في صحراء سيناء، حيث تنزف الرمال أسرارها، وتكتب الشمس فوق الجبال رسائل قديمة لم تُقرأ بعد، تقف الحقيقة كما لو كانت شبحًا.. .تتوارى خلف العواصف، وتخرج بين حين وآخر في هيئة تصريح عابر أو وثيقة مسروقة.

خرج علينا أفيغدور ليبرمان، وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق، بتصريح صادم، أقرب إلى القنبلة منه إلى التحليل الأمني: "الجيش الإسرائيلي كان يقدم دعمًا لوجستيًا لجماعات إرهابية في سيناء ضد الجيش المصري"، ثم مضى دون أن يُكمل.

. .وكأنه ترك لنا فتات الحقيقة لنجمعها بأنفسنا، كما يفعل المحقق في رواية بوليسية عتيقة.

التصريح.. .والدخان الذي وراءه نار

ليبرمان ليس مجرد سياسي غريب الأطوار، هو رجل ملفات، وضابط سابق يعرف ما يقول، وإن تحدث أحيانًا ليحرق خصومه أو يكشف أوراقًا منتهية الصلاحية. لكن هذا التصريح تحديدًا لا يبدو عابرًا. فهو يشير إلى فترة ملتبسة، حين كانت سيناء مرتعًا مفتوحًا للجماعات الجهادية من طراز "أنصار بيت المقدس"، و"ولاية سيناء" لاحقًا، التي بايعت تنظيم "داعش".

تلك الجماعات وُلدت من رحم الاضطراب الذي أعقب ثورة يناير، في زمن ارتباك الدولة، وارتخاء قبضة الأمن، وصعود الإخوان إلى سدة الحكم. ومن قلب الفراغ الأمني، وبدعم لوجستي غامض، ظهرت الرايات السوداء، واختلطت البندقية بالدعوة، والدين بالسياسة.

إسرائيل.. الحضور الغائب في سيناء

منذ انسحابها الرسمي بموجب اتفاقية كامب ديفيد، لم تغب إسرائيل عن سيناء. كانت هناك دائمًا، لكن من خلف الستار، عبر الطائرات المسيرة، وعبر تفاهمات سرية، وعبر عملاء لا يُعرف ولاؤهم. وفي عالم الأمن، لا يُستبعد شيء، ولا يُستغرب دعم "عدو تكتيكي" إذا كان الهدف ضرب العدو الاستراتيجي.

فهل دعمت إسرائيل بالفعل بعض الفصائل لتقويض سيطرة الجيش المصري على سيناء؟ وإن صح هذا، فهل كان دعما استخباراتيا تحت الطاولة ضمن تفاهمات معقدة، أم لعبة قذرة خرجت عن السيطرة؟

ملف مصر داخل الوثائق النووية المسروقة

في عام 2018، أعلنت إسرائيل بفخر عن حصولها على "أرشيف نووي إيراني" عبر عملية استخباراتية في قلب طهران. وثائق وصور وخرائط ومحادثات ورسائل بريد إلكتروني. لم تُنشر كلها، بل اختير منها ما يخدم الخطاب السياسي حينها ضد إيران.

لكن سؤالاً ظلّ عالقًا في دهاليز المتابعين: هل احتوى هذا الأرشيف، أو بعضه، على إشارات لملفات تخص مصر؟

فمصر، برغم صمتها النووي، لا تزال دولة ذات أهمية استراتيجية في معادلات الردع والتوازنات الإقليمية. والمعلومات حول نواياها أو قدراتها، وإن كانت تقليدية أو دفاعية، قد تهم خصومها، لا سيما إذا تضمنت معلومات عن سيناء، أو عن التعاون الأمني مع قوى كبرى.

زيارة عبد اللهيان إلى القاهرة.. مصادفة؟

في الأيام الماضية، حطّ وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في القاهرة، في زيارة مفاجئة نسبياً، ضمن ما سُمّي بمحاولات "تطبيع تدريجي" للعلاقات المصرية الإيرانية.

لكن ماذا لو لم تكن الزيارة فقط من أجل "المصافحة الدبلوماسية"؟ ماذا لو كانت هناك أوراق تُتبادل؟ ملفات تُفتح وتُغلق خلف الأبواب؟ هل قدّمت طهران إشارات أو دلائل على ما تمتلكه من معلومات عن نشاط استخباراتي إسرائيلي داخل مصر؟ وهل ساومت على هذا الملف لفتح بوابة جديدة على نيل القاهرة؟

مصر.. .رقعة تتغير عليها الأحجار

ليست سيناء وحدها من تنزف الحقيقة، بل الإقليم كله. وكل حجر يُحرّك على رقعة الشرق الأوسط لا يتحرك عبثًا. من زيارة عبد اللهيان، إلى تصريح ليبرمان، إلى تسريب وثائق مجهولة المصدر في تل أبيب.. .تبدو مصر في القلب من معركة الظلال: معركة الذاكرة، والمعلومات، والتحالفات التي تُصنع من صمت.

وإن كانت الحقيقة لا تزال تهمس، فربما آن أوان أن تُكتب، لا أن تُروى فقط!!

