"فلسطين هي الحق، وإنها لتستحق الدعم الكامل لتحريرها." محمد علي كلاي… ففي زمن تتكلم فيه الصفقات وتخرس فيه الضمائر، تبدو غزة، مرة أخرى، ساحة اختبار للقيم، ومقبرة للعدالة الدولية. 

وبينما تتصاعد ألسنة النار فوق رؤوس المدنيين المحاصرين، تتخذ إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب موقفًا يراوح بين الانسحاب الصامت والدعم غير المشروط لسياسات الحصار، بل وتبريرها عبر خطاب رسمي يربط المساعدات الإنسانية بتركيع المقاومة.

 وفي ظل اشتداد الحرب الإسرائيلية على غزة، تبرز تساؤلات جوهرية حول رؤية واشنطن لمستقبل الحكم في القطاع، خاصة في ضوء ما بات يعرف بـ"دبلوماسية الانسحاب" التي تنتهجها إدارة ترامب في فترته الثانية.

الجدير بالذكر أن التصورات التي طرحها ترامب في بداية الأزمة، ومنها تحويل غزة إلى "ريفييرا الشرق الأوسط"، تحولت لاحقًا إلى غطاء سياسي للخطاب الإسرائيلي المتشدد، خصوصًا فيما يتعلق بتهجير سكان غزة قسريًا، بحسب صحيفة الجارديان البريطانية. واستغل وزراء متطرفون في حكومة الاحتلال، مثل بتسلئيل سموتريتش، هذه الرؤية لتبرير تصريحات صريحة تدعو إلى تدمير غزة وترك السكان في "شريط ضيق".

ورأى الصحفي الإسرائيلي عاموس هرئيل أن "ترامب لم يعد مهتمًا فعليًا بالضغط على نتنياهو"، مضيفًا أن غياب الحافز الأمريكي لإنهاء الحرب يضع إسرائيل في موقع يمكنها فيه تنفيذ أجندتها بحرية مطلقة.

وفي تقرير ذي صلة نشرته صحيفة واشنطن بوست، كشفت مصادر دبلوماسية وإنسانية عن ضغوط تمارسها إدارة ترامب على الأمم المتحدة وحلفائها للموافقة على خطة إسرائيلية جديدة لتوزيع مساعدات إنسانية في غزة. وتنص الخطة على إنشاء ممرات توزيع تحت رقابة أمنية مشددة من قبل شركات أمريكية خاصة، ويشرف عليها كيان جديد باسم "مؤسسة غزة الإنسانية" المسجلة حديثًا في سويسرا.

بدورها، رفضت الأمم المتحدة وكافة المنظمات الإنسانية العاملة في غزة هذه الخطة، معتبرة أنها "تنتهك المبادئ الإنسانية الأساسية"، وتهدف إلى تعزيز السيطرة الإسرائيلية على الموارد الحيوية لسكان القطاع.

يُلاحظ أيضًا، بحسب الجارديان، أن إدارة ترامب لم تعد ترى جدوى في الاستمرار بالوساطة الدبلوماسية طويلة الأمد. فبعد فشل وقف إطلاق النار الذي تم بوساطة أمريكية في يناير، لم تعد واشنطن تبدي اهتمامًا جديًا بإنهاء الحرب أو التوسط في صفقة تبادل أسرى. وفي السياق ذاته، نقلت تقارير عن استعداد وزارة الخارجية الأمريكية لتقليص دور منسق الأمن للضفة الغربية وغزة، وهو ما يشير إلى انسحاب تدريجي من أي دور فاعل في حل القضية الفلسطينية. 

يتزامن هذا التوجه مع جولة مرتقبة لترامب في الشرق الأوسط تشمل السعودية وقطر والإمارات، حيث تتركز مباحثاته على جذب الاستثمارات ومحاولة جديدة لتطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل، دون أي إشارة فعلية إلى جهود سلام شاملة أو إعادة إعمار جادة لغزة.

تتراوح رؤية الولايات المتحدة لحكم غزة، كما تتضح من تصريحات مسئوليها وتحركاتها الأخيرة، بين الطموحات الاقتصادية غير الواقعية، مثل مشروع "الريفييرا"، والتخلي التدريجي عن أي دور سياسي أو إنساني مسئول. وبينما تستفيد إسرائيل من هذا الفراغ لتكريس سياساتها التوسعية، يبقى الشعب الفلسطيني تحت الحصار والمأساة، في غياب أي أفق واضح للحل أو للعدالة.

وسبق أن نشر السفير الأمريكي الجديد لدى إسرائيل، مايك هاكابي، تصريحًا مصورًا حول سياسة الولايات المتحدة تجاه غزة. وأوضح كيف أنه رفض نداءً من طبيبة ومسئولة بارزة في منظمة الصحة العالمية، تدعو فيه إلى زيادة الضغط على إسرائيل لتقديم مساعدات إنسانية لسكان غزة. بدلًا من ذلك، قال هاكابي إن علينا أن نركز على "الضغط حيث ينبغي فعليًا“علي حماس"لمنحنا الفرصة" لفتح قنوات للمساعدات الإنسانية.

