لجان المرتزقة الرقميين من التضليل إلى صناعة الفوضى
تاريخ النشر: 11th, May 2025 GMT
في زوايا المشهد الرقمي، حيث تتقاطع الحقيقة مع التزييف، وحق النقد مع الفوضى، نشأت ظاهرة الحروب الجديدة التي تتجاوز الأسلحة التقليدية، تقودها جيوش من "المرتزقة الرقميين". لا يحملون سلاحًا ولا يرفعون راية، لكنهم أكثر فتكًا من طلقات الرصاص. أدواتهم: الكلمة المسمومة، والمعلومة المضلّلة، والصورة المبتورة من سياقها.
ورغم أن النقد جزء أساسي من ديناميكية المجتمع، فإن ما يُمارس في كثير من هذه الحملات لا يمتّ للنقد بصلة. بل هو أقرب ما يكون إلى الاغتيال المعنوي المنظم، حيث تُستهدف شخصيات الصحفيين والمحللين والسياسيين بتهم مفبركة، وسيناريوهات معدّة مسبقًا لتدمير صورتهم أمام الرأي العام، وتشويه دورهم في دعم مؤسسات الدولة وتحصين الوعي الوطني.
المرتزقة الرقميون ليسوا مستخدمين عاديين. إنهم أفراد أو مجموعات، يعملون ضمن شبكات منظمة تحت إمرة من يتقنون فنون التضليل والتلاعب بالمعطيات. بعضهم مدفوع الثمن صراحة، والبعض الآخر يعمل بدوافع أيديولوجية أو كراهية مؤسسات الدولة. لكن القاسم المشترك بينهم جميعًا: محاولة هدم ما تبنيه الدولة من ثقة داخلية.
يتحرك هؤلاء وفق خطط مدروسة تُبنى على مراحل تبدأ بالتشكيك، ثم التشويه، وتنتهي بالإسقاط الكامل. تبدأ الحملة بإثارة الشكوك بأسلوب يبدو بريئًا، تليه موجة من المنشورات المضللة التي تعتمد على اقتطاع تصريحات أو إعادة تدوير صور قديمة، وتقديمها بسياقات مزيفة. وبعد تمهيد الرأي العام بهذه الجرعات المتتالية، تبدأ المرحلة الحاسمة: هجوم مركّز ومكرر، يطرح نفس الاتهامات عبر حسابات متعددة، بعضها وهمي وبعضها يُدار من قبل أشخاص حقيقيين مدفوعي الأجر أو مخدوعين بالمحتوى.
يرتكز سلوك المرتزقة الرقميين على سلاح السردية المضادة. لا تعنيهم الحقيقة بقدر ما تعنيهم الكيفية التي تُروى بها القصة. تُبث معلومات مُجتزَأة أو مشوهة تدريجيًا، بدايةً بمنشورات توحي بـ"القلق"، ثم تُضخّم لتصبح "قضية رأي عام". هنا، تُستخدم أدوات مثل الترندات والهاشتاجات والهجوم الجماعي المنسّق، فيتم إيهام المتلقي بأن الغضب الشعبي حقيقي، وأن الرواية المضللة هي الحقيقة المطلقة.
الأخطر من ذلك، أن هذه الحملات لا تقف عند حد الانتقاد أو المعارضة، بل تتوغل إلى الحياة الخاصة، وتستهدف النوايا والسلوك الشخصي والعلاقات العائلية. فالهدف ليس مجرد إسكات الصوت، بل اغتيال السمعة وعزل المستهدف عن مجتمعه.
الصحفي الذي ينقل المعلومة بمهنية، والمحلل الذي يشرح الأبعاد السياسية أو الأمنية، والسياسي الذي يدعو للثقة في مؤسسات الدولة، جميعهم في مرمى نيران تلك اللجان، لا لخطأ ارتكبوه، بل لرفضهم الانخراط في آلة التجييش الممنهجة.
يملك هؤلاء أدوات متطورة أخطرها الفبركة الرقمية، التي تتيح إنتاج روايات زائفة بمساعدة برامج تُمكّن من تزوير تغريدات أو صور أو محادثات تبدو حقيقية تمامًا. كذلك يُستخدم أسلوب "السياق المضلل"، حيث يُقتبس تصريح دون خلفيته، لتُفهم الرسالة على غير حقيقتها.
المعضلة الأكبر أن بعض رواد وسائل التواصل، بدافع حسن النية، يعيدون نشر هذه المنشورات بقصد التفنيد أو التعليق، مما يمنحها انتشارًا أكبر ومصداقية مزيفة. فمجرد التفاعل معها يسهم في رفع معدل ظهورها على المنصات، ما يجعل التفنيد، أحيانًا، أداة غير مقصودة لنشر التضليل.
وتسهم خوارزميات المنصات الرقمية في تفاقم المشكلة، حيث تمنح الأولوية للمحتوى المثير للجدل والغضب، بصرف النظر عن دقته. وبهذا، يجد المرتزقة بيئة خصبة لفرض رواياتهم وتوسيع تأثيرهم.
ويخطئ بعض المقربين من المرتزقة الرقميين حين يضيفونهم لقوائم الأصدقاء، أو يعلقون على منشوراتهم الاجتماعية، أو يقدمون لهم التهاني والتعازي. فذلك يمنحهم شرعية مجتمعية تعزز من تأثيرهم وتخدم أهدافهم، ولو عن غير قصد.
غالبًا ما تكشف منشورات هؤلاء المرتزقة اعتمادهم على شبكات ومواقع تابعة لتنظيمات متطرفة أو تمويل مشبوه، ما يسهل التمييز بينهم وبين من يطرح رأيًا حقيقيًا.
