عربي21:
2025-06-13@09:57:11 GMT

الهجمة على الجيش والمخاطر على السودان

تاريخ النشر: 12th, June 2025 GMT

في الوقت الذي يواجه فيه السودان حرباً داخلية شرسة، بامتدادات وتدخلات خارجية واضحة، آخرها أحداث المثلث الواقع على الحدود السودانية - الليبية المتاخمة لمصر، تستمر بعض الأطراف في حملتها ضد الجيش السوداني لإضعافه. هناك من يتمنَّى هزيمته، وهناك من يدعو لتفكيكه، والبعض يخفي أجندته خلف شعار إعادة الهيكلة الفضفاض.



من أكثر ما يستخدم في هذه الحملة هو تكرار الاتهامات لدمغ الجيش بأنه «جيش الكيزان»، أو أنه ميليشيا حزبية وليس جيشاً نظامياً.

الجيش وإن كان فيه كيزان، ففيه قطاع عريض من أبناء السودان ممن ينتمون إلى تيارات سياسية أخرى، أو ممن لا انتماء سياسياً لهم أو علاقة بالكيزان. أعداد هائلة ممن يقاتلون اليوم في صف الجيش بمن فيهم القوات المشتركة وكتائب المستنفرين هم من هذا القطاع العريض، بل إن بعضهم من شباب ثورة ديسمبر، ومن آخرين عارضوا النظام السابق طويلاً، ولا يمكن لأحد أن يصنفهم أنهم كيزان.

كثير من الأطراف الدولية والإقليمية، رغم تباين مواقفها، تُجمع على ضرورة بقاء مؤسسات الدولة السودانية وفي مقدمتها القوات المسلحة، لأن انهيار الجيش لا يعني فقط هزيمة طرف في صراع عسكري، بل انهيار الدولة ذاتها ودخولها نفق الفوضى والانقسام. هذا الموقف ليس بدافع العاطفة، بل من منطلق قراءة واقعية لتجارب ماثلة أمام الجميع.

التاريخ الحديث يقدم لنا نماذج مأساوية لدول تحولت إلى ساحات للصراع الدموي بمجرد انهيار جيوشها الوطنية. العراق بعد غزو 2003 نموذج قريب إلى الأذهان؛ فقد أدى قرار الحاكم الأميركي بول بريمر حل الجيش العراقي إلى فراغ أمني هائل، ملأته الجماعات المسلحة، من «القاعدة» إلى «داعش»، وتحولت المدن العراقية إلى ساحات معارك، وانهارت مؤسسات الدولة وغرق البلد في العنف الطائفي.

في ليبيا، أدت إطاحة نظام القذافي من دون وجود خطة لبناء جيش موحد، إلى ظهور مجموعات مسلحة متصارعة، واندلعت حرب طاحنة رافقتها تدخلات خارجية متعددة. وفي الصومال تشتت البلد بعد سقوط نظام سياد بري وتحول إلى مناطق نفوذ تحت سيطرة أمراء الحرب، ما أدى إلى حرب أهلية طاحنة وانهيار لمؤسسات الدولة لنحو عقدين من الزمن، ثم ظهور تنظيمات متطرفة مثل حركة «الشباب».

لم تكن تجارب الدول العربية استثناء، ففي أفريقيا، تكررت الكارثة بعدة أشكال. في الكونغو الديمقراطية (زائير سابقاً) أدى انهيار جيش موبوتو سيسي سيكو إلى حربي الكونغو الأولى والثانية، اللتين اشتركت فيهما جيوش تسع دول أفريقية، وراح ضحيتهما ملايين البشر. وفي ليبيريا تسبب تفكك الجيش في حرب أهلية قتل فيها نحو ربع مليون شخص.

الدرس المشترك من هذه النماذج أن الجيش الوطني هو «عمود الخيمة» الذي إذا انهار، تداعت أركان الدولة بأكملها. وبالنسبة للسودان فإنَّ الجيش إن انهار أو تم تفكيكه، سواء بسبب الصراعات الداخلية، أو الضغوط الخارجية، أو قرارات سياسية خاطئة، فسيواجه البلد حينها سيناريوهات كارثية:

- ستتوقف خدمات الأمن والشرطة، لتنتشر الفوضى والجريمة.
- سيطلق الفراغ الأمني العنان لصعود الميليشيات التي تتقاتل على السلطة والثروة، ولصراعات قبلية وجهوية خطيرة تفتح الباب أمام مطالبات انفصالية جديدة، لا سيما في ظل الاستغلال الذي نشهده لورقة المناطق المهمشة.
- اندلاع صراعات عبر الحدود حيث تسعى الميليشيات أو الجماعات المسلحة للحصول على ملاذ أو موارد.
- ظهور جماعات إرهابية تجد في بيئة الفوضى والفراغ الأمني بيئة خصبة لنشاطها، علماً بأن المحيط الإقليمي يشهد تزايد نشاط هذه الجماعات في منطقة الساحل الأفريقي وليس بعيداً عن حدود السودان.
- عدم الاستقرار سيشكل تهديداً لدول الجوار والأمن في المنطقة.
- كل هذه الاضطرابات ستؤدي لكوارث إنسانية غير مسبوقة، وستتفاقم أزمات الجوع وموجات اللجوء.
- فتح باب التدخلات الخارجية في السودان.

