النسيج المصري.. هل تتخلى الدولة عن صناعة الأجداد بعد عقود من الريادة؟
تاريخ النشر: 20th, June 2025 GMT
القاهرة– تتفاوض الحكومة المصرية مع مستثمرين أجانب لإدارة وتشغيل مصانع الغزل والنسيج عقب الانتهاء من تطويرها، يأتي ذلك بعد عقود من تدهور في ما كان يعتبر أحد أهم القطاعات الصناعية في البلاد.
عانت تلك القلعة الصناعية من تراجع كبير، فقد كانت في يوم من الأيام تمثل 40% من قوة الاقتصاد المصري في ذروتها. وقبل انطلاق خطة التطوير، انخفضت هذه النسبة إلى ما بين 2.
وأعلنت وزارة قطاع الأعمال العام عن تطوير ما يقرب من 30 مصنعًا موزعة على 7 شركات تابعة، وبمساحة تطوير تصل إلى مليون متر مربع، في خطوة تثير تساؤلات عن مستقبل "صناعة الأجداد" التي تصدرتها مصر لعقود.
كما يبرز تساؤل جوهري: لماذا تتجه مصر نحو تسليم إدارة هذا القطاع الحيوي لمستثمرين أجانب بعد كل هذا التطوير؟ وهل يعكس هذا القرار تخلّيًا عن دور الدولة في قيادة هذه الصناعة، أم هو محاولة أخيرة لإنقاذ قطاع عانى طويلا؟
تدهور زراعة القطنفي غضون ذلك، شهدت زراعة القطن في مصر تراجعا تاريخيا على مدى عقود، إذ انخفضت المساحات المزروعة من أكثر من مليوني فدان خلال خمسينيات وستينيات القرن الماضي إلى أقل من 300 ألف فدان في الوقت الراهن.
وكان القطن المصري رمزا قويا للاقتصاد الزراعي، وكانت مصر من أكبر منتجي القطن على مستوى العالم، ولكنه تراجع بسبب تحديات تسويقية خطيرة أدت إلى عزوف الفلاحين وتقلص المساحة المزروعة تقلصا بالغا.
وكشف وزير قطاع الأعمال العام محمد شيمي عن أن من بين الجهات المتفاوض معها مستثمرين صينيين وأتراكا، إلى جانب كيانات أخرى تملك خبرة واسعة في مجالات التشغيل والإنتاج والتصدير بهذا القطاع.
وأرجع الوزير المصري هذا التحرك إلى أنه "يأتي في إطار خطة الدولة لاستعادة الدور المحوري لهذه الصناعة، بما يؤدي إلى تطوير وتوطين صناعة الغزل والنسيج والملابس، وكذا جذب الاستثمارات".
إعلان مشروع إحياء صناعة الغزل والنسيجوأطلقت مصر مشروعا قوميا ضخما لتطوير صناعة الغزل والنسيج عام 2023، بهدف إحيائها بعد عقود من التدهور. ووصف رئيس الوزراء مصطفى مدبولي هذا المشروع، الذي يهدف لإعادة أمجاد صناعة القطن المصري، بأنه "ملحمة عظيمة" بتكلفة تتجاوز 56 مليار جنيه (22 مليار جنيه للمنشآت و640 مليون يورو للمعدات).
يُنفذ المشروع على 3 مراحل:
المرحلة الأولى: انتهت بالفعل وبدأ تشغيل مصانع مثل "غزل 4″، "غزل 1". المرحلة الثانية: بلغت نسبة التنفيذ فيها 70%، ومن المقرر الانتهاء منها منتصف 2025. المرحلة الثالثة: تم تنفيذ 54% منها، ويُتوقع الانتهاء منها بها بحلول أبريل/نيسان 2026.ولمواجهة أزمة تسويق القطن وتراجع مساحات زراعته إلى مستويات غير مسبوقة، تعوّل مصر على انتهاء تطوير "القلعة الصناعية" للغزل والنسيج العام القادم.
فمع تشغيل المصانع المطورة بكامل طاقتها، سيصبح هناك احتياج لكل ما يُزرع من القطن المصري لاستخدامه في الصناعة، بدلا من تصديره خاما.
