هل يهدد اقتباس الأعمال التركية مستقبل الإبداع العربي؟
تاريخ النشر: 14th, June 2025 GMT
بعد متابعتي مؤخرا لمسلسل "القدر" المقتبس من المسلسل التركي "لعبة القدر" من بطولة قصي خولي، وديمة قندلفت، وميلاد يوسف، ووسام حنا، وحسن عويتي، ورندة كعدي، ورزان جمال ويحكي قصة الأم البديلة أو الأم الحاضنة، ويدخل في تفاصيل قصص الحب والانتقام والجريمة وتجارة المخدرات، استطاع أن يجذبني بإخراج فيليب أسمر، ولكني لم استطع تلمس روح العمل الدرامي العربي، والقدرة على الخلود في الذاكرة بمعانيها المنسوجة بعناية في حبكتها الدرامية القريبة من الواقع العربي.
كانت الدراما العربية قريبة من مشهد الشارع، تناقش قضايا وهم الشعوب، وتستعرض دوامة الحياة والصراعات الاجتماعية، بأسلوب واقعي، وأحداث تتصاعد بشكل نموذجي جذاب، فاضت بإيقاع الشعور الإنساني الذي خلّد الدراما كجزء من ذاكرة الأسرة العربية.
ولكن يبدو أن الدراما العربية بدأت بارتداء العباءة المستوردة، حيث صارت تتجه نحو إنتاج عمل مأخوذ من دراما تركية، وعلى الرغم أن الأعمال المأخوذة من الدراما التركية لها جمهورها في الوطن العربي، إلا أنها تثير الكثير من الجدل، لتخطيها حدود المعقول، ومبالغتها في تفاصيل المشاهد الرومنسية التي كانت محدودة ولها حدودها التي تراعي أخلاقيات الحياة العربية.
كانت البداية في مسلسل "عروس بيروت" 2019، المأخوذ من المسلسل التركي "عروس اسطنبول"، وشكل حالة من الانجذاب الجماهيري العالي على عمل في كل تفاصيله هو شكل تركي، لا تجد فيه العربية إلا من تلك الوجوه التي تمثل العمل، لتنعش الصوت الدرامي العربي وجماهيرته ولكن بصيغة أخرى، تفتقد للهوية العربية، ومواقع التصوير المألوفة، والأزياء المعتادة، ودون شك الأفكار والسيناريوهات والحوارات البعيدة عن النمط الدرامي العربي، وتحد من استعمال القضايا العربية بأسلوبها الدرامي الذي بات جزءا من أصالة الفن والهوية الثقافية.
فمن مسلسل "ستيليتو" المأخوذ من مسلسل جرائم صغيرة، الذي كان بطولة مجموعة كبيرة من الوجوه الدرامية السورية واللبنانية، أعادت الحنين لأعمال تجمع الممثل السوري قيس الشيخ نجيب، والممثلة كاريس بشار، والممثلة ديمة قندلفت، ولفتت الانتباه للكيمياء في الأداء التمثيلي بين هؤلاء النجوم اللذين كانوا يوما نموذج البطولة المثالي في فترة ازدهار الأعمال السورية، ليكون شكل الجذب نحو الدراما التي أثارت في الوقت ذاته انتقاد الجمهور لكثير من التفاصيل.
تتالت الأعمال التي عرّبت من الأعمال التركية كمسلسل "الثمن" المأخوذ من مسلسل "ويبقى الحب"، ومسلسل "الخائن" من بطولة قيس الشيخ نجيب وسلافة معمار، وهو مأخوذ عن مسلسل يحمل نفس الاسم في النسخة التركية، ويحكي قصة الخيانة الزوجية بجرأة عالية، ومسلسل "لعبة حب" الذي فتح بابا لشهرة واسعة لبطلي المسلسل، الممثل معتصم النهار، والممثلة نور علي.
هناك ما يدعونا للتساؤل: لماذا تتجه الدراما العربية بشكل متزايد نحو الاقتباس من الدراما التركية؟ رغم أن الأخيرة لها جمهورها وانتشارها مدبلجة بالعربية، فهل هذا الانتشار والشعبية كان ذات أثر على شركات الإنتاج العربية؟ وبات التفكير أن المكسب المالي لتحويل واقتباس الأعمال التركية ذو مردود مالي أكثر من دبلجتها؟ ولكن ماذا عن الهوية العربية في الأعمال؟ وأين هو القلم العربي الذي يكتب قضايا الشارع العربي وهمومه الاجتماعية؟
بعيدا عن نجاح تلك الأعمال أو فشلها، فلم تكن الأعمال المعرّبة بأبعد من شكل درامي يستعرض قضايا وفكر غير عربي، كتب بقلم هدفه الأول الجذب الدرامي دون الاكتراث للقيم، فالأعمال معظمها تدور حول قصص الحب، وأحداث درامية غير واقعية، وسرد رومنسي هدفه التشويق، مع حضور طاغ للشكل الجمالي سواء في الأزياء أو المنازل أو الديكورات الفخمة أو الوجوه المبالغ في مكياجها أو تجميلها، في سبيل تحقيق الأرباح المادية، مع حضور التكرار في نمط الأعمال المقدمة للجمهور.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
جرش 2025: المجد يتجدد برعاية هاشمية… وأيمن سماوي يقوده إلى قمة الإبداع
صراحة نيوز-طلال السُكر العدوان
في مدينةٍ عانقت الشمس منذ آلاف السنين، وعلى أرضٍ احتضنت الإمبراطوريات وتحوّلت إلى منابر للفكر والجمال، يعود مهرجان جرش للثقافة والفنون لهذا العام، 2025، وفي دورته التاسعة والثلاثين، ليُجسد من جديد التقاء الأصالة بالتجديد، والتاريخ بالحاضر، في واحدة من أبرز التظاهرات الثقافية والفنية على مستوى الشرق الأوسط.
