بين الإعمار والعقاب.. ماذا ينتظر غزة مع اقتراب زيارة ترامب للمنطقة؟
تاريخ النشر: 11th, May 2025 GMT
"فلسطين هي الحق، وإنها لتستحق الدعم الكامل لتحريرها." محمد علي كلاي… ففي زمن تتكلم فيه الصفقات وتخرس فيه الضمائر، تبدو غزة، مرة أخرى، ساحة اختبار للقيم، ومقبرة للعدالة الدولية.
وبينما تتصاعد ألسنة النار فوق رؤوس المدنيين المحاصرين، تتخذ إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب موقفًا يراوح بين الانسحاب الصامت والدعم غير المشروط لسياسات الحصار، بل وتبريرها عبر خطاب رسمي يربط المساعدات الإنسانية بتركيع المقاومة.
وفي ظل اشتداد الحرب الإسرائيلية على غزة، تبرز تساؤلات جوهرية حول رؤية واشنطن لمستقبل الحكم في القطاع، خاصة في ضوء ما بات يعرف بـ"دبلوماسية الانسحاب" التي تنتهجها إدارة ترامب في فترته الثانية.
الجدير بالذكر أن التصورات التي طرحها ترامب في بداية الأزمة، ومنها تحويل غزة إلى "ريفييرا الشرق الأوسط"، تحولت لاحقًا إلى غطاء سياسي للخطاب الإسرائيلي المتشدد، خصوصًا فيما يتعلق بتهجير سكان غزة قسريًا، بحسب صحيفة الجارديان البريطانية. واستغل وزراء متطرفون في حكومة الاحتلال، مثل بتسلئيل سموتريتش، هذه الرؤية لتبرير تصريحات صريحة تدعو إلى تدمير غزة وترك السكان في "شريط ضيق".
ورأى الصحفي الإسرائيلي عاموس هرئيل أن "ترامب لم يعد مهتمًا فعليًا بالضغط على نتنياهو"، مضيفًا أن غياب الحافز الأمريكي لإنهاء الحرب يضع إسرائيل في موقع يمكنها فيه تنفيذ أجندتها بحرية مطلقة.
وفي تقرير ذي صلة نشرته صحيفة واشنطن بوست، كشفت مصادر دبلوماسية وإنسانية عن ضغوط تمارسها إدارة ترامب على الأمم المتحدة وحلفائها للموافقة على خطة إسرائيلية جديدة لتوزيع مساعدات إنسانية في غزة. وتنص الخطة على إنشاء ممرات توزيع تحت رقابة أمنية مشددة من قبل شركات أمريكية خاصة، ويشرف عليها كيان جديد باسم "مؤسسة غزة الإنسانية" المسجلة حديثًا في سويسرا.
بدورها، رفضت الأمم المتحدة وكافة المنظمات الإنسانية العاملة في غزة هذه الخطة، معتبرة أنها "تنتهك المبادئ الإنسانية الأساسية"، وتهدف إلى تعزيز السيطرة الإسرائيلية على الموارد الحيوية لسكان القطاع.
يُلاحظ أيضًا، بحسب الجارديان، أن إدارة ترامب لم تعد ترى جدوى في الاستمرار بالوساطة الدبلوماسية طويلة الأمد. فبعد فشل وقف إطلاق النار الذي تم بوساطة أمريكية في يناير، لم تعد واشنطن تبدي اهتمامًا جديًا بإنهاء الحرب أو التوسط في صفقة تبادل أسرى. وفي السياق ذاته، نقلت تقارير عن استعداد وزارة الخارجية الأمريكية لتقليص دور منسق الأمن للضفة الغربية وغزة، وهو ما يشير إلى انسحاب تدريجي من أي دور فاعل في حل القضية الفلسطينية.
يتزامن هذا التوجه مع جولة مرتقبة لترامب في الشرق الأوسط تشمل السعودية وقطر والإمارات، حيث تتركز مباحثاته على جذب الاستثمارات ومحاولة جديدة لتطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل، دون أي إشارة فعلية إلى جهود سلام شاملة أو إعادة إعمار جادة لغزة.
