كيف يخترق فيروس نقص المناعة البشرية الخلايا المناعية ويختطفها؟
تاريخ النشر: 18th, May 2025 GMT
كشفت دراسة جديدة عن سر خفي في دورة حياة فيروس نقص المناعة البشرية من النوع الأول، وسلطت الضوء على كيفية تعزيز الفيروس لاستمراره وتكاثره وقدرته على التهرب من جهاز المناعة.
يوجد نوعان من فيروس نقص المناعة البشري، الأول والثاني. ويتشابه فيروس نقص المناعة البشرية من النوع الأول مع فيروس نقص المناعة البشرية من النوع الثاني في العديد من الجوانب، منها ترتيبهما الجيني الأساسي، وطرق انتقالهما، ومسارات تكاثرهما داخل الخلايا، وعواقبهما؛ وكلاهما يؤدي إلى الإصابة بالإيدز.
وأجرى الدراسة باحثون من كلية تشارلز إي. شميدت للطب بجامعة فلوريدا أتلانتيك في الولايات المتحدة، ونشرت نتائجها في مجلة إن بي جاي فيروسز (npj Viruses)، وكتب عنها موقع يوريك أليرت.
الثغرةيمكن تلخيص الإستراتيجية الجديدة بأن فيروس نقص المناعة البشرية من النوع الأول ينصب فخا إسفنجيا يمتص به الجزيئات التي تنتجها الخلية لتنقذ نفسها منه ويحتجزها ليمنعها من أداء عملها.
تتكون الفيروسات من جزيئات صغيرة تحمل مادتها الوراثية وغلافا تحيط نفسها به، ولكنها تفتقر إلى كل شيء آخر فلا يمكنها أن تتكاثر إلا باستخدام أدوات الخلايا الحية، فتستغل الفيروسات النباتات والحيوانات والبشر لتقوم بذلك.
إعلانويمكن للمادة الوراثية التي تحملها الفيروسات أن تكون على شكل أشرطة حلقية أو مستقيمة، وقد تتكون هذه الأشرطة من جزيئات الحمض النووي المنقوص الأكسجين المعروف اختصارا بـدي إن إيه "DNA" (المادة الوراثية الأصلية التي تحمل التعليمات) أو الحمض النووي الريبي "(RNA) Ribonucleic acid" (نسخة المادة الوراثية التي يمكن أن تفهمها آلات صنع البروتينات في الخلية).
ينتمي فيروس نقص المناعة البشرية إلى عائلة الفيروسات القهقرية (Retrovirus). والفيروس القهقري يعمل عن طريق تحويل الحمض النووي الريبي الخاص به إلى "دي إن إيه" بمجرد وجوده في الخلية المضيفة، ثم يقوم بدمج هذا الحمض النووي في الحمض النووي للخلية المضيفة، مما يسمح للفيروس بالتكاثر.
قال الدكتور ماسيمو كابوتي الباحث المشارك في الدراسة والأستاذ في قسم العلوم الطبية الحيوية بكلية شميدت للطب في جامعة فلوريدا أتلانتيك في الولايات المتحدة: "يتميز فيروس نقص المناعة البشرية من النوع الأول بخصائص فريدة، فهو يندمج في جينوم المضيف ويسيطر على آلية معالجة الحمض النووي الريبي في الخلية، مما يمنحه قدرة نادرة بين فيروسات الحمض النووي الريبي على توليد جزيئات الحمض النووي الريبي الدائري المستقر (circular RNA)".
وأضاف "لقد كنا نعلم أن الحمض النووي الريبي الدائري يظهر في فيروسات الدي إن إيه مثل فيروس إبشتاين-بار وفيروس الورم الحليمي البشري، لكن رؤية أنه يتم توليده بواسطة فيروس الحمض النووي الريبي مثل فيروس نقص المناعة البشرية هو أمر مثير للغاية".
