من ستري إلى لاباتا لايديز.. صعود بطيء للسينما النسوية في الهند
تاريخ النشر: 25th, May 2025 GMT
تشهد السينما الهندية تغييرا ملحوظا، فعلى هامش الصناعة البوليودية المحافظة التي يطغى عليها الرجال، تتسع موجة جديدة من المخرجات اللاتي تعبّر أفلامهن بقدر أكبر عن أوضاعهنّ.
وتلاحظ المخرجة ريما كاغتي أن "الوضع يتغير"، وتشرح أن "عدد النساء اللواتي يكتبن سيناريوهات أفلامهن ويخرجنها يتزايد". وتقول "مع مرور الوقت، نتجه نحو وضع أكثر صحة وواقعية".
ففي الأشهر الأخيرة، عُرضت على الشاشات، وخصوصا خارج الهند، أفلام عدة تندرج في هذا التوجه النسوي الجديد.
وفي رأس قائمة هذه الإنتاجات "لاباتا لايديز" (Laapataa Ladies) لكيران راو، والذي رشحته الهند لتمثيلها في السباق إلى جائزة الأوسكار لأفضل فيلم بلغة أجنبية لسنة 2025. وفاز فيلم "أول وي إيمادجين آز لايت" (All We Imagine as Light) للمخرجة بايال كاباديا بالجائزة الكبرى في مهرجان كان السينمائي الأخير.
وتتناول هذه الأفلام قصص نساء "حقيقيات"، بعيدا عن الصور النمطية السائدة في مواقع تصوير معظم الإنتاجات الهندية الضخمة.
ويتمحور "مسز" (Mrs.) للمخرجة أراتي كاداف الذي عُرض عام 2024 على الاستغلال اليومي الذي تتعرض له امرأة متزوجة، حتى تمردها على زوجها.
وتقول عالمة الاجتماع لاكشمي لينغام إن "مجرّد قراءة وسائل التواصل الاجتماعي تُظهر أنه الواقع الذي تعيشه غالبية النساء في الهند".
إعلانوتشكل الشخصيات النسائية المتجذرة في الواقع استثناء في الإنتاج السينمائي الوفير في الهند، الذي يصل إلى نحو ألفَي فيلم سنويا بأكثر من 20 لغة مختلفة.
وتضيف لاكشمي لينغام أن "الرجال يهيمنون إلى حد كبير على الأفلام السينمائية التجارية في الهند، وقصصها تتسم بقدر كبير من الكراهية تجاه النساء". وتشير إلى أن "الرجال يؤدون فيها الأدوار الرئيسية، فيما تتولى النساء الأدوار الرومانسية، والجميلة، من دون مشاركة متساوية".
"نساء قويات"وفي دراسة نُشرت عام 2023، دققت عالمة الاجتماع بالتعاون مع معهد تاتا للعلوم الاجتماعية في أكثر من ألفَي دور في بعض الأفلام الأعلى إيرادات في الهند بين عامي 2012 و2019.
وتبيّن أن 72% من الأدوار أداها رجال، فيما اقتصرت أدوار النساء على 26%، غالبا ما كانت أدوارا داعمة نمطية.
وليس مفاجئا أن تكون الرياح النسوية هبت على السينما المستقلة، إذ تذكّر المنتجة والمخرجة شونالي بوز بأن "مخرجين من أمثال شيام بينيغال يصوّرون منذ سبعينيات القرن العشرين شخصيات نسائية قوية"، إلاّ أن الممثلة والمنتجة ضياء ميرزا توضح أن "النساء لا يزلن يواجهن صعوبة في فرض السيناريوهات التي تعكس واقعهن (…) لكنّ عدد المخرِجات والمنتجات وكاتبات السيناريو أصبح أكبر. لذا، أصبحت السرديات أكثر شمولا".
وهذه هي حال الأعمال التي تخرجها ريما كاغتي، إذ تتحدى المعايير المجتمعية السائدة؛ ففي المسلسل البوليسي "دهاد"، تحاول شرطية شابة التفوق على زملائها الذكور لجهة التحقيق في سلسلة من حالات اختفاء النساء.
وتقول شونالي بوز "مشكلتنا لا تتعلق بالنوع الاجتماعي، بل بالقدرة على فعل ما نريد". وتضيف "عندما نريد أن نصنع أفلاما تجارية، نواجه سوقا محافظة بشكل متزايد".
إعلان المال يُحددوتقول كونكونا سين شارما المعروفة بأفلامها الناشطة، إنها متفائلة بحذر، وتتوقع أن "يصبح عدد النساء العاملات في مجال السينما في المستقبل أكبر من ذي قبل"، لكنها تضيف "لا يزال عدد النساء في مواقع السلطة وصنع القرار غير كاف".
وترى لاكشمي لينغام أن "هذه الأمور لن تتغير بين ليلة وضحاها، لكن المشاهدين باتوا يرون خطابا مختلفا".
وتلاحظ أن الحركة التي دبّت في السينما المستقلة بدأت تصل إلى أفلام أكثر شعبية، بفضل مخرِجات قويات الشخصية، إذ انتزع فيلم الرعب الكوميدي "ستري 2" (Stree 2) من بطولة النجمة البوليودية شرادا كابور المركز الأول في شباك التذاكر لعام 2024 من النجم شاه روخ خان.
