خطة عربات جدون.. الجذور التاريخية والأهداف العسكرية
تاريخ النشر: 25th, May 2025 GMT
أقر المجلس الوزاري الأمني الإسرائيلي المصغر (الكابينت) مطلع أيار/ مايو 2025 خطة عملية "عربات جدعون" بهدف تحقيق حسم عسكري وسياسي في قطاع غزة، عبر عملية منظمة من 3 مراحل، مع استخدام 5 عوامل ضغط ضد حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في محاولة لإرغامها على القبول باتفاق لتبادل الأسرى، وتفكيك بنيتها العسكرية.
البعد التلمودي التاريخي لاختيار هذا المصطلح حاضر بقوة من قبل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، إذ يعتبر جدعون واحد من الشخصيات العسكرية اليهودية العامّية، التي أضيفت إليها العديد من الأحداث والأساطير الافتراضية مع مرور الزمان، فهو في الأساس عامل معصرة، ثم أصبحت قصص بطولته تشبه الحقيقة مع تكرار الحكايات المفخّمة عنه. ويعود جدعون إلى سبط منشى بن يوسف، وهو من أبطال الإيمان لدى أصحاب الديانة اليهودية، وتعني كلمة جدعون بالعبرانية "الحاطب" أو الذي يقطع بشدّة، وهي كناية عنيفة مقصودة.
تهدف الخطّة إلى تحقيقٍ حسمٍ عسكريٍ وسياسيٍ في غزة، عبر عمليةٍ منظَّمة مِن 3 مراحل، مع استخدام 5 روافع ضغطٍ مركَّبةٍ ضد حركة حماس، في محاولةٍ لإرغامها على القبول باتّفاقٍ لتبادل الأسرى، وتفكيك بُنيتها العسكرية
تعود أصل قصص جدون وعشيرته كلها مع المديانيين المنسوبين إلى "مَدْيَن"، أحد أبناء إبراهيم من زوجته قطورة، وهم من سكان جنوب الأردن وجوارها وسيناء وشمال الحجاز. كان جدعون صارما لا يبالي بأحدٍ في شأن معتقداته، حتى إنه عندما دعاه ملاك الرب ليخلّص قبيلته من المديانيين الذين أذلّوها في جنوب الأردن وسيناء، هاجم جدون المديانيين برجاله الثلاثمائة من صفوة المنتخبين وانقضّ على ديارهم ليلا، وأعملَ فيهم السيف والقتلَ بلا رحمة. ولضمان تحقيق هذا النصر استدعى جدعون كل قبائل أفرايم ومنسى ونفتالى وأشير للإغارة على مدن المديانيين، فاضطربت أحوال المديانيين حتى حارب بعضهم بعضا، وفرّوا إلى الأردنّ نجاة بحياتهم.
وكان يتبنّى جدون منهج الإبادة كأسلافه، فكان جيش عشائره يقتل كل ذكر حتى لو كان صغيرا، ويقتلون الفتيات المتزوجات، كيلا يتكاثر المديانيون، ونهبوا جميع مواشي الميدانيين، وأحرقوا كل خيامهم ومساكنهم بالنار حيث وجدوهم.
على المستوى العسكري، منذ انهيار المفاوضات -بعد وصولها لطريقٍ مسدودٍ- تلوّح إسرائيل بورقة توسيع العملية العسكرية، لممارسة مزيدٍ مِن الضّغوط على حركة حماس. ومِن أجل الاستعداد لهذه المرحلة استدعى الجيش الإسرائيلي قواتٍ كبيرة مِن الاحتياط، وصادق المستويان السياسي والعسكري على خرائط العمليات العسكرية، التي أطلق عليها "عربات جدون") التي تهدف مِن خلالها إسرائيل للسيطرة على مزيدٍ مِن الأراضي في قطاع غزة، وإعادة حشر الكُتلة السكانيّة في منطقةٍ جغرافيةٍ صغيرةٍ، مع استمرار سياسة التجويع والحصار.
