الهيئة العامة للمفقودين.. هل تعيد الأمل لذوي ضحايا المقابر الجماعية وسجون الأسد؟
تاريخ النشر: 21st, May 2025 GMT
خلفت سنوات حرب النظام السوري على شعبه مأساة إنسانية عميقة، وكان من أبرز تجلياتها ملف المفقودين والمختفين قسريا، الذي يمسّ آلاف العائلات التي لا تزال تبحث عن ذويها منذ سنوات.
وقد جاء المرسوم الرئاسي السبت الماضي بتشكيل "هيئة عامة للمفقودين" برئاسة محمد جلخي٬ ليعيد فتح هذا الملف الشائك، في خطوة رسمية تهدف إلى توثيق حالات الاختفاء القسري، والسعي للكشف عن مصير الضحايا.
وحدد المرسوم مهام الهيئة بكشف مصير المفقودين والمختفين قسراً، وتوثيق حالات الاختفاء، وإنشاء قاعدة بيانات وطنية، إضافة إلى تقديم الدعم القانوني والإنساني لعائلات الضحايا. كما ألزم الهيئة بوضع نظامها الداخلي والانطلاق في عملها خلال 30 يوماً من تاريخ إصدار المرسوم.
#قرار_مهم
محمد رضا جلخي رئيساً للهيئة الوطنية للمفقودين وفقاً للمرسوم الرئاسي
رقم (19) للعام 2025.#سوريا_الجديدة pic.twitter.com/kEcKxjQJ1O — د. محمد الدغيم (@mdughiem1) May 18, 2025
كما يبعث هذا المرسوم بارقة أمل لدى العديد من الأسر التي تجهل مصير أبنائها، رغم وجود مؤشرات على وفاة كثيرين منهم، خاصة بعد الفشل في العثور عليهم أحياء داخل سجون النظام السوري عقب سقوطه في كانون الأول/ديسمبر الماضي.
وتعوّل العائلات على أن تسهم الهيئة الجديدة في تحديد أماكن دفن الجثامين، بما يتيح دفنهم وفق الأصول الدينية والشرعية، وحفظ كرامتهم وتخليد ذكراهم.
وتتداخل قضية المفقودين في ظل فراغ قانوني واسع في سوريا، ما يجعلها من أكثر التحديات تعقيداً على المستوى الحقوقي في سوريا. فمع تصنيف العديد من المفقودين في عداد الموتى، تصطدم العائلات بعقبات كبيرة في المطالبة بحقوقها المدنية والإنسانية، خصوصاً في ظل غياب تشريعات واضحة تنظم هذا الملف الشائك وتضمن الوصول إلى العدالة وكشف الحقيقة.
ويشكّل تضارب الأرقام حول عدد المفقودين في سوريا إحدى أكبر المعضلات التي تعيق جهود الكشف عن مصيرهم وتحقيق العدالة لعائلاتهم. ففي حين تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى وجود أكثر من 130 ألف مفقود منذ عام 2011، ترجّح جهات حقوقية أن العدد الحقيقي قد يتجاوز 400 ألف، في ظل غياب قاعدة بيانات وطنية موحدة وشفافة.
من هو محمد جلخي؟
يشغل الدكتور محمد رضى جلخي منذ 27 كانون الثاني/يناير الماضي عضوية مجلس أمناء "منظمة التنمية السورية". وتولى سابقًا منصب نائب رئيس "جامعة إدلب" للشؤون الإدارية، كما شغل موقع أمين الجامعة ذاتها.
وبعد سقوط النظام، كُلّف بعضوية لجنة تسيير أعمال "جامعة دمشق" خلال المرحلة الانتقالية الأولى، إلى حين تعيين عميد جديد للجامعة. وفي 3 شباط/فبراير الماضي٬ عُيّن رئيسًا للجنة تسيير أعمال "الجامعة الافتراضية السورية"، كما يعمل باحثًا مشرفًا في "المركز السوري للدراسات الاستراتيجية".
