سوق العمل في مواجهة العاصفة التكنولوجية والحاجة إلى سياسات استباقية
تاريخ النشر: 17th, June 2025 GMT
مرتضى بن حسن بن علي
في عصر التطورات التكنولوجية والتحولات العالمية السريعة، سوف يشهد سوق العمل العُماني والعربي، تحولات جذرية بسبب تقدم الذكاء الصناعي والرقمنة والتكنولوجيا، وهو اتجاه بدأ يعم العالم. هذه التطورات ستؤدي إلى اختفاء عشرات الآلاف من الوظائف التقليدية وظهور وظائف جديدة أخرى ذات رواتب عالية.
وبما أن أكثر الوظائف في عُمان والبلدان العربية، هي وظائف تقليدية، فإنَّ عملية تسريح الموظفين عامة والمواطنين خاصة، سوف تتسارع، كما سوف تزداد نسبة البطالة بشكل كبير خلال السنوات المُقبلة ما لم تأخذ الجهات المعنية إجراءات سريعة ومنظمة لمواجهة التحديات القادمة.
وفيما يلي نرصد الوظائف التقليدية المُهددة بالاختفاء، والتي تمثل الجزء الأكبر من الوظائف التي يشغلها المواطنون:
الوظائف الإدارية والكتابية الروتينية؛ مثل: كتَبة البيانات، والموظفين التقليديين في البنوك، بسبب التحول إلى الخدمات الإلكترونية والذكاء الاصطناعي والرقمنة. وظائف التصنيع اليدوي: مع انتشار الروبوتات والآلات الذكية في المعامل، ستقل الحاجة إلى الأيدي العاملة. الوظائف الزراعية التقليدية بسبب تقدم التكنولوجيا الزراعية (مثل الزراعة الذكية والروبوتات الحصادة). وظائف البيع بالتجزئة: مع نمو التجارة الإلكترونية، سوف تختفي أو تقل تدريجيا وظائف البائع في المراكز والمحلات التجارية. وظائف الوساطة (كالسماسرة)؛ حيث إن المنصات الرقمية ستربط المستهلكين مباشرة بالخدمات. وظائف السياقة ومحطات البترول: سوف تختفي هذه الوظائف بسبب التوسع في السيارات ذاتية القيادة والسيارات الكهربائية. وفي الولايات المتحدة فقط، من المتوقع إلغاء نحو 300 ألف وظيفة سياقة سنويًا بدءًا من عام 2030، كما ستختفي وظائف العاملين في محطات البترول بسبب انتشار السيارات الكهربائية. عمال الطباعة: سوف تختفي وظائف الطباعة بسبب التحول الرقمي.وظائف البنوك
هناك حديث مستمر حول قدرة البنوك على تشغيل المواطنين. ولكن لن يستمر هذا الوضع طويلا؛ ففي ظل التطورات التكنولوجية المتسارعة، سوف تشهد الصناعة المصرفية تحولات جذرية تؤثر على وجود الفروع المادية وإغلاقها وسوف تقوم البنوك بتسريح عدد متزايد من الموظفين.
وهناك اتجاهات عالمية باختفاء فروع البنوك التي توظف النسبة الكبرى من الموظفين.
ومن المتوقع أن تتراجع أعداد فروع البنوك بشكل ملحوظ؛ فعلى سبيل المثال أغلقت البنوك الأمريكية أكثر من 2454 فرعًا خلال العام الماضي فقط، والذي تمخض عنه تسريح آلاف الموظفين، بسبب التحول نحو الخدمات الرقمية.
وفيما يتعلق بأسباب الإغلاق، فإنها تتمثل في المحافظة على الأرباح وزيادتها عن طريق تقليل أعداد الموظفين وتقليل الفروع المُكلفة. وكذلك تفضيل العملاء للخدمات الرقمية؛ حيث إن 59% من الفئة العمرية (16- 24 سنة) يعتمدون على تطبيقات الهواتف الذكية لإدارة حساباتهم. فضلًا عن تحسُّن التطبيقات المصرفية التي تتيح إجراء معاملات معقدة كتحويل الأموال ومراقبة الحسابات لحظيًا.
تأثير التكنولوجيا المالية (FinTech)
أدت منصات الفنتيك إلى تقليل الحاجة للوساطة المالية التقليدية، مثل السماسرة، عبر ربط المستخدمين مباشرة بالخدمات. ونؤكد أن التغيير حتمي، لكن الفرص أكبر لخلق وظائف جديدة ذات رواتب عالية إذا تمَّ التخطيط الاستباقي.
أما الوظائف الجديدة التي ستظهر، فهي كما يلي:
1- وظائف التكنولوجيا المتقدمة:
- مطورو الذكاء الاصطناعي، خبراء البيانات الضخمة (Big Data)، ومهندسي إنترنت الأشياء (IoT).
- مُختصو الأمن السيبراني وحماية الخصوصية الرقمية.
