غزة- يخوض الآباء والأمهات في قطاع غزة يوميا معركة صامتة لم تعد تتمحور حول الأمان أو التعليم أو الاستقرار، بل أصبحت تدور بالكامل حول إطعام أبنائهم.

فمنذ إغلاق إسرائيل للمعابر بداية مارس/آذار الماضي ومنع دخول المساعدات والمواد الغذائية الأساسية، دخلت غزة مرحلة حادة من انعدام الأمن الغذائي، حيث شحّ الطعام من الأسواق، وتوقفت برامج الإغاثة والمساعدات، وباتت الأسر اليوم تعيش على فتات التكايا التي لم تعد تصل بانتظام.

وأدى منع إدخال الطعام إلى تفاقم حالات سوء التغذية، خاصة بين الأطفال والنساء.

سياسة التجويع الإسرائيلية أصابت ميسون بحالة من الاكتئاب (الجزيرة) بيوت بلا عشاء

داخل مركز إيواء (غربي مدينة غزة) تشكو ميسون حلّس، وهي أم 3 أطفال، من حالة اكتئاب وهزال جسدي أصابتها بسبب شح الطعام، وصعوبة تأمينه لأولادها.

وتقول ميسون للجزيرة نت "ابني الصغير عمره 5 سنوات، منذ 4 شهور ما ذاق لا الحليب ولا البيض، يعاني من هشاشة في أسنانه وتسوس، وصار يتلعثم بالكلام. وهذا كله من نقص التغذية، الاحتلال يمنع دخول الطعام، ونحن ننام بدون عشاء".

ولفتت إلى أن ابنها الأكبر الطالب في الثانوية العامة بحاجة لغذاء يعينه على التركيز، لكنه يضعف يوما بعد آخر، وصار هزيلا ولم يعد يحفظ دروسه ولا يركز، وذكرت أن ابنتها الوسطى تعاني من الأنيميا، مضيفة "كنت قبل الحرب أطعمها حليبا وبيضا ومكسرات، كانت تقوّي دمها شوي، اليوم ما في شيء، حتى الحليب صار حلما".

الجوع والعوز يخيمان على مراكز الإيواء بقطاع غزة مع استمرار إغلاق إسرائيل للمعابر (الجزيرة)

وبخصوص حالتها، تتابع ميسون شارحة "أنا نفسي ما عدت مثل ما قبل، هذا الوضع أصابني بالاكتئاب والأزمات النفسية، وأثر بشكل شديد على سلوكي مع أولادي وسلوكهم معي، وأيضا أصابني بالدوخة وانخفاض ضغط الدم، وما عدت أقدر أشتغل زي زمان في الغسيل والطبخ وترتيب البيت".

إعلان

وتحدثت حول كيفية تمضية يومها باحثة عن طعام لأولادها، فتقول "نبدأ ندوّر على وجبة إفطار، لو لقينا شوية خبز يابس أو رز، نحمد ربنا. زمان كانت التكية تجيب الأكل يوميا. الآن قليل، وإذا جاءت مبكرا نفرح، ونعتمد عليها، وتسكت جوع الأولاد".

وذكرت أن أولادها غالبا ما ينامون دون عشاء، وهو ما يمثل مشكلة لابنها الصغير الذي يبكي طول الوقت لأنه تعوّد أن يشرب كأسا من الحليب، أو أكل "ساندويتش من الجبن" وهو أمر مفقود تماما الآن.

وسام السدودي: نعيش حالة تجويع حقيقية والأمراض تنتشر بسرعة بسبب ضعف المناعة (الجزيرة) قطعة خبز

"أمس شعرتُ أنني سأسقط من شدة الهزال. كنت سأقع، طلبتُ منهم فقط قطعة خبز حاف، وبعدها تحسنت شوي" بهذه الكلمات بدأت وسام السدودي، وهي أم 7 أطفال، حديثها داخل خيمتها في أحد مراكز الإيواء بغزة.