وكانت رسالة هاكابي صادمة للغاية حيث ربط الدعم الإنساني الأمريكي لغزة باستسلام حماس بما يعني اعتماد سياسة العقاب الجماعي، وهي مخالفة للقانونين الأمريكي والدولي، كما أنها تضر بأهداف السياسة الخارجية لواشنطن.

وأعترفت مجلة فورين بوليسي الأمريكية في تقرير بأقلام مسئولين سابقين في إدارة جو بايدن، أن واشنطن تدرك تمامًا فشلها في ضمان الحماية الكافية والإغاثة الإنسانية لسكان غزة. وشددت علي أن الموازنة بين دعم إسرائيل، وبين حماية المدنيين في غزة، أمر شبه مستحيل.

لكن المشكلة الآن أن ترامب، بدعمه لاستراتيجية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المتمثلة في استخدام المساعدات كورقة ضغط، يجعل من الكارثة الإنسانية في غزة هدفًا رسميًا للسياسة الأمريكية. فمع تراجع الضغط الأمريكي، أعلن وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر أن إسرائيل تخطط لفرض "حصار كامل" على غزة، وهو نفس النوع من السياسات الذي نجحت إدارة بايدن في منعه سابقًا.

وفي 18 مارس الماضي، عندما خرقت إسرائيل اتفاق وقف إطلاق النار، التزم ترامب الصمت، ويقال إنه أعطى نتنياهو الضوء الأخضر مسبقًا. وبعد أيام، قال ترامب: "هذه ليست حربنا، إنها حربهم."

تقوم إسرائيل الآن بخرق كل المبادئ التي وضعتها إدارة بايدن لغزة في نوفمبر 2023، بما في ذلك: لا حصار، لا تقليص للأراضي، لا تهجير قسري للفلسطينيين، ولا إعادة احتلال، وكل ذلك دون أي اعتراض من ترامب.

ويضر انصياع ترامب التام لنتنياهو بمصالح الولايات المتحدة كذلك. فالصورة العالمية لواشنطن تلقت ضربة كبيرة، وستتلقى المزيد إذا واصلت تبني سياسة تنتهك بوضوح القانون الدولي وحتى مبادئها الخاصة. وما دامت الحرب مستمرة، ستضطر الولايات المتحدة إلى نشر قواتها لحماية إسرائيل من إيران والحوثيين. وهذه العمليات المكلفة تضعف قدرة واشنطن على التصدي لتحديات أمنية أخرى مثل الصين وروسيا.

طباعة شارك ترامب غزة حماس

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: ترامب غزة حماس الولایات المتحدة فی غزة

إقرأ أيضاً:

رئيس الوزراء الفلسطيني يصف الأوضاع بـ”الجريمة الإنسانية”.. إسرائيل تلوح بضم مستوطنات جديدة

