هل يفعلها ترامب ويعترف بفلسطين من الرياض؟
تاريخ النشر: 12th, May 2025 GMT
علي بن سالم كفيتان
خمَّن الكثيرون فحوى التصريح الغامض الذي أطلقه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبل وصوله للشرق الأوسط، أن هناك حدثًا كبيرًا سيجري خلال الأيام المُقبلة؛ فالمُتَتَبِّع لنهج ترامب في إدارة الأزمات خلال فترة حكمه الأولى والفترة الحالية، يُدرك أنَّ الرجل يُمكنه الإقدام على أي أمر مهما كانت صعوبته والتحديات التي تكتنفه، وفي غالب الأحيان دون الرجوع إلى الكونجرس، الذي بات الجمهوريون يُشكِّلون الأغلبية فيه؛ مما يعني تمرير الكثير من نبوءات ترامب التي يحلم بها بالليل لينفذها في الصباح مع كوب القهوة في المكتب البيضاوي، وما على العالم سوى المتابعة الشيقة وأحيانًا المؤلمة لتصريحات سيد البيت الأبيض التي لا تنتهي.
الحدث الأبرز بعد التصريح الأخير الذي تم تمريره، هو فتح باب التفاوض مع الصين حول الرسوم الجمركية بين البلدين، والحدث الثاني هو الإعلان عن التفاوض المباشر بين الولايات المتحدة وحركة حماس لإطلاق سراح الأسير عيدان ألكسندر، وتجاهل حكومة العدو الصهيوني، وهو حدث غير مسبوق، وعزَّز ذلك تصريحات ترامب الأخيرة ووصفه للحرب في غزة بـ"الوحشية"، كل تلك المعطيات تقودنا إلى أنَّ الحدث الأبرز الذي أشار له ترامب قد يكون مُفاجأة من العيار الثقيل.
وإذا صدقت النبوءة بإعلان الاعتراف الأمريكي بالدولة الفلسطينية من الرياض؛ فهذا يعني اختراقاً غير متوقع من الدول التي سوف يزورها الرئيس (وهي: السعودية والإمارات وقطر)، لشفرة نتنياهو وللوبيَّات الكيان الصهيوني في أمريكا، ومن غير المستبعد أن يفعل ترامب ذلك إذا حصل على المقابل المجزي؛ فالرجل تاجر ولا يكترث كثيرًا للسياسة، وهمُّه الأكبر هو الاقتصاد، ومثلما دفعت إحدى النساء اليهوديات 100 مليون دولار لنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس في الدورة الأولى لحكمه، يُمكنه إعادتها إذا حصل على مبلغ أكبر من دول الخليج، خاصةً مع مناكفته لنتنياهو في العلن ومعارضته لسياساته، وما إعلانه وقف إطلاق النار مع اليمن، مُقابل سلامة السفن الأمريكية دون اشتراط عدم قصف الكيان الصهيوني، إلّا بادرة في الطلاق المتوقع بينهما. وعزز التوقع، عدم وضع إسرائيل على خارطة زيارته الأولى للشرق الأوسط في جولته المرتقبة، مشيرًا إلى أنَّه التقى نتنياهو بما يكفي في البيت الأبيض خلال الشهور الماضية.
ما هو الثمن غير المادي لهذا الاعتراف إن حصل؟ وما الذي سيتحجج به ترامب أمام الكيان الصهيوني ولوبيَّات اليهود في أمريكا؟
أكادُ أُخمِّن أن الخطوة عرَّابوها قادة خليجيون، جربوا كل الحلول مع نتنياهو، من التطبيع المقرون بالسلام، إلى التطبيع المجاني بلا سلام، وربما أرادوا أن يتحركوا خطوة إلى الأمام وهم يوقنون أنها فرصتهم التي لن تتكرر مع أي رئيس أمريكي آخر غير ترامب، عبر الدفع بالكيان إلى التعامل مع الأمر الواقع لدولة فلسطينية تعترف بها أمريكا، مُقابل الاعتراف الكامل بدولة إسرائيل المزعومة من قبل العرب والمسلمين، وهو ذاته مضمون ما عُرف بـ"المبادرة العربية للسلام" التي أطلقها الملك عبدالله بن عبد العزيز آل سعود عام 2003 من بيروت، لكنَّ حكومة الكيان رفضتها ولم تعرها اهتمامًا. ولا شك أنَّ هذا سيقود لانشقاق كبير في إسرائيل الداخل، واستنفار في إسرائيل الخارج، للمْلَمَة القنبلة التي قد يتم تفجيرها في الرياض، فهل يفعلها ترامب؟ وهل يستطيع ملوك وأمراء الخليج دفع الفاتورة؟!