وسام، مثل غيرها من الأمهات في القطاع، لا تبحث عن الرفاهية أو التنوع في الوجبات، كل همها أن تُشبع أبناءها الجائعين. وتقول للجزيرة نت "أولادي يأكلون وجبة واحدة في اليوم. نعتمد على التكية، لكنها صارت نادرا لما تيجي (تأتي) وحين تحضر لا تكفي كل المركز".

وفي الوضع الطبيعي، كانت وسام تخبز يوميا قرابة 40 رغيفا لأسرتها، لكنها توقفت تماما قبل أسبوع بعد نفاد الطحين لديها، مضيفة "الآن لا يوجد لدينا أي خبز". وتكمل "نسينا طعم الخضار واللحمة، الأسعار نار، ومفيش شيء بالسوق أصلا، إحنا بنعيش تجويع حقيقي، صار الوضع أسوأ بكتير، هزال، ودوخة، وقلة تركيز، والأمراض صارت تنتشر بسرعة بسبب ضعف المناعة".

نضال حلّس: غزة دخلت مرحلة الجوع الحقيقي مع توقف غالبية التكيات عن العمل (الجزيرة)

كان صوت نضال حلّس، مدير مركز إيواء يقع داخل مدرسة في حي الرمال الجنوبي، مليئا بالعجز بعدما انتهى من توزيع كمية من العدس على النازحين. ويقول للجزيرة نت "10 قدور كبيرة من العدس، انتهت خلال 10 دقائق فقط، تتخيل؟ كان هناك الكثير من الناس، والأغلبية لم يحصلوا على شيء".

إعلان

وأشار إلى بوابة المدرسة، وقال "الناس تأتي من مناطق بعيدة، وليس فقط من مركزنا، يمشون كيلو واثنين، من أجل لتر عدس لإشباع أولادهم".

وبكثير من الأسى، ذكر نضال أن التكيات أصبحت نادرة وتقلصت بنسبة تصل إلى 90% بسبب عدم توفر المواد الغذائية في الأسواق، بعد أن كانت تأتي لمركز الإيواء بشكل يومي. ويضيف "يأتي الكثير من الناس يريدون الأكل، وليس عندنا ما نعطيهم.. حاليا نغطي فقط 30% من احتياج الناس".

جوع حقيقي

وبحسب مدير مركز الإيواء، فإن غزة دخلت مرحلة الجوع الحقيقي قبل نحو أسبوعين، مع توقف غالبية التكيات عن العمل، ونفاد غالبية البضائع من الأسواق، وارتفاع أسعارها بشكل فاحش.

ويكمل "الهزال ظاهر على الكل، البعض يسقط والبعض يغمى عليه، الوضع الصحي والنفسي صعب، والناس تحضر قبل أفراد التكية بساعتين، ويمكن أن تذهب بدون أن تأخذ أي أكل".

وتقول المؤسسات الإغاثية المحلية والدولية إن مخزونها من الطعام قد نفد بشكل تام، وهو ما دفع برنامج الأغذية العالمي إلى وقف تشغيل مخابز القطاع، كما توقفت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا) عن توزيع الطحين على العائلات.

إبراهيم إرشي: وقف توزيع المكملات الغذائية يهدد حياة الفئات الضعيفة في ظل نقص الغذاء (الجزيرة)

ويكشف إبراهيم إرشي مدير برنامج التغذية في مكتب هيئة الإغاثة الإنسانية التركية (آي إتش إتش) أنهم سيتوقفون، اليوم الاثنين، عن توزيع المكملات الغذائية المخصصة للأطفال والحوامل والمرضعات، بعد نفاد المخزون.

ويضيف للجزيرة نت "في السابق كنا نوزع حليبا للأطفال ومواد غذائية أساسية، وعندما نفدت، حاولنا الصمود على الأقل بتوزيع المكملات، لكن حتى هذه نفدت". وتابع "لم نستطع إدخال أي مساعدات جديدة بسبب استمرار إغلاق المعابر".

