الجوع يفتك بحياة الغزيين واستمرار إغلاق المعابر يعمّق المأساة
تاريخ النشر: 14th, May 2025 GMT
غزة- يخوض الآباء والأمهات في قطاع غزة يوميا معركة صامتة لم تعد تتمحور حول الأمان أو التعليم أو الاستقرار، بل أصبحت تدور بالكامل حول إطعام أبنائهم.
فمنذ إغلاق إسرائيل للمعابر بداية مارس/آذار الماضي ومنع دخول المساعدات والمواد الغذائية الأساسية، دخلت غزة مرحلة حادة من انعدام الأمن الغذائي، حيث شحّ الطعام من الأسواق، وتوقفت برامج الإغاثة والمساعدات، وباتت الأسر اليوم تعيش على فتات التكايا التي لم تعد تصل بانتظام.
وأدى منع إدخال الطعام إلى تفاقم حالات سوء التغذية، خاصة بين الأطفال والنساء.
داخل مركز إيواء (غربي مدينة غزة) تشكو ميسون حلّس، وهي أم 3 أطفال، من حالة اكتئاب وهزال جسدي أصابتها بسبب شح الطعام، وصعوبة تأمينه لأولادها.
وتقول ميسون للجزيرة نت "ابني الصغير عمره 5 سنوات، منذ 4 شهور ما ذاق لا الحليب ولا البيض، يعاني من هشاشة في أسنانه وتسوس، وصار يتلعثم بالكلام. وهذا كله من نقص التغذية، الاحتلال يمنع دخول الطعام، ونحن ننام بدون عشاء".
ولفتت إلى أن ابنها الأكبر الطالب في الثانوية العامة بحاجة لغذاء يعينه على التركيز، لكنه يضعف يوما بعد آخر، وصار هزيلا ولم يعد يحفظ دروسه ولا يركز، وذكرت أن ابنتها الوسطى تعاني من الأنيميا، مضيفة "كنت قبل الحرب أطعمها حليبا وبيضا ومكسرات، كانت تقوّي دمها شوي، اليوم ما في شيء، حتى الحليب صار حلما".
وبخصوص حالتها، تتابع ميسون شارحة "أنا نفسي ما عدت مثل ما قبل، هذا الوضع أصابني بالاكتئاب والأزمات النفسية، وأثر بشكل شديد على سلوكي مع أولادي وسلوكهم معي، وأيضا أصابني بالدوخة وانخفاض ضغط الدم، وما عدت أقدر أشتغل زي زمان في الغسيل والطبخ وترتيب البيت".
إعلانوتحدثت حول كيفية تمضية يومها باحثة عن طعام لأولادها، فتقول "نبدأ ندوّر على وجبة إفطار، لو لقينا شوية خبز يابس أو رز، نحمد ربنا. زمان كانت التكية تجيب الأكل يوميا. الآن قليل، وإذا جاءت مبكرا نفرح، ونعتمد عليها، وتسكت جوع الأولاد".
وذكرت أن أولادها غالبا ما ينامون دون عشاء، وهو ما يمثل مشكلة لابنها الصغير الذي يبكي طول الوقت لأنه تعوّد أن يشرب كأسا من الحليب، أو أكل "ساندويتش من الجبن" وهو أمر مفقود تماما الآن.
"أمس شعرتُ أنني سأسقط من شدة الهزال. كنت سأقع، طلبتُ منهم فقط قطعة خبز حاف، وبعدها تحسنت شوي" بهذه الكلمات بدأت وسام السدودي، وهي أم 7 أطفال، حديثها داخل خيمتها في أحد مراكز الإيواء بغزة.
وسام، مثل غيرها من الأمهات في القطاع، لا تبحث عن الرفاهية أو التنوع في الوجبات، كل همها أن تُشبع أبناءها الجائعين. وتقول للجزيرة نت "أولادي يأكلون وجبة واحدة في اليوم. نعتمد على التكية، لكنها صارت نادرا لما تيجي (تأتي) وحين تحضر لا تكفي كل المركز".
وفي الوضع الطبيعي، كانت وسام تخبز يوميا قرابة 40 رغيفا لأسرتها، لكنها توقفت تماما قبل أسبوع بعد نفاد الطحين لديها، مضيفة "الآن لا يوجد لدينا أي خبز". وتكمل "نسينا طعم الخضار واللحمة، الأسعار نار، ومفيش شيء بالسوق أصلا، إحنا بنعيش تجويع حقيقي، صار الوضع أسوأ بكتير، هزال، ودوخة، وقلة تركيز، والأمراض صارت تنتشر بسرعة بسبب ضعف المناعة".