تتراوح رؤية الولايات المتحدة لحكم غزة، كما تتضح من تصريحات مسئوليها وتحركاتها الأخيرة، بين الطموحات الاقتصادية غير الواقعية، مثل مشروع "الريفييرا"، والتخلي التدريجي عن أي دور سياسي أو إنساني مسئول. وبينما تستفيد إسرائيل من هذا الفراغ لتكريس سياساتها التوسعية، يبقى الشعب الفلسطيني تحت الحصار والمأساة، في غياب أي أفق واضح للحل أو للعدالة.
وسبق أن نشر السفير الأمريكي الجديد لدى إسرائيل، مايك هاكابي، تصريحًا مصورًا حول سياسة الولايات المتحدة تجاه غزة. وأوضح كيف أنه رفض نداءً من طبيبة ومسئولة بارزة في منظمة الصحة العالمية، تدعو فيه إلى زيادة الضغط على إسرائيل لتقديم مساعدات إنسانية لسكان غزة. بدلًا من ذلك، قال هاكابي إن علينا أن نركز على "الضغط حيث ينبغي فعليًا“علي حماس"لمنحنا الفرصة" لفتح قنوات للمساعدات الإنسانية.
وكانت رسالة هاكابي صادمة للغاية حيث ربط الدعم الإنساني الأمريكي لغزة باستسلام حماس بما يعني اعتماد سياسة العقاب الجماعي، وهي مخالفة للقانونين الأمريكي والدولي، كما أنها تضر بأهداف السياسة الخارجية لواشنطن.
وأعترفت مجلة فورين بوليسي الأمريكية في تقرير بأقلام مسئولين سابقين في إدارة جو بايدن، أن واشنطن تدرك تمامًا فشلها في ضمان الحماية الكافية والإغاثة الإنسانية لسكان غزة. وشددت علي أن الموازنة بين دعم إسرائيل، وبين حماية المدنيين في غزة، أمر شبه مستحيل.
لكن المشكلة الآن أن ترامب، بدعمه لاستراتيجية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المتمثلة في استخدام المساعدات كورقة ضغط، يجعل من الكارثة الإنسانية في غزة هدفًا رسميًا للسياسة الأمريكية. فمع تراجع الضغط الأمريكي، أعلن وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر أن إسرائيل تخطط لفرض "حصار كامل" على غزة، وهو نفس النوع من السياسات الذي نجحت إدارة بايدن في منعه سابقًا.
وفي 18 مارس الماضي، عندما خرقت إسرائيل اتفاق وقف إطلاق النار، التزم ترامب الصمت، ويقال إنه أعطى نتنياهو الضوء الأخضر مسبقًا. وبعد أيام، قال ترامب: "هذه ليست حربنا، إنها حربهم."
تقوم إسرائيل الآن بخرق كل المبادئ التي وضعتها إدارة بايدن لغزة في نوفمبر 2023، بما في ذلك: لا حصار، لا تقليص للأراضي، لا تهجير قسري للفلسطينيين، ولا إعادة احتلال، وكل ذلك دون أي اعتراض من ترامب.
ويضر انصياع ترامب التام لنتنياهو بمصالح الولايات المتحدة كذلك. فالصورة العالمية لواشنطن تلقت ضربة كبيرة، وستتلقى المزيد إذا واصلت تبني سياسة تنتهك بوضوح القانون الدولي وحتى مبادئها الخاصة. وما دامت الحرب مستمرة، ستضطر الولايات المتحدة إلى نشر قواتها لحماية إسرائيل من إيران والحوثيين. وهذه العمليات المكلفة تضعف قدرة واشنطن على التصدي لتحديات أمنية أخرى مثل الصين وروسيا.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: ترامب غزة حماس الولایات المتحدة فی غزة
إقرأ أيضاً:
ترامب وأفورقي.. ما تخفيه الرسائل المتبادلة بين إريتريا والولايات المتحدة
كشف الدبلوماسي الإريتري السابق، فتحي عثمان، في مقال نشره في يوليو/تموز 2024، أن الرئيس أسياس أفورقي أحد أبرز خصوم السياسات الأميركية في أفريقيا، وخلال عقدين من حكمه، بعث برسالتين فقط لرؤساء أميركيين.
