الهوية العُمانية في الفضاء الرقمي
تاريخ النشر: 10th, August 2025 GMT
د. أحمد بن موسى البلوشي
يشهد العالم تحولات متسارعة بفعل الثورة الرقمية، التي غيّرت أنماط الحياة والتفكير والتواصل، وأصبح الفضاء الرقمي جزءًا لا يتجزأ من الواقع اليومي للأفراد والمجتمعات، وفي ظل الانفتاح العالمي، تواجه الهويات الوطنية تحديات جدية تهدد خصوصيتها وتميّزها. وتُعد الهوية العُمانية، بما تحمله من قيم أصيلة، وتقاليد عريقة، وموروث حضاري غني، إحدى هذه الهويات التي تحتاج إلى حماية واعية ومستدامة في هذا العصر الرقمي.
وتواجه الهوية العُمانية في الفضاء الرقمي، عدة تحديات متنامية، في ظل الانفتاح العالمي وسرعة تداول المعلومات، ومن أبرز هذه التحديات غزو المحتوى الأجنبي؛ حيث تنتشر عبر المنصات الرقمية مواد إعلامية وثقافية قد تتنافى مع القيم والمبادئ العُمانية؛ ما يؤدي إلى خلخلة في المفاهيم والأنماط السلوكية لدى بعض الأفراد، خاصة فئة الشباب. كما يبرز ذوبان الخصوصية الثقافية نتيجة التقليد غير الواعي للثقافات الأخرى؛ مما يهدد تميّز المجتمع العُماني وهويته الفريدة. إلى جانب ذلك، يُلاحظ تراجع استخدام اللغة العربية واللهجة العُمانية بسبب الاعتماد الكبير على اللغات الأجنبية في التفاعل الرقمي؛ مما يؤثر على سلامة اللغة وعلى أحد مكونات الهوية الثقافية. كما إن انتشار المعلومات المُضلِّلة حول الرموز الوطنية أو الموروثات الثقافية يسهم في إضعاف الوعي الوطني، ويُشكّل خطرًا على فهم الأجيال لهويتهم بشكل دقيق وأصيل.
وتؤدي المؤسسات الرسمية والمجتمع المدني دورًا محوريًا في حماية الهوية العُمانية وتعزيز حضورها في الفضاء الرقمي، وذلك من خلال مجموعة من الجهود المتكاملة. ففي مقدمة هذه الجهود يأتي تعزيز الوعي الرقمي عبر إدماج مفاهيم "المواطنة الرقمية" في المناهج التعليمية، لتنشئة جيل واعٍ بهويته وقادر على التعامل مع العالم الرقمي بوعي ومسؤولية. كما يقع على عاتق المؤسسات الإعلامية والثقافية إنتاج محتوى رقمي عُماني متميز يُبرز القيم الوطنية والتقاليد الأصيلة بأساليب تفاعلية وجاذبة، مما يسهم في بناء صورة إيجابية عن الهوية العُمانية على المستويين المحلي والعالمي. ومن الضروري أيضًا استثمار المنصات الإعلامية الوطنية لتعزيز الخطاب الثقافي وتعريف الأجيال الجديدة بالرموز والمكونات الثقافية والتاريخية للوطن.
أما على صعيد المجتمع المدني، فتكمن أهميته في دعم المبادرات الثقافية الرقمية، كالمتاحف الافتراضية والمشاريع الشبابية المهتمة بالتراث والتاريخ، وتشجيع الأفراد على المشاركة الفاعلة في بناء محتوى رقمي يعكس هويتهم. كما يجب تفعيل الرقابة الذكية والمشاركة المجتمعية من خلال التبليغ عن المحتوى المسيء، ونشر المضامين الإيجابية.