كان صوت نضال حلّس، مدير مركز إيواء يقع داخل مدرسة في حي الرمال الجنوبي، مليئا بالعجز بعدما انتهى من توزيع كمية من العدس على النازحين. ويقول للجزيرة نت "10 قدور كبيرة من العدس، انتهت خلال 10 دقائق فقط، تتخيل؟ كان هناك الكثير من الناس، والأغلبية لم يحصلوا على شيء".
إعلانوأشار إلى بوابة المدرسة، وقال "الناس تأتي من مناطق بعيدة، وليس فقط من مركزنا، يمشون كيلو واثنين، من أجل لتر عدس لإشباع أولادهم".
وبكثير من الأسى، ذكر نضال أن التكيات أصبحت نادرة وتقلصت بنسبة تصل إلى 90% بسبب عدم توفر المواد الغذائية في الأسواق، بعد أن كانت تأتي لمركز الإيواء بشكل يومي. ويضيف "يأتي الكثير من الناس يريدون الأكل، وليس عندنا ما نعطيهم.. حاليا نغطي فقط 30% من احتياج الناس".
جوع حقيقي
وبحسب مدير مركز الإيواء، فإن غزة دخلت مرحلة الجوع الحقيقي قبل نحو أسبوعين، مع توقف غالبية التكيات عن العمل، ونفاد غالبية البضائع من الأسواق، وارتفاع أسعارها بشكل فاحش.
ويكمل "الهزال ظاهر على الكل، البعض يسقط والبعض يغمى عليه، الوضع الصحي والنفسي صعب، والناس تحضر قبل أفراد التكية بساعتين، ويمكن أن تذهب بدون أن تأخذ أي أكل".
وتقول المؤسسات الإغاثية المحلية والدولية إن مخزونها من الطعام قد نفد بشكل تام، وهو ما دفع برنامج الأغذية العالمي إلى وقف تشغيل مخابز القطاع، كما توقفت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا) عن توزيع الطحين على العائلات.
ويكشف إبراهيم إرشي مدير برنامج التغذية في مكتب هيئة الإغاثة الإنسانية التركية (آي إتش إتش) أنهم سيتوقفون، اليوم الاثنين، عن توزيع المكملات الغذائية المخصصة للأطفال والحوامل والمرضعات، بعد نفاد المخزون.
ويضيف للجزيرة نت "في السابق كنا نوزع حليبا للأطفال ومواد غذائية أساسية، وعندما نفدت، حاولنا الصمود على الأقل بتوزيع المكملات، لكن حتى هذه نفدت". وتابع "لم نستطع إدخال أي مساعدات جديدة بسبب استمرار إغلاق المعابر".
وحذر إرشي من أن وقف توزيع المكملات الغذائية على الفئات الضعيفة فيه تهديد مباشر لحياة الأطفال. مؤكدا "سوء التغذية صار واقعا يوميا، والأطفال في غزة الآن يواجهون خطرا حقيقيا على صحتهم، بل على حياتهم".
إعلانالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات للجزیرة نت
إقرأ أيضاً:
المأساة الإنسانية في غزة تتفاقم وسط تصعيد دموي وضغوط دولية متزايدة (تقرير)
تتسارع التطورات الميدانية والسياسية في قطاع غزة والشرق الأوسط، في وقتٍ تشهد فيه الساحة الإسرائيلية والفلسطينية تغييرات عميقة قد تمهد لإنهاء الحرب الممتدة منذ أكتوبر 2023، وسط تصاعد العنف الإسرائيلي وتكثيف الوساطات الدولية، خصوصًا من مصر وقطر والولايات المتحدة.
تصعيد ميداني عنيف في قطاع غزة
واصلت إسرائيل قصفها المكثف على قطاع غزة، موقعًا أكثر من 80 شهيدًا منذ فجر اليوم، حسب مصادر طبية فلسطينية، ليرتفع عدد الشهداء خلال 24 ساعة إلى 103، إلى جانب 219 إصابة.
وأكدت وزارة الصحة الفلسطينية أن حصيلة العدوان الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر 2023 بلغت 56،259 شهيدًا و132،458 مصابًا، فيما بلغت حصيلة الشهداء منذ 18 مارس 2025 وحدها 5،936 شهيدًا و20،417 إصابة.
من جانبها، أعلنت وزارة الصحة عن سقوط 3 شهداء و7 إصابات (بينها حالة خطيرة) جراء عدوان نفذه مستوطنون إسرائيليون على بلدة كفر مالك، في جريمة وصفتها قيادات إسرائيلية معارضة بأنها "مذبحة يهودية عنيفة".