يحمل جلخي درجة الدكتوراه في القانون الدولي من جامعة إدلب، عن أطروحته الموسومة "العمل الإنساني بين الشريعة الإسلامية والقانون الدولي – دراسة مقارنة"، والتي نالها في عام 2023.
رابطة عائلات قيصر ترحب
وفي رد فعلها على هذه الخطوة٬ رحّبت "رابطة عائلات قيصر" بالمرسوم الرئاسي القاضي بتشكيل "الهيئة الوطنية للمفقودين" في سوريا، واعتبرت الإعلان خطوة أولى مهمة في اتجاه الاعتراف الرسمي بمأساة المفقودين والمختفين قسرًا، وبالمعاناة العميقة والممتدة لعائلاتهم التي لا تزال تناضل من أجل الحقيقة والعدالة.
وأكدت الرابطة في بيان لها أن نجاح أي هيئة وطنية تُعنى بملف المفقودين يتوقف على عدة أسس جوهرية، في مقدمتها: إشراك الناجين والناجيات وعائلات الضحايا في جميع مراحل عمل الهيئة، وضمان تنسيق فعّال مع المؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين، بما يكرّس التعاون والخبرة الدولية في هذا المجال.
وشددت الرابطة كذلك على أهمية أن تعمل الهيئة ضمن مسار العدالة الانتقالية بشكل متكامل، بما في ذلك إجراء إصلاحات قانونية تضمن كشف الحقيقة، ومحاسبة المسؤولين، ومنع تكرار الانتهاكات مستقبلاً، بما يحقق الإنصاف للضحايا ويحفظ كرامة ذويهم.
المؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين تثمن
كما رحّبت المؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين في سوريا٬ بالمرسوم الرئاسي الصادر مؤخرًا بشأن تشكيل "الهيئة الوطنية للمفقودين"، المكلفة بالكشف عن مصير المفقودين والمختفين قسرًا وتقديم الدعم الإنساني لهم.
كما أعربت المؤسسة عن ترحيبها بتعيين الدكتور محمد رضى جلخي رئيسًا للهيئة، مؤكدة تطلعها إلى التعاون الوثيق معه لتحقيق جهود وطنية يقودها السوريون بدعم المجتمع الدولي.
وفي بيان رسمي، شددت المؤسسة على التزامها بمواصلة العمل مع السلطات السورية، مشيرة إلى أنها باشرت بالفعل بالتواصل مع الهيئة المنشأة حديثًا. وأكدت أنها تسعى إلى البحث عن جميع المفقودين في سوريا دون استثناء، وتقديم الدعم اللازم لعائلاتهم في إطار رؤية متكاملة تقوم على شراكة وطنية مدعومة دوليًا.
وأعلنت المؤسسة، وللمرة الأولى، عن فتح باب الترشيحات للمجلس الاستشاري التابع لها، باعتباره إحدى المنصات التي تتيح للضحايا السوريين والمجتمع المدني فرصة المشاركة الفاعلة والانخراط في عمل المؤسسة، لا سيما الناجين والناجيات وأفراد عائلات المفقودين.
وفي هذا السياق، تحدثت رئيسة المؤسسة، كارلا كينتانا، في ندوة بعنوان "العدالة الانتقالية ورؤية العائلات"٬ عن سبل تعزيز مسارات العدالة الانتقالية، والدفاع عن حقوق ضحايا الاختفاء القسري والتعذيب، وضمان مشاركتهم الفعالة في صياغة مستقبل العدالة في سوريا.
قضية المفقودين ليست شأناً من الماضي
وفي تعليقها على هذه الخطوة٬ أكدت الحقوقية السورية ميمونة العمار أن قضية المفقودين في سوريا والعدالة المرتبطة بها ليست مجرّد بحث في الماضي أو شأناً يخص الأموات، كما حاول البعض تصويرها، بل هي قضية حاضرة تتعلق بمستقبل البلاد وبمصير الأجيال القادمة.