والأفراد، وبشكل خاص فئة الشباب، هُم العنصر الأهم في حماية الهوية العُمانية وتعزيز حضورها في الفضاء الرقمي، فهم الأكثر تفاعلًا مع التقنيات والمنصات الرقمية، والأقدر على التأثير من خلالها، ومن أبرز الأدوار التي يمكن أن يضطلع بها الشباب هو الوعي بالمسؤولية الرقمية، من خلال استخدام المنصات الإلكترونية بطريقة تعكس القيم العُمانية الأصيلة، وتجنب تقليد السلوكيات أو المحتويات التي تتنافى مع الهوية الوطنية. كما يُسهم الشباب بشكل فاعل في إنتاج محتوى رقمي يعبر عن الهوية العُمانية، سواء عبر منصات التواصل الاجتماعي، أو المدونات، أو القنوات المرئية، من خلال الترويج للفنون العُمانية، والموروث الشعبي، واللغة، والملابس التقليدية، والمواقع التاريخية، ومن المهم أيضًا المحافظة على اللغة العربية واللهجة العُمانية في الخطاب الرقمي، لما له من دور في ترسيخ الانتماء وتعزيز الخصوصية الثقافية.
كذلك، يجب أن يتحلى الشباب بروح النقد الواعي والمشاركة الإيجابية، عبر التصدي للمعلومات المضللة، والمساهمة في نشر محتوى يعزز قيم المواطنة والانتماء. إن دور الشباب لا يقتصر على التلقي فقط، بل يشمل أيضًا صناعة التغيير الثقافي الإيجابي الذي يضمن استمرارية الهوية العُمانية في عالم رقمي سريع التحول.
إنَّ الحفاظ على الهوية العُمانية في الفضاء الرقمي ليس مهمة حصرية لمؤسسة أو جهة بعينها؛ بل مسؤولية وطنية جماعية تتطلب تكاتف الجهود بين الدولة والمجتمع والأفراد. ومع الانفتاح الرقمي، تصبح الحاجة أكثر إلحاحًا للتمسك بالقيم العُمانية الأصيلة، وتحديث أدوات التعبير عنها بأساليب معاصرة، تضمن استمراريتها وقوتها في الحاضر والمستقبل. فالهويّة ليست ماضيا نُدافع عنه، بل حاضر نعيشه، ومستقبل نُشكله بوعي.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
بمشاركة عُمانية.. اللجنة العربية الإسلامية ترفض السيطرة العسكرية الإسرائيلية على غزة
عواصم - الوكالات
أعربت اللجنة الوزارية المكلفة من القمة العربية الإسلامية الاستثنائية المشتركة بشأن التطورات في قطاع غزة التي تضم كلا من سلطنة عمان، والإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين، وجمهورية مصر العربية، وجمهورية إندونيسيا، والمملكة الأردنية الهاشمية، وجمهورية نيجيريا الاتحادية، ودولة فلسطين، ودولة قطر، والمملكة العربية السعودية، وجمهورية تركيا، وجامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، وجمهورية بنغلاديش الشعبية، وجمهورية تشاد، وجمهورية جيبوتي، وجمهورية غامبيا، ودولة الكويت، ودولة ليبيا، وماليزيا، والجمهورية الإسلامية الموريتانية، وجمهورية باكستان الإسلامية، وجمهورية الصومال الفيدرالية، وجمهورية السودان، والجمهورية اليمنية عن إدانتهم الشديدة ورفضهم القاطع لإعلان إسرائيل نيتها فرض السيطرة العسكرية الكاملة على قطاع غزة، وتعتبر أن هذا الإعلان يشكل تصعيدا خطيرا ومرفوضا، وانتهاكا للقانون الدولي، ومحاولة لتكريس الاحتلال غير الشرعي وفرض أمر واقع بالقوة يتنافى مع قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة.