تحركات دبلوماسية ومبادرات لوقف النار
كشفت مصادر إسرائيلية أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وجّه الجيش الإسرائيلي بإعداد خطة عاجلة خلال 48 ساعة لمنع حركة "حماس" من السيطرة على المساعدات الإنسانية الموجهة إلى شمال غزة، بعد ورود تقارير تتهم الحركة بالاستيلاء على تلك المساعدات.
في المقابل، نقلت قناة "كان" العبرية عن مصادر مطلعة أن نتنياهو سيعقد اجتماعًا مع كبار المسؤولين الأمنيين لبحث سبل إنهاء الحرب، تزامنًا مع تزايد الضغوط الأميركية والعربية للدفع نحو "صفقة شاملة".
وأكدت مصادر مطلعة أن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب يدفع نحو "اتفاق نهائي" يشمل:
إنهاء الحرب في غزة
إطلاق سراح المختطفين
تعزيز الوجود العربي في القطاع
تسوية سياسية شاملة
إنهاء محاكمة نتنياهو
ووفقًا لمسؤولين إسرائيليين، فإن اللقاء المرتقب بين نتنياهو وترامب قد يمثل نقلة حاسمة في هذا الاتجاه، في وقتٍ تواصل فيه الوساطات القطرية والمصرية العمل على تجاوز تحفظات حركة حماس على مقترح "ويتكوف"، خاصة ما يتعلق بخريطة الانسحاب وتوقيت الإفراج عن الأسرى.
المرشد الإيراني علي خامنئي أعلن انتصار بلاده في مواجهة الولايات المتحدة وإسرائيل، معتبرًا أن "أمريكا لم تحقق أي إنجاز" وأن "إيران وجهت لها صفعة قاسية".
إسرائيل ردّت على لسان وزير الدفاع يسرائيل كاتس بأنها كانت تستهدف خامنئي مباشرة، وقال: "نزل إلى أعماق الأرض وقطع الاتصال... لكنه ليس في أمان".
نتنياهو بدوره، وصف العملية ضد إيران بـ "النصر العظيم" الذي "يفتح آفاقًا جديدة للسلام في المنطقة".
رئيس وزراء إسبانيا هاجم الازدواجية الأوروبية، مشيرًا إلى "17 حزمة عقوبات ضد روسيا"، بينما "لا أحد يجرؤ على تعليق اتفاق الشراكة مع إسرائيل".
بيان القمة الأوروبية دعا إسرائيل إلى "رفع الحصار بالكامل عن غزة"، والسماح بدخول المساعدات دون عوائق.
الأونروا حذرت من "مشروع فصل الفلسطينيين عن أرضهم"، واعتبرت أن غزة تُعامل كأنها "أزمة إنسانية مزمنة".
اليونيسف نددت بحرمان سكان غزة من الغذاء، واعتبرت أن "تقديم خيار قاتل مقابل الحصول على المساعدات لن يُحسّن الوضع".
خلافات سياسية داخل إسرائيل وتطورات قضائية
مع تصاعد الضغط الشعبي والانتقادات داخل إسرائيل، نقلت القناة 12 العبرية عن وزراء قولهم: "ما قمنا به في غزة لم يحقق نتائج، ويجب تغيير النهج العسكري أو السعي نحو صفقة شاملة".
في السياق ذاته، تقدم نتنياهو بطلب لتأجيل محاكمته الجنائية، بدعوى "ضرورات أمنية"، وهو ما قوبل برفض من النيابة العامة التي رأت أن التحقيقات الجارية لا تتعارض مع مهامه السياسية، لا سيما أن بعضها تم خلال الحرب الحالية.
مسؤولون: فرصة لإنهاء الحرب وصفقة إقليمية كبرى
قال مسؤول كبير لقناة "كان" العبرية إن "تصريحات ترامب ليست عبثية"، بل تأتي ضمن "تحرك كبير قد يفضي إلى إنهاء الحرب، وإطلاق سراح الرهائن، وإغلاق ملف محاكمة نتنياهو"، وربما أيضًا "توسيع اتفاقيات السلام في المنطقة".
وأضاف الوزير الإسرائيلي ميكي زوهار: "نتنياهو لن يساوم على السماح بعودة حماس لقدراتها العسكرية، لكن السيطرة على محور فيلادلفيا ستكون مفتاح الصفقة".
في النهاية يبدو أن الشرق الأوسط يقف على أعتاب تحوّل تاريخي، مع تسارع المبادرات الرامية إلى إنهاء حرب غزة، في ظل واقع إنساني كارثي، واصطفاف دولي متباين، وخريطة تحالفات جديدة تتشكل في الأفق.