إذا كان الموسيقيُّ الذي يعزف على آلة وتريّة لا يستغني عن الريشة التي حين يمرّرها على أوتار آلته الموسيقيّة تنتج صوتا عذبا، فإن الرسام لا يستغني عن الفرشاة التي يغمسها فـي ألوانه ليرسم لوحات جميلة، ولو وضعنا الريشة، والفرشاة فـي يد واحدة، فكيف سيكون جمال تلك القطعة الموسيقية، وشكل تلك اللوحة؟
دار فـي رأسي هذا السؤال وأنا أتصفّح كتاب الموسيقار نصير شمّة (رؤية وحياة.
يقول شمّة الذي يُعدّ اليوم من أبرز عازفـي العود فـي الوطن العربي والعالم
وجرى تنصيبه، منذ سنوات، سفـيرا للنوايا الحسنة للاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر: «منذ بدأت الرسم قبل ما يقارب الأربعين عاما، صنعت لريشتي كيانا موسيقيا، وكنت فـي كل مرة أنجز فـيها لوحة أسمع موسيقاها، بل ألامسها، وأعيد تكوين نفسي داخلها، كنت ألامس اللون بين أصابعي، بالطريقة نفسها التي أفرك بها أصابعي وأنا أستعدُّ للموسيقى.. للمس ذاكرة، تماما كما للأذن ذاكرة»، ومن هذه الذاكرة يغترف، كلّ ما يجعله يثري مخيّلته، ويحوّله إلى موسيقى وألحان ونغمات، لكنه لم يكتف بذلك، بل حوّلها إلى ألوان، فالإبداع الفني طاقة خلّاقة، ويقال إن هناك روابط خفـية بين الموسيقى والفنون التشكيلية بدليل أن العديد من الموسيقيين كانوا يرسمون ومن بينهم: بوب ديلان، والسير بول مكارتني، وستيفـي نيكس، ومارلين مانسون وديفـيد بوي، وحول الدافع الذي جعل الموسيقار نصير شمّة يمسك ريشة العزف بيد ويضع بيده الأخرى ريشة الرسام، يصرّح أن تلك الومضة الغامضة انبثقت فـي رأسه بينما كان يقرأ كتابا للشاعرة البولونية شيمبورسكا، فلفتت أنظاره قصيدة تقول فـيها: «حتى يرى الموسيقى، صنع لنفسه كمانا من زجاج»، فقرّر أن يرى الموسيقى، مثلما يرى قوس قزح، وحين رآها، قرّر أن ينقل أحاسيسه، وهو يرى الموسيقى، إلى الجمهور الذي عرفه موسيقيّا بارعا، فخاض مغامرة جديدة، وقبل ذلك بالتأكيد درس أبعاد تلك المغامرة، فـي مقدمة الكتاب يقول الدكتور حسن ناظم: «مثلما كان الشعر رسما ناطقا والرسم شعرا صامتا، صارت الموسيقى لدى نصير شمّة رسما منغّما والرسم موسيقى صامتة، ويعي الفنّان نصير شمّة أبعاد هذه المغامرة فـي كيفـية تأسيس العلاقة بين الموسيقى والرسم»، فقام بجمع أعماله الفنية وأقام معرضا تشكيليا احتضنه جاليري الاتحاد للفن الحديث بأبوظبي فـي فبراير 2024م ضم (70) عملا تشكيليا، فنجح فـي ذلك وكرر التجربة فـي مطلع العام الحالي فـي القاهرة وأقام معرضا تشكيليا ثانيا بجاليري الباب بدار الأوبرا المصرية، حمل عنوان (ربع تون) قبل ذلك شاركت أعماله فـي معارض جماعية من بينها معرض (أبوظبي آريت)، وقد ساهمت ردود الأفعال التي تلقّاها فـي الاستمرار بمشروعه التشكيلي الذي يعمل إلى جانب مشروعه الموسيقي، فوضع «سيمفونيات ملونة من خلال لوحاته التي تحمل روحانية كبيرة وانغماسا فـي معالجات السطوح بطريقة تحمل الكثير من الحساسية والجمال»، كما يقول الفنان ستار كاووش الذي رأى فـي لوحات شمّة أن الرسم تخلص من أثقاله وقال الكثير من خلال إيقاعات الألوان.