ويُمكّن الشكل الدائري الحمض النووي الريبي من العمل كالإسفنج، إذ يمتص الحمض النووي الريبي الصغير (miRNAs) ويمنعه من أداء وظائفه المعتادة التي تشمل التحكم في الجينات التي تُفعّل أو تُعطّل. وعلى الرغم من أن العلماء اكتشفوا سابقا آلافا من جزيئات الحمض النووي الريبي الدائري في الخلايا البشرية والحيوانية، فإنه لم يُعثر إلا على عدد قليل منها في الفيروسات، خاصة في فيروسات الحمض النووي الكبيرة مثل فيروسات الهربس التي تتميز بجينومات كبيرة، ويمكن أن تبقى مختبئة في الجسم لسنوات قبل أن تنشط مجددا.
إعلانحدد الفريق ما لا يقل عن 15 نوعا مختلفا من الحمض النووي الريبي الدائري لفيروس نقص المناعة البشرية-1، وأكد وجودها باستخدام تقنيات جزيئية متقدمة وأدوات تسلسل.
وقال كابوتي "عندما يصيب فيروس نقص المناعة البشرية الجسم، تستجيب خلايا مناعية معينة تسمى الخلايا التائية سي دي 4+ (CD4+T cells) بزيادة مستويات نوعين من الحمض النووي الريبي الصغير اللذين يُحتمل أن يساعدا في مكافحة الفيروس". عادة، توجد جزيئات صغيرة من الحمض النووي الريبي بمستويات منخفضة، لكنها تزداد عند إصابة الشخص بفيروس نقص المناعة البشرية.
ويبدو أن فيروس نقص المناعة البشرية يُقاوم عن طريق إنتاج جزيئات الحمض النووي الريبي الدائرية التي تحبس هذه الجزيئات الدقيقة، فيضعف ذلك الاستجابة المناعية ويساعد الفيروس على إنتاج المزيد من نسخه. وهذا يُشير إلى أن جزيئات الحمض النووي الريبي الدائرية الخاصة بفيروس نقص المناعة البشرية قد تُساعد في الحفاظ على الخلايا المُصابة حية وتسمح للفيروس بالبقاء مُختبئا في الجسم مدة طويلة، وهو أحد الأسباب الرئيسة لصعوبة علاج فيروس نقص المناعة البشرية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات
إقرأ أيضاً:
مفاجأة علمية.. الجينات تعيد رسم الرابط بين مصر القديمة والهلال الخصيب
في إنجاز علمي هو الأول من نوعه، نجح باحثون من معهد فرانسيس كريك وجامعة ليفربول جون مورز في استخراج أول حمض نووي كامل من بقايا إنسان مصري عاش قبل ما بين 4500 إلى 4800 عام، أي في زمن بناء الأهرامات الأولى.
ووفقا للدراسة التي نشرت يوم 2 يوليو/تموز في مجلة نيتشر، تشكل هذه النتيجة لحظة فارقة في فهم العلماء للتاريخ الوراثي لمصر القديمة وعلاقاتها الثقافية والإنسانية بجيرانها في غرب آسيا.
يعد هذا التسلسل الجيني هو الأول من نوعه على الإطلاق من مصر القديمة، ويأتي بعد أكثر من 40 عاما على أولى محاولات العلماء لاستخلاص الحمض النووي من مومياوات مصرية، وهي محاولات باءت بالفشل بسبب صعوبة الحفاظ على المادة الوراثية في المناخ الحار والجاف.
تقول الباحثة الرئيسية في الدراسة، "أديلين موريس جاكوبز" -الباحثة في الأنثروبولوجيا البيولوجية والمتخصصة في دراسة علم الوراثة السكانية بجامعة ليفربول جون مورز، البريطانية، إن الفريق استخرج الحمض النووي من سن شخص دفن في قرية "النويرات" في محافظة سوهاج (على بُعد نحو 265 كيلومترا جنوب القاهرة).
