الكتاب: اغتصاب العقل: سيكولوجيا السيطرة على التفكير وإبادة العقل وغسيل الدماغ
الكاتب: جوست ميرلو، ترجمة عمر فايد، مراجعة: عبد المقصود عبد الكريم
الناشر: صفحة سبعة للنشر والتوزيع، ، ط1، المملكة العربية السعودية 2021
عدد الصفحات: 366 صفحة.


ـ 1 ـ

لطالما انبنت الأنظمة الاستبدادية على اغتصاب العقل وتشويه عمله.

ويكون غسل الدماغ هذا بالوسائل الناعمة عبر الدعاية المباشرة أو المقنعة التي توظف الإعلام والفن والرياضة أو العنيفة التي تسرف أيما إسراف في عنفها. وهذا ما توسعت فيه أعمال فنية عربية كثيرة شأن فيلم "الكرنك" المقتبس عن رواية نجيب محفوظ بالعنوان نفسه. فقد سبب إقبال الجماهير عليه لمعرفة كيف تدار السلطة في الكواليس، وإن تعلّق الأمر بعمل تخييلي، انتشار ما عرف بموجة الكرنكة أي انتقاد تسلط نظام عبد النّاصر تحديدا ضد معارضيه من الشيوعيين خاصّة، وشأن فيلم "صفايح ذهب" للنوري بوزيد أو رواية "شرق المتوسط" لعبد الرحمن منيف..

وليست المسألة عربية صرفا. فهي مستوردة شأن كل أدواتنا الناجعة (!) فقد تناولها جوست ميرلو في كتابه الأكاديمي "اغتصاب العقل: سيكولوجيا السيطرة على التفكير وإبادة العقل وغسيل الدماغ" بكثير من العمق. فبحث في تأثير الأنظمة الاستبدادية على النفس البشرية. وفصّل القول في استغلال الأنظمة القمعية للآليات النفسية والاجتماعية لتوجيه تفكير الأفراد وإخضاعهم، لطمس هوياتهم الفردية وتقويض استقلالهم الفكري .وعدّد من تقنيات السيطرة الفكرية التي تستهدف إعادة تشكيل آراء الأفراد وتوجهاتهم وتدعيم إخضاعهم. وهذا ما يعرف بغسل الدماغ الذي يستهدف ديمومة بقاء الحاكم في السلطة. ولكن الأثر، على عمقه، لم يترجم إلى العربية إلاّ بعد أكثر من نصف قرن على يد عمر فايد.

ـ 2 ـ

وجوست إبراهام ماوريتز ميرلو كاتب هولندي وطبيب نفسي وأستاذ جامعي بالأساس، مدار اهتمامه العلمي على علم النفس الاجتماعي والسياسي، ومنه خاصة البحث في تأثير الأنظمة الاستبدادية على النفس البشرية. تولى رئاسة قسم علم النفس للقوات الهولندية في إنجلترا في سياق الحرب العالمية الثانية، فخوّل له استجوابه للعديد من الفارين من السجون ومن معسكرات الاعتقال ومعالجتهم، تجميعَ البيانات حول ما يحدث لملايين الضحايا من الإرهاب والتعذيب على أيدي النازيين، وفهم آليات غسل الدماغ والإبادة العقلية الفهم العميق.

يعرف عملية الغسل هذه بكونها [كلمة مشتقة من الكلمة الصينية هسي - ناو - Hsi Nao) هو أحد الطقوس المعقدة من التلقين، والتحويل، والاتهام الذاتي المستخدم لتغيير الشخص غير الشيوعي ليصبح تابعا ذليلا للحزب] ويعرّف "إبادة العقل" بكونها [نظاما متماسكا للتدخّل النفسي والانحراف القضائي، يمكن للمستبد القوي من خلاله أن يطبع أفكاره الانتهازية الخاصة في أذهان من يخطط لاستغلالهم وتدميرهم. وفي النهاية يجد الضحايا المروّعون أنفسهم مجبرين على التعبير عن الانصياع التام لرغبات الديكتاتور].

ـ 3 ـ

يعد جوست إبراهام اغتصاب العقول والقهر العقلي الخفي من بين أقدم الجرائم في تاريخ الإنسانية، ويقدّر أن بدايتهما تعود إلى عصور ما قبل التاريخ. ويصلهما باكتشاف الإنسان للمرة الأولى وقدرته على توظيف التعاطف والتفاهم وغيرهما من السمات الإنسانية لفرض هيمنته على رفاقه من البشر.

فـ[كلمة (اغتصاب - (Rape) مشتقة من الكلمة اللاتينية - Rapere ؛ أي الخطف أو الاستيلاء ـ  Snatch، لكن لها علاقة أيضًا بالكلمتين يحتد ـ Rave وغراب أسود - Raven والكلمة تعني أن تتسلط، وتبتهج، وتغزو، وتسطو، وتنهب، وتسرق.] لذلك يكون الضحية في نهاية عملية غسل الدماغ وإبادة العقل على أتم الاستعداد لتقبل الذنب الذي فرض عليه وعلى شهادة الزور ضد الآخرين وضد نفسه خاصّة. فلا يتعيّن على المحقّقين إقناعه أو إخضاعه عبر التنويم المغناطيسي، لأنه جاهز ولين و[نادم ويرغب في المحاكمة. .. يصير رضيعا بين يدي محققيه، ويطعم كما الطفل، ويدلل بالكلمات كما الطفل.] وتزدهر هذه الممارسة في ظل تآكل الديمقراطية وحرية التعبير. ففي هذه الظروف يمكن تحطيم أرواح معظم البشر، لينحدروا إلى مستوى السلوك الحيواني، وفي النهاية تُفقد من المعذب والضحية معا، كل كرامة إنسانية.

ـ 4 ـ

حتى يتبسط جوست ميرلو في التأريخ لظاهرة غسل الأدمغة وفي ضبط تقنيات إخضاع الفرد المتنوعة التي تستخدم جعل الإنسان ممتثلا خنوعا، يعرض جملة من الوقائع. فمنذ الأزمنة البعيدة عمل الطغاة والمستبدون على الوصول إلى الاعترافات "الطوعية". وذلك لتبرير أعمالهم الشريرة، عبر التأثير على العقول وترويضها وتحطيم أصحابها إلى مرتبة الهوان. فكان الضحايا يصلون إلى حالة من التنويم المغناطيسي قابلين لأن يتم التلاعب بعقولهم نتيجة لتحطيم إرادتهم تدريجياً تحت تأثير الخوف. وكان الإرهاب يستهدف الجماهير كلّها. لذلك يتم بواسطة تنفيذ أكثر عمليات التعذيب والتنكيل علنا في عروض عامة. والمرأة المتهمة بالسحر مثلا لا تجد مناصا من الاعتراف بالعمليات الجنسية الفاسقة والصادمة مع الشيطان. وأكثر من ذلك فقد كانت تصدق تدريجيا القصص التي تختلقها وتموت مقتنعة بذنبها.

يعد جوست إبراهام اغتصاب العقول والقهر العقلي الخفي من بين أقدم الجرائم في تاريخ الإنسانية، ويقدّر أن بدايتهما تعود إلى عصور ما قبل التاريخ. ويصلهما باكتشاف الإنسان للمرة الأولى وقدرته على توظيف التعاطف والتفاهم وغيرهما من السمات الإنسانية لفرض هيمنته على رفاقه من البشر.ومن الحالات الحديثة يذكر أمثلة مما يدخل تحت طائلة الاعتراف الإجباري. فخلال الحرب الكورية، أسر الشيوعيون الصينيون ضابطاً من قوات مشاة البحرية الأمريكية يدعى الكولونيل شوابل. وسلطوا عليه صنوفا من الضغوط النفسية والإهانات الجسدية، وقّع إثرها على اعتراف استُثمر ضمن حمالات دعائية مدارها على أن الولايات المتحدة الأمريكية تخوض حربا جرثومية ضدّ شعب الصين المحب للسلام. فتلقي عليه القنابل المحملة ببكتريا تنشر الأمراض، منتهكة بذلك القانون الدولي. وبعد عودة هذا الضابط إلى بلاده شرح ما تعرّض له على النحو التالي: " كانت الكلمات كلماتي، لكن الأفكار أفكارهم؛ وهذا أصعب شيء ينبغي علي شرحه: كيف يمكن أن يجلس شخص ما ويكتب شيئا يعرف أنه زائف، وفي الوقت نفسه ينبغي أن يدركه ويشعر به ويجعله يبدو حقيقيا".