فللألوان إيقاعات، مثلما للموسيقى أشكال وألوان، والموسيقيّ الرسام هو الذي يسعى إلى إيجاد حالة من التكامل بين الرسم والموسيقى، فـيحافظ على الإيقاع فـي الرسم، وعلى الألوان فـي الموسيقى، وبذلك يمكننا أن نرى الموسيقى على جدران المعارض، والمكاتب، والبيوت، وحتى فـي الملابس التي نرتديها، وهذا ما سعى إليه الموسيقار نصير شمّة، ونجح إلى حدّ بعيد فـي تحقيقه، فخرج علينا بسيمفونيّاته الملوّنة.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
اشتباكات واعتقالات في إسطنبول بسبب رسم كاريكاتوري اعتُبر "مسيئاً للنبي محمد"
شهدت مدينة إسطنبول صدامات بين محتجين وقوات الأمن عقب نشر مجلة "ليمان" التركية الساخرة رسماً كاريكاتورياً اعتُبر مسيئاً للنبي محمد، ما دفع النيابة العامة لفتح تحقيق واعتقال صاحب العمل وثلاثة آخرين يعملون في المجلة. اعلان
شهدت مدينة إسطنبول في تركيا، مساء الاثنين، توتراً أمنياً واسعاً إثر اندلاع صدامات عنيفة بين قوات الشرطة ومتظاهرين احتجوا على نشر رسم كاريكاتوري في مجلة "ليمان" التركية الساخرة، اعتُبر مسيئاً للنبي محمد. واستخدمت الشرطة الرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع لتفريق المحتجين، في حين أعلنت السلطات توقيف رسام الكاريكاتور وثلاثة من زملائه بالمجلة.
وقد فتحت النيابة العامة في إسطنبول تحقيقاً بتهمة "إهانة القيم الدينية علناً"، وأصدرت مذكرات توقيف بحق المعنيين. وظهر في أحد الرسوم المنشورة في عدد 26 يونيو 2025، رجلان يطيران فوق مدينة تتعرض للقصف، وقدّم أحدهما نفسه باسم "محمد"، والآخر باسم "موسى"، ما فُسّر على أنه تمثيل للنبيين محمد وموسى، وأثار غضباً واسعاً.
Relatedأردوغان يتعهد بتعزيز إنتاج الصواريخ في تركيا مع تصاعد الحرب بين إسرائيل وإيرانتركيا: اعتقال رؤساء بلديات من حزب الشعب الجمهوري المعارضتركيا تكافح حرائق الغابات في ظل موجة حر تجتاح أوروباوزير الداخلية التركي، علي يرلي كايا، أعلن عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن توقيف المشتبه بهم، واصفاً الرسم بأنه "منحطّ"، ومؤكداً أنهم "سيُحالون إلى العدالة". ونشر مقاطع مصوّرة تظهر عناصر الأمن تقتاد الموقوفين ليلاً من منازلهم، بعضهم حفاة.
لكن رئيس تحرير مجلة "ليمان"، تونجاي أكغون، نفى الاتهامات بشدة، مؤكداً أن الرسم أُسيء تفسيره، قائلاً: "ليس هناك أي تمثيل للنبي محمد. الشخصية في الرسم تُدعى محمد، وهو مدني مسلم قُتل في قصف إسرائيلي، لا علاقة له بالرسول". المجلة أصدرت بدورها بياناً أكدت فيه أنها لم تسعَ للإساءة إلى القيم الدينية، وعبّرت عن أسفها لمن أساء فهم العمل.
في المقابل، شدد وزير العدل يلماظ تونج على أن "ازدراء المعتقدات أمر غير مقبول"، محذراً من أن أي تمثيل بصري للنبي "يقوّض السلم الاجتماعي". كما دان محافظ إسطنبول، داود غول، ما وصفه بمحاولة "استفزاز المجتمع ومهاجمة قيمه المقدسة".
تجدر الإشارة إلى أن مجلة "ليمان"، التي تأسست عام 1991، لطالما كانت هدفاً لانتقادات المحافظين، خصوصاً بعد دعمها العلني لمجلة "شارلي إيبدو" الفرنسية عقب الهجوم على مكاتبها في باريس عام 2015.
انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة