بعد مقتله.. من هو غنيوة الككلي؟
تاريخ النشر: 13th, May 2025 GMT
في تطور مفاجئ ومثير على الساحة الليبية، قُتل عبد الغني الككلي، أحد أبرز قادة الميليشيات في العاصمة الليبية طرابلس، مساء الاثنين، خلال اشتباكات مسلحة وقعت جنوب المدينة، لتطوي صفحة من النفوذ الأمني والسياسي والاقتصادي الذي ظل يمارسه لسنوات.
الككلي، المعروف في الأوساط الليبية بلقب "غنيوة"، لم يكن من أبناء طرابلس رغم سطوته الأمنية فيها؛ فقد وُلد في مدينة بنغازي وبدأ حياته بعيدًا عن ساحة المعارك، حيث كان يعمل في مخبز تملكه عائلته.
غير أن الأوضاع التي أعقبت سقوط نظام معمر القذافي عام 2011، فتحت له الطريق لتشكيل ميليشيا مسلحة اتخذت من منطقة أبو سليم قاعدة لها، لتتحول لاحقًا إلى واحدة من أقوى التشكيلات المسلحة في العاصمة.
رجل أمن يتحول إلى "إمبراطور أعمال"لم يكتفِ الككلي بدوره كقائد ميليشيا ميداني، بل راح يمد نفوذه إلى مؤسسات الدولة الاقتصادية، مستغلًا حالة الانقسام السياسي وتعدد مراكز القوى. ووفق تقرير استخباراتي نشره موقع "أفريكا إنتليجنس" الفرنسي، نجح الككلي خلال السنوات الماضية في بناء شبكة معقدة من المصالح الاقتصادية، شملت قطاعي النفط والكهرباء، فضلًا عن بسط نفوذه على هيئة أمن المرافق الحكومية التي تتولى نقل الأموال بين البنوك ومصرف ليبيا المركزي.
وأشار التقرير إلى أن الككلي أصبح خلال تلك الفترة "رجل أعمال بامتياز"، وحرص على تأمين موضع قدم دائم له في دوائر صنع القرار، حتى وإن غيّرت السياسة وجهها وتغيرت التحالفات.
تحالفه مع عبد الحميد الدبيبةمن أبرز محطات صعود الككلي، تقاربه مع رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، والذي بدأ بشكل علني عام 2021.
ووفق مصادر مطلعة، عقد الرجلان تفاهمًا يقضي بأن يوفر الككلي الحماية الأمنية والدعم السياسي للدبيبة في طرابلس، مقابل تمكينه من تعيين حلفائه في مناصب حساسة بالدولة.
وبفضل هذا التفاهم، اتسع نفوذ الككلي بشكل غير مسبوق، وتمكن من التحكم في مفاصل حيوية داخل الدولة، بينها الكهرباء والمرافق الحكومية.
ويؤكد فريق خبراء الأمم المتحدة أن الككلي مارس تأثيرًا مباشرًا على الشركة العامة للكهرباء من خلال رئيسها محمد عمر حسن المشاي، الذي تصفه مصادر دبلوماسية بأنه "حليف تاريخي" للككلي. وتشير الوثائق الأممية إلى أن تعيين المشاي جاء نتيجة اتفاق سياسي بين الككلي والدبيبة لمواجهة خصمهما المشترك آنذاك، فتحي باشاغا.
مقتل الككلي، في هذه المرحلة الحساسة التي تمر بها ليبيا، يطرح تساؤلات كثيرة حول مستقبل المشهد الأمني في طرابلس، لا سيما أن الرجل كان يُعد أحد الضامنين الرئيسيين لاستقرار حكومة الدبيبة داخل العاصمة.
كما قد تؤدي وفاته إلى إعادة توزيع مراكز القوى بين الميليشيات المتنافسة، وربما تشعل فتيل جولات جديدة من العنف، وسط فراغ أمني متوقع في المناطق التي كان يهيمن عليها.
ولا تزال الجهات الرسمية الليبية تلتزم الصمت حيال ظروف مقتل الككلي، بينما تسود أجواء من الترقب والحذر في أوساط سكان طرابلس، الذين يتخوفون من انعكاسات هذا الحادث على استقرار العاصمة الهشّ.