ـ 5 ـ

عرض الباحث جوست ميرلو إذن مجملا من الوقائع التي يستهدف المستبدون عبرها إجبار المعتقلين، تحت وطأة التعذيب، على خيانة أصدقائهم والإبلاغ عن ضحايا جدد من أجل المزيد من حالات التعذيب. وحاول هذا المحلّل النفسي عبرها شرح الآليات السيكولوجية المعقدة لإذعان المعتقلين عقليا وجعلهم يخسرون معركة الصمود. وأشار إلى أنّ بعض الأفكار تولد في المختبرات العلمية. فتُخترع عقاقير الهلوسة التي تذكي شعور الضحايا بالذنب. وتسهّل عملية غسيل أدمغتهم. ورغم ما يبديه بعضهم من الصلابة يكون انهيارهم في لحظة استسلام مفاجئ، بغتة وضد إرادتهم. يتحقّق ذلك إثر اتهام غير متوقع أو صدمة أو إذلال مهين على نحو معين، أو عقاب موجع أو منطق مفاجئ في سؤال المحقق لا يمكن دحضه.

عندها يفعّل العقل مبدأ "النجاة مقابل الولاء". فقد ثبت لديه أن الكثيرين من أسرى الحرب كانوا يستسلمون تدريجيا لضغط العدو العقلي، ويتواطؤون لكتابة مواد يمكن استخدامها للدعاية متبعين آلية نفسية تصطلح عليها الباحثة آنا فرويد بالدفاع الداخلي السلبي والخداع الداخلي، ومدارها على أنّ المرء إن لم يستطيع أن يكافح العدو وهزمه، فعليه أن يلتحق به. وللحاجة الكامنة في أعماق البشر للعاطفة، دور كذلك. فما يعيشه المعتقل من الإذلال ومن تحطيم الكرامة الممنهج يجعله في حاجة إلى كلمة ثناء أو مودّة تعزز من وهم المباركة والقبول من حراسه أو محقّقيه.

يصيب تكرارُ الأسئلة الغبية يوما بعد يوم، العقلَ بالإجهاد. ويضاف إلى ذلك الإجهاد البدني للحواس كاستخدام الضوضاء التي تخترق السمع أو الإضاءة الحادة التي  تعشي البصر أو الحرمان من النوم الذي يولّد الخيالات والأوهام والهلوسة والاكتئاب. فيفقد المعتقل اتزانه وتتقهقر ثقته بنفسه، ويحن إلى النوم. ولا يكون في وسعه فعل أي شيء سوى الاستسلام ويشرع في تقديم الإجابات التي يريد المحقق الحصول عليها.  وتمثل لعبة التوقع بداية مرحلة الانهيار: "هل يحدث معي مثل هذا العذاب مرة أخرى؟ هل يمكنني تحمل هذا بعد الآن؟ لماذا يجب أن أكون بطلا؟" وتنهار المقاومة تدريجياً. هكذا يتم الإعداد للاستسلام النهائي في فترة الاسترخاء المؤقت من الضغط، التي تعيد الضحية إلى التفكير في تجربة التعذيب مع نفسها.

