إزالة عراقيل التقارب.. رسائل مصر وإيران من زيارة عراقجي للقاهرة
تاريخ النشر: 3rd, June 2025 GMT
القاهرة – بعد قرابة نصف قرن من القطيعة، تعود العلاقات المصرية الإيرانية إلى واجهة النقاش وسط مؤشرات متصاعدة على وجود إرادة مشتركة لإعادة التواصل الثنائي والإقليمي.
يعزز ذلك زيادة وتيرة اللقاءات الدبلوماسية مؤخرا، أحدثها زيارة وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي للقاهرة أمس الاثنين، والتي أجرى خلالها مع نظيره المصري بدر عبد العاطي والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مشاورات تناولت العلاقات الثنائية وتطورات الأوضاع في غزة وسوريا ولبنان، فضلا عن أمن الملاحة في البحر الأحمر وتطورات المفاوضات الأميركية الإيرانية.
وفي مؤتمر صحفي بالقاهرة، أكد عبد العاطي أن العلاقات بين البلدين "تتطور مؤخرا بشكل ملحوظ"، في حين قال عراقجي إن مسار تطويرها "بات مفتوحا وأكثر وضوحا من أي وقت مضى"، مشيرًا إلى "وجود بعض العراقيل التي قال إنها "ستُزال خلال الأسابيع القليلة المقبلة".
يفتح حديث عراقجي الباب لتساؤلات تسعى الجزيرة نت للإجابة عنها، من ذلك رسائل زيارته للقاهرة، وما إذا كانت مصر وإيران على أعتاب تطبيع حقيقي أم أن الأمر مجرد تقارب تفرضه الضرورة، وما طبيعة هذا التقارب وتداعياته على القضايا الثنائية والإقليمية؟
ما رسائل زيارة عراقجي إلى القاهرة؟يقول الخبير في العلاقات الدولية والأمن القومي اللواء محمد عبد الواحد إن زيارة عراقجي تحمل رسائل متعددة إلى الغرب، والولايات المتحدة، ودول الخليج، أبرزها:
إعلان تأكيد مصر على قدرتها على لعب دور الوسيط الفعال في الملف النووي الإيراني بين طهران وواشنطن، والسعي للوصول إلى مساحات تفاهم مشتركة بين الطرفين. سعي مصر للحفاظ على توازن القوى في الإقليم خشية أن يؤدي إضعاف إيران إلى تصاعد النفوذ الإسرائيلي أو التركي، خصوصا في سوريا. رسائل طمأنة إلى السعودية بأن التقارب مع طهران لا يمس أمن الخليج، بل يركز على قضايا إستراتيجية مثل البحر الأحمر وقناة السويس. حرص مصر على تجنب استفزاز الغرب بالإبقاء على علاقات متوازنة دون تطبيع شامل. تبعث مصر برسائل غير مباشرة إلى إسرائيل تؤكد رفض التصعيد مع إيران، وسعيها لخفض التوتر الإقليمي بما في ذلك في غزة، حيث تلعب القاهرة دور الوسيط الفعال.ويتفق الدبلوماسي المصري رخا أحمد حسن، مساعد وزير الخارجية الأسبق وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية وعضو الجمعية المصرية للأمم المتحدة، مع الطرح السابق، ويرى أن زيارة عراقجي تحمل عدة رسائل وأهدافا مشتركة منها:
التأكيد على تطور العلاقات بين القاهرة وطهران، كما جاء في تصريحات وزيري خارجية البلدين، ووصولها إلى مراحل متقدمة من التفاهم والتشاور. التنسيق المستمر بين البلدين فيما يتعلق بالأزمات الإقليمية في ظل اعتبار كل من مصر وإيران قوى إقليمية رئيسية فاعلة. التأكيد على أن طهران لا تنوي تصنيع سلاح نووي، خاصة في ظل تصريح المرشد الأعلى علي خامني بأن "النووي سلاح شيطاني". وجود توافق مصري إيراني حول الاستخدام السلمي للطاقة النووية، مع مطالبة الطرفين بإنهاء ازدواجية المعايير في التعامل مع الملف النووي في المنطقة، خصوصا في ظل امتلاك إسرائيل أسلحة نووية وتهديدها باستخدامها في قطاع غزة.إنني سعيد بتواجدي في القاهرة مرةً أخرى. لقد كانت لدي لقاءات مهمة للغاية مع فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي، ومعالي وزير الخارجية بدر عبد العاطي. بعد سنواتٍ طويلة، دخلت الدبلوماسية بين إيران ومصر مرحلةً جديدة. مستوى التفاعل والتعاون السياسي، والأهم من ذلك مستوى الثقة والاطمئنان في… pic.twitter.com/aN3VdWs53S
— Seyed Abbas Araghchi (@araghchi) June 3, 2025
ما الذي تغير هذه المرة في زيارة عراقجي؟ وما عراقيل التقارب؟يعتقد اللواء عبد الواحد أن المتغيرات الإقليمية والدولية الحالية دفعت نحو تقارب "محسوب" بين مصر وإيران، رغم الخلافات القديمة والمتجذرة سياسيا ودينيا، شرط ألا يثير هذا التقارب قلق دول الخليج أو إسرائيل أو الغرب.