اقرأ أيضاًمحافظ جنوب سيناء يترأس اجتماع مجلس أمناء مشروع التجلي الأعظم والأوحد بسانت كاترين

قرار جمهوري بتخصيص أراض في شمال سيناء لاستخدامها في إقامة مقرات شرطية مختلفة

برلماني: سيناء قاطرة التنمية وحجم الاستثمارات غير مسبوق

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: مصر الملف النووي الإيراني صحيفة الأسبوع صحراء سيناء حسين أمير عبد اللهيان العلاقات المصرية الإيرانية الصراعات الدولية الجيوسياسية الجماعات الإرهابية في سيناء

إقرأ أيضاً:

المرعاش: تغيير الحكومة ومعالجة الملف الأمني مفتاح فكّ الانسداد في ليبيا

المرعاش: تقدّم المناصب السيادية إيجابي… لكنّ الاختبار في التنفيذ وتغيير الحكومة أولوية

ليبيا – قال المحلل السياسي كامل المرعاش إنّ حديث عضو مجلس النواب عدنان الشعاب وآماله في تحقيق تقدّم بملف المناصب السيادية «إيجابي» وهو «يدعمه ويثني عليه»، موضحًا أن الملف الذي طرحته المبعوثة الأممية «لم يكن رئيسيًا»، وربما استُهدف به «مزيد من الانقسام بين مجلسي النواب والدولة» في أحد أقل الملفات أهمية للمشهد السياسي الليبي، وذلك في تصريح لقناة «ليبيا الحدث» تابعته صحيفة المرصد.

إيجابية مشروطة بالتطبيق
أضاف المرعاش أنه إذا حدث تطوّر إيجابي وتوافُق في المناصب السيادية، فإن «الجزء الأهم» هو تطبيق ما يُتفق عليه على أرض الواقع.

سلطة الأمر الواقع وتحدي التسليم
لفت إلى أن أغلب المناصب السيادية «موجود في طرابلس وتُحكم بسلطة الأمر الواقع»، متسائلًا: «من يضمن أن من يُعينون جددًا في المناصب ستُسلم لهم بكل أريحية؟».

تجربة المركزي واحتمال التكرار
أشار إلى أن بنود التوافق واضحة وربما يتحقق، مستذكرًا تجربة المصرف المركزي عندما عُيّن محافظ جديد «لكن رُفض»، وبقي المحافظ السابق أربع سنوات إضافية رغم نزع مجلس النواب الثقة عنه، مؤكدًا أن «هذا السيناريو يمكن أن يتكرر».

أولويات مغيّبة وملف الحكومة
أوضح أن المبعوثة الأممية — في تقديره — تعي ذلك جيدًا، مبينًا أن الملفات الثلاثة التي عرضتها «ليست من الأولويات»، وكان عليها إن كانت جادة أن «تطرح ملف تغيير الحكومة»، لأن «تغيير الحكومة ومعالجة الملف الأمني الأشد خطورة على كل الملفات الأخرى هو المفتاح» لفكّ الانسداد.

نفوذ المليشيات ودور الحكومة
وأضاف أن «ملف سيطرة المليشيات على الحكومة أصبح واقعًا»، وأن الحكومة نفسها «باتت جزءًا من هذا الصراع الميليشياوي على مؤسسات السلطة والمال في طرابلس».

توافق كان ممكنًا وتدخّل البعثة
أشار إلى أن البلاد كانت أقرب للتوافق وإنجاز القاعدة الدستورية والقوانين الانتخابية مع خالد المشري، لكن «البعثة حينذاك عرقلت — من بين معرقلين آخرين — هذا التوافق»، ثم «رُسمت مكيدة للمشري وأُخرج من المشهد».

انتقاد لقاءات البعثة وتكالة
قال إن البعثة «تورّطت» في الاستحقاق الانتخابي داخل المجلس الأعلى للدولة بفرض «هيمنة أمر الواقع»، واستمرار مقابلة محمد تكالة «رغم أن الموضوع لم يُحسم بطريقة ديمقراطية»، معتبرًا أن البعثة «اتخذت جانب الحكومة» في دعم شخص «جاء ليُعطّل كل شيء» ولـ«يترجم ما تريده حكومة الدبيبة»، وليس ما تريده «مؤسسة تشريعية يُفترض أن تنظر لمصلحة البلاد العليا».

مقالات مشابهة

  • أستاذ علوم سياسية لـ"حديث القاهرة": تخوفات حماس من تراجع إسرائيل عن الاتفاق
  • هند الضاوي: لا حماس ولا إسرائيل حققت أهدافها.. والمدنيون دفعوا الثمن
  • قاسم: الإنتصارات ضدّ إسرائيل كانت على يديّ نصرالله
  • المرعاش: تغيير الحكومة ومعالجة الملف الأمني مفتاح فكّ الانسداد في ليبيا
  • صراع طهران وتل أبيب يتصاعد.. النووي الإيراني يعود لصدارة المشهد الإقليمي
  • وزير الخارجية الأسبق: إسرائيل تُطيل التفاوض بتكتيك المراوغة والمراسم السياسية
  • محمد العرابي: إسرائيل تُطيل التفاوض بتكتيك المراوغة والمراسم السياسية
  • الرئيس السيسي: التجربة المصرية مع إسرائيل كانت تأسيس لسلام عادل رسخ الاستقرار
  • تقرير أمريكي: تحول محتمل في السياسة الخارجية المصرية بعيدا عن إسرائيل
  • إيران تنسحب من اتفاق القاهرة النووي: لا اتفاق نووي ولا تفتيش دولي