كانت الرسالة الأولى بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، عزى فيها الشعب الأميركي وأكد وقوف بلاده إلى جانب الولايات المتحدة في "حملتها ضد الإرهاب"، وأما الثانية فكانت رسالة تهنئة لدونالد ترامب بفوزه في انتخابات 2016.
وفي الأول من أغسطس/آب 2024، أضاف وزير الإعلام الإريتري يماني غبريمسقل، عبر تغريدة، رسالة ثالثة إلى القائمة، كاشفا أن أفورقي بعث بتهنئة "حارة" لترامب بمناسبة "عودته التاريخية"، وأن الأخير رد عليها بترحيب لافت. هذه اللفتة تثير التساؤلات حول المكانة الخاصة التي يحظى بها ترامب في أروقة "عدي هالو"، المقر الذي اعتاد أفورقي المكوث فيه.
يزداد هذا التساؤل وجاهة عند النظر إلى أنه عبر ما يزيد على عقدين من العلاقات المتوترة بين واشنطن وأسمرة شهدت ولاية ترامب الأولى نمطا مختلفا من التعاطي بين الطرفين، حتى وصفها الرئيس الإريتري بأنها كانت "فرصة سانحة" لانخراط أسمرة في حوار جوهري ومفتوح قوبل "برد فعل إيجابي" من واشنطن.
وفي سبيل البحث عن إجابة، يشير بعض المراقبين إلى أنه رغم التباين الكبير بين موقفي إريتريا والولايات المتحدة من العديد من القضايا ومؤشر العلاقة الذي يتذبذب منذ عقدين بين البرود والعداء الصريح، فإن من المفارقات اللافتة للنظر وجود سمات شخصية وفكرية مشتركة تجمع بين كل من أفورقي وترامب، والتي تمهد الأرضية للتقارب بينهما.
يأتي على رأس هذه السمات النزعة الواضحة نحو نموذج "الرجل القوي" وما يرتبط به من شخصنة السياسات، حيث يصف العديد من الدبلوماسيين الإريتريين السابقين عملية صنع السياسة الخارجية في إريتريا بأنها شديدة المركزية ومرتبطة بمكتب أفورقي مباشرة والذي يضع خططها العامة والتفصيلية في بعض الملفات.
إعلانمن جانبه، ورغم عمله في نظام ديمقراطي، فغالبا ما دأب الرئيس الأميركي على النقد المرير لمؤسسات الدولة والدعوة إلى إعادة تنظيمها وفقا لرؤيته الخاصة، وتشير دراسة صادرة عن مجلة "أوروبا الوسطى للدراسات الدولية والأمنية" إلى تعزيز ترامب مركزية القرار في يده وحده عند إدارته للسياسة الخارجية مبتعدا عن الهياكل الرسمية التقليدية.
هذا الإعجاب بنموذج الرجل القوي أشار إليه أستاذ التاريخ بجامعة نورث كارولينا بنيامين سي. ووترهاوس، متحدثا عن أن منتقدي ترامب لاحظوا أنه كان يُشيد باستمرار بالحكام المستبدين والدكتاتوريين الأجانب، بينما يبدو أنه يُسيء إلى حلفائه التقليديين والقادة الأجانب المنتخبين ديمقراطيا، مُعتبرا إياهم ضعفاء وغير فعالين.
هذا الموقف من المؤسسات الداخلية نجد أصداء شبيهة له في ما يتعلق بموقف الزعيمين من "الخلل" في النظام الدولي ومؤسساته، فأفورقي عرف بانتقاده اللاذع لما يراه هيمنة غربية، واعتباره المؤسسات الدولية، كالأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، غير فعالة في معالجة قضايا التنمية أو الأمن في أفريقيا بشكل عادل.