إعلانوحول طبيعة العراقيل والعوائق التي تعترض هذا التقارب، يشير إلى:
دعم طهران لجماعة الحوثي، التي أثرت عملياتها على حركة التجارة في البحر الأحمر وقناة السويس، وتسببت في خسائر مصرية. رفض القاهرة أي دور إيراني توسعي في الإقليم. تحفظات مصرية واضحة تجاه نوايا إيران النووية في ظل التشديد على ضرورة إخلاء الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل، كما أن امتلاك طهران قنبلة نووية سيؤدي إلى سباق تسلح إقليمي، لاسيما مع إسرائيل ودول الخليج. التنافس الإيراني السعودي يستدعي من القاهرة توجيه رسائل طمأنة إلى الرياض، مفادها أن أي تقارب مع إيران يأتي في إطار تأمين المصالح المصرية، وعلى رأسها تأمين الملاحة الدولية وقناة السويس.في حين، يشير الدبلوماسي رخا حسن إلى أن طبيعة العراقيل التي تحدث عنها عراقجي لا تزال غير واضحة، ويتساءل إن كان المقصود بها عمليات الحوثي التي تؤثر سلبا على حركة الملاحة البحرية، أم أنها من نوع آخر.
ولفت إلى أن إيران سبق أن حاولت تبرئة نفسها من دعم الحوثيين بشكل مباشر، حيث صرح وزير خارجيتها بأن الحوثيين يتخذون قراراتهم بشكل مستقل، وأن طهران ليست طرفا مباشرا في دعم عملياتهم.
لكن الواقع يشير، حسب رخا، إلى وجود تأثير إيراني واضح، لا سيما في ظل استخدام الحوثيين أسلحة متقدمة يرجح أنهم يحصلون عليها من بلدان صديقة لهم، مشددا على أن تأمين الملاحة في البحر الأحمر وقناة السويس كان -بالتأكيد- أحد الموضوعات الأساسية المطروحة خلال زيارة عراقجي إلى القاهرة.
ما فرص نجاح تجاوز العراقيل وعودة العلاقات الثنائية؟يرى اللواء عبد الواحد أن هناك مؤشرات إيجابية على إمكانية تطبيع العلاقات بين البلدين، مستندا إلى تكرار الزيارات والتصريحات الرسمية "المتفائلة"، وهي كلها مؤشرات تدل على وجود رغبة متبادلة في تقارب مدروس، وفق قوله.
مع ذلك، يؤكد أن هذا التقارب لن يتم على المدى القصير أو حتى المتوسط نظرا لحساسية الموقف وتشابك المصالح والتحالفات في الإقليم. ويعتقد أن أحد العوامل التي قد تفتح الطريق أمام تطبيع حقيقي هو نجاح المفاوضات النووية وعودة إيران إلى حضن المجتمع الدولي، إلى جانب تخليها عن سياساتها التدخلية في المنطقة، مما قد يشجع القاهرة على اتخاذ خطوات متقدمة.
إعلانكما يشكل التقارب الإيراني السعودي عنصرا مشجعا لمصر على المضي في هذا الاتجاه، لا سيما في ظل التحديات المشتركة التي تواجه البلدين، سواء كانت اقتصادية أو متعلقة بتوازن القوى الإقليمي، حسب اللواء عبد الواحد.
كما تطرق إلى وجود عوائق لا يمكن تجاهلها، بينها تحالفات مصر الإقليمية مع دول الخليج، والتي تمثل شراكات إستراتيجية واقتصادية لا يمكن التفريط فيها لصالح تقارب مع طهران، وكذلك اتفاق السلام بين مصر وإسرائيل الذي يعد جزءا من التوازن الإقليمي، وأي تقارب مصري إيراني قد يفسر بأنه تهديد له.