ـ 6 ـ 

ولا يمكن للمعتقل أن يستسلم وأن ينقلب على عقيبه دون أن يبرر أفعاله لنفسه، كأن يتساءل "ربما يكون في النازية شيء جيد؟"، بل إنّ الدعاية الشمولية الصينية قد استحوذت على بعضهم إلى درجة أنهم اختاروا البقاء في الصين والانخراط في فلك النظام الشمولي، وإن رجّح أنّ منهم من فعل ذلك للفرار من العقاب لأنه خان رفاقه.

لا يمكن للمعتقل أن يستسلم وأن ينقلب على عقيبه دون أن يبرر أفعاله لنفسه، كأن يتساءل "ربما يكون في النازية شيء جيد؟"، بل إنّ الدعاية الشمولية الصينية قد استحوذت على بعضهم إلى درجة أنهم اختاروا البقاء في الصين والانخراط في فلك النظام الشمولي، وإن رجّح أنّ منهم من فعل ذلك للفرار من العقاب لأنه خان رفاقه.ويحدث أن يتصرف هؤلاء المعتقلون "التائبون" مثل سجانيهم القساة، و"يصبحون جلادين لأصحابهم المعتقلين، ويطلق على هؤلاء المعتقلين المتواطئين كابو، الذين كانوا حتى أكثر وحشية وانتقاما من مشرفي السجن الرسميين." ويفسرها بآلية الحفاظ على النفس. وكثيرا ما يحاولون العودة إلى مقاومتهم الباسلة.  ولكن "يتحرك بداخلهم شيء من الانصياع، ذلك الكائن المتجاوب القابع في أعماقنا جميعا". فغسل الدماغ وإبادة العقل يستثيران آلية الدفاع الداخلية التي يلاحظها في المرضى المصابين بالسوداوية نفسها. فمع خسارتهم لمعركة الصمود العقلي، يعاقبون أنفسهم مقدما من أجل تخطي فكرة العقاب النهائي على جريمة خفية ومجهولة وأكثر سوءا. ويصطلح على هذه المرحلة بالميثاق المازوشي الغامض. ومصطلح المازوشية يعني في الأصل حالة الإشباع الجنسي الناشئة عن الألم والعقاب، ثم توسّع استعماله لاحقا ليشير إلى كل إشباع يأتي من خلال الألم والإذلال. وهكذا يشكل الضحية والجلاد رابطة مشتركة يؤثر فيها كل منهما على الآخر.

ـ 7 ـ

يختزل الباحث العمليات النفسية لغسل الدماغ وإبادة العقل في أربع مراحل. فتمثل المرحلة الأولى مرحلة "الانهيار الاصطناعي وإزالة الارتباط الشرطي". وتستهدف إضعاف أنا المعتقل باستخدام التعذيب البدني من تجويع وترك للصقيع أو النفسي كالترهيب والإذلال والإحراج، والعزل، والتحقيق المستمر. وتهيئ هذه المرحلة لقبول الأفكار الشمولية. ولكن كثيرا ما تستسلم الضحية عن وعي بدافع من الانتهازية العقلانية المحض. وفي المرحلة الثانية يبدأ الخضوع والتماهي الإيجابي مع العدو. فيحدث ما يشبه التجلي ويتحقق التحول الداخلي: يكون تحولا كاملا في إستراتيجية الضحية الداخلية. فيتحدث بصوت سيده الجديد. والخضوع هنا عملية لاشعورية وانفعالية تماما، فلا يقع تحت السيطرة العقلانية الشعورية لمغسول الدماغ. ويطلق جوست ميرلو على هذه المرحلة "التنويم الذاتي".

أما في المرحلة الثالثة فتتم إعادة الارتباط الشرطي بالنظام الجديد عبر ضروب من التدريب والترويض المستمر.  وتمثل المرحلة الرّابعة مرحلة التحرر من السحر الشمولي. فبعودة مغسول الدماغ إلى المناخ الديمقراطي الحر، يتحطم السحر الشمولي. وهنا تبدأ التداعيات المؤقتة في الحدوث فينخرط الضحية في نوبات البكاء، والشعور بالذنب والاكتئاب. ويصبح ماضي الخضوع كابوسًا لا يتخلّص منه الضحية مغسول الدّماغ إلاّ بحصص العلاج النفسي.