تطوير متعثر وتحديات معقدةأشاد أحمد عياد، رئيس الشعبة العامة للأقطان بالاتحاد العام للغرف التجارية وعضو اتحاد مصدّري الأقطان، بأي خطوات حكومية تهدف إلى إحياء صناعة الغزل والنسيج، لكنه انتقد تباطؤ عملية التطوير التي أُعلن عنها أكثر من مرة خلال العقد الأخير من دون تحقيق نتائج ملموسة.
وأوضح، في تصريح للجزيرة نت، أن مصر كانت تزرع في السابق نحو 17 مليون قنطار من القطن، بينما لا يتجاوز الإنتاج الحالي مليوني قنطار، نتيجة عزوف كثير من المستثمرين المصريين عن دخول هذا القطاع، رغم أن صناعة الملابس الجاهزة لا تزال في حال أفضل نسبيًا.
وأشار عياد إلى أن من بين أبرز أسباب هذا التراجع هو التوسع في استيراد الأقطان من الخارج بأسعار أرخص وجودة أقل، مما أثر سلبا على مكانة القطن المصري الممتاز، مضيفا أن ارتفاع تكاليف زراعة وتصنيع القطن يدفع المنتجين للبحث عن بدائل أقل تكلفة، مما يؤدي إلى تقليل الاعتماد على الإنتاج المحلي.
واعتبر عضو اتحاد مصدّري الأقطان أن البيروقراطية وضعف استغلال الكفاءات من أبرز المعوقات التي تواجه صناعة الغزل والنسيج، داعيًا إلى تفعيل دور الخبرات بعيدا عن الأداء الوظيفي الروتيني.
وفي ما يتعلق بطرح المصانع على المستثمرين الأجانب، أوضح أن هناك رغبة قوية من الشركات العالمية لتوسيع نشاطها من خلال مصر، نظرًا لما تمتلكه من موقع متميز واتفاقيات تجارية متعددة وعمالة رخيصة.
الملابس الجاهزة والغزل والنسيج: قراءة في الأرقامواستعرض مركز المعلومات التابع لمجلس الوزراء الوضع الحالي لقطاع الملابس الجاهزة في مصر، مسلطًا الضوء على أهميته البالغة وواقعه من خلال المؤشرات التالية:
مساهمة اقتصادية كبرى يُعد من أهم 5 صناعات رئيسية في الاقتصاد المصري. تبلغ مساهمته نحو 27% من الناتج الصناعي لمصر. يضيف نحو 3% من الناتج المحلي الإجمالي. حجم الشركات والعمالة يبلغ عدد الشركات نحو 6500 شركة. تضم هذه الشركات نحو 2.5 مليون عامل. نحو 352 شركة فقط تقوم بالتصدير، ما يعادل 5.4%. الصادرات سجلت الصادرات من الملابس الجاهزة 2.45 مليار دولار عام 2023. بلغت صادرات الغزل والمنسوجات 1.13 مليار دولار عام 2024.يقول رئيس المجلس الأعلى للقطن بوزارة الزراعة محمد عبد المجيد إن إنتاج مصر من القطن أصبح قليلا جدا مقارنة بالإنتاج العالمي (26 مليون طن)، ولم تعد مصر دولة منتجة للقطن بوصفه سلعة إستراتيجية.
إعلانرغم ذلك، فلا يزال القطن المصري يُصدَّر خامًا دون استغلاله كقيمة مضافة، بينما تستورده دول أخرى لخلطه بكميات كبيرة وكتابة "قطن مصري" على المنتج النهائي.
يضيف عبد المجيد، الذي عمل في مجال القطن لنحو 5 عقود، للجزيرة نت، أن الافتقار لإستراتيجية واضحة للنهوض بصناعة الغزل والنسيج، ووجود سياسات اقتصادية خطأ في ما مضى أديا إلى تراجع مكانة القطن المصري وقيمته إلى أدنى مستوى. لقد حان الوقت لاستنهاض هذه الصناعة التي كانت تُشكل عصب الاقتصاد المصري في القرن الماضي.
وأوضح عبد المجيد، المستشار السابق بوزارة الزراعة، أن صناعة الغزل والنسيج هي صناعة وطنية بالأساس تتطلب إمكانات ضخمة ودعما حكوميا وقرارا سياسيا، كما كانت الحال في عهد الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر، لأنها دائرة من حلقات متصلة. لكنه يرى أنه تم التفريط في عديد من القلاع الصناعية والتخلي عن الصناعة بشكل درامي لصالح الاستيراد والكسب السريع.