في المقابل، يرى السفير رخا أحمد حسن أن فرص تجاوز العراقيل قوية وواقعية انطلاقا من قاعدة "المصالح تتصالح"، موضحا أن حجم المصالح المشتركة بين مصر وإيران يتجاوز حجم الخلافات. وأشار إلى تصريحات وزير الخارجية الإيراني التي تحدث فيها عن إمكانية تنمية العلاقات في مجالات التجارة والسياحة، فضلا عن التعاون في قضايا إقليمية كبرى، على رأسها القضية الفلسطينية والحرب على غزة.
وبرأيه، فإن أمن الخليج لا يمكن الحديث عنه بجدية دون إشراك إيران، مما يفتح الباب أمام تعاون مشترك في هذا المجال أيضا، معتبرا أن هذه المصالح المتعددة تمثل دافعا قويا لعودة العلاقات، وأن الوقت قد حان لتحقيق ذلك.
ويعتقد أيضا أن التقارب المصري والإيراني، إلى جانب التقارب مع السعودية ودول الخليج، يشكل ضربة مباشرة للمشاريع الإسرائيلية الهادفة إلى عزل طهران. ويعزز ذلك -حسب المتحدث- أن إسرائيل باتت دولة عدوانية تمارس الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين، وتواجه اتهامات أمام المحكمة الجنائية الدولية، مما أفقدها الكثير من التعاطف الإقليمي والدولي.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الحج حريات الحج وزیر الخارجیة زیارة عراقجی البحر الأحمر وقناة السویس هذا التقارب مصر وإیران عبد الواحد تقارب مع
إقرأ أيضاً:
خطاب خامنئي.. رسائل لكل الأطراف بشأن الملف النووي وفرصة للاتفاق
طهران- في توقيت بالغ الحساسية بشأن برنامج طهران النووي، حسم المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي موقف بلاده حيال الملف وتخصيب اليورانيوم، مؤكدا رفضه المواقف الأميركية تجاه نووي بلاده كونها تتعارض مع المصالح الوطنية الإيرانية.
وفي خطاب وصف بأنه محمّل بالرموز والرسائل للداخل والخارج، اختار خامنئي الذكرى الـ36 لرحيل سلفه آية الله الخميني لتوجيه رسالة صريحة مفادها أن "لا تنازل عن التخصيب المحلي وأن امتلاك الوقود النووي أصبح واقعا".
وربط -خلال خطابه- الملف النووي بهوية ثورة عام 1979 واستقلالها في اتخاذ القرار، مما يجعل من التراجع عن التخصيب "انتهاكا للمبادئ التي أسسها سلفه الخميني".
التقدم بخطواتجاء خطاب خامنئي بينما تتأرجح المواقف الأميركية بين الرفض القاطع لتخصيب اليورانيوم على الأراضي الإيرانية وتقديم مخطط يسمح لإيران بمواصلة التخصيب لكن بمستويات منخفضة.
ويأتي أيضا بعد يومين فقط من تسريبات الصحافة الغربية عن "مرونة أميركية محدودة" تجاه تخصيب اليورانيوم بمستويات منخفضة داخل إيران، إذ نقلت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية -الثلاثاء- أنه بموجب هذا المقترح ستساعد الولايات المتحدة في بناء مفاعلات نووية للطاقة في إيران.
إعلانكما جاء في المقترح الأميركي أن واشنطن ستتفاوض بشأن إنشاء منشآت للتخصيب يديرها اتحاد يضم دولًا إقليمية، وبمجرد أن تبدأ إيران بالحصول على فوائد من هذه الترتيبات، سيتعين عليها التوقف عن أي تخصيب داخل أراضيها.
ولدى تطرقه إلى المطالب الأميركية في المفاوضات النووية المتواصلة بوساطة عُمانية، ذكّر المرشد الإيراني مسؤولي بلاده بضرورة مقاومة إرادة القوى العظمى وعدم الخضوع لها انطلاقا من التجارب السابقة، مستشهدا بتجربة العقود الماضية حين نقضت واشنطن تعهداتها لتوريد وقود مفاعل طهران للأبحاث الطبية.
ولمن يبرر داخل إيران ضرورة التوصل إلى اتفاق مع الإدارة الأميركية بقيادة الرئيس الجمهوري دونالد ترامب في المرحلة الراهنة بغية دفع الخطر عن البلاد من جهة والاستفادة من التقنيات النووية الأميركية من جهة أخرى، رد خامنئي بقوله إن "بلاده تمكّنت من امتلاك دورة وقود نووي كاملة"، ليقلل بذلك من أهمية الضغوط الغربية في المفاوضات النووية، ويؤكد أن طهران لم تعد بحاجة لاستيراد الوقود النووي.