لكن الحركة لا تزال بطيئة جدا؛ ففي العام الماضي، كان المنتجون التنفيذيون نساء في 15% من الأفلام الهندية، مقارنة بـ10% قبل عامين، وفقا لتقرير "أو وومانيا" الذي يرصد وضع المرأة في قطاع الترفيه.
وتوضح لاكشمي لينغام أن "لدى كاتبات السيناريو أفكارا ممتازة، لكن المنتجين لا يدعمونهن".
وتؤكد عالمة الاجتماع أن "المال في نهاية المطاف هو الذي يحدد الأفلام التي يتم إنتاجها والتي لا يتم إنتاجها (…) ولا يزال من الصعب جدا العثور على تمويل لأفلام مثيرة للاهتمام ومختلفة وأقرب إلى الواقع".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات سينما فی الهند
إقرأ أيضاً:
تزايد معدلات العنف.. ما الحل؟
العنف أصبح ظاهرة يومية في مصر؛ لا يمر يوم إلا وتطالعنا الصحف والمواقع الإخبارية بحادثة عنف هنا أو هناك باختلاف أنواع تلك الحوادث والجرائم. والحديث هنا ينصب على العنف والإيذاء الجسدي الذي يصل حد القتل وإزهاق الأرواح. سواء كان عنفاً أسرياً، ضد الأطفال والنساء، أو حتى جرائم الاعتداء الجنسي على الأطفال التي تعد من أخطر وأشدّ صور العنف الإنساني. لأنه عنف متعدد المستويات؛ خليط من مختلف أنواع العنف والاعتداء، بدنياً وجنسياً ونفسياً، لذلك هو من أعلى درجات العنف المسجّلة عالميًا.
الإحصاءات والبيانات الخاصة بالعنف في مصر ــــ وتلك قضية كبرى ومهمة ــــ تشير إلى أن هناك زيادات واضحة في جرائم العنف خاصة ضد النساء في مصر خلال السنوات الأخيرة بمختلف أشكالها: قتل، تحرش، اغتصاب، وعنف أسري. القاهرة والجيزة من أكثر المحافظات التي تُسجّل فيها تلك الجرائم بحسب مرصد جرائم العنف ضد النساء والفتيات التابع لـمؤسسة إدراك للتنمية والمساواة، والذي يقول إن مصر سجلت خلال عام 2024 نحو 1195 جريمة عنف موجهة ضد نساء وفتيات في مصر. وأن من بين هذه الجرائم نحو 363 جريمة قتل، وفي تقرير نصف-سنوي صدر حديثًا في 2025 وثق المرصد 495 جريمة عنف ضد النساء والفتيات خلال النصف الأول من العام. ما يلفت الانتباه أن غالبية جرائم القتل في التقرير — حوالي 89.5٪ — ارتكبت من قبل أحد أفراد الأسرة أو شريك/زوج. و أن جرائم القتل ضد النساء في 2025 كادت تتجاوز مستويات 2024 رغم أن البيانات نصف سنوية فقط.
الإشكالية الكبرى هنا أننا بصدد ظاهرة مركبة؛ أخذه في التزايد والانتشار، لكن رغم ذلك، الرقم الرسمي لا يعكس كل الحالات، خصوصًا في ظل العنف غير المعلن أو غير المبلّغ عنه. ولا توجد — حتى الآن — بيانات رسمية شاملة أو دورية تُنشر لجمهور عام (على مستوى جميع أنواع الجريمة/العنف) تكفي لرسم صورة كاملة ودقيقة. و أن التقارير على مستوى المراصد والمراكز المستقلة تعتمد بشكل رئيسي على “ما تم الإبلاغ عنه واكتشافه، ونشره في الصحف، ما يعني أن عدد الحالات الحقيقية قد يكون أعلى بكثير مما يُسجَّل. في ظل غياب إحصائيات رسمية حديثة من جهات أمنية أو هيئة وطنية موثوقة، وغياب تحديثات دورية، يجعل من الصعب تقييم تطور الحالة على مستوى المجتمع بأكمله.
نحن في حاجة ملحة لإستراتيجية وطنية لمكافحة العنف بمختلف أنواعه وأشكاله، قائمة على مقاربة متعددة مستويات؛ تبدأ بمراجعة التشريعات القائمة وتغليظ العقوبات بها، وإذا ما كان هناك حاجة لتشريعات جديدة. ثم إنشاء نيابات متخصصة للعنف الأسري. من أجل تحقيق ردع مباشر، وتقليل الجرائم قبل وقوعها. المستوى الثاني من تلك المقاربة يتعلق بالوعي والتوعية وهنا دور الإعلام والدراما في هذا السياق، ولعل إشارة الرئيس عبد الفتاح السيسي المهمة والخاصة بمراجعة الأعمال الفنية التي تمجّد العنف والبلطجة أو تربط “الفهلوة” بالبطولة، وضرورة استعادة الدراما المصرية التي تعكس وتقدم الشكل الحقيقي للمجتمع المصري. وأخيرا المستوى الثالث من تلك المقاربة والمعني بمحور التعليم والتنشئة خاصة مع ازدياد وتيرة العنف بالمدارس في مراحل التعليم المختلفة وكيفية مواجهة تلك الظاهرة من تحصين الأجيال الجديدة قبل مرحلة الخطر.