في النهاية برحيل عبد الغني الككلي، تُطوى صفحة من صفحات مرحلة ما بعد 2011 في ليبيا، حيث لعبت الميليشيات دورًا محوريًا في تشكيل المشهد السياسي والأمني. ورغم تعدد الروايات حول ظروف مقتله، فإن المؤكد أن غيابه سيعيد خلط الأوراق في طرابلس، وسيضع حكومة الدبيبة أمام تحديات أمنية كبيرة في الفترة المقبلة.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: غنيوة عبد الغني الككلي طرابلس ليبيا مقتل غنيوة عبد الحميد الدبيبة الميليشيات الليبية أبو سليم حكومة الوحدة الوطنية الامن الليبي النفط الليبي الكهرباء الليبية أفريكا إنتليجنس الصراع الليبي الانقسام السياسي المرافق الحكومية العاصمة الليبية الصراع المسلح مشهد أمني
إقرأ أيضاً:
البعثة الأممية تصطدم بالأطراف الليبية ووعود بطردها.. ما تأثير ذلك على المشهد؟
أثارت إحاطة المبعوثة الأممية لدى ليبيا الأخيرة وهجومها على جميع الأطراف الليبية بعض الأسئلة حول مصير خارطة الطريق الأممية المرتقبة بخصوص حل الأزمة في ليبيا والدفع نحو الانتخابات.
وقدمت المبعوثة الأممية، هانا تيتيه إحاطة موسعة وشاملة وكاشفة أمام مجلس الأمن الدولي هاجمت فيها كل الأطراف الليبية متهمة إياهم بعرقلة إجراء الانتخابات وإقرار ميزانية والتسبب في حالة الفوضى وعدم الاستقرار الأمني والسياسي.
الاستشارية وخارطة طريق
وركزت الإحاطة الأممية على مؤتمر برلين 3 الأخير وكذلك مخرجات اللجنة الاستشارية والنقاشات واللقاءات المحلية حولها وكذلك الجانب الأمني والعسكري في طرابلس والذي وصفت الهدنة هناك بأنها هشة وأن عودة الاقتتال واردة في أي وقت.
كما أنها كشفت عن عزم البعثة الأممية خلال الإحاطة القادمة على تقديم خارطة طريق ذات جدول زمني واضح من شأنها الدفع نحو الانتخابات خاصة بعد حالة انعدام الثقة لدى الشعب الليبي في كل المؤسسات القائمة".
مهاجمة عقيلة وحفتر الابن
ولوحظ حالة من المكاشفة والمواجهة والصدام خلال كلمة المبعوثة الأممية وجهت فيها اللوم للجميع، ومنهم رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح بعد غقراره ميزانية لمدة 3 سنوات بقيمة 69 مليار دينار ليبي لصالح صندوق الإعمار ورئيسه بلقاسم نجل خليفة حفتر، مطالبة مجلس الأمن بتوقيع عقوبات رادعة ضد كل من يعرقل الحل والانتخابات في ليبيا.
وفي أول رد فعل رسمي على الإحاطة.. طالبت الحكومة المكلفة من مجلس النواب الليبي بطرد البعثة الأممية وموظفيها من ليبيا فورا، وذلك لتعاملها مع أطراف فاقدة للشرعية، وأن إحاطتها مليئة بالتجاوزات والمواقف المنحازة لحكومة الدبيبة "منتهية الولاية"، وفق بيان للحكومة.
وبحسب مراقبين للمشهد فإن مآلات الصدام بين البعثة وحكومة البرلمان وشرق ليبيا عامة سيتلخص في منع البعثة من أي فاعليات أو زيارات لمناطق نفوذ الحكومة الموالية لحفتر وكذلك رفض أي مقترحات منها ورفض تنفيذا لأية مبادرات تخص مخرجات اللجنة الاستشارية أو خارطة الطريق المرتقبة ما يعرقل عمل البعثة.
فهل يؤثر هذا الصدام والإحاطة الكاشفة على المشهد العام في ليبيا وعلى الانتخابات؟
تصعيد وضغط سياسي
من جهته، أكد عضو مجلس النواب الليبي، سليمان سويكر أن "دعوة البعثة لإجراء انتخابات فورية تعكس، في ظاهرها، رغبة في تجاوز الانسداد السياسي، لكنها في جوهرها تجاهلت السياق الفعلي للانقسام المؤسساتي، وواقع الانفصال الجغرافي والسياسي بين طرابلس وبنغازي".