وتهدف الخطّة إلى تحقيقٍ حسمٍ عسكريٍ وسياسيٍ في غزة، عبر عمليةٍ منظَّمة مِن 3 مراحل، مع استخدام 5 روافع ضغطٍ مركَّبةٍ ضد حركة حماس، في محاولةٍ لإرغامها على القبول باتّفاقٍ لتبادل الأسرى، وتفكيك بُنيتها العسكرية.
وتصف افتتاحية هآرتس هذه الخطة بأنّها أداةٌ للبقاء السياسي لحكومةٍ منفصلةٍ، حوّلت الحرب إلى وصفةٍ للحفاظ على تحالف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، نحو أوهام التهجير والاستيطان والحُكم العسكري. ويرى محلّلون أنها امتدادٌ لنزعةٍ تَوراتيةٍ دمويةٍ تحكُم العقلية الاستراتيجية للحكومة والجيش الإسرائيلي.
على الورق، تبدو الخطّة شاملة، إذ تدمج حزمة مِن الضغوط العسكرية والدبلوماسية والإعلامية لضمان تحقيق أهداف إسرائيل، وعلى الرغم مِن أنّ إسرائيل لم تُحدد بالتّفصيل ترتيباتها المفضَّلة لِما بعد الحرب في غزة، فإن الخطّة تُبرز شروطا مسبقة محدَّدة لمرحلة "اليوم التالي"، وهي: القضاء على الفصائل الفلسطينية، وفرض السيطرة العسكرية الإسرائيلية على غزة، ونقل السكّان إلى جنوب غزة لتوزيع المساعدات الإنسانية هناك؛ وأخيرا: إطلاق سراح الرهائن. وتنقسم الحملة إلى ثلاث مراحل، تتشكّل جزئيا وفقا لقيودٍ سياسيةٍ وعمليةٍ، وهي:
تمثل خطة عربات جدون خطة عسكرية بمعان ورموز تلمودية توراتية، تحاول من خلال إسرائيل على المستوى السياسي والعسكري رفع معنويات جشيها الذي يواجه تحديات كبيرة في غزة، وتحقيق النصر العسكري المطلق كما يريد نتنياهو لضمان البقاء في السلطة بعد إخفاق السابع من أكتوبر
1- التّحضير والضّغط الأوليّ (قيد التّنفيذ)، وتتضمّن هذه المرحلة تدمير البُنية التّحتيّة العسكرية والإدارية لـ"حماس"، بالإضافة إلى تجهيز جنوب غزة لاستيعاب المدنيين النازحين وتقديم المساعدات الإنسانية بالتعاون مع شركاتٍ أمريكيةٍ، تحت حمايةٍ أمنيةٍ إسرائيليةٍ. وتُتيح هذه المرحلة لـ"حماس" فرصة الإفراج التدريجي عن الرهائن بموجب إطار عملٍ اقترحه المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف كشرطٍ مبدئيٍّ لوقف التّصعيد.
2- نقل السكّان: في هذه المرحلة تهدف إسرائيل إلى إعادة تموضعٍ المدنيين في غزة داخل مناطق محدَّدةٍ في الجنوب الغربي، تم "تطهيرها"، مع فرز وعزل عناصر "حماس".
3- المناورة البرّية: في المرحلة النهائية، تدخل القوّات الإسرائيلية المناطق التي تمّ "تطهيرها"، لتقضي على العناصر المتبقيّة مِن "حماس"، وتؤسّس وجودا عسكريا طويل الأمد.
تمثل خطة عربات جدون خطة عسكرية بمعان ورموز تلمودية توراتية، تحاول من خلال إسرائيل على المستوى السياسي والعسكري رفع معنويات جشيها الذي يواجه تحديات كبيرة في غزة، وتحقيق النصر العسكري المطلق كما يريد نتنياهو لضمان البقاء في السلطة بعد إخفاق السابع من أكتوبر.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء الإسرائيلي عربات جدعون غزة حماس إسرائيل حماس غزة عربات جدعون مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة هذه المرحلة ة العسکریة الخط ة فی غزة
إقرأ أيضاً:
أكاديمي إسرائيلي: إسرائيل تراهن على خطة خطيرة في غزة
في مقاله المنشور في صحيفة هآرتس، يحذر عالم الاجتماع الإسرائيلي ياغيل ليفي من أن الخطة الجديدة التي وافقت عليها إسرائيل بشأن مستقبل قطاع غزة تمثل مقامرة خطيرة لا تستند إلى أي أساس واقعي أو سياسي.
