يمانيون/ تقارير

تتضح الآن، صورة متكاملة لمشهد الانكسار الأمريكي في اليمن، وهي تعزز أهمية الانتصار الاستراتيجي الكبير في هذه المعركة.

المعروف عن الاستكبار الأمريكي أنه عندما يخوض الحروب، ويحرك حاملات طائراته إلى البحار، فإنه لا يتراجع حتى يحتل البلدان الضعيفة، ويقهر أهلها، وينهب ثرواتها، ويمارس فيها أبشع أساليب الانتهاكات، وما سجن “أبو غريب” ولا معتقل “غوانتنامو” عنا ببعيد، ولو أتيح للعدو الأمريكي احتلال اليمن لفعل ما لا يمكن تصوره.

إذاً، ما الذي دفع الأمريكي للجلوس صاغراً ذليلاً أمام اليمن في مفاوضات ترعاها سلطنة عمان رغم معرفة الجميع باستكباره وتعاليه ورغبته الجامحة في ارتكاب الجرائم وسفك دماء الأبرياء؟

 وللإجابة عن هذا التساؤل، تبرز أمامنا ثلاث حقائق جلية، وذلك على النحو الآتي:

أولاً: إخفاق الأدوات الصلبة: والمقصود بها هنا، كل الأساليب العسكرية ضد اليمن، بدءاً من تحريك حاملات الطائرات الأمريكية لترهيب اليمن كما فعلت مع بلدان أخرى، مثل العراق وأفغانستان، ثم استخدام المقاتلات الحربية بمختلف أنواعها، وطائرات الاستطلاع المتطورة، وكذلك مقاتلات الشبح B2.

بالنسبة لحاملات الطائرات، وتحديداً الحاملة فقد لحقها العار الكبير، والخيبة الكبرى، وهي تتلقى الصفعات المتتالية من قبل القوات المسلحة اليمنية، حتى وصلت إلى مرحلة والهروب التكتيكي المذل، وانتقلت من وضعية الهجوم إلى الدفاع، لينتهي بها الحال إلى قرار المغادرة والرحيل من البحر الأحمر والذي سيكون قريباً بإذن الله.

أما المقاتلات الحربية، فإن العدو الأمريكي ومنذ الوهلة الأولى، لم يدخل طائرات في سياق المواجهة، كونه يدرك أن هذا النوع من المقاتلات عرضة للإسقاط بفعل الدفاعات اليمنية المتطورة، ولهذا بدأ المواجهة مستخدماً مقاتلات ، ومع ذلك تعرضت هذه المقاتلات للانتكاسة، وتم إسقاط ثلاث منها حتى كتابة التقرير.

وتعد طائرات الاستطلاع الأمريكية من أبرز أدوات أمريكا الصلبة التي تعرضت للذل والمهانة، بفعل القدرات اليمنية على اصطيادها، لدرجة أنه تم إسقاط 7 طائرات من هذا النوع خلال الشهر الماضي فقط، ولهذا بات هذا النوع من السلاح الذي يعتمد عليه في الرصد والتجسس خارج الخدمة.

 وظلت أمريكا محتفظة بمقاتلات الشبح B2، غير أن دورها تركز على استهداف المدنيين، وعدم القدرة للوصول إلى القدرات العسكرية اليمنية، أضف إلى ذلك أن الأمريكيين باتوا يخشون من إسقاطها في أجواء اليمن، وهذا سيؤدي إلى فضيحة كبرى لترامب وحكومته.

كل هذه المعطيات، تثبت بما لا يدع مجالاً للشك، بأن التراجع الأمريكي كان نتاج هزيمة وعجز، وإخفاق في التعامل مع اليمن، والتخوف من أن تؤدي المواجهات إلى سيناريوهات مرعبة تتمثل في قيام اليمن بإغراق حاملات الطائرات الأمريكية على سبيل المثال، وإسقاط مقاتلات الشبح، وهذا سيجر ترامب وإدارته إلى مستنقع خطير، ويؤثر على سياسته ومسار حكمه في البيت الأبيض.

ثانياً: العجز في حماية ملاحة العدو الإسرائيلي: كل المعطيات السابقة، أثبتت أن الأمريكي فشل في إلحاق الضرر بالقدرات العسكرية اليمنية، وأن اليمنيين يتجهون إلى خيارات تصعيدية، وهي الانتقال إلى فرض حصار جوي على كيان العدو بعد استهداف مطار الدولي، وهو ما يجعل الأمريكي في حرج كبير جداً، فهو لم يتمكن من فك الحصار المفروض على العدو الإسرائيلي في البحر، ولن يتمكن من فك الحصار الجوي، ولهذا فلا سبيل أمامه سوى الهروب، وترك نتنياهو يغرق في خيباته.