سيُعد ذلك- لو حصل- نصرًا مُؤزَّرًا للمملكة العربية السعودية وقيادتها، التي أعلنت دون مواربة عن موقفها الثابت من التطبيع مع الكيان المحتل لفلسطين، فلا تطبيع ولا سلام إلّا بدولة فلسطينية كاملة السيادة وعاصمتها القدس. وقد استطاعت المملكة الانسحاب من مُستنقع اليمن والتصالح مع إيران وقيادة محور واقعي للاعتراف بدولة فلسطين، بناءً على دراسة مُتغيِّرات الحكومة الأمريكية ولجم جماح الرئيس ترامب في بداية استلامه للسلطة، عندما استسلم لروايات نتنياهو وخداعه، وأصدر تصريحات مجنونة، فحواها استرجاع الأموال التي قدمتها أمريكا لإسرائيل من خلال الاستثمار في غزة، بعد كنس شعبها إلى مصر والأردن. ولا شك أن الرجل استفاق من غفوته تلك، وبات يتعاطى مع حلفائه الخليجيين بشيء من القبول والعقلانية؛ فشغفه بالمال يجعله يستمع ويتنازل، وقد يتخذ خطوات أبعد من ذلك، كما تبدو اليوم في جفاف العلاقة بينه وبين نتنياهو، عبر إبرام صفقات أحادية الجانب مع اليمن وحماس، مُتجاهلًا إسرائيل.
اعتراف أمريكا بفلسطين ربما يكون حُلمًا، وقد يصبح واقعًا، وهذا ما سوف تكشفه الساعات المقبلة.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
نتنياهو: صفقة أشبه بالمعجزة!
أطلق الرئيس دونالد ترامب في الخامس من هذا الشهر ما عرف بوثيقة الأمن القومي الأمريكي التي جاءت في 29 صفحة حملت ما يشبه خريطة تصنيفية جديدة للعالم، اعتبرت الشرق الأوسط برمته مساحة استثمارية بحتة.
ترامب المصر على أنه قد فرض وقفاً فعلياً لإطلاق النار في غزة، رغم عدم وجود ما يفيد بذلك إطلاقاً، يصر أيضاً على الانتقال إلى المرحلة الثانية من خطته المزعومة قبل نهاية الشهر الحالي، بحيث يعلن عن مجلسه المستحدث «للسلام» وقوة «الاستقرار» الدولية والمساهمين فيها، واستكمال ما تشمله تلك المرحلة من خطوات أخرى. استعجال ترامب بات ملحوظاً وكأنه بدأ يستشعر ضيق الوقت المتاح أمامه قبيل البدء بالتحضير للانتخابات النصفية الأمريكية المقبلة العام المقبل، واستماتته الملحوظة للبقاء في السلطة عبر دورة رئاسية ثانية ستحتاج لمعجزة ضخمة لتمريرها.
معجزة ترامب تتطلب منه الذهاب نحو انقلاب دستوري، ومنازلة قضائية كبيرة تسمحان له بالترشح، إضافة إلى حاجته الماراثونية لتطبيق وثيقة الأمن القومي الجديدة بما يشمل وضع الشرق الأوسط في مسار الاستثمار الذي يريده.