ووفقا لتصريحات الباحثة لـ"الجزيرة.نت"، تعود رفات هذا الشخص إلى فترة انتقالية في التاريخ المصري، بين العصر العتيق وبداية الدولة القديمة، أي قبل أن تصبح عمليات التحنيط ممارسة شائعة، وهو ما ساعد في الحفاظ على الحمض النووي بشكل استثنائي.
وبتحليل الحمض النووي، اكتشف الباحثون أن نحو 80% من أصول هذا الفرد تعود إلى شمال أفريقيا، بينما الـ20% المتبقية ترتبط بأشخاص عاشوا في الهلال الخصيب، وتحديدًا في منطقة بلاد ما بين النهرين، تحديدا ما يُعرف اليوم بدولة العراق.
وهذا أول دليل جيني مباشر يُثبت حدوث تمازج سكاني بين مصر وشعوب غرب آسيا خلال تلك الحقبة، بعد أن كانت الأدلة على ذلك تقتصر على الفخار والنقوش والرموز المشتركة.
إعلان"كشفت الجينات ما لم تروه الآثار وحدها، إذ يمثل هذا الشخص دليلا على التبادل البشري الحقيقي، لا مجرد تبادل للسلع أو الأفكار. لقد منحنا هذا الحمض النووي نافذة غير مسبوقة على التحولات السكانية في قلب الحضارة المصرية" كما أوضحت "جاكوبز".
لم يكتفِ الفريق بتحليل الجينات، بل استعانوا أيضا بعظام وأسنان الفرد لاكتشاف مزيد من تفاصيل حياته. وبفحص بصمات كيميائية دقيقة في مينا الأسنان، تأكد العلماء من أنه نشأ في مصر، ولم يكن وافدا من الخارج.
كما كشفت عظام هذا الشخص عن نمط حياة ربما ارتبط بالحرف، وبالأخص صناعة الفخار، حيث ظهرت على مفاصله علامات جلوس متكرر مع تمدد الساقين، وحركة دورانية مستمرة للذراعين، تماما كما يفعل الخزاف عند استخدام عجلة الفخار.
لكن المفارقة، كما توضحها الباحثة، أن طريقة دفنه كانت فاخرة، لا تتماشى عادة مع مكانة الحرفيين البسطاء، إذ إن الهيكل العظمي يحكي عن شخص ربما كان صانع فخار، لكن مستواه الاجتماعي يشير إلى مكانة أعلى من المعتاد؛ فمن المحتمل أنه كان موهوبا أو ناجحا بشكل استثنائي، وهذا قد يكون ما جعله يستحق هذا الدفن المميز.
القصة لا تنتهي عند هذا الفرد، بل تمتد لتشمل رحلته بعد الموت، فقد نقلت رفاته من مصر خلال الحقبة الاستعمارية إلى بريطانيا، ضمن مقتنيات أثرية جمعت في بعثات تنقيب في أوائل القرن العشرين، وأُودعت لاحقا في متحف "وورلد" بمدينة ليفربول، حيث بقيت محفوظة لعقود، بل ونجت من القصف الجوي خلال الحرب العالمية الثانية، الذي دمر معظم المجموعات البشرية في المتحف.
ويعتقد الباحثون أن هذا الشخص عاش في وقت حاسم من تاريخ مصر، وسافر بعد وفاته آلاف الكيلومترات، ونجا من الحرب، ليخبرنا اليوم عن ماضينا المشترك.
تمثل النتائج التي توصل إليها الفريق بداية فقط، لا نهاية. فرغم القيمة الكبيرة لهذا الجينوم الوحيد، يشير الباحثون إلى ضرورة تحليل مزيد من العينات لفهم الصورة الكاملة للأنساب في مصر القديمة. كما يأملون في توسيع التعاون مع علماء مصريين لتحقيق ذلك، في إطار من الشراكة العادلة.