ثالثاً: صلابة الموقف اليمني بكافة مستوياته: وإلى جانب ما سبق، فقد أظهر اليمنيون قدرة فائقة على الصبر والثبات في مواجهة العدوين الأمريكي والإسرائيلي، إلى درجة أجبرت ترامب بنفسه على الإقرار والاعتراف بأنهم ، فالقوات المسلحة اليمنية، واصلت عملياتها وفق خطة محكمة، تمتاز بالتدرج في توجيه الضربات، وصولاً إلى إيذاء العدو ووجعه، والشعب اليمني حافظ على وتيرته في المساندة من خلال الوقفات القبلية المسلحة، والخروج المليوني في الساحات كل يوم جمعة، والفعاليات والأنشطة والندوات وغيرها، وهو ما أظهر صورة جلية للأعداء بأن هذا الشعب لا يمكن أن يقهر أو يستسلم، وهو ما دفع الأمريكيين إلى التراجع والانكفاء، وصولاً إلى توقيع اتفاق برعاية سلطنة عمان بوقف العدوان الأمريكي على اليمن، مقابل وقف اليمن لاستهداف السفن والقطع الحربية الأمريكية في البحار.

ولعل من أبرز نتائج هذا الاتفاق تحييد أمريكا عن مساندة الكيان الصهيوني، سواء في البحر الأحمر، أو بأية طريقة أخرى.

هذا التحييد، يعني أن الكيان المؤقت لن يتمكن من فك الحصار المفروض عليه من قبل اليمن في البحر الأحمر، وهو ما سيراكم من الخسائر الاقتصادية، نتيجة إغلاق ميناء “ايلات” جنوبي فلسطين المحتلة، وانعزال الكيان عن أفريقيا ودول جنوب شرق آسيا، وهو حصار لا تطيقه “إسرائيل” على الإطلاق، كون تجارب الماضي تثبت أن البحر الأحمر يعد رئة مهمة للكيان، وجزءا لا يتجزأ من أمنه القومي.

وهنا، يؤكد اليمنيون أن تحييد أمريكا سيدفع اليمن إلى تنفيذ عمليات أوسع وأشمل ضد كيان العدو، كما أكد ذلك رئيس الوفد الوطني المتحدث باسم أنصار الله محمد عبد السلام، وهو يؤكد على صلابة ومتانة الموقف اليمني المساند لغزة، وعدم التخلي عنها مهما كانت الأحداث.

 لقد هُزمت أمريكا بالفعل، وبات اليمن سيد البحر الأحمر، بلا منازع، فهو الذي يقرر من يمر من هذا البحر ومن لا يمر، وبما أن أكبر قوة بحرية في العالم قد عجزت عن ثني اليمنيين عن قرارهم بحصار الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر، فمن الذي سيجرؤ على مواجهتهم في المستقبل؟! وهذا في حد ذاته يضع اليمن ضمن أهم القوى الإقليمية الصاعدة، وسيدفع بالدول المطلة على هذا البحر أن تفتح صفحة جديدة مع اليمنيين، لا سيما السعودية ومصر، واللتان كان لهما دور سلبي في السنوات العشر الماضية، من خلال العدوان على اليمن، وتدمير كل مقدراته.

نقلا عن موقع أنصار الله

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: البحر الأحمر فی البحر وهو ما

إقرأ أيضاً:

البرهان يناور بذكاء ويتوعد الدعم السريع

تخيل بلدا يقف على جرف هارٍ تدفعه حرب ضارية إلى الهاوية، وجيشا يقاتل على جبهات متشعبة، واقتصادا ينهار طبقة بعد أخرى، بينما تتنازع قوى عالمية على أرضه وموانئه وذهبه وموقعه الاستثنائي.

وفي قلب هذا المشهد يقف رئيس مجلس السيادة الانتقالي وقائد الجيش، الفريق أول عبدالفتاح البرهان، محاولا أن يمسك بالعصا من وسطها: يلوح للغرب بإمكانية الشراكة، ويشد في الوقت نفسه خيوط الارتباط بالشرق الصاعد.

