«مُقتنيات أبوظبي الفنية».. إرثٌ حيٌّ مستدام للإبداعات العالمية
تاريخ النشر: 11th, May 2025 GMT
بقلم: محمد خليفة المبارك
لطالما كان الإرث الثقافي على مرّ التاريخ من الركائز الأساسية، التي تميّز الحضارات بعضها عن البعض الآخر، وتحدّد هويتها الخاصّة والمتفردة، حيث يكون للمجتمعات التي تستثمر في الثقافة إرث ثقافي عريق، بدءاً من مكتبات العصر العباسي في بغداد وصولاً إلى عصر النهضة الفنية في إيطاليا. وفي أبوظبي ينعكس التزامنا الراسخ بالارتقاء بالمعرفة ومواصلة الإبداع وبناء إرث ثقافي غني في استثمارنا المستمرّ لا في مستقبلنا فحسب، بل أيضاً في ماضينا العريق.
تضمّ مجموعة «مُقتنيات أبوظبي الفنية» نخبة متنوّعة من الأعمال الفنية على اختلاف أنواعها ووسائطها ضمن مناطق جغرافية متعدّدة وفترات زمنية متنوّعة، بدءاً من أحفوريات تعود إلى ما قبل التاريخ، وصولاً إلى أعمال معاصرة ذات أهمية فنية كبرى. وتتألف هذه المجموعة بشكل رئيس من عدد من الأعمال والتحف الفنية المختارة التي تُشكّل مجموعة «مُقتنيات أبوظبي الفنية»، وتضمّ أبرز القطع التي تعكس عدداً كبيراً من الحركات الفنية وحقبات تاريخ الفن، في ظلّ تبنّي أفضل الممارسات والمبادئ الأخلاقية المعتمدة في إدارة المجموعات وتعزيز الحوار حول مشهد الفنّ العالمي.
ولا تُعدّ مجموعة «مُقتنيات أبوظبي الفنية» مجرّد مجموعة أعمال فنية رائعة فحسب، بل إنها خير تجسيد لالتزام إمارة أبوظبي الراسخ بإعداد مجموعة فنية تعكس سرديات عالمية عابرة للثقافات ومستوحاة من إرث والدنا المؤسس، المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، الذي رسّخ مكانة دولة الإمارات العربية المتحدة وجهةً عالميةً رائدةً لتبادل المعرفة. وحرص المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، منذ خمسينيات القرن الماضي على الحفاظ على إرثنا العريق وتاريخنا الغني وتسليط الضوء عليهما. لذلك، بادر إلى افتتاح أول متحف في العين عام 1971 وتأسيس المجمّع الثقافي لإلهام شعبه وتعزيز اهتمامه بالثقافة والفنون، حيث ساهم شغفه بالفنون وطموحاته اللامحدودة إلى رسم معالم إرثنا الثقافي وتحديد رؤيته المستقبلية الطموحة.
وتنعكس هذه الرؤية في المنطقة الثقافية في السعديات أحد أكبر تجمعات المؤسسات الثقافية في العالم، وموطن «متحف اللوفر - أبوظبي»، و«متحف زايد الوطني»، و«متحف التاريخ الطبيعي - أبوظبي»، و«تيم لاب فينومينا - أبوظبي»، و«متحف جوجنهايم - أبوظبي». وهي تُعد منصّة عالمية مشتركة تتيح للزوّار فرص التبادل الثقافي والفكري والاحتفاء بمختلف أشكال التعبير الفني، فضلاً عن أنها استثمار في الأجيال. وسوف تتحوّل مؤسساتنا الثقافية والفنية، من خلال التعليم والبحث والتطوير الفني، إلى حاضنات للمبدعين والقيّمين بالمتاحف وأمنائها والعلماء والمبتكرين المستقبليين، الذين سيواصلون العمل على تحقيق رؤيتنا الثقافية حاضراً ومستقبلاً.
لذلك، لا تنطوي مجموعة «مُقتنيات أبوظبي الفنية» على جمع الأعمال والتحف الفنية، بل إنها عملية مدروسة بعناية تقوم على استراتيجية شاملة ومتكاملة لتنظيم المعارض بما يشمل التقنيات والحقبات والحضارات كافة، بدءاً من عصور ما قبل التاريخ وصولاً إلى وقتنا الحاضر. وتجدر الإشارة إلى أنّ قطعاً من المجموعة موجودة ضمن المجموعات الدائمة في المنطقة الثقافية في السعديات. ولا تتواجد هذه الأعمال بمعزل بعضها عن البعض الآخر، إذ إنها جزء من الصورة الكبرى التي تعكس الحوار الغني والمتنامي بين ماضينا وحاضرنا المشتركين.