كما استعرض المراحل الحيوية للصناعة، بدءًا من حلج القطن، مرورا بإنتاج الغزل والنسيج، ثم الصباغة والتجهيز، وصولًا إلى المنتج النهائي (ملابس أو منسوجات). وأشار إلى أن القطن هو المحصول الوحيد الذي لا يمكن تخزينه بسهولة أو استهلاكه كغذاء، مما يستلزم توافر منظومة متكاملة قادرة على التعامل معه صناعيا.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات صناعة الغزل والنسیج الملابس الجاهزة الاقتصاد المصری القطن المصری فی مصر
إقرأ أيضاً:
رئيس اقتصادية قناة السويس يوقع عقد مشروع جديد مع شركة أولوسوي التركية لصناعة الغزل والخيوط
وقع وليد جمال الدين، رئيس الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، اليوم، عقد مشروع جديد لإقامة مصنع متخصص في صناعة الغزل والخيوط داخل منطقة القنطرة غرب الصناعية، وذلك مع شركة "أولوسوي للمنسوجات - ULUSOY Tekstil San. Tic. A.Ş" التركية، على مساحة تبلغ 35 ألف متر مربع، باستثمارات قدرها 18 مليون دولار أمريكي (بما يعادل نحو 902 مليون جنيه مصري)، بتمويل ذاتي بالكامل، بما يوفر نحو 855 فرصة عمل مباشرة، حيث يستهدف المشروع إنتاج مختلف أنواع الخيوط، مثل ألياف الفيبر، وخيوط السجاد، وخيوط الحياكة اليدوية، وخيوط التريكو، وخيوط الكروشيه المنزلية، بالإضافة إلى تصنيع ونسج الملابس المختلفة، مع تخصيص 80% من الإنتاج للتصدير و20% للسوق المحلي، وقد قام بتوقيع العقد محمد أولوسوي، الممثل القانوني للشركة، وذلك بحضور عدد من قيادات الهيئة وممثلي الشركة.
وفي هذا السياق، أكد وليد جمال الدين أن منطقة القنطرة غرب الصناعية تمضي بخطى ثابتة نحو تعزيز موقعها كمركز إقليمي لصناعات الغزل والنسيج والملابس الجاهزة، مدعومةً بتكامل سلاسل الإمداد، والبنية التحتية المؤهلة، والموقع الجغرافي المتميز الذي يتوسط شبكة الموانئ التابعة للهيئة، ويرتبط بمحاور لوجستية وخدمية متكاملة، وأوضح أن المشروع الجديد يُعدّ امتدادًا للنجاحات التي تحققها المنطقة في جذب الاستثمارات النوعية من مختلف الشركات العالمية التي تثق في مناخ الأعمال المستقر والحوافز التنافسية التي توفرها الهيئة، ما يعكس الجاذبية المتنامية للقنطرة غرب كوجهة مفضلة للمستثمرين في القطاعات كثيفة العمالة، والتي تستهدف التصدير وتعزيز القيمة المضافة محليًا.
وأشاروليد جمال الدين إلى أن هذا المشروع يُعدّ رقم 24 ضمن المشروعات المتعاقد عليها في منطقة القنطرة غرب الصناعية، ليصل إجمالي الاستثمارات بها إلى 661.5 مليون دولار أمريكي، بما يوفر 34، 455 فرصة عمل مباشرة، وهو ما يؤكد نجاح الاستراتيجية التي تتبناها الهيئة في دعم الصناعات التصديرية وتعميق التصنيع المحلي، وتوطين سلاسل الإمداد الخاصة بصناعات الغزل والنسيج، بدءًا من إنتاج الخامات الأولية، ومرورًا بصناعة الخيوط والمنسوجات، وصولًا إلى تصنيع الملابس الجاهزة، وهو ما يسهم في نقلة نوعية في مساهمة القطاع الصناعي في الناتج المحلي الإجمالي.
الجدير بالذكر أن شركة "أولوسوي" تأسست في تركيا عام 1986، وتمتلك منشأتين صناعيتين متكاملتين في منطقتي أضنة حاجي سابانجي الصناعية (بمساحة 180 ألف متر مربع) ومدينة عثمانية الصناعية (بمساحة 90 ألف متر مربع)، وتُعدّ من أكبر منتجي الخيوط الفاخرة في أوروبا، حيث تُنتج أكثر من 1000 طن شهريًا، وتُصدر منتجاتها إلى مختلف الأسواق العالمية.