هكذا حال يستوجب الاستعجال الصاروخي في ترتيب أوضاع شريكه اللدود بنيامين نتنياهو الذي لا يستسيغه ترامب شخصياً، لكنه يرى فيه العنوان الوحيد القادر في إسرائيل وأمريكا على التأثير على أباطرة المال اليهود، ودفعهم نحو دعم نزوات ترامب الاستثمارية في الشرق الأوسط. لكن هذا الأمر يعني بالنسبة لترامب الحاجة الملحة لسرعة إطفاء نار الحرب، والحفاظ على نتنياهو في السلطة، عبر إقناعه باستكمال خطوات الحصول على العفو الرئاسي المنشود، بما يشمل الإقرار بالذنب والخروج من الحياة السياسية وهو ما يرفضه نتنياهو جملة وتفصيلا.
ترامب ورجالاته، رغم هذا الرفض، يقتربون من طرح صيغة، يبدو أن نتنياهو بدأ بالتفكير فيها.
وتقوم هذا الصيغة على دعوة نتنياهو لانتخابات عامة في إسرائيل يعقبها قبول الأخير بتنفيذ شروط العفو الباقية، وحصوله عليه، ثم الذهاب فوراً نحو ترشيح نفسه للانتخابات، مع الشروع بتغيير تحالفاته للتخلص من حلفائه اللدودين بن غفير وسموتريتش، اللذين لا يمكنهما ان يتقاطعا مع نزعة ترامب الاستثمارية، ورفض معظم دول الخليج التعامل معهما في حال بقائهما في السلطة وهو ما عبرت عنه قطر مؤخراً، بينما تستمر السعودية في رفضها للتطبيع من دون قيام دولة فلسطينية.
هذا الموقف يدعمه إصرار كلتا الدولتين على عدم دفع قرش واحد نحو إعادة الإعمار في غزة، دون التأكد من عدم اندلاع حرب جديدة، وهو ما يعني ضرورة تغيير الخريطة السياسية الإسرائيلية، وضمان سلام شامل في المنطقة قائم على استبعاد دعاة الحرب في إسرائيل وبشكل قاطع، ووقف مشروع التهجير واستئناف السلطة حسب المصادر السعودية لدورها في غزة.
لكن نتنياهو لا يرى الأمور بهذه السهولة ولا تجده يملك استعجال ترامب لكونه يعرف أن مغادرة الحياة السياسية، من ثم العودة عبر انتخابات مباشرة سوف لن تقنع جمهور المتربصين، خاصة أنهم يعتبرون أن نتنياهو سيخرج من الباب ليعاود القفز من النافذة، ولأنهم أيضاً يريدون فعلياً التخلص من نتنياهو بلا رجعة حتى لا يشكل لهم نداً لطالما خشوه، وثعلباً محترفاً قادراً على المناورة والعودة إلى الصدارة. خصوم نتنياهو لن يضيعوا فرصة الإطاحة به اليوم قبل الغد، خاصة وأنهم يعتبرون انضمامه لأي إئتلاف معهم لم يعد يشكل إضافة نوعية. ومع ذلك فإن توليفة متكاملة تضمن خروج المستوطنين من المشهد، والإطاحة بسموتريتش القابض على المال والتحكم به في دولة الاحتلال، ربما تجعل الأمر مقبولاً لدى بعض أركان المعارضة، خاصة إذا ما كانت مشفوعة بضغط وتعهدات كبيرة وملزمة من ترامب.
في المقابل فإن نتنياهو وبعقلية الذئب، يعود من جديد للمناورة، خاصة مع إبدائه بعض المرونة، التي يبدو أن ترامب قد طلبها منه، عبر الإعلان قبل أيام عن نيته تفكيك 14 بؤرة استيطانية واعتقال 70 مستوطناً، وحتى جاهزيته الوصول إلى سلام «ممكن» مع جيرانه الفلسطينيين. هذه اللغة غير المعتادة من نتنياهو، جعلت الجميع يتساءل عن «تغيير» كهذا في الموقف وأسبابه. العجب في مواقف ترامب سيبطله السبب في حال وصلنا إلى السيناريو أعلاه والذي سيكون بمثابة المعجزة الصعبة، فهل يشهد المشهد السياسي الإسرائيلي هكذا تطورات؟ ننتظر ونرى.
القدس العربي