أما ترامب، فإنه لم يتردد في وصف هذه المؤسسات بأنها "بالية" أو "منحازة" ضد الولايات المتحدة، متهما إياها باستنزاف موارد بلاده دون مردود حقيقي.
جانب آخر من التوافق بين الرئيسين يتمثل في موقفهما من سياسات الحزب الديمقراطي ولا سيما الثنائي أوباما وبايدن، حيث شهدت أسمرة في عهد الأول المساهمة الأميركية في تعرضها لعقوبات دولية لمرتين في حين فرضت إدارة بايدن عقوبات أخرى عام 2021 طالت عددا من كبار الشخصيات في المؤسسات العسكرية والاقتصادية والحزب الحاكم في إريتريا.
هذا الموقف الإريتري من إدارتي أوباما وبايدن يعزوه تحليل على موقع "ديموكراسي إن أفريكا" إلى محاولتها فرض الأجندة المتعلقة بالديمقراطية وحقوق الإنسان من خلال أدوات الدبلوماسية الخارجية، في حين يشير البروفيسور إندرجيت بارمر إلى رفض إدارة ترامب "القاطع" منهجية الليبراليين في تغيير الأنظمة، رغم الانتقائية التي وسمت جهودها.
الخطاب المفعم بالحديث عن أهمية السيادة الوطنية يمثل عاملا مشتركا آخر يربط بين الرجلين، حيث يؤكد أفورقي في مقابلاته وخطاباته على أهمية السيادة الوطنية ورفض التدخلات الخارجية، في حين يمثل "اجعل أميركا عظيمة مرة أخرى" جوهر خطاب ترامب القائم على إعادة تمركز السياسة الأميركية حول المصالح الوطنية والأمن الاقتصادي والسياسي.
تبدو دوافع ترامب للتعاطي الإيجابي مع الرسالة الإريترية متعددة ومتشابكة، وفي مقال له يشير قائد فريق أفريقيا لمشروع التهديدات الحرجة في معهد "أميركان إنتربرايز"، وليام كار، إلى أن تصاعد التوترات في شمال إثيوبيا ينذر باندلاع صراع جديد قد يُعرّض أولويات واشنطن في منطقة القرن الأفريقي للخطر.
إعلانوقد يمثل إحداث اختراق في جدار الأزمة الإريترية الإثيوبية الصلب بطاقة الفوز بجائزة نوبل للسلام التي طالما تطلع إليها ترامب، والتي عبرت عنها صراحة المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولاين ليفيت قائلة "حان الوقت كي ينال دونالد ترامب نوبل السلام"، موضحة أن ترامب أشرف منذ 20 يناير/كانون الثاني على إبرام "وقف إطلاق النار أو اتفاق سلام في الشهر الواحد".
هذه التطلعات تتجاوب مع "خيبة أمل" قديمة عبر عنها ترامب بنفسه في يناير/كانون الثاني 2020 تعليقا على فوز آبي أحمد بجائزة نوبل للسلام في العام السابق قائلا "لقد عقدتُ صفقة، وأنقذتُ بلدا، وسمعتُ للتو أن رئيس ذلك البلد سيحصل الآن على جائزة نوبل للسلام لإنقاذه البلاد. فقلتُ ماذا! هل لي علاقة بالأمر؟ نعم، لكن كما تعلمون، هكذا تجري الأمور".
من الجدير بالذكر أن اتفاق السلام الإريتري الإثيوبي المبرم عام 2018 تم إبان ولاية ترامب الأولى وهو المعني بكلامه السابق حول جائزة نوبل للسلام.
وكان من المثير للانتباه أن تلميحات لدور ما لترامب في السلام وردت في تهنئة أفورقي للرئيس الأميركي، واصفا انتخابه بأنه "جاء في مرحلة حرجة، حيث أصبح السلام العالمي أكثر أهمية من أي وقت مضى".