2. وظائف الطاقة المتجددة:
- فنيو الطاقة الشمسية والرياح، ومهندسو كفاءة الطاقة.
3. الوظائف الصحية:
- أخصائيو الطب التخصيصي والجيني، وفنيو الروبوتات الجراحية.
- مُقدمو الرعاية الصحية عن بُعد (Telemedicine).
- وظائف التكنولوجيا الحيوية.
- مهندسو الذكاء الاصطناعي.
4- وظائف الاقتصاد الرقمي:
- مُسوقون رقميون، مُحللو سلوك المستهلك، ومُطورو منصات التعلم الإلكتروني.
- مُصممو الواقع الافتراضي (VR) والواقع المُعزَّز (AR).
5- خبراء إدارة النفايات، ومهندسو البيئة، ومُخططو المدن الذكية.
6- وظائف الرعاية والخدمات الإنسانية:
- مُدربو المهارات النفسية، ومرشدو التوازن بين العمل والحياة.
ولا شك أن اختفاء وظائف تقليدية وظهور وظائف جديدة ليس بشيء جديد؛ إذ يحصل ذلك عند ظهور أي تقدم للتكنولوجيا وظهور اختراعات جديدة. فعلى سبيل المثال، شهدت أوروبا الغربية خلال القرن الثامن عشر نهضة علمية شاملة فتنوعت الأبحاث والتجارة؛ لتشمل مختلف فروع العلم ولتؤدي إلى اختراعات واكتشافات مهمة كانت السبب المباشر في قيام الثورة الصناعية الأولى خلال القرن التاسع عشر. ونتج عن ذلك عمليات التصنيع الكيميائي الجديدة وإنتاج الحديد، وازدياد استخدام الطاقة البخارية والمائية وتطوير أدوات الآلات.
وقد كان للثورة الصناعية الأولى الأثر البالغ على الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية سواء في أوروبا أو خارجها. وبدأت الثورة الصناعية في بريطانيا وبدأت الآلة بالإحلال بدل الإنسان في عدد من المجالات. وعندما بدأ الجميع يدرك أنه لا يمكن الرجوع إلى الخلف وتخلوا عن مقاومتهم للآلة وبدأ الجميع تدريجيا يتدرب على الآلة. معظم جوانب الحياة اليومية تأثر بها بطريقة ما. وبدأ متوسط السكّان يشهد نموًا مستدامًا غير مسبوق، وتحسن مستوى المعيشة لجميع السكان في العالم الغربي.
وكما فعلت الثورة الصناعية الأولى واكتشاف الآلة البخارية والكهربائية في بريطانيا فإن الثورة التكنولوجية الحالية حقبة تاريخية جديدة سوف تؤدي إلى تغيرات واسعة في أنماط الحياة. سوف توفر فرص عمل جديدة ذات رواتب عالية وتُلغي بالمقابل فرص عمل هائلة من الوظائف التقليدية. وإذا لم نبادر وبسرعة بتحسين التعليم والتدريب بصورة جذرية، فإنَّ البطالة سوف تتفاقم بشكل غير مسبوق مثلما حصل في بريطانيا وأوروبا بعد الثورة الصناعيّة الأولى.
وكيفية إدارتنا لمواردنا البشرية والتكنولوجية تؤدي دورًا حاسمًا في تحديد قدراتنا على مواجهة التحديات القادمة والاستفادة من الوظائف الجديدة ذات الرواتب العالية. وإذا لم نتدارك الأمور وبسرعة، فإن التقدم التكنولوجي الحديث سوف يكون عبئاً ثقيلاً على كواهلنا، وبالعكس فإن التكنولوجيا سوف تنطوي على منفعة عالية لنا. ولا ريب أن كيفية إدارتنا لمواردنا البشرية والتكنولوجية تسهم بدور كبير في تحديد قدراتنا على مواجهة التطورات التكنولوجيّة الحاصلة.
إن التاريخ يأتي دائماً ليقدم قوائمه بالفائزين والخاسرين؛ ذلك أن التغييرات الاقتصادية والتكنولوجية، شأنها شأن الحروب والدورات الرياضية، لا تنطوي في العادة على منفعة لجميع الأطراف. ومن ينتفع بالتقدم هي الجماعات والأمم التي غدت قادرة على تسخير العلوم والوسائل الحديثة لمصلحتها، فيما لحق الضرر بالأمم الأخرى الأقل استعدادًا للاستجابة للمتغيرات التكنولوجية والثقافية والعلمية.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
متدربون في «لوكهيد مارتن»: تطوير المهارات في مجال التكنولوجيا والدفاع
هدى الطنيجي (أبوظبي)
أكد مشاركون ضمن برنامج التدريب الصيفي لشركة «لوكهيد مارتن»، أن البرنامج غني بالمعارف في مجالات مستقبلية، مثل أنظمة الفضاء، والذكاء الاصطناعي، والمحاكاة المتقدمة، التي تسهم في تطوير المهارات، وبناء القدرات المحلية.