وأكدت أن هذا التوجه المعلن من جانب إسرائيل يأتي استمرارا لانتهاكاتها الجسيمة القائمة على القتل والتجويع ومحاولات التهجير القسري وضم للأرض الفلسطينية وإرهاب المستوطنيين وهي جرائم قد ترقى لأن تكون جرائم ضد الإنسانية، كما أنها تبدد أي فرصة لتحقيق السلام، وتقوّض الجهود الإقليمية والدولية المبذولة للتهدئة وإنهاء الصراع، وتضاعف من الانتهاكات الجسيمة ضد الشعب الفلسطيني، الذي يواجه على مدار 22 شهرا، عدوانا وحصارا شاملاً طال كافة مناحي الحياة في قطاع غزة وانتهاكات خطيرة في الضفة الغربية والقدس الشرقية.
وإزاء هذا التطور الخطير، نشدد على ما يلي:
• ضرورة الوقف الفوري والشامل للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ووقف الانتهاكات المستمرة التي ترتكبها قوات الاحتلال بحق المدنيين والبنية التحتية في القطاع والضفة الغربية والقدس الشرقية.
• مطالبة إسرائيل، بصفتها القوة القائمة بالاحتلال، بالسماح العاجل وغير المشروط بدخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، بما يشمل الاحتياجات الكافية من الغذاء والدواء والوقود، وضمان حرية عمل وكالات الإغاثة والمنظمات الدولية الإنسانية وفقًا للقانون الإنساني الدولي ومعايير العمل الإنساني الدولية المعمول بها.
• دعم الجهود الرامية إلى وقف إطلاق النار، والتي تبذلها كل من جمهورية مصر العربية، ودولة قطر، والولايات المتحدة الأمريكية، للتوصل إلى اتفاق لتبادل الأسرى والرهائن، باعتباره مدخلًا إنسانيًا أساسيًا لخفض التصعيد وتخفيف المعاناة وإنهاء العدوان الإسرائيلي.
• ضرورة العمل علي البدء الفوري لتنفيذ الخطة العربية الاسلامية لإعادة اعمار قطاع غزة، والدعوة للمشاركة بفاعلية في مؤتمر اعادة اعمار غزة المقرر عقده بالقاهرة قريباً.
• رفض وادانة أي محاولات لتهجير الشعب الفلسطيني من أرضه بغزة والضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية، ونؤكد على ضرورة الحفاظ على الوضع القانوني والتاريخي القائم في المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، مع الاعتراف بالدور الأساسي الذي تضطلع به الوصاية الهاشمية في هذا الصدد.
• التأكيد على أن السلام العادل والدائم لا يمكن تحقيقه إلا عبر تنفيذ حل الدولتين، بما يضمن تجسيد الدولة الفلسطينية المستقلة على خطوط الرابع من حزيران/يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وفقًا لمبادئ القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.
وتحمل اللجنة الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية الكاملة عن جرائم الإبادة والكارثة الإنسانية غير المسبوقة التي يشهدها قطاع غزة، وتدعو المجتمع الدولي، ولا سيما الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، إلى تحمّل مسؤولياتها القانونية والإنسانية، والتحرك العاجل لوقف السياسات العدوانية الإسرائيلية، التي تهدف إلى تقويض فرص تحقيق سلام عادل ودائم والقضاء على آفاق تنفيذ حل الدولتين وتحقيق السلام العادل والشامل، والعمل على المحاسبة الفورية لجميع الانتهاكات التي تقوم بها اسرائيل ضد القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي بما فيها ما يرقى إلى جرائم الإبادة.
وأكدت على ضرورة العمل على تنفيذ مخرجات المؤتمر رفيع المستوى للتسوية السلمية للقضية الفلسطينية وتنفيذ حل الدولتين الذي انعقد في نيويورك برئاسة المملكة العربية السعودية وجمهورية فرنسا، وما تضمنته الوثيقة الختامية من إجراءات تنفيذية عاجلة ضمن جدول زمني لإنهاء الحرب في غزة، والالتزام بمسار سياسي للتسوية السلمية الشاملة للقضية الفلسطينية وتنفيذ حل الدولتين.