وفي حديثها خلال برنامج "بتوقيت سوريا" على تلفزيون سوريا، شددت العمار على أن بناء وطن آمن ومستقر، قائم على السلام والعدالة، يتطلب عقدًا اجتماعيًا جديدًا يعترف بالمظالم وينصف الضحايا ويضمن عدم تكرار الجرائم.
وتناولت العمار خطوة تشكيل "الهيئة الوطنية للمفقودين" و"هيئة العدالة الانتقالية"، مشيرة إلى أن هذه المبادرة، رغم رمزيتها وأهميتها، لا يجب أن تُعتبر نهاية المطاف أو أداة لتبرئة الذمم، بل هي مجرد بداية لمسار طويل يتطلب مشاركة فعالة من جميع الأطراف، وفي مقدمتهم عائلات الضحايا، ومنظمات المجتمع المدني، والخبراء القانونيون، والمؤسسات الدولية، وعلى رأسها "المؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين في الجمهورية العربية السورية".
وأضافت: "نحن من فقدنا إخوتنا وأقاربنا واصدقائنا، لا نطالب بالمستحيل، بل نطالب بحقوق أساسية: بالحياة، والكرامة، والحقيقة، والمساءلة". واختتمت العمار حديثها بالتأكيد على أن العدالة ليست أداة للانتقام، بل السبيل الوحيد لكسر دائرة العنف، ولبناء سلام مستدام في سوريا المستقبل.
وفي المقابل، يبدي حقوقيون ومتابعون لملف المفقودين شكوكاً حيال استقلالية الهيئة الجديدة وشمولية صلاحياتها، وقدرتها الفعلية على تحقيق العدالة. ومع ذلك، يرون في إنشائها خطوة أولى إيجابية في ظل غياب أي إطار رسمي سابق للتعامل مع هذا الملف.
يجب أن تكون جزءًا من مسار العدالة الانتقالية
وفي هذا السياق٬ أكد رئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني، أن نظام بشار الأسد استخدم جريمة الاختفاء القسري كسلاح ممنهج في الحرب، ليس فقط لتعذيب الضحية نفسيًا وجسديًا، بل لتدمير عائلاتهم وتحطيم المجتمع السوري بأسره.
#شام|| مدير "الشَّبكة السورية" يوضح تفاصيل توقّع الشبكة مذكرة تفاهم مع المؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين في سوريا pic.twitter.com/DimkoIDaWZ — شبكة شام الإخبارية (@ShaamNetwork) May 10, 2025
وقال عبد الغني إن هذا السلاح القاسي أدى إلى أعداد مهولة من الضحايا، مشيرًا إلى أن قاعدة بيانات الشبكة توثق ما لا يقل عن 177 ألف مختفٍ قسرًا منذ اندلاع النزاع، في أرقام تعكس حجم المأساة وتعقيدها.
وفي حديثه عن آليات معالجة ملف المفقودين، اعتبر عبد الغني أن القضية تتطلب جهدًا دوليًا استثنائيًا، مؤكدًا في الوقت نفسه رفض الشبكة لفكرة إنشاء لجنة مستقلة ومنفصلة تعنى فقط بالمفقودين، كما جاء في المرسوم رقم 19 الذي أطلق لجنة خاصة لهذا الغرض. ولفت إلى أن هذا النهج يتعارض مع رؤية العدالة الانتقالية الشاملة التي تتبناها الشبكة.
وأوضح عبد الغني أن الأفضل، وفقًا لرؤية الشبكة السورية لحقوق الإنسان، أن تُدرج لجنة المفقودين ضمن "لجنة الحقيقة"، لتكون جزءًا من مسار العدالة الانتقالية الشامل، لا كيانًا منفصلًا عنه.