أولى خطوات المواجهة هي رفع الوعي العام بالتمييز بين النقد الصادق والتشويه المتعمد.فالدفاع عن الوطن لا يعني تكميم الأفواه، بل حماية المجتمع من الهدم النفسي والمعنوي.
ثانيًا، يجب أن تضطلع المؤسسات الإعلامية بدور توعوي، يشرح أساليب التضليل الرقمي ويفضح أدواته، لأن المعركة باتت في الوعي، لا على الأرض فقط.
ثالثًا، على الشخصيات العامة التحصن قانونيًا وإعلاميًا. فالصمت أمام هذه الحملات قد يُفسر ضعفًا أو إقرارًا بالرواية الكاذبة، ما يجعل اللجوء للقانون خطوة ضرورية للردع وكشف الأكاذيب.
وأخيرًا، علينا أن ندرك أنه في ظل تشابك الحقيقة المبتورة بالصوت المرتفع، يبقى التحدي الأكبر هو التمسك بالعقلانية والنزاهة وسط ضجيج الفوضى. والوعي بأن الاغتيال المعنوي لا يُسكت فردًا فقط، بل يُحاول قتل قيم بأكملها: الصدق، الثقة، والانتماء. من هنا، فإن مقاومة المرتزقة الرقميين ليست مسؤولية الصحفي أو السياسي وحده، بل مسؤولية مجتمع بأكمله.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: التی ت
إقرأ أيضاً:
مدبولي: استئناف ضخ الغاز للمصانع التي توقفت تأثرا بنقص الإمدادات
ترأس الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، اليوم، اجتماع الحكومة الأسبوعي، وذلك بمقرها بمدينة العلمين الجديدة، لمناقشة ومتابعة عدد من ملفات العمل.
واستهل رئيس الوزراء الاجتماع، بتقديم التهنئة للرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، ولجموع أبناء الشعب المصري بمناسبة قرب حلول رأس السنة الهجرية، داعياً المولي عز وجل أن يعيد علينا هذه المناسبة وبلادنا تتمتع بمزيد من الاستقرار والرخاء، وجميع شعوب الامتين العربية والإسلامية.
وجدد رئيس الوزراء ترحيب الدولة المصرية بما تم الإعلان عنه من التوصل لوقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل.
ولفت رئيس الوزراء، خلال الاجتماع، إلى عدد من الرسائل وثوابت الدولة المصرية فيما يتعلق بعلاقاتها الخارجية التي أكد عليها الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية خلال الاتصالات التي أجراها مؤخراً مع عدد من القادة والمسئولين الدوليين، ومنها رفض مصر القاطع وإدانتها لأي أعمال تمس سيادة الدول، لا سيّما الأشقاء من الدول العربية والإسلامية، هذا إلى جانب الترحيب بالتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل واستمرار مصر في السعي للدفع نحو الحلول السياسية الشاملة لتثبيت هذا الاتفاق والالتزام به، بالتعاون والتنسيق مع مختلف الأطراف الدولية المعنية، وذلك بما يسهم في التخفيف من حدة التصعيد في المشهد الإقليمي، وعدم الزج بالمنطقة إلى الفوضى والعنف الشامل.
وفي ذات السياق، وفيما يتعلق بجهود التعامل مع تداعيات هذه الحرب على الشأن المصري، نوه رئيس الوزراء إلى أنه بداية من صباح يوم الجمعة المقبل، سيتم استئناف ضخ الغاز لعدد من المصانع التي توقفت خلال الأيام الماضية تأثراً بنقص الامدادات من الغاز، مؤكداً حرص الدولة على توفير مختلف متطلبات العملية الإنتاجية، سعياً لاستمرار عجلة الإنتاج والدفع بها لتحقيق المزيد من المعدلات والأهداف الاقتصادية والاجتماعية.
وانتقل رئيس الوزراء، خلال الاجتماع، للحديث عن الجولات الميدانية التي قام بها خلال هذا الأسبوع، والتي شملت تفقد الأعمال الخاصة باستعدادات البنية التحتية لاستيراد الغاز الطبيعي بمنطقة «السخنة»، لاستقبال سفن «التغييز»، وذلك بما يسهم في تعزيز قدرة الشبكة القومية للغاز الطبيعي، وتلبية لمختلف المتطلبات الاستهلاكية والإنتاجية.
كما أشار رئيس الوزراء إلى جولته بعدد من المصانع بمدينة السادس من أكتوبر، والتي شملت زيارة أول مصنع في مصر والشرق الأوسط لتصنيع أجهزة السونار والرنين المغناطيسي، وكذا تفقد مصنع لتصنيع أجهزة شاشات التليفزيون والهواتف المحمولة، مجدداً التأكيد في هذا الصدد، على دعم الدولة الكامل لقطاع الصناعة، والعمل على إتاحة المزيد من التيسيرات والمحفزات التي من شأنها أن تسهم في نمو وتطوير هذا القطاع الواعد، الذي يُعد أحد أهم ركائز الاقتصاد المصري لتحقيق المزيد من الأهداف الاقتصادية، مؤكداً السعي المستمر لتوطين العديد من الصناعات الاستراتيجية محليا، وذلك من خلال تعزيز مشاركة مؤسسات القطاع الخاص المحلية والأجنبية في تنفيذ العديد من المشروعات الجديدة، والتوسع في المشروعات القائمة.
اقرأ أيضاًالرئيس السيسي يوفد مندوبا للتعزية
محافظ بني سويف يبحث مع نائب وزير الاتصالات سبل التعاون في ملف الرقمنة
الرئيس السيسي يتبادل التهنئة مع ملوك وأمراء الدول العربية والإسلامية بمناسبة العام الهجري الجديد