وحذر إرشي من أن وقف توزيع المكملات الغذائية على الفئات الضعيفة فيه تهديد مباشر لحياة الأطفال. مؤكدا "سوء التغذية صار واقعا يوميا، والأطفال في غزة الآن يواجهون خطرا حقيقيا على صحتهم، بل على حياتهم".

إعلان

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات للجزیرة نت

إقرأ أيضاً:

غزة تُطحن بين الجوع والحصار والحرب.. والسكان ينخلون الدقيق الفاسد لإنقاذ أطفالهم

أفادت وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا) يوم السبت، أن عائلات في جميع أنحاء قطاع غزة تعتمد على المساعدات الغذائية والدقيق الملوث للبقاء على قيد الحياة في ظل الحصار الإسرائيلي المستمر منذ أسابيع على دخول المساعدات. اعلان

وقال أحد سكان مدينة غزة لوكالة وفا: "هناك نقص حاد في الدقيق. تمكنت من الحصول إلى القليل منه من بعض الناس، لكنه فاسد وغير صالح للأكل. نحن تسعة أشخاص في المنزل، واضطر إلى غربلة الدقيق مرتين لجعله صالحا للاستخدام إلى حد ما. أحد أطفالي لديه احتياجات غذائية خاصة، لكنه لا يستطيع تناول الطعام؛ لأن الدقيق فاسد ومليء بالديدان".

وتفرض إسرائيل حصارا على إيصال الغذاء والدواء والمساعدات الإنسانية إلى غزة منذ 2 مارس/آذار، وهو ما تقول الأمم المتحدة إنه يدفع العائلات إلى حافة المجاعة وقد يودي بحياة المزيد من الغزيين. 

وقالت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في 8 مايو/أيار: "هذا جوع لم نشهد مثله من قبل".

وأضافت الوكالة: "أصبحت غزة أرضا يائسة. يجب رفع الحصار، وتدفق الإمدادات، وإطلاق سراح الرهائن، واستئناف وقف إطلاق النار الآن".

Relatedغزة تواجه خطر المجاعة بسبب الحصار: الآلاف يعودون من المطابخ الخيرية بأوعية فارغة يتامى غزة في وقفة احتجاجية ضد سياسة التجويع: دعوات لرفع الحصار وإدخال المساعداتفي مستشفيات غزة لا دواء ولا غذاء.. المرضى يصارعون الجوع في ظل حصار إسرائيلي خانق

ويوم الأربعاء، أعلنت منظمة "المطبخ المركزي العالمي"، وهي منظمة خيرية تقدم وجبات الطعام استجابة للأزمات الإنسانية، أنها "لم تعد تملك الإمدادات اللازمة لطهي الوجبات أو خبز الخبز في غزة".

وتفيد مصادر فلسطينية محلية بأن سكان قطاع غزة باتوا يضطرون إلى طحن العدس والمعكرونة والحبوب لتحويلها إلى دقيق، في ظل الانعدام التام لمادة الطحين.

انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة

مقالات مشابهة

  • أطفال غزة بلا طعام أو دواء.. والأمهات يّسكتن الجوع بأوراق الأشجار
  • غزة.. أزمة الجوع تتفاقم وخطر المجاعة يقترب
  • غزة تتضور جوعا.. قلة الطعام تجعل أطفالها أقزاما نتيجة ضعف النمو
  • 380 فنانًا عالميًا ينددون بالإبادة في غزة
  • العراق.. أسد يفتك بمربيه داخل منزله في الكوفة وجار الضحية ينهي المأساة برصاصاته
  • صرخات من غزة تلخص مأساة الجوع في القطاع المحاصر
  • الخيرية الهاشمية مستمرة بـتكية الإطعام في غزة رغم إغلاق المعابر
  • غزة تُطحن بين الجوع والحصار والحرب.. والسكان ينخلون الدقيق الفاسد لإنقاذ أطفالهم
  • الجوع يفتك بسكان قطاع غزة رغم وفرة الإمدادات على حدوده