البلاد – عواصم
بينما تستعد عدة دول أوروبية، على رأسها فرنسا وبلجيكا، للاعتراف بالدولة الفلسطينية، لوحت إسرائيل بضم المزيد من المستوطنات، وقت قال ظمسؤول فلسطيني إن الموعد المحتمل لهذا الاعتراف هو مؤتمر دولي لحل الدولتين سيعقد في نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية في الفترة ما بين 17 و20 يونيو المقبل برئاسة فرنسا والسعودية.
ونددت ست دول أوروبية، هي إسبانيا وأيرلندا والنرويج ولوكسمبورغ وآيسلندا وسلوفينيا، بخطة إسرائيل الجديدة لتوسيع نطاق عملياتها العسكرية في قطاع غزة، وأعربت عن معارضتها الشديدة لأي تغيير سكاني أو جغرافي في القطاع، معتبرة ذلك انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي.
وفي بيان مشترك صدر عن وزارات خارجية هذه الدول، جاء أن “أي تصعيد عسكري جديد في غزة لن يؤدي إلا إلى تفاقم الوضع الكارثي الذي يعيشه المدنيون الفلسطينيون، وسيعرض حياة الرهائن المحتجزين لمزيد من الخطر”. وأكد البيان أن قطاع غزة “يشكّل جزءاً لا يتجزأ من دولة فلسطين، التي تنتمي للشعب الفلسطيني”، داعيًا إسرائيل إلى ضمان وصول المساعدات الإنسانية للفلسطينيين فوراً ومن دون عوائق.
وشدد وزراء خارجية الدول الست على ضرورة “تحلي السلطات الإسرائيلية بالاعتدال”، وجدّدوا دعمهم الثابت لحل الدولتين، بحيث تعيش إسرائيل وفلسطين جنباً إلى جنب في سلام وأمن.
في السياق ذاته، دعا رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى، المجتمع الدولي إلى التحرك العاجل لوقف ما وصفها بـ”الجريمة الإنسانية المتعمدة” في قطاع غزة، مشيراً إلى أن المجاعة في القطاع لم تعد مجرد خطر بل أصبحت واقعًا مأساويًا.
وفي مؤتمر صحفي عقده بمكتبه في مدينة رام الله، قال مصطفى إن غزة باتت “منطقة مجاعة”، مناشدًا ضمير الإنسانية: “لا تسمحوا أن يموت أطفال غزة جوعاً، لا تسمحوا باستخدام الغذاء والماء كأسلحة حربٍ وسيطرة”. واعتبر أن المجاعة الحاصلة ليست نتيجة كارثة طبيعية، بل “جريمة إنسانية متعمدة، والصمت تواطؤ”.
وأكد رئيس الوزراء أن إسرائيل، بصفتها القوة المحتلة، تتحمل المسؤولية الكاملة عن الوضع الإنساني المتدهور، مشيرًا إلى مشاهد يومية “لأجساد الأطفال النحيلة وصرخات الألم من بين الخيام والركام”، والتي تعكس واقعاً قاسياً لا يمكن تجاهله.
وطالب مصطفى المجتمع الدولي بالتحرك الفوري لتطبيق قرارات الأمم المتحدة التي تمنع استخدام الجوع كسلاح ضد المدنيين، مشيراً إلى أن لجنة وزارية فلسطينية تعمل منذ بدء الحرب في 7 أكتوبر 2023 على رصد تداعياتها الكارثية.
وأوضح أن “100 % من سكان قطاع غزة يعانون من انعدام حاد للأمن الغذائي”، لافتاً إلى أن استمرار إسرائيل في فرض الحصار وتشديده، وتعمدها إعاقة دخول المساعدات، يزيد من خطورة الوضع.
من جانبها، كانت الأمم المتحدة وعدة منظمات إنسانية قد حذّرت مراراً من كارثة إنسانية في غزة، إذ اتهم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (أوتشا) إسرائيل، بمحاولة استخدام تدفق المساعدات كـ”أداة حرب”، حيث قال الناطق باسم المكتب، ينس لايركه: “لم يعد هناك مساعدات لتوزيعها لأن عمليات الإغاثة شُلت بالكامل”.
وفي اتصال هاتفي، عبّرت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس، لوزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، عن قلقها الشديد من الوضع الإنساني المتدهور في غزة، وقالت إن “الوضع لا يمكن أن يستمر”، داعية إلى السماح الفوري بدخول المساعدات.
وكان برنامج الأغذية العالمي قد أعلن في أواخر أبريل عن نفاد مخزوناته الغذائية في غزة، مما زاد من حدة الأزمة.
تجدر الإشارة إلى أن إسرائيل استأنفت عملياتها العسكرية في غزة في 18 مارس، فيما وافق مجلسها الأمني، الأحد الماضي، على خطة للسيطرة الكاملة على القطاع، وسط تقارير عن نية لتهجير سكانه.
وقد صرّح مسؤول إسرائيلي أن الخطة تتضمن توزيع المساعدات إذا لزم الأمر، بهدف منع حركة حماس من الاستفادة منها وتدمير قدراتها. غير أن مجموعة من وكالات الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية عاملة في الأراضي الفلسطينية انتقدت بشدة الخطة، متهمة إسرائيل بمحاولة “تقويض نظام توزيع المساعدات”، وفرض شروط عسكرية على تسليمها.
واعتبر فريق العمل الإنساني في الأراضي الفلسطينية أن الخطة “تنتهك المبادئ الإنسانية الأساسية، وتبدو وكأنها مصممة لتعزيز السيطرة على عناصر الحياة الأساسية كوسيلة ضغط ضمن استراتيجية عسكرية”.

مقالات مشابهة

  • اللواء سمير فرج: زيارة ترامب للمنطقة قد تحمل وقف إطلاق النار وشيك في غزة
  • ترامب يبدأ غدا زيارة للمنطقة تشمل السعودية وقطر والإمارات
  • في ظل زيارته للمنطقة.. التوتر بين ترامب ونتنياهو إلى أين؟
  • رئيس الوزراء الفلسطيني يصف الأوضاع بـ”الجريمة الإنسانية”.. إسرائيل تلوح بضم مستوطنات جديدة
  • زيارة ترامب ماذا تحمل لأهل السودان؟
  • محللة أمريكية: تحول منهجية ترامب تجاه غزة وسط تصاعد الغضب الأمريكي من الأوضاع الإنسانية
  • تزايد التوتر بين واشنطن وتل أبيب بعد إلغاء زيارة وزير الدفاع الأمريكي
  • وزير الدفاع الأمريكي يلغي زيارة مقررة إلى إسرائيل
  • إعلام عبري: واشنطن تضغط لإبرام اتفاق في غزة قبل زيارة ترامب إلى المنطقة