جريدة الرؤية العمانية:
2025-06-25@16:11:19 GMT

عُمان صوت العقل ونهج الحكمة

تاريخ النشر: 10th, May 2025 GMT

عُمان صوت العقل ونهج الحكمة

 

 

د. حامد بن عبدالله بن حامد البلوشي **

عبر الأزمنة، وعلى مدار التاريخ الإنساني؛ برزت سياسة الحياد الإيجابي كنهج إستراتيجي تبنته بعض الدول واختارته لصون استقرارها، والحفاظ على لحمتها الوطنية، متجنبة التورط في النزاعات الإقليمية، والصراعات الدولية. ويتجلى الحياد في حفاظ الدولة على توازن علاقاتها مع مختلف الأطراف، دون أن تنحاز إلى جهة على حساب أخرى.

ولقد اختطت سلطنة عُمان هذا المسار بثبات وحكمة، واعتمدت ذلك النهج كسياسة دائمة، فباتت نموذجًا فريدًا للدبلوماسية الرشيدة الرصينة، والسياسة العقلانية الحكيمة.

ظلّت عُمان دولة مستقلة ذات سيادة راسخة عبر العصور، ترفض التبعية والانجرار خلف القوى العالمية، وتنسج علاقات طيبة مع الشعوب شرقًا وغربًا. وهذا النهج لم يكن وليد العصر الحديث، بل بدأ منذ عهد الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي في القرن الثامن عشر، وازداد وضوحًا خلال حكم السلطان قابوس بن سعيد -رحمه الله- الذي أرسى سياسة الحياد المُستنير، مكرسًا مبدأ: "لا عداء مع أحد، ولا تحالف ضد أحد"، وهو النهج الذي يواصل السير عليه حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله- منذ توليه مقاليد الحكم عام 2020، مجددًا التزام السلطنة بالحياد كخيار إستراتيجي.

وفي عالم تتسارع فيه الصراعات وتضطرب التحالفات، تبرز عُمان كواحة سلام، لا تنأى عن الأحداث، بل تقدم الحياد كرسالة حضارية. تمضي بثبات الحكماء، تمزج السكينة السياسية بالفاعلية الدبلوماسية، وتبني جسور التفاهم، مناصرةً صوت العقل والحوار، ومراهِنة على الحكمة لإطفاء حرائق الجغرافيا والتاريخ.

وقد ارتكزت سياسة الحياد الإيجابي العُمانية على مجموعة من الأسس:

 التمسك بالمبادئ الدولية: وعلى رأسها احترام السيادة الوطنية للدول، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، ورفض استخدام القوة أو التهديد بها لحل النزاعات. ويتجلى ذلك في موقفها الثابت من الأزمات الدولية والإقليمية؛ حيث حرصت على الالتزام بالقانون الدولي ودعم المبادرات الدبلوماسية السلمية. دعم الحوار كوسيلة لحل النزاعات: فهو أحد الأعمدة الأساسية التي قامت عليها الدبلوماسية العُمانية؛ حيث آمنت عُمان بأن الحلول السلمية هي الأجدى لتحقيق الاستقرار الإقليمي والدولي. تعزيز التعايش السلمي والتعاون الإقليمي والدولي: فمنذ القدم، كانت عُمان ملتقى للحضارات، وجسرًا يربط الشرق بالغرب. واستمرت السلطنة في تعزيز العلاقات الودية مع مختلف الدول، وسعت إلى دعم الجهود الرامية لتحقيق السلام في المنطقة والعالم، إدراكًا منها بأن الاستقرار لا يتحقق إلا عبر التعاون المثمر، والتفاهم المتبادل.