وأضاف: "العدالة الانتقالية مسار متكامل، لا يمكن تجزئته إلى لجان منفصلة بلا تنسيق، ويجب أن تعمل لجنة المفقودين بتكامل مع بقية اللجان، وهي: لجنة المحاسبة، ولجنة الحقيقة، ولجنة التعويضات، ولجنة تخليد الذكرى، إضافة إلى لجنة إصلاح المؤسسات".
وأشار عبد الغني إلى أن دمج لجنة المفقودين ضمن لجنة الحقيقة يُمكّنها من التنسيق مع بقية الآليات، مما يعزز قدرتها على كشف مصير الضحايا، وتحديد ما إذا كانوا قد أعدموا أو قتلوا تحت التعذيب أو في ظروف أخرى، كما يسهل التعاون مع لجنة المحاسبة لملاحقة الجناة، ويسهم في وضع أسس التعويضات والإصلاح المؤسسي.
وختم بالقول: "إذا بقيت لجنة المفقودين كيانًا منفصلًا، فكيف ستُبنى جسور العلاقة مع بقية مكوّنات العدالة؟ المسار يجب أن يكون موحدًا وشاملًا حتى نصل إلى العدالة الحقيقية".
"البوسنة وكولومبيا" نموذجا
وتشكل قضية المفقودين والمختفين قسرياً أحد أبرز التحديات التي تواجه الدول الخارجة من النزاعات والثورات، غير أن بعض التجارب الدولية أحرزت تقدماً لافتاً في هذا المجال، مستندة إلى ممارسات موثقة وآليات فعالة.
البوسنة والهرسك.. اللجنة الدولية لشؤون المفقودين (ICMP)
وفي أعقاب حرب البوسنة الدامية، تمكّنت اللجنة الدولية لشؤون المفقودين من تحديد مصير نحو 75% من المفقودين، أي ما يعادل 31 ألف شخص، مستندة إلى تحليل الحمض النووي وإنشاء قواعد بيانات متكاملة.
وتضمنت الآلية إنشاء قاعدة بيانات إقليمية مشتركة ضمت كلّاً من البوسنة وكرواتيا وصربيا وكوسوفو، مما أتاح للعائلات البحث عن أحبّائهم المفقودين باستخدام معلومات مثل اسم الأب أو مكان الاختفاء.
كما لعب الطب الشرعي دوراً محورياً في تحديد الهويات، حتى بعد مرور سنوات طويلة، مع إشراك العائلات في تقديم العينات الجينية. غير أن التجربة واجهت تحديات عدة، أبرزها تعقيدات النزاعات العابرة للحدود وتضارب البيانات بين الدول المعنية.
كولومبيا.. العدالة الانتقالية ووحدات البحث
أما في كولومبيا، فقد أثمرت جهود العدالة الانتقالية عن الكشف عن مصير نحو 8 آلاف مفقود من ضحايا النزاع المسلح، وذلك عبر وحدات متخصصة للبحث عن المفقودين.
واستندت الآلية إلى تقنيات الاستشعار عن بُعد لتحديد مواقع المقابر الجماعية، إلى جانب توفير دعم نفسي وقانوني لعائلات الضحايا خلال مختلف مراحل البحث والتحديد.
وتبرز هاتان التجربتان كنموذجين يمكن الاستفادة منهما في السياقات المماثلة، بما في ذلك الحالة السورية، حيث لا تزال قضية المفقودين قيد الانتظار، وتحتاج إلى جهود مؤسسية وعلمية تُعلي من صوت الضحايا وتُبنى على قواعد العدالة والانصاف.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية المفقودين سجون سوريا العدالة الانتقالية سوريا سجون العدالة الانتقالية المفقودين المختفين المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة العدالة الانتقالیة المفقودین فی سوریا الوطنیة للمفقودین عائلات الضحایا قضیة المفقودین لجنة المفقودین قاعدة بیانات عبد الغنی عن مصیر فی هذا إلى أن
إقرأ أيضاً:
هيومن رايتس ووتش: هيئة العدالة الانتقالية في سورية تُفرّغ العدالة من معناها
ااعتبرت منظمة هيومن رايتس ووتش أن تشكيل "الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية" في سورية يمثل فرصة ضائعة لعدالة شاملة تضع الضحايا في مركزها. فبدلاً من أن تؤسس الهيئة لمسار جامع للمساءلة، جاءت محدودة الصلاحيات، تُقصي انتهاكات فاعلين خارج النظام السابق، ولا توفر إطارًا شفافًا لمشاركة الضحايا أنفسهم.