مثلت المواجهة مع الصين ملمحا بارزا في تشكيل إستراتيجيات الشؤون الخارجية لإدارة ترامب الأولى، حيث شكل القرن الأفريقي إحدى الساحات المحتدمة لهذه المواجهة، عندما أطلقت استضافة جيبوتي للقاعدة العسكرية الأولى لبكين بالخارج عام 2017 أجراس الإنذار في واشنطن ودفعت إدارة الرئيس الأميركي إلى إصدار إستراتيجيتها الأفريقية عام 2018.
وبالنظر إلى استحواذ العمل على الحد من النفوذ الصيني في المناطق الإستراتيجية، ومنها القرن الأفريقي، على جانب رئيسي من سياسات ترامب الدولية، فإن العمل على احتواء أسمرة قد يعد إستراتيجية بديلة عن عصا العقوبات التي رفعتها إدارة جو بايدن في وجه النظام الإريتري، الذي وقع عام 2021 على مذكرة تفاهم مع بكين للانضمام إلى مبادرة الحزام والطريق عقب مغادرة ترامب البيت الأبيض وبعد تأجيل لسنوات.
هذا التوجه الأميركي نحو محاولة احتواء أسمرة والابتعاد عن سياسة العقوبات التي اتبعتها الإدارة الديمقراطية السابقة تجسده تعبيرات رسالة ترامب التي ركزت على "عكس الضرر السلبي والضار الذي أحدثته إدارة بايدن في جميع أنحاء العالم".
في حين أبرزت تداعيات طوفان الأقصى الأهمية الأمنية المركبة للقرن الأفريقي فيما يتعلق بمجموعة من الملفات الإستراتيجية لواشنطن، على رأسها أمن الملاحة الدولية مع الاضطراب الذي أثاره استهداف الحوثيين للمصالح الإسرائيلية العابرة من باب المندب، ومن جهة أخرى كشف استهداف الحوثيين لإسرائيل مباشرة عن التشابك الأمني الوثيق بين جنوب البحر الأحمر والشرق الأوسط.
وفي هذا السياق، كان لافتا إشارة ترامب في رسالته إلى أفورقي إلى استعداد إدارته لإعادة تأسيس علاقة وطنية محترمة ومنتجة بين الولايات المتحدة وإريتريا "على أساس الصدق والاحترام والفرص لتحسين السلام والازدهار في منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر".
رغم الغموض الذي يحيط بالدوافع المحركة للرئيس الإريتري في محاولة التقارب مع الولايات المتحدة، فإن العديد من المراقبين يرون أن أسمرة قادرة على طرح نفسها كشريك يوصف بأنه جزيرة مستقرة في محيط مضطرب تهدد الحروب فيه الوحدة الترابية لأكبر دولتين في الجوار إثيوبيا والسودان.
ويعيش جنوب البحر الأحمر حالة من القلقلة الأمنية على وقع الهجمات الحوثية، ووسط كل ذلك تنخرط أسمرة بعمق في ملفات المنطقة الساخنة في السودان والصومال وإثيوبيا وحوض النيل.
إعلانكما أن هذه المرحلة تعد فرصة للتواصل مع واشنطن التي لم تتضح بعد ملامح إستراتيجيتها تجاه القرن الأفريقي وجنوب البحر الأحمر، حيث تواردت الأنباء عن نشاطات دبلوماسية للعديد من الأطراف في المنطقة ساعية لموضعة نفسها ضمن الرؤية الأميركية للمنطقة.
وبالنظر إلى الصراع الإريتري الإثيوبي المزمن والذي تراقص فيه الخصمان على حافة الحرب طوال العام الماضي فإن تحسين العلاقات مع واشنطن وسيلة لإقناع الأخيرة بصحة موقف أسمرة ولقطع الطريق على الأطراف ذات الخصومة معها التي تمارس، وفقا لأفورقي، "ضغوطا نشطة ضد أهدافنا المنشودة، وتُروّج للتشويهات، وتسعى إلى عرقلة أي مشاركة جادة" لبلاده مع الولايات المتحدة.