 

وقد اتسمت السياسة العُمانية الرشيدة بعدد من الأهداف السياسية والإستراتيجية ومنها:

الحفاظ على الاستقرار الداخلي والخارجي: فقد ساعدت سياسة الحياد العُمانية في تجنيب السلطنة الكثير من الصراعات التي عصفت بالمنطقة، فبقيت عُمان واحة استقرار وسط أزمات الخليج المتتالية.  تحقيق التوازن في العلاقات الدولية: عن طريق حرص السلطنة على علاقات متوازنة مع الجميع، فجمعت بين روابطها الخليجية والعربية، وعلاقاتها المتميزة مع قوى كبرى كأمريكا والصين وروسيا والاتحاد الأوروبي، ما منحها حضورًا دوليًّا فاعلًا.  تعزيز دور عُمان كوسيط موثوق: فأصبحت السلطنة وسيطًا يُعتمد عليه في أزمات كالأزمة اليمنية والملف النووي الإيراني. بفضل حيادها الإيجابي.

وبالنظر إلى التجارب العملية لسياسة الحياد العُمانية، نذكر بعض النماذج الناجحة:

الوساطة بين الولايات المتحدة الأمريكية والسلطات المعنية بالجمهورية اليمنية والتي أسفرت عن التوصل إلى اتفاق على وقف إطلاق النار بين الجانبين لضمان حرية الملاحة وانسيابية حركة الشحن التجاري الدولي في البحر الأحمر وباب المندب. استضافة الحوار الأمريكي الإيراني (2025م): فقد استضافت السلطنة مؤخرًا محادثات بين أمريكا وإيران، تأكيدًا على نهجها في الحياد الإيجابي وسعيها للتقريب بين الأطراف. وجاءت هذه المبادرة تأكيدًا لحكمة القيادة العُمانية ودورها المحوري في دعم الاستقرار الإقليمي، لتظل عُمان منارة للتعقل، ومأمنا للحوار البنَّاء. الوساطة في النزاع اليمني: بالنظر إلى سلطنة عُمان كأرض للحكمة، وواحة للسلام، وبرعاية قائدها المتبصر، قد قامت بدورها المحوري المنتظر منها دائما في تقريب وجهات النظر بين الفرقاء، عبر دبلوماسيتها الهادئة، ومساعيها الإنسانية، بهدف الوصول إلى حلّ سلمي يخفّف من معاناة الشعب اليمني. منتزعة فتيل الأزمة، وغارسة بذور الوفاق، في أرض تاقت إلى الأمان بعد طول اضطراب. موقفها من الأزمة الخليجية (2017م): فقد التزمت عُمان الحياد، فحافظت على علاقاتها مع جميع الأطراف، وساهمت في جهود الوساطة بين الأشقاء الخليجيين، مؤدية دور الجسر الذي يربط الأشقاء دون انحياز. الأمن البحري في الخليج: بفضل موقعها الإستراتيجي على مضيق هرمز، لعبت السلطنة دورًا في تهدئة التوترات البحرية، وسعت لضمان استقرار الملاحة الدولية بين إيران والغرب.

إنَّ انتهاج سياسة الحياد العُمانية لم يكن طريقًا مُعبَّدًا؛ بل كان مسارًا شائكًا محفوفًا بالتحديات، ومن أبرزها:

* الضغوط الإقليمية والدولية: فقد واجهت السلطنة محاولات دائمة لجرّها إلى مواقف منحازة من قِبل بعض القوى، إلا أن القيادة العُمانية تمسكت بنهجها المستقل، ورفضت الانجراف وراء الاستقطاب.

* التحديات الاقتصادية والسياسية: فرغم ما قد يسببه الحياد من حرمان بعض الامتيازات الاقتصادية التي تُمنح للحلفاء، فقد استطاعت عُمان بناء اقتصادها عبر التنويع والاستثمارات، مستفيدة من علاقاتها المتوازنة مع الجميع.