في تقريرها الصادر عقب إعلان المرسوم الرئاسي، شددت المنظمة على أن العدالة الانتقالية ليست مجرد آلية رسمية أو هيكل إداري، بل "مسار تاريخي ومجتمعي يجب أن يُصاغ بمشاركة الناجين والمجتمعات المتضررة، لا أن يُفرض من الأعلى".
وأضافت: "ما لم تضع السلطات السورية الضحايا في قلب العملية، وتُقرّ بانتهاكات كل الأطراف، فستبقى العدالة منقوصة، ومحدودة الأثر، بل وقد تعيد إنتاج التهميش الذي عانى منه السوريون طويلاً".
إقصاء الضحايا من خارج النظام السابق
الانتقاد الأبرز في تقرير هيومن رايتس ووتش أن مرسوم تشكيل الهيئة ركّز فقط على انتهاكات النظام البائد، متجاهلًا ما ارتكبته أطراف أخرى في النزاع السوري، من جماعات مسلحة إلى قوى أجنبية حليفة أو معارضة. وهذا، بحسب المنظمة، ينسف مبدأ العدالة الشاملة الذي كان من المفترض أن يُبنى عليه المسار الانتقالي بعد عقود من القمع والانقسام.
كما حذرت المنظمة من غياب الآليات التشاركية التي تسمح للضحايا والناجين والمجتمع المدني بالمشاركة الحقيقية في وضع أهداف الهيئة وتقييم عملها، معتبرة أن هذا ينزع عنها شرعية التمثيل الأخلاقي والقانوني لمن عانوا من جرائم الحرب والانتهاكات الجسيمة.
مرسوم رئاسي بصياغة سياسية
وكانت وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا" قد نشرت مرسومًا رئاسيًا موقعًا من الرئيس أحمد الشرع، بتاريخ 17 مايو/أيار 2025، يقضي بتشكيل "الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية"، كهيئة مستقلة معنية بـ"كشف الحقيقة، ومحاسبة المسؤولين، وجبر الضرر الواقع على الضحايا".
وصف المرسوم الهيئة بأنها خطوة نحو "المصالحة الوطنية الشاملة"، مؤكدًا تمتعها بـ"الاستقلال المالي والإداري"، وتكليف عبد الباسط عبد اللطيف برئاستها. لكنه لم يأتِ على ذكر الآليات العملية لإشراك الضحايا أو معايير الشفافية والمحاسبة، كما أغفل أي إشارات لانتهاكات من غير النظام السابق.
رغم الصياغة الحقوقية التي تبنّاها المرسوم، إلا أن كثيرين في الأوساط الحقوقية السورية والدولية اعتبروه ردًا تجميليًا لا يرقى إلى تحديات المرحلة الانتقالية، خاصة في ظل تجاهل ملايين السوريين الذين عانوا من الانتهاكات على يد قوى متعددة.
العدالة.. خيار استراتيجي أم أداة سياسية؟
يرى مراقبون أن السياق السياسي الذي أُصدر فيه المرسوم ـ بعد سقوط نظام الأسد في ديسمبر 2024 ـ يشير إلى أن العدالة الانتقالية تُستخدم أداة لإعادة تشكيل المشهد السياسي، أكثر مما هي التزام حقيقي بمحاسبة جميع الجناة.
وكان وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني قد صرح في مارس بأن سورية "تمضي قدما لمحاسبة المجرمين"، لكن دون تقديم إطار قانوني واضح لتلك المحاسبة، أو تحديد الجهات المعنية بتحقيقها.