ليس ذلك تقلبا سياسيا ولا انتقالا عشوائيا بين المحاور، بل مناورة وجودية فرضتها الجغرافيا القاسية، وحرب أنهكت الدولة والمجتمع، وتوازنات دولية تجعل من السودان ساحة اختبار كبرى في صراع النفوذ على البحر الأحمر والقرن الأفريقي.

وفي هذا السياق تحديدا، برزت آخر رسائل البرهان إلى الغرب عبر مقاله الذي اختار له بعناية صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية بتاريخ 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2025؛ رسالة لم تكن مقال رأيٍ عابرا، بل مذكرة سياسية مشفرة، صيغت بقدر محسوب من الإيحاء لتصل مباشرة إلى دوائر صناعة القرار.

الانحياز إلى الشرق يعني سلاحا متاحا، لكن يفضي إلى عزلة مالية خانقة والانحياز إلى الغرب يعني دعما اقتصاديا محتملا، لكن يفضي إلى فقدان الإسناد العسكري، وخطر الانفجار الداخلي، ولهذا يصبح الاصطفاف الكامل قاتلا

الرسالة السياسية والصفقة غير المعلنة

في مقاله المثير، حمل البرهان قوات مليشيا السريع مسؤولية الحرب، رافضا توصيف الصراع بأنه "صراع جنرالين"، ومؤكدا أنها حرب تمرد على الدولة.

لكنه لم يكتفِ بهذا التوصيف؛ بل بنى المقال كله على فكرة واحدة: إذا ساعدتموني على تفكيك مليشيا الدعم السريع وإنهاء التمرد، فسأكون جاهزا للمضي في مسار التطبيع، وتقديم صيغة حكم مدني ترضيكم.

لوح البرهان بالانتقال الديمقراطي، وذكر الغرب بأن الصراع يهدد مصالحه في البحر الأحمر، وفتح باب الشراكة الاقتصادية، مشيرا إلى دور للشركات الأميركية في إعادة الإعمار. بدا المقال أقرب إلى عرض تفاوضي مكتمل الأركان: دعم عسكري وسياسي مقابل شرعية واستقرار وتعاون أمني.

هذه الرسالة ليست معزولة؛ فهي تأتي في وقت تتنامى فيه تحركات البرهان على الساحة الدولية: خطابات في الأمم المتحدة، إشارات إيجابية في الملفات الإنسانية، وانفتاح محسوب على المؤسسات الغربية.

إعلان

لكن هذه الإشارات لا تعني انقلابا إستراتيجيا نحو الغرب، بل هي جزء من لعبة أكبر توازن فيها القيادة السودانية بين مكاسب اللحظة، ومخاطر الاصطفاف الحاد.

بين القيمة الجيوسياسية وكلفة الاصطفاف

يحتل السودان موقعا استثنائيا. فهو بوابة البحر الأحمر، وممر التجارة العالمية، وخزان ضخم للمعادن والأراضي الزراعية. ولهذا تتصارع عليه القوى الكبرى اليوم، كما لم تفعل من قبل.

الصين ترى في السودان امتدادا لطريقها التجاري نحو أفريقيا. استثماراتها الضخمة في الموانئ والبنية التحتية والزراعة، تجعلها تبحث عن طريقة لتفادي انهيار كامل قد يبتلع مصالحها. وبكين، رغم هدوئها المألوف، تدرك أن الفوضى في السودان تعني خسارة سنوات من العمل الاقتصادي والإستراتيجي، ولذلك تتحرك بدقة: دعم محدود للجيش، وضغط خلفي لتثبيت الاستقرار دون الاصطدام بالغرب مباشرة.

أما روسيا فقد استعادت أدواتها غير النظامية عبر "أفريكا كوربس"، البديل الجديد لفاغنر، بهدف ترسيخ وجود إستراتيجي دائم على البحر الأحمر. بالنسبة لموسكو، السودان ليس مجرد شريك إستراتيجي، بل هو مفتاح لدخول القرن الأفريقي بعمق، وتحقيق توازن مع الضغوط الغربية في أوكرانيا، وأوروبا.

الغرب من جهته يراقب بقلق تمدد الشرق. لكنّ لديه شرطا واحدا لم يتغير: لا دعم اقتصاديا حقيقيا دون التقدم في ملف التطبيع، وهندسة المسرح السياسي الداخلي، واستبعاد تيار بعينه.