وكانت صحيفة أديس ستاندارد الإثيوبية نشرت في مطلع يوليو/تموز نداء دبلوماسيا من وزير الخارجية الإثيوبي جيديون تيموثوس إلى نظيره الأميركي ماركو روبيو اتهم فيه إريتريا بـ"الاستفزازات المتكررة" و"الاحتلال الإقليمي" ورعاية وكلاء من الجماعات المسلحة لزعزعة استقرار إثيوبيا، فيما وصفته وزارة الإعلام الإريترية بأنه "خدعة مكشوفة" لتبرير "أجندة حرب طويلة الأمد".
وفي مقابلته مع التلفزيون المحلي قبل أيام من الكشف عن الرسائل المتبادلة بينه وبين ترامب، شن أفورقي هجوما غير مسبوق على رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد واصفا تصريحاته بـ"الطفولية" وبالهرب من أزماته الداخلية.
وفي هذا السياق، يرى مراقبون أن أسمرة ستعمل على إقناع واشنطن ببذل الجهود للحيلولة دون لجوء إثيوبيا إلى أي خيارات عسكرية ضد إريتريا، حيث أشار أفورقي إلى أن الروايات الإثيوبية عن دعم واشنطن لمساعي أديس أبابا في الوصول إلى منفذ بحري "مضللة وبعيدة كل البعد عن الموقف الأميركي الفعلي".
وكان وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو قد أكد في اتصال هاتفي مع رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في 22 يوليو/تموز على "أهمية الحوار والاستقرار الإقليمي" للاستثمارات الأميركية المحتملة في بلاده.
بعد كل ما سبق، تبدو التحركات الأميركية الإريترية في مرحلتها الأولى، حيث وضح أفورقي أن خطته هي استئناف التعامل مع الإدارة الأميركية في العام القادم في مخاض يبدو أنه لن يكون يسيرا، وهو ما يستشف من وصفه للمناخ السياسي في واشنطن بأنه "في حالة من التقلب"، وأن التطورات عرضة للتأثر بالعديد من الشكوك.
وقد رجحت ورقة بحثية بعنوان "سياسة ترامب المحتملة تجاه القرن الأفريقي: أولوية المصالح الأميركية وسط الرهانات الإقليمية" نشرت مطلع هذا العام، تشديد إدارة ترامب العزلة على أسمرة لأسباب منها تزايد تقاربها مع المحور الصيني الروسي وتراجع حماسة حلفاء واشنطن الإقليميين لأداء أدوار فاعلة لجهة إعادة إدماج إريتريا مع محيطها الإقليمي، وتأزُّم علاقاتها مع جارتها الإثيوبية.
وفي هذا السياق، تبدو العلاقة مع بكين وموسكو حقلا من الألغام تسير عليه هذه المحاولات الوليدة، حيث يشير الدبلوماسي الإريتري السابق فتحي عثمان إلى أن المقابل الذي سيطلبه ترامب سيكون التخلي عن الحليف الصيني وطرد الشركات الصينية من البلاد، إضافة إلى تجاهل مبادرة طريق الحرير الصينية، مع إمكانية غض النظر عن علاقات إريترية روسية بسقف محدود.
ويرى مراقبون إريتريون أن هذا الثمن سيكون من الصعب على أسمرة تقبله نظرا لعدم الثقة العميقة بينها وبين واشنطن، و"العقيدة" الرسمية المتكررة في كل مقابلات الرئيس الإريتري والتي تنص على استهداف الولايات المتحدة للكيان الإريتري منذ خمسينيات القرن الـ20، وانحيازها الدائم طوال تلك الأعوام إلى جانب إثيوبيا حليفها التقليدي في المنطقة، وهو اختبار قد يتكرر من جديد في حال اتخاذ التوتر بين أسمرة وأديس أبابا منحى دمويا من جديد.