بوستزتاي إن "الحلف" كان أداة مهمة لأميركا لاحتواء النفوذ الروسي على مستوى العالم والسيطرة على سوق الدفاع الأوروبي الضخم.
كما يوفر الناتو للولايات المتحدة مجموعة من الشركاء عند الحاجة للعمليات العسكرية في جميع أنحاء العالم لمواجهة التهديدات المشتركة، كما يعد وصول أميركا إلى أراضي الناتو ميزة جيوستراتيجية هائلة، ويوفر الوصول إلى القواعد الأمامية للعمليات العالمية، بما في ذلك الدفاع الصاروخي الباليستي والحرب المضادة للغواصات.
لذلك، توقع ولغانغ أن تظل أميركا "ملتزمة" بالناتو خلال رئاسة ترامب، وتدفع الأوروبيين إلى إنفاق المزيد على الدفاع. ويضيف "لن يزيد هذا الفرص المتاحة لصناعة الدفاع الأميركية فحسب، بل سيساعد في تحرير الموارد لمنطقة المحيط الهادي لمواجهة طموحات الصين المتنامية".
إعلانوعن فهمه لما تعنية رؤية ترامب "أميركا أولا" لهذا النظام الدولي، قال والين إن عقيدة أميركا في ظل إدارة ترامب تشير إلى أنها لن تنظر بعد الآن في قيمة العلاقات الدولية التي لا تُظهر أي فائدة للولايات المتحدة. كما أنها "لن تلتزم" بأي اتفاقيات لا تظهَر مظهر انتصار واضح لأميركا التي تتوقع من هذه المنظمات الدولية أن تفعل المزيد لنفسها".
البديلفيما قال والين للجزيرة نت إن البديل عن "النظام العالمي" -رغم عيوبه- هو الهيمنة الروسية أو الصينية والعودة إلى معايير ما قبل الحرب العالمية الثانية لحل الصراع.
بينما يرى بوستزتاي أنه ومنذ الغزو الروسي لأوكرانيا، لم يعد هناك نظام قائم على القواعد في العلاقات الدولية، ويتطلب مثل هذا النظام على الأقل أن تلتزم الجهات الفاعلة الرئيسية بالقواعد وأن هناك طرقا جادة لمعاقبة أولئك الذين لا يفعلون ذلك.
وقال إن البديل هو مزيج من "النظام العالمي" وعالم من التحالفات والقوة العسكرية الاقتصادية متعدد الأقطاب، وهذا يعني أنه يمكن للفاعل التعامل مع بعض الجهات الأخرى بناء على النظام العالمي، بينما يتعين عليه التعامل مع الآخرين الذين يعتمدون على قوته وعلى التحالفات.
وأضاف "بشكل عام، هذا لا يجعل العالم أكثر أمانا، ولكن من الناحية الواقعية، سيكون هذا هو الحال لمدة 10 سنوات على الأقل، وربما لفترة أطول".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الحرب العالمیة الثانیة الولایات المتحدة النظام العالمی هذا النظام إلى أن
إقرأ أيضاً:
مصر تقود الدعوة لحماية قواعد التجارة العالمية لتوفير بيئة عادلة ومستقرة للجميع
وسط اضطرابات التجارة الدولية وتصاعد الإجراءات الأحادية في عدد من الاقتصادات الكبرى، أكدت مصر خلال اجتماعات المجلس العام لمنظمة التجارة العالمية في جنيف 6-8 أكتوبر 2025 التزامها بقيادة جهد جماعي لإصلاح يعيد الثقة بالنظام التجاري المتعدد الأطراف، ويضع التنمية في قلب أولوياته، ويضمن بيئة تجارية مستقرة وعادلة لجميع الأعضاء وخاصة الدول النامية
شددت مصر في بيانها أمام المجلس العام على أن الإصلاح يجب أن يركز على مبادئ الدولة الأولى بالرعاية ومبدأ عدم التمييز باعتبارهما حجر الأساس للنظام التجاري العالمي، ودعت إلى أن يشمل الإصلاح الوظائف الثلاث للمنظمة وهي التفاوض والرقابة وتسوية المنازعات بما يعزز ترابطها وفاعليتها
وأشارت إلى أن نحو 72% من تجارة السلع العالمية تتم وفق قواعد منظمة التجارة العالمية وهو ما يعكس استمرار مركزية القواعد المتعددة الأطراف، وطالبت بخطة إصلاح محددة تضمن استعادة نظام تسوية المنازعات بكامل طاقته بحلول 2026.
برنامج العمل للتجارة الإلكترونيةورأت مصر أن استمرار برنامج العمل للتجارة الإلكترونية يمثل الإطار الأمثل لمعالجة قضايا الاقتصاد الرقمي بما يتيح زيادة مشاركة جميع الدول الأعضاء في التجارة الدولية ومن ثم تحقيق فوائد تنموية مستدامة، خاصة الدول النامية والأقل نمواً، وأكدت مصر على ضرورة مراعاة شواغل الإيرادات والسياسات الوطنية للدول النامية عند وضع قواعد دولية تتعلق بالتجارة الرقمية، داعية إلى حوار عملي لتحقيق توازن في ملف التجارة الرقمية دوليا مع التركيز على البعد التنموي لهذا الملف الحيوي.
وحذرت مصر من تصاعد الإجراءات التجارية الحمائية التي تطبقها الدول بشكل احادي بدون مراعاة الأسس والقواعد المتفق عليها دوليا لتنظيم هذه الإجراءات، وكذا حذرت من وتقلبات الرسوم الجمركية وما تسببه من ضغوط على مبدأ عدم التمييز وزعزعة الثقة في النظام التجاري العالمي، مشيرة إلى أن الرسوم المتبادلة التي تتبناها بعض الاقتصادات الكبرى تضر بالاستثمارات وسلاسل الإمداد وتفاقم المخاطر على الدول النامية، كما نبهت إلى أن توسع الاتفاقات الثنائية والإقليمية بدون اخطار منظمة التجارة العالمية قد يقوض استقرار النظام القائم على القواعد ويزيد من تجزئة القواعد التجارية العالمية
وأكدت مصر أن الدروس المستفادة من المؤتمرات الوزارية السابقة تثبت قدرة المنظمة على تحريك النظام التجاري الدولي القائم على التوقعية والاستقرار، مشيرة إلى اتفاق تيسير التجارة وقرار تخزين السلع للأمن الغذائي، وإلغاء دعم الصادرات الزراعية وتعزيز مشاركة الدول الأقل نمواً، وعودة الزخم من خلال اتفاق مصايد الأسماك وتدابير دعم الأمن الغذائي وقرار مواجهة الأوبئة.
واختتمت مصر بالتأكيد على أن الإصلاح المنشود يجب أن يحمي النظام القائم على القواعد ويعيد الثقة في منظمة التجارة العالمية كمنصة محورية للتعاون التجاري الدولي، ويضمن بيئة عادلة ومستقرة لجميع الأعضاء، مؤكدة استعدادها للتعاون مع جميع الشركاء لتحقيق هذا الهدف قبيل MC14، معتبرة أن اللحظة الحالية تمثل فرصة حاسمة لاستعادة قوة النظام التجاري المتعدد الأطراف بما يخدم مصالح التنمية والاستقرار العالمي.