فمنذ انطلاقه الأول في عام 1981، ومهرجان جرش يحظى بالرعاية ملكية سامية، عبّرت عنها قيادة جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين، ومن قبله المغفور له الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه، في تأكيد دائم على أن الثقافة والفن هما جناحا النهضة الأردنية، وركيزة من ركائز الهوية الوطنية. وقد شكلت هذه الرعاية المستمرة مظلة أمان وتطوير للمهرجان، ودعامة أساسية لاستمراريته وتألقه، حتى غدا منصة إبداعية نادرة في الإقليم، تُظهر وجه الأردن الحضاري والإنساني للعالم.
وجاءت نسخة 2025، لتكون امتدادًا حيًا للرؤية الملكية العميقة، مستندةً إلى قيادة تنفيذية واعية قادها باقتدار وحنكة المدير التنفيذي للمهرجان الأستاذ المخضرم، أيمن سماوي، الذي استطاع أن يُحدث فرقًا نوعيًا في المضمون والتنظيم على حد سواء. فبفضل بصيرته الثقافية، وخبرته الطويلة، وحسّه الوطني العالي، تحوّل المهرجان إلى تجربة متكاملة، جمعت بين الترفيه والرسالة، وبين الفن الرفيع والبعد الشعبي، وبين التاريخ المتجذر والرؤية المستقبلية.
سماوي، والذي عمل ليس فقط كمدير، بل كمثقف مؤمن برسالة جرش، ومهندسٍ يسعى إلى إعادة تشكيل المشهد الثقافي الأردني من قلب المدينة التاريخية. ظهر ذلك في التوازن الدقيق بين استقطاب كبار نجوم الغناء والموسيقى، وبين احتضان المواهب الأردنية الشابة، وفي التنوع الذي طال الأمسيات الشعرية، والعروض المسرحية، والمعارض التشكيلية، والندوات الفكرية.
وفي موازاة هذه القيادة التنفيذية المتقدمة، لعبت اللجنة الإعلامية للمهرجان دورًا مميزاً بارزًا وحاسمًا لا يمكن إنكاره في صياغة صورة إعلامية مشرفة تليق بمكانة جرش التاريخية والثقافية. وقد أثبتت اللجنة، بجهود فريقها المهني المتميز، قدرتها على مواكبة الحدث لحظة بلحظة، وإبراز كل تفاصيله بروح إبداعية عالية. فكانت التغطية الإعلامية هذا العام أكثر شمولًا واتساقًا، مستفيدة من أدوات الإعلام التقليدي والرقمي على حد سواء، ما منح المهرجان صدىً واسعًا، محليًا وعربيًا، وجعل منه حدثًا تفاعليًا لا يقتصر على الحضور الفعلي فقط، بل يصل إلى ملايين المتابعين في المنطقة.
واستنادًا إلى الإرث الثقافي العريق لمدينة جرش، التي كانت في العهد الروماني تُعرف باسم “جراسا”، واستمرت عبر العصور منارة للفكر والتجارة والفنون، جاء المهرجان ليعيد بعث روح المدينة في ثوب معاصر، ويكرّس الأردن مركزًا للإشعاع الثقافي في المشرق العربي. ولم يكن لهذا الإنجاز أن يتحقق لولا الدعم المؤسسي الرسمي، وفي طليعته الرعاية الملكية السامية، التي كانت عبر العقود حجر الأساس في ترسيخ المهرجان وتطويره، وجعله محط أنظار الأدباء والفنانين والمبدعين العرب.
لقد أثبت مهرجان جرش 2025 أن الثقافة الأردنية ليست فقط راسخة في ماضيها، بل حية في حاضرها، ومؤهلة لصناعة مستقبلها. ومن قلب المدرج الجنوبي، وعلى أنغام موسيقى تمتزج فيها لهجات العرب وألوانهم، صدح الأردن مرةً أخرى بصوت الجمال والعقل والنور.
ومع اقتراب ختام هذه الدورة اللافتة، تتقدم الأصوات المثقفة بالشكر والعرفان لكل من أسهم في هذا النجاح، وفي مقدمتهم المدير التنفيذي أيمن سماوي، الذي جسد بروحه القيادية ووعيه العميق كيف يمكن للثقافة أن تُدار بفكر الدولة لا بروتين الوظيفة، وإلى اللجنة الإعلامية التي شكّلت بعملها المتقن مرآةً صادقة لصورة الأردن المتألقة.
وهكذا، يبقى مهرجان جرش، برعاية هاشمية، وإدارة مؤمنة، وإعلام واعٍ، شاهدًا على أن هنا الأردن… ومجده مستمر.