رغم ما قد يرافق الحياد من تحديات، إلا أن له آثارًا إيجابية بارزة، منها:

الاستقرار السياسي والاقتصادي: فقد ساعد الحياد في ترسيخ أمن عُمان واستقرارها، مما جذب الاستثمارات، وعزز النمو الاقتصادي، فاستقطبت العديد من الاستثمارات الباحثة عن البيئة الآمنة. تعزيز المكانة الدولية: فمنحت سياسة الحياد السلطنة احترامًا واسعًا وثقة دولية، فغدت شريكًا موثوقًا في قضايا إقليمية ودولية عديدة.

لقد أثبتت سياسة الحياد العُماني أنها ليست مجرد موقف دبلوماسي؛ بل هي رؤية إستراتيجية أسهمت في حفظ الاستقرار وتعزيز مكانة عُمان عالميًّا. وسواء في عهد السلطان قابوس -طيب الله ثراه-، أو في عهد جلالة السلطان هيثم بن طارق- حفظه الله ورعاه- ستبقى عُمان نموذجًا للاتزان السياسي والحكمة الدبلوماسية، دولة ترفض الاستقطاب، وتصنع السلام في عالم يموج بالصراعات.

** مدير عام شبكة الباحثين العرب في مجال المسؤولية المجتمعية

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

5 ولايات عُمانية ضمن المراكز الأولى عالميًا في شدة الحرارة

مسقط - الرؤية

تصدّرت سلطنة عُمان قائمة أعلى درجات الحرارة المسجّلة عالميًّا خلال الـ24 ساعة الماضية، وفقًا لبيانات الرصد الجوي الصادرة صباح اليوم الثلاثاء 24 يونيو 2025، حيث سجّلت محطة مطار أدم أعلى درجة حرارة على مستوى العالم بلغت 48.9 درجة مئوية.

وجاءت في المرتبة الثانية محطة مطار خصب بدرجة حرارة بلغت 48.5°م، تلتها نزوى بـ47.9°م، وبدية وقرن علم بـ47.8°م، لتسجل خمس محطات عمانية مراتب متقدمة ضمن قائمة الأكثر حرارة في العالم.

وتوزعت بقية القراءات المرتفعة على ولايات فهود وسمائل والمضيبي وإبراء، حيث تراوحت بين 47.5°م و46.9°م، مما يعكس اتساع رقعة تأثير موجة الحر التي تمر بها السلطنة والمنطقة عمومًا، وشملت أيضًا الكويت والجزائر بدرجات حرارة تخطّت 46°م.

وأهابت الجهات المعنية في سلطنة عمان بالمواطنين والمقيمين ضرورة توخّي الحذر، وتجنّب التعرض المباشر لأشعة الشمس، لا سيما في ساعات الظهيرة، للوقاية من ضربات الشمس والإجهاد الحراري، مؤكدة أهمية الإكثار من شرب السوائل وتفادي الأنشطة الخارجية في أوقات الذروة.

مقالات مشابهة

  • عبد المسيح التقى الرئيس عون: لضرورة الاستمرار في سياسة الحياد التي حمت لبنان
  • البريمي تحتضن احتفال السلطنة بذكرى الهجرة النبوية الشريفة
  • الحرص السامي على تغليب الحكمة ولغة الحوار
  • اتفاقية بين "الطيران العماني" و"الهوية الترويجية الموحدة" لتعزيز مكانة السلطنة عالميا
  • باحثة عُمانية تطوّر فلاتر كربونية من مخلفات القهوة لمعالجة المياه
  • باحثة عُمانية تُحوّل مخلفات القهوة إلى حلول مائية مستدامة
  • 5 ولايات عُمانية ضمن المراكز الأولى عالميًا في شدة الحرارة
  • صقر غباش: الحكمة والمسؤولية تقتضيان معالجة القضايا في المنطقة عبر التفاوض
  • جابر: تجاوز التحديات يتطلب الحكمة والالتفاف الوطني
  • أكاديمية رياضية بريطانية تزور السلطنة لتقديم ورش تدريبية في كرة القدم