ـ 8 ـ

اختزلت ورقتنا الجزء الأول من كتاب "اغتصاب العقل: سيكولوجيا السيطرة على التفكير وإبادة العقل وغسيل الدماغ" المتعلّق بتقنيات إخضاع الأفراد. ولكن الأثر يفصّل في جزئه الثاني أساليب إخضاع الجماهير. فلا تقل مادّته أهمية عن الجزء الأول.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير كتب الكتاب السعودية عرض السعودية كتاب عرض نشر كتب كتب كتب كتب كتب كتب أفكار أفكار أفكار سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الأنظمة الاستبدادیة

إقرأ أيضاً:

الذكاء الاصطناعي والتعلم.. متى يكون مساعدًا ومتى يحتاج العقل البشري للتدخل؟

منذ إطلاق "تشات جي بي تي" في نهاية عام 2022، اتجه ملايين المستخدمين إلى نماذج اللغة المتقدمة للحصول على المعلومات بسرعة وسهولة. ولا عجب في ذلك؛ فمجرد طرح سؤال واحد يمنحك إجابة جاهزة ومصاغة بعناية، لتواصل يومك وكأنك تعلّمت دون أي عناء.

 

وبحسب تقرير نشره موقع "ScienceAlert" فإن هذه السهولة التي توفرها نماذج الذكاء الاصطناعي قد تكون سلاحًا ذا حدّين. إذ تكشف ورقة بحثية جديدة، أعدّها باحثون من جامعة بنسلفانيا، عن أدلة تجريبية تُظهر أن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في تلخيص المعلومات يؤدي إلى تكوين معرفة أقل عمقًا مقارنة بالتعلم عبر البحث التقليدي في جوجل.


 

وتستند نتائج الدراسة إلى سلسلة من سبع تجارب علمية شارك فيها أكثر من 10 آلاف شخص. طُلب من المشاركين تعلّم موضوع محدد، مثل كيفية إنشاء حديقة منزلية، ثم جرى توزيعهم عشوائيًا على مجموعتين:
الأولى استخدمت "تشات جي بي تي" أو نماذج لغوية مشابهة للحصول على المعلومات، بينما اعتمدت الثانية على أسلوب البحث التقليدي عبر "جوجل" والتنقل بين الروابط.

ولم يفرض الباحثون أي قيود على طريقة استخدام كل مجموعة لأدواتها؛ فالمشاركون الذين يستخدمون "جوجل" كانوا أحرارًا في استكشاف الروابط كما يشاؤون، بينما كان بإمكان مستخدمي "تشات جي بي تي" متابعة طرح الأسئلة والحصول على المزيد من التوليفات دون أي حدود.

بعد انتهاء عملية التعلم، طُلب من المشاركين كتابة نصائح لصديق حول الموضوع. أظهرت البيانات نمطًا ثابتًا: الذين تعلموا عبر نماذج الذكاء الاصطناعي شعروا أنهم تعلموا أقل، بذلوا جهدًا أقل في كتابة النصائح، وكتبوا نصوصًا أقصر، أقل دقة، وأكثر عمومية. وعندما عُرضت هذه النصائح على عينة أخرى من القراء الذين لم يعرفوا مصدر التعلم، قيّموا نصائح مستخدمي LLM بأنها أقل فائدة وأقل إقناعًا.


 

وللتأكد من أن المشكلة لا تتعلق فقط بنوعية المعلومات المعروضة، أجرى الباحثون تجربة إضافية قدّموا فيها للمجموعتين المعلومات نفسها حرفيًا، سواء عبر "جوجل" أو "تشات جي بي تي"، وكانت النتيجة ذاتها: التعلم من إجابة مُخلّصة وسهلة يقود إلى معرفة أضعف من تلك التي تُبنى من خلال البحث والقراءة والتحليل.