هكذا يجد السودان نفسه أمام معادلة مستحيلة:

الانحياز إلى الشرق يعني سلاحا متاحا، لكن يفضي إلى عزلة مالية خانقة. الانحياز إلى الغرب يعني دعما اقتصاديا محتملا، لكن يفضي إلى فقدان الإسناد العسكري، وخطر الانفجار الداخلي.

ولهذا يصبح الاصطفاف الكامل قاتلا، والمناورة بين الشرق والغرب أشبه بخيط نجاة رفيع، لكن لا بد من السير عليه.

عدم الانحياز الذكي ورهان الداخل

ضمن هذه الحسابات الدولية المعقدة، يبرز مسار ثالث يفرض نفسه بقوة:

عدم الانحياز الفعال، وهو ليس حيادا سلبيا كما في الستينيات، بل إستراتيجية قائمة على مزيج من الانفتاح الانتقائي، والمداورة الدبلوماسية.

هذا المسار يعني:

تعاونا اقتصاديا عميقا مع الصين، دون الارتهان لها. شراكة أمنية مع روسيا، دون التحول إلى بوابة لها على البحر الأحمر. انفتاحا على الغرب، دون الوقوع في فخ الشروط الثقيلة التي قد تشعل الداخل. بناء دور إقليمي يعتمد على الجغرافيا لا على الأيديولوجيا.

بهذه المقاربة، يتحول السودان من ساحة صراع إلى لاعب يجيد توظيف الصراع لصالحه.

بيد أن كل هذا لن ينجح إذا لم يتم حسم المعركة الأهم: معركة الداخل. فالرهان الحقيقي ليس على واشنطن ولا بكين ولا  موسكو، بل على قدرة القيادة السودانية على:

توحيد الجبهة الداخلية، إعادة بناء المؤسسات، وقف النزيف الاقتصادي، وفرض إرادتها على القوى الإقليمية المتدخلة.

فمن دون جبهة داخلية متماسكة، تصبح المناورة الخارجية مجرد لعبة خطرة قد تسقط عند أول هزة. ومن دون قرار وطني صارم، لن تستطيع الخرطوم تحويل ثقلها الجيوسياسي إلى قوة حقيقية.

الخلاصة: المناورة ليست خيارا.. بل قدرا سياسيا

ما يقوم به البرهان اليوم ليس استسلاما للغرب ولا انحيازا للشرق، بل مناورة إجبارية تهدف إلى جمع السلاح من منطقة، والشرعية من أخرى، والمساعدات من ثالثة، دون دفع الأثمان كاملة لأي طرف.

إعلان

هي محاولة لاستثمار موقع السودان الفريد في معركة الهيمنة على البحر الأحمر، وتحويل الأزمة إلى ورقة تفاوض كبرى. غير أن هذه اللعبة الخطرة لن تجدي نفعا إذا لم يُستعَد الداخل أولا.

ففي النهاية، لا تحدد الدول الكبرى مصائر الأمم بقدر ما تحددها إرادة أبنائها.

وقدرة السودان على الخروج من النفق لا تتوقف على لعبة التوازن الدولية فحسب، بل على قوة البيت الداخلي، وتمكن القيادة من فرض رؤيتها على من يحاولون تشكيل مستقبل السودان من الخارج.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطبيان إمكانية الوصولخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • السفينة جالاكسي .. اولى صفحات البطولة اليمنية .. الحلقة (1)
  • تطوير ميناء المخا.. رهان اقتصادي يعيد إحياء بوابة تجارة هامة في اليمن
  • المحكمة الجزائية بأمانة العاصمة تستعرض أدلة الإثبات في قضية التخابر مع العدو الأمريكي
  • البرهان يناور بذكاء ويتوعد الدعم السريع
  • بمقاتلات وقاذفات.. الجيش الأمريكي ينفذ طلعات جوية فوق ساحل فنزويلا
  • درة تسعرض أناقتها في ختام مهرجان البحر الأحمر.. شاهد
  • البحر الأحمر يكشف المستور.. لماذا شيطن الغرب العمليات اليمنية المساندة لغزة؟
  • جائزة عمر الشريف تُمنح لـ هند صبري في مهرجان البحر الأحمر السينمائي
  • حكومي غزة : تصريحات السفير الأمريكي لدى الأمم المتحدة بشأن دخول “600 شاحنة يومياً” مضللة ومخالفة للواقع
  • مركز عين الإنسانية يكشف عن إحصائية جرائم العدوان السعودي الصهيوني الأمريكي على اليمن خلال 3900 يوم