وقال إن الخطة المدعومة من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تقوم على تحويل القطاع إلى منطقة بلا سيادة تُدار جزئيا بواسطة قوة متعددة الجنسيات تتولى مهمة نزع سلاح حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، واصفا إياها بأنها "مشروع خطير منفصل تماما عن الواقع".
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2قادة إسرائيليون سابقون: الحرب انتهت وحماس حصلت على ما تريدlist 2 of 2كاتب تركي: نتنياهو قبِل خطة ترامب لكنه يفكر كيف يفشلهاend of listويشير ليفي إلى أن تجارب نزع السلاح التي نجحت في نزاعات سابقة، مثل أيرلندا الشمالية وموزمبيق والسلفادور وألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، لم تتحقق إلا في ظل ظروف استثنائية كاتفاقات سلام شاملة، أو اندماج سياسي، أو استسلام غير مشروط.
مخاطر جسيمة
بيد أنه يعتقد أن أيا من كل تلك الشروط غير متوفرة في غزة اليوم، حيث لا اتفاق سياسيا ولا استقرار مؤسسيا، كما أن حركة حماس لا تملك أي دافع لتسليم سلاحها.
ويتوقع الكاتب أن عودة مئات الآلاف من النازحين إلى منازلهم ستجعلهم في مواجهة سلطة أجنبية تفتقد الشرعية، ربما يرأسها مفوّض دولي، مثل رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير بينما تبقى أجزاء من القطاع تحت السيطرة الإسرائيلية المباشرة ضمن ما يسمى "المحيط الأمني".
ويحذر من أن هذا الوضع سيؤدي على الأرجح إلى تنامي مشاعر الغضب والتمرد، وظهور جماعات مسلحة جديدة تعمل خارج أي إطار رسمي.
ويرى ليفي أن الخطة، من منظور إسرائيلي، تنطوي على مخاطر جسيمة، إذ يمكن أن تؤدي إلى قيام منطقة عازلة عدائية غير خاضعة لحكم فعلي، تتولى مراقبتها قوة دولية بلا دافع حقيقي للمواجهة.
ياغيل ليفي: خطة مستقبل غزة تعكس رؤية أميركية تبسيطية تنطلق من أوهام "الهندسة الاجتماعية" لشعب فقد سيادته وإنسانيته معضلة مستقبليةويرى أن هذا الواقع سيضع إسرائيل أمام معضلة مستقبلية: إما أن تتحلى بضبط النفس مع تفاقم الفوضى، أو أن تستأنف عملياتها العسكرية في مناطق تخضع لتلك القوة نفسها، وهو ما قد يتحول إلى كارثة عسكرية وإخفاق أخلاقي.
إعلانويعتبر ليفي أن المشروع يعكس رؤية أميركية تبسيطية تنطلق من أوهام "الهندسة الاجتماعية" لشعب فقد سيادته وإنسانيته.
دمج حماسوفي تقدير عالم الاجتماع أن الخطة التي كان قد اقترحها رئيس الوزراء الفلسطيني الأسبق سلام فياض بدمج حماس في منظمة التحرير الفلسطينية لتشكيل حكومة جديدة أكثر شرعية للسلطة الفلسطينية، تُعد بديلا يمكن أن يتيح فرصة واقعية لكي تتولى "سلطة فلسطينية إصلاحية" السيطرة على غزة، مع إطلاق سراح مروان البرغوثي لقيادة مسار سياسي جديد.
لكن إسرائيل -كما يقول- ترفض هذا المسار الذي من شأنه أن يحقق مصالحها لتختار طريقا يهدد أمنها أكثر من أي خيار آخر.