أخبار ذات صلة جرّب افتراضياً.. موجز تسوق جديد بالذكاء الاصطناعي من جوجل "Doppl" مارك زوكربيرغ يتخلى عن حلم "الميتافيرس" بعد خسارة 77 مليار دولار

ويُفسّر الباحثون هذه الظاهرة بالعودة إلى مبدأ جوهري في عملية التعلم: كلما ازداد الجهد المبذول، تعمّق الفهم. فالبحث عبر "جوجل" يتطلب تصفح بعض الروابط، وقراءة مصادر متنوعة، والمقارنة بينها لتكوين فهم شخصي.

هذا القدر من "الاحتكاك" المعرفي ينتج معرفة أكثر رسوخًا. أما عند استخدام نماذج الذكاء الاصطناعي، فإن هذه المراحل كلها تُنجز تلقائيًا، ما يحوّل التعلم إلى تجربة سلبية وسريعة لكنها أقل عمقًا.

ومع ذلك، لا يرى الباحثون أن الحل يكمن في التخلي عن نماذج الذكاء الاصطناعي. بل يشددون على ضرورة استخدامها بحسب الهدف. فإذا كان المطلوب إجابة سريعة أو معلومات مباشرة، فإن الذكاء الاصطناعي يعدّ خيارًا مناسبًا. أما في حال كان الهدف تطوير فهم عميق وقابل للتطبيق، فإن الاعتماد على ملخصات جاهزة لن يكون الطريق الأمثل.

كما حاولت الدراسة استكشاف إمكانية جعل التعلم عبر النماذج اللغوية أكثر تفاعلية. ففي تجربة إضافية، استخدم المشاركون نموذجًا متخصصًا يعرض روابط للمصادر الأصلية إلى جانب الإجابة. لكن المفاجأة كانت أن وجود الملخص الجاهز جعل معظم المشاركين أقل رغبة في استكشاف تلك الروابط، وانتهى بهم الأمر إلى اكتساب معرفة سطحية مشابهة للنتائج السابقة.

وتشير الباحثة شيري ميلوماد إلى أنها تعمل على تطوير أدوات ذكاء اصطناعي تفرض نوعًا من "الاحتكاك الصحي" داخل عملية التعلم مثل خطوات تحليلية أو مهام تفاعلية تدفع المستخدم للغوص أعمق بدل الاعتماد على الإجابات الجاهزة. وتؤكد أن هذه الأدوات ستكون حاسمة في التعليم المدرسي، حيث يحتاج الطلاب إلى تنمية مهارات أساسية في القراءة والكتابة والتحليل، في عالم سيغدو فيه الذكاء الاصطناعي جزءًا يوميًا من واقعهم.


إسلام العبادي(أبوظبي)

مقالات مشابهة

  • بقوة 700 حصانًا.. اجرأ تعديلات رولز رويس جوست من SPOFEC | صور
  • رحلة العمر
  • «محمد بن راشد للفضاء» يعلن نجاح سلسلة جديدة من الاختبارات على المستكشف راشد 2
  • صديق الضحية فسخ خطوبة: الخناقة بدأت بسبب ركوب العربية مع البنت
  • عاجل| النيابة العامة تحقق بشأن ادعاءات محاولة اغتصاب منسوبة لعضو هيئة تدريس بجامعة خاصة
  • النائب العام: خريج سابق وراء مزاعم وجود حالات اغتصاب بجامعة خاصة
  • مؤتمر الابتكار في استدامة المياه يستعرض التقنيات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي
  • شركة توزيع الكهرباء تعتمد أحدث التقنيات لتعزيز جودة خدماتها
  • الذكاء الاصطناعي والتعلم.. متى يكون مساعدًا ومتى يحتاج العقل البشري للتدخل؟
  • حماس: المرحلة الثانية لا يمكن أن تبدأ ما دام الاحتلال يواصل خرق الاتفاق