وينطوي ذلك على الحفاظ على إرثنا الثقافي الوطني، حيث تُعدّ القطع الأثرية النادرة مثل لؤلؤة أبوظبي (5.800 – 5.600 قبل الميلاد)، التي تجسّد الممارسات التجارية التي كانت سائدة في إمارة أبوظبي قديماً، وعملة «أبييل» المعدنية (300 – 100 قبل الميلاد)، التي تُعدّ خير مثال على أقدم العملات المستخدمة في دولة الإمارات، من الأسس الجوهرية لتاريخنا العريق. وتسهم هذه المجموعة في الوقت نفسه في تمكين كلّ مَن يعيش في أبوظبي ويزورها من الاطلاع على الفنون والثقافات والحضارات التي ساهمت في رسم معالم عالمنا الحالي. وتسهم إضافة قطع فنية رائعة تحمل توقيع نخبة من الفنانين العظماء، على غرار «بوسان» و«بيكاسو» و«رينوار» و«وارهول»، في تمكين أفراد المجتمع المحلي من الاطلاع على التراث الفني العالمي في قلب العاصمة من دون الحاجة للسفر خارج الدولة.
أما بالنسبة للمقتنيات التي لا تُزيّن صالات العرض في المتاحف، فتتبنّى مجموعة «مُقتنيات أبوظبي الفنية» مبدأ الاقتناء الذي لا ينحصر بحدود معيّنة، حيث تتمتّع مثل هذه القطع بمرونة عالية تتيح نقلها إلى أيّ مكان في العالم وعرضها على المزيد من عشّاق الفنون. وسنقوم في الواقع خلال الأشهر القليلة المقبلة بالكشف عن مجموعة مختارة من أبرز المقتنيات ضمن سلسلة من المعارض، التي ستوفر للزوّار نظرة معمّقة حول المجموعة بشكل عام، وتؤكد على التزامنا بتعزيز الحوار التعددي وتبادل المعرفة في مجال الفنون.
وبصفتنا المؤتمنين على مجموعة «مُقتنيات أبوظبي الفنية»، ندرك تماماً حجم المسؤولية الكبرى التي تقع على عاتقنا اليوم للحفاظ على إرثنا الثقافي والأعمال الفنية العالمية. فهذه المجموعة ستكون بمثابة صلة وصل بين ماضينا وحاضرنا وجسر يربط أبوظبي بالعالم، بما يعكس هويتنا وطموحاتنا اللامحدودة. وبينما نواصل رسم معالم المشهد الثقافي في أبوظبي، نحرص على القيام بذلك مع التزامنا الدائم ببناء إرث يلهم أجيال المستقبل ويحاكي تطلعاتهم.
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: الثقافة دائرة الثقافة والسياحة لؤلؤة أبوظبي الإمارات إيطاليا التی ت
إقرأ أيضاً:
ذياب بن محمد بن زايد يحضر الحوار الدولي للتنمية العالمية في أبوظبي
بحضور سموّ الشيخ ذياب بن محمد بن زايد آل نهيان، نائب رئيس ديوان الرئاسة للشؤون التنموية وأسر الشهداء، رئيس مجلس الشؤون الإنسانية الدولية، نظَّم مكتب الشؤون التنموية وأسر الشهداء في ديوان الرئاسة، حواراً دولياً على مدى يومين متتاليين في أبوظبي، لدعم مسارات جديدة في التنمية العالمية.
والتقى سموّه بعدد من المتحدثين والضيوف المشاركين في الفعالية، حيث شهد الحوار مشاركة نخبة من القيادات وصانعي السياسات والمتحدثين العالميين المتخصصين في الشؤون التنموية من مختلف الجهات والمؤسسات المحلية والإقليمية والدولية. وناقش المشاركون مستجدات وتحديات تنفيذ المبادرات والمشروعات والبرامج التنموية في مختلف القارات، لاسيما في ظل ما يشهده العالم من تغيرات أشكال التعاون الدولي والتطورات الجيوسياسية والمعطيات الاقتصادية المتباينة والتحديثات التكنولوجية المتسارعة، التي تُعيد تشكيل أولويات التنمية العالمية. وتناول المشاركون تداعيات وجود نظام عالمي متعدد الأقطاب من جهة، والتأثير الفاعل المتزايد للجهات الناشئة من جهة أخرى، فضلاً عن أثر الدور المتنامي لأشكال التعاون بين دول جنوب العالم في سياق مواجهة التحديات العالمية المشتركة، واتساع الفجوة في آليات التمويل الإنمائي ما يستدعي وجود نماذج جديدة من التمويل المرن، لضمان تنفيذ المشروعات والبرامج التنموية المتعددة. ويُذكر من تلك النماذج، التمويل برأس المال المختلط لتحفيز العمل الخيري والتنموي للحد من المخاطر المحتملة، وتمهيد الطريق لإيجاد استثمار حكومي ومؤسسي مستدام يدعم خصوصاً مسارات التنمية في قارة أفريقيا بما ينسجم مع العوامل الديموغرافية المتعددة والأنظمة المؤسسية المتنوعة. واختتم المشاركون حوارهم بالتأكيد على أهمية الحوكمة الشاملة، وتنفيذ المبادرات المجتمعية، والاستثمار المُستدام في التعليم والصحة، وتعزيز الفرص الاقتصادية على المدى الطويل، إضافة إلى تسخير التكنولوجيا المتقدمة وأدوات الذكاء الاصطناعي في تطوير البنية التحتية الرقمية، وتعزيز المرونة لتسريع تنفيذ المشروعات التنموية المختلفة، والاتفاق على نماذج للتعاون المشترك قائمة على الثقة المتبادلة، والتكيف مع الظروف والمستجدات، في بيئة عالمية سريعة التغير ومتزايدة التعقيد.