وفي حين اعتبر التخصيب بمنزلة "المفتاح للبرنامج النووي" الذي تُدار عليه المعركة بين طهران والجانب الأميركي لما يمثّل من أهمية للسيادة التقنية، وصف خامنئي المطلب الأميركي بتصفير التخصيب على أراضي بلاده بأنه "عبثي"، مجددا موقفه من الخط الأحمر الذي سبق ورفض المساومة عليه.
وفي قراءته لخطاب المرشد الأعلى، يرى السفير الإيراني الأسبق لدى ليبيا جعفر قناد باشي في مواقف خامنئي رسالة مفادها أن البرنامج النووي لم يعد أداة تفاوض مع القوى الغربية، بل تحول إلى رمز سيادي لا رجعة عن مكتسباته التي دفعت إيران فيها ثمنها باهظا.
وفي حديثه للجزيرة نت، يقول قناد باشي إن خطاب المرشد الأعلى رسم خريطة طريق لمفاوضات حكومة الرئيس مسعود بزشكيان مع الإدارة الأميركية، طالب فيها الطرف المقابل بتقديم تنازلات إذا كان راغبا في التوصل إلى اتفاق حول النووي الإيراني بدلا من إصراره على مواقف عبثية لن تجدي نفعا مع إيران، حسب وصفه.
إعلانوتابع أن وصف خامنئي الصناعة النووية بأنها صناعة محورية تسهم في عديد من المجالات العلمية وتدل على الطموح الإيراني في استثمار التكنولوجيا النووية لأغراض سلمية وعلمية، وعدم النظر إليها بوصفها مولدا للطاقة فحسب.
وتعكس إشارة المرشد أن "المقاومة تعني عدم الاستسلام أمام إرادة القوى الكبرى"، وأن الرؤية الإيرانية ثابتة في مواجهة الضغوط الخارجية، كما يضيف قناد باشي، لافتا إلى أن خامنئي يريد أن تتصرف إيران وفقا لمعتقداتها وأسس استقلالها الوطني.
وخلص إلى أن المرشد خاطب شعبه بالقول إن "الحرف الأول من المطالب الأميركية هو عدم وجود صناعة نووية في إيران"، مما يعكس قلق طهران من الضغوط الغربية التي تهدف إلى تقويض قدرتها النووية.
فرصة لتعزيز الاتفاقفي المقابل، يعتقد محمد علي أبطحي، رئيس مكتب الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي، أن المسار الدبلوماسي أضحى أقل تعقيدا في ظل مواقف خامنئي صباح هذا اليوم، إذ فتح نافذة جديدة لوضع حد للجدل المتواصل منذ عقود بشأن الملف النووي.
وفي تصريحه للجزيرة نت، يقول أبطحي إن كلمة المرشد اشتملت على خط أحمر واحد بشأن تخصيب اليورانيوم داخل إيران، وإنه إذا تفاعل الجانب الأميركي بإيجابية مع هذ الشرط قد نقترب من التوصل إلى اتفاق بشأن النووي الإيراني.
وعلى النقيض من قراءة المتحدث السابق، يعتقد أبطحي أن مواقف المرشد إزاء تخصيب اليورانيوم كانت واقعية وموضوعية، إذ شرح أسباب إصرار طهران على التمتع بحقوقها الوطنية في تخصيب اليورانيوم للأغراض السلمية، وأنه لا نية لديها لعسكرة برنامجها النووي.
ومع اقتراب جولة جديدة من المفاوضات النووية مقررة نهاية الأسبوع الجاري في الشرق الأوسط، يعتقد المتحدث نفسه أن مواقف خامنئي اليوم لن تؤثر سلبا على سير المفاوضات النووية المتواصلة فحسب، بل أخرجت الجدل النووي من الثنائية التي كانت قائمة بين الحصول على السلاح النووي أو الحرب، وركزت على استخداماته السلمية والعلمية.
إعلانورأى أبطحي أن المرشد الأعلى يرفض استمرار عسكرة البرنامج النووي، وأن كلمته اليوم أكدت أنه قد تكون هناك فرصة للتوصل إلى توافق إذا ما تم التعامل مع القضايا بشكل يضمن حقوق إيران في تخصيب اليورانيوم.
ويرى مراقبون في إيران أن النبرة الصلبة في كلمة خامنئي تقلل من احتمالات تقديم تنازلات إيرانية في الجولة القادمة، خاصة في ظل إشارته إلى أن "الرد على أميركا معلوم" وأن إصراره على التخصيب يعكس قناعة طهران بأن واشنطن لم تعد قادرة على حشد تحالف دولي فعّال ضدّ برنامجها النووي.