وقد استقبل البرنامج في النسخة الحالية 44 متدرباً من المهندسين والعلماء وقادة المستقبل الطموحين، وتجمع هذه الدفعة بين مواطني دولة الإمارات والمقيمين فيها من قارات متعددة، حيث انضم إليها ستة متدربين من الولايات المتحدة الأميركية، وسنغافورة، والهند، وإيطاليا.
وقالت هالة مجيد، مدير مركز الابتكار والحلول الأمنية في شركة «لوكهيد مارتن»: إن برنامج التدريب القائم على الكفاءة ليس مجرد تدريب، بل هو استثمار في الطاقات البشرية، ومن خلال هذه التجارب، فإننا نتيح للطلاب المشاركين تطبيق معارفهم بشكل مباشر، مع المساهمة في تحقيق التقدم الوطني العالمي.
وتابعت: أن البرنامج سيكتشف من خلاله المتدربون مفاهيم رائدة، مثل بناء قاعدة قمرية باستخدام مركّبات الريجوليث المطبوعة بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد، وتحديثات المركبات الفضائية، وغيرها التي ستسهم في تمكين الجيل القادم من المبتكرين في الإمارات.
تجربة عملية
من جهتها، قالت فاطمة اليماحي، من معهد جورجيا للتكنولوجيا «جورجيا تيك» هندسة طيران الفضاء، المشاركة ضمن البرنامج الصيفي: «لقد حرصت على الدخول ضمن البرنامج الصيفي لشركة (لوكهيد مارتن) من أجل العيش ضمن التجارب العملية والواقعية والتعلم ضمن بيئة تشهد أنشطة وورشاً تدريبية في مجال الابتكار والتحدي، وأنا طالبة هندسة وفضاء كنت أتجه نحو الربط بين ما أقوم بتعلمه في دراستي الجامعية وبين العمل الميداني في الواقع، والتي تقدمها الشركات الرائدة، مثل مركز الابتكار والحلول الأمنية».
تطوير المهارات
بدوره، ذكر خليفة العوضي، من أبوظبي بوليتكنك - تخصص الهندسة الكهروميكانيكية، الأنظمة الذكية: «جاءت مشاركتي ضمن فعاليات البرنامج الصيفي لمركز الابتكار، من أجل توسيع مجال معرفتي وتطوير مهاراتي في مجالات المستقبل، بالتحديد في مجال التكنولوجيا والدفاع، وجودي في بيئة تقدم الخبرات الواسعة من قبل المختصين وأصحاب الكفاءة العالية مع التقنيات المعنية في هذه القطاعات تمكننا الخوض ضمن التجارب العملية بشكل كبير».
وأشار إلى أن الدورات المقدمة ضمن البرنامج الصيفي، منها تحليل البيانات والبرمجة والذكاء الاصطناعي، تركز على المهارات المطلوبة في سوق العمل المستقبلي، وتقدم لنا كمتدربين أدوات نستطيع استخدامها في الحياة العملية، وتجعلنا على أتم الاستعداد والجاهزية للتحديات التقنية.
التطبيق العملي
من جانبها، قالت أبرار الزيودي، من أبوظبي بوليتكنك، الهندسة الكهروميكانيكية - تخصص هندسة الأنظمة الذكية، إن انضمامي في هذا البرنامج يهدف لتطوير المهارات المختلفة، خاصة أن مركز الابتكار والحلول الأمنية منصة عالمية متقدمة تجمع بين الخبرة والتقنيات الحديثة، حيث كنت أرغب في العمل ضمن مجالات الذكاء الاصطناعي والأنظمة المعقدة والتعلم، ضمن فرق متخصصة لديها الخبرة العملية والعلمية في هذا المجال، ويعد البرنامج فرصة مميزة ستسهم في فتح باب للمشاركين لمستقبل مهني قوي، مع تطبيق ما تمت دراسته بشكل عملي على أرض الواقع.
وأشارت إلى أن البرنامج يتضمن ورشاً ودورات متنوعة، منها الذكاء الاصطناعي والأنظمة المدمجة والبرمجة وغيرها، والتي تتميز بأنها ليست فقط نظرية، بل عملية تتضمن تطبيقاً واقعياً، ودخولي ضمن هذه الدورات التدريبية يعد بمثابة الفرصة الاستثنائية لتعلم كيفية حل المشكلات المعقدة والتطوير من طريقة التفكير بشكل يتناسب مع متطلبات سوق العمل اليومي.
بيئة عملية
قال محمد الصريدي، من جامعة خليفة هندسة كمبيوتر: «التحقت في البرنامج بغرض الاستفادة من بيئة العمل الواقعية التي يقدمها المركز، حيث يعد أحد المراكز الرائدة والمهمة في مجال الدفاع والتكنولوجيا، والانخراط في بيئة عملية للتعلم وصقل المهارات والخبرات من قبل المهندسين المعنيين في هذا المجال يمكننا من فهم الكيفية التي تبنى من خلالها الأنظمة المعقدة خطوة بخطوة».