الخلاصة: الجيش السوداني هو «خط الدفاع الأخير» ضد الانهيار، والتجارب التاريخية تُظهر أن تفكيك الجيوش الوطنية لا يؤدي إلى الديمقراطية بالضرورة، بل إلى الفوضى، لا سيما في ظل محيط مضطرب، وصراعات إقليمية ودولية متزايدة.

إصلاح الجيش أمر مطلوب، مثله مثل كثير من مؤسسات الدولة السودانية التي تحتاج إلى إصلاح. قادة الجيش أنفسهم يتحدثون عن أهمية الإصلاح لا سيما مع تداعيات الحرب، ومسألة دمج الحركات المسلحة الموقعة على اتفاقية السلام وإنهاء ظاهرة تعدد الحركات المسلحة والجيوش الرديفة، بحيث يكون السلاح محصوراً فقط في يد الدولة. لكن هذا الإصلاح لا ينبغي أن يعني بأي حال من الأحوال تفكيك الجيش، أو هيكلته بشكل يضعفه.

السودان اليوم أحوج من أي وقت مضى إلى جيش قوي يحميه ويصد عنه المؤامرات والأطماع. جيش قومي قوي يبتعد عن وحل السياسة، ويتفرغ لمهمته الأساسية في حماية وطن أصبح واضحاً كم هو مستهدف.

الشرق الأوسط

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه السودان الجيش معارك السودان معارك الجيش الدعم السريع سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد صحافة صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

برلماني: مصر ترفض الفوضى في الحشود الشعبية وتتمسك بتنظيم دخول الوفود إلى غزة حمايةً لأمنها القومي

أكد النائب مدحت الكمار عضو مجلس النواب، أن بيان وزارة الخارجية الأخير بشأن الضوابط التنظيمية لزيارة المنطقة الحدودية مع قطاع غزة يأتي في توقيت بالغ الأهمية، ويعكس إصرار الدولة المصرية على عدم السماح بأي مظاهر فوضوية أو غير منسقة على الحدود، في ظل الظروف الأمنية الدقيقة التي تمر بها المنطقة.

مصر ترفض بشكل قاطع أي دعوات عشوائية

وشدد الكمار، في تصريح صحفي له اليوم على أن مصر ترفض بشكل قاطع أي دعوات عشوائية لحشود شعبية أو وفود غير منظمة تسعى للظهور الإعلامي أو استغلال الموقف الإنساني في غزة لتحقيق مكاسب سياسية أو شعبوية، مؤكدًا أن الأمن القومي المصري خط أحمر لا يمكن تجاوزه أو التهاون فيه تحت أي ذريعة.

عُطل أم اختطاف.. لغز سقوط الطائرة الهندية يحير العالم| القصة الكاملةبعد التتويج بكأس عاصمة مصر..محمد بسام يوجه الشكر للنائب محمد أبو العينين

وأضاف عضو مجلس النواب. أن الدولة المصرية كانت ولا تزال الداعم الرئيسي للقضية الفلسطينية، وتقوم بدور محوري في تقديم الدعم الإنساني والسياسي والدبلوماسي لأبناء الشعب الفلسطيني، لكن ذلك لا يتعارض مع حقها السيادي في تنظيم التحركات على أراضيها، وخاصة في المناطق الحدودية الحساسة.

مصر لن تسمح بأي شكل من أشكال الفوضى

وأوضح نائب القليوبية، أن ما تقوم به بعض الجهات من محاولات تجاوز للإجراءات المصرية المنظمة يُعد تصرفًا غير مسؤول، ولا يصب في مصلحة الفلسطينيين ولا في مصلحة استقرار المنطقة، داعيًا جميع الجهات الراغبة في دعم غزة إلى الالتزام بالقنوات الشرعية والتنسيق الكامل مع السلطات المصرية.

واختتم النائب مدحت الكمار تصرجاته، مؤكدًا أن مصر لن تسمح بأي شكل من أشكال الفوضى أو الاستغلال السياسي للقضية الفلسطينية، مشددًا على أن الدولة المصرية بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي تعمل وفق رؤية استراتيجية متكاملة توازن بين دعم الشعب الفلسطيني، والحفاظ على أمن واستقرار الدولة المصرية وسلامة حدودها

طباعة شارك مصر غزة رفح البرلمان النواب

مقالات مشابهة

  • برلماني: مصر ترفض الفوضى في الحشود الشعبية وتتمسك بتنظيم دخول الوفود إلى غزة حمايةً لأمنها القومي
  • الجيش الليبي يرد على اتهامات السودان بشأن "الحدود"
  • اللجنة الأمنية والعسكرية تبدأ أعمالها.. المنفي يشدد على إنهاء الفوضى المسلحة في العاصمة
  • الجيش السوداني: تم إخلاء منطقة المثلث المطلة علي الحدود بين السودان ومصر وليبيا تمهيداً لصد العدوان
  • الجيش الليبي: ما تردد عن تدخلنا في السودان "مزاعم باطلة"
  • الفنيش: الفوضى الأمنية “عميقة” ولن تُحل بلجان مؤقتة
  • نشأت الديهي: لا يمكن السماح للإخوان بإثارة الفوضى في الشارع المصري تحت مزاعم كسر الحصار
  • برلماني: 30 يونيو أنقذت الدولة من قبضة جماعة ظلامية لا تؤمن بالوطن
  • برلماني: جرائم الإخوان لن تسقط بالتقادم ولن نسمح بعودة الفوضى مرة أخرى