وأوضح في تصريحات خاصة لـ"عربي21" أن "المطالبة بانتخابات بلا قاعدة دستورية موحدة ولا اتفاق حول السلطة التنفيذية، تبدو أشبه بضغط سياسي هدفه إعادة تشكيل موازين القوة أكثر من كونه حلا عمليا، وهذا التصعيد يعقّد أي فرص لاستئناف المسار الأممي"، حسب تقديره.
وقال: "ما يُعرف بـ ”خارطة الطريق الأممية الجديدة” باتت في مهب الريح ما لم تُراجع البعثة خطابها وتعيد التموضع كوسيط لا كطرف سياسي، أما استمرار نهج المواجهة فسيزيد عزلة البعثة، وربما يدفع أطرافاً ليبية، خاصة في الشرق، للبحث عن مسارات بديلة، سواء عبر حوارات داخلية أو عبر تحالفات إقليمية، وإحاطة البعثة لم تكن مجرد تقرير فني، بل كانت إعلاناً سياسياً يهدد بتقويض ما تبقى من دورها التيسيري"، كما صرح.
نجاح وتشكيل حكومة جديدة
في المقابل، رأى عضو المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، بلقاسم قزيط أن "إحاطة المبعوثة الأممية سلّطت الضوء على هشاشة الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية في البلاد، ما يؤكد الحاجة الملحة الآن إلى تشكيل حكومة موحدة جديدة".
وأشار إلى أن "البعثة الأممية تلقت غطاءً سياسيًّا مناسبًا خلال اجتماع برلين الأخير، وأن التنسيق المتدرج والمتصاعد الذي انتهجته البعثة في تحركها، بدءًا من برلين ووصولًا إلى مجلس الأمن، يرجّح نجاح المبادرة الأممية، بالنظر إلى أنها اتخذت مسارًا واضحًا ومدروسًا"، وفق تصريحات متلفزة.
مشهد سياسي ملغم
المحلل السياسي الليبي، فرج فركاش قال من جانبه إن "الإحاطة بصفة عامة هي استمرار لإدارة الأزمة رغم نية تحرك مرتقبة ونية طرح خارطة جديدة بناء على مخرجات اللجنة الاستشارية وتواصلها مع الأطراف، لكن لم تأت بشيء جديد ملموس يمكن البناء عليه، حيت تتحرك البعثة الآن وسط مشهد سياسي محفوف بالألغام والمطبات والعراقيل المعتادة ومشهد أمني هش".
وأوضح أن "البعثة تعمل على طرح حل يرضي معظم الأطراف المحلية وهذا صعب كما رأينا من خلال التجارب السابقة مع المبعوثين السابقين والعامل المشترك دائما رغم تعدد المبعوثين هو تعنت وعرقلة الاطراف الداخلية، رأينا مثالا لذلك من خلال رفض حكومة حماد لحديث تيتيه عن ميزانية الـ 69 مليار التي أقرها حفنة صغيرة من مجلس النواب لصندوق إعادة الإعمار رغم أن كلامها واقع موجود وليست تحيزا"، وفق كلامه.
وفي تعليقه على مطالبة حكومة حماد بطرد البعثة، قال لـ"عربي21": "دعوات في إطار الضغوطات المعهودة على البعثة لتبني وجهة طرف معين وهي دعوات عبثية لن تلقى قبولا دوليا خاصة وأن البعثة الأممية موجودة أصلا منذ 2011، لذا لن يحدث شيء وسنرى تيتيه قريبا في الشرق الليبي تلتقي عقيلة صالح وربما حفتر".
وختم حديثه بالقول: "المبعوثة الأممية تحتاج أيضا إلى توافق إقليمي خاصة بين الجارة مصر وتركيا وتحتاج إلى التركيز على التقدم خطوات كبيرة في ملف توحيد المؤسسات الأمنية والعسكرية وأيضا التركيز على الملف الدستوري المهمل لكي نحكم عليها بأي نوع من النجاح بدلا من الاستمرار في مراحل انتقالية فاشلة ومغازلة الأطراف الداخلية والذي يعطي انطباع أن البعثة والمجتمع الدولي ليس لديهم خيارات سوى الاستمرار في إدارة الأزمة"، كما قال.