تُعدّ مدينة حيفا من أهم المراكز الحيوية في إسرائيل، إذ تجمع بين الأهمية الاقتصادية والعسكرية، فهي تضم أكبر ميناء في البلاد، إلى جانب احتوائها على منشآت صناعية وبتروكيماوية كبرى. اعلان

في قلب التصعيد المتواصل بين إسرائيل وإيران، تتكرر الاستهدافات الإيرانية لمدينة حيفا، المدينة الساحلية، لتكشف عن مركز ثقل حيوي في البنية الاقتصادية والعسكرية الإسرائيلية.

لم تأتِ ضربات طهران نحو حيفا عبثًا، بل تعكس فهمًا دقيقًا لموقعها الحساس في المنظومة الأمنية والاقتصادية للدولة العبرية ، خصوصًا في ظل التهديدات المتزايدة من أطراف إقليمية متعددة، بينها جماعة "أنصار الله" في اليمن.

بوابة اقتصادية محورية

يشكّل ميناء حيفا أحد أكبر موانئ شرق البحر الأبيض المتوسط، ومحورًا رئيسيًا في النشاط التجاري الإسرائيلي. يمر عبره الجزء الأكبر من الواردات والصادرات، إذ يرتبط بشبكات نقل متقدمة من سكك حديد وطرق سريعة تصل الميناء بمراكز الاستهلاك والإنتاج داخل إسرائيل، مما يجعله شريانًا اقتصاديًا لا غنى عنه. كما أن خصخصة الميناء في عام 2023 لصالح مجموعة هندية-إسرائيلية بقيمة 1.15 مليار دولار، تُبرز اهتمام الدولة العبرية بتحويله إلى منصة عالمية في التجارة والملاحة.

تظهر سفينة شحن راسية في محطة حاويات في ميناء حيفا، إسرائيل، الخميس 15 أغسطس/آب 2024. AP Photoميناء مزدوج الوظيفة: مدني وعسكري

لا تقتصر أهمية حيفا على الجانب الاقتصادي فحسب، بل تمتد إلى الأبعاد العسكرية والأمنية. فالميناء يحتضن قواعد بحرية تُستخدم كمقرات للأسطول البحري الإسرائيلي، بما في ذلك الغواصات والبوارج الحربية. ويُعدّ موقعه الطبيعي المحمي تحت جبل الكرمل ميزة إستراتيجية تقلّل من تأثير الأحوال الجوية وتوفّر غطاءً طبيعياً من الرصد والاستهداف.

وتقع بالقرب من الميناء قاعدة "ستيلا ماريس"، وهي نقطة مراقبة بحرية استراتيجية تتيح لإسرائيل مراقبة النشاط البحري في شرق المتوسط، كما تشكّل جزءًا من منظومة الرصد المبكر.

Relatedأردوغان يتعهد بتعزيز إنتاج الصواريخ في تركيا مع تصاعد الحرب بين إسرائيل وإيرانغروسي: أضرار كبيرة في منشآت نطنز وأصفهان.. وتحذير من استهداف بوشهرحرب إسرائيل وإيران في يومها التاسع.. هجمات متبادلة وتل أبيب تتوقع أياماً صعبةالصناعات البتروكيماوية والطاقة

تُعرف منطقة خليج حيفا بتركيزها الكثيف للصناعات البتروكيماوية الثقيلة، إذ تضم مجمعات لتكرير النفط الخام ومصانع لإنتاج المواد الكيميائية والبلاستيك والأسمدة. ويُعدّ هذا التركيز الصناعي جزءًا من أمن الطاقة الإسرائيلي، وركيزة رئيسية في تصدير المنتجات البترولية إلى الخارج. لكن هذا التمركز يجعل المدينة عرضة لمخاطر بيئية وأمنية في حال استهداف تلك المنشآت، كما أنه يزيد من فداحة أي هجوم ناجح على المنطقة.

محور الصناعات الدفاعية والتقنية

إلى جانب الاقتصاد والطاقة، تُعد حيفا مركزًا متقدمًا للصناعات العسكرية والتكنولوجية. وتحتضن مقرات وشركات كبرى مثل:

- شركة رافائيل للأنظمة الدفاعية المتقدمة، المسؤولة عن تطوير أنظمة صاروخية ودفاعية، مثل أجزاء من منظومة "القبة الحديدية" وأنظمة توجيه متقدمة.

- إلبيت سيستمز، التي تمتلك أقسامًا ومرافق إنتاج في حيفا، وهي من رواد الصناعات الدفاعية في مجال الطائرات بدون طيار، والأنظمة الجوية، والحرب الإلكترونية.

- شركة الصناعات البحرية الإسرائيلية، ومقرها في الميناء، تعمل على إنتاج وصيانة السفن الحربية، ما يعزز من البعد البحري العسكري لحيفا.

موقع إستراتيجي على خطوط التنافس الدولي

حيفا ليست فقط مركزًا إسرائيليًا داخليًا، بل أصبحت جزءًا من مشاريع تجارية وجيوسياسية عالمية، منها "ممر الهند – الشرق الأوسط – أوروبا"، الذي يُنظر إليه كمنافس لمبادرة الحزام والطريق الصينية. فموقعها الجغرافي عند تقاطع طرق التجارة بين آسيا وأوروبا، يضفي عليها أهمية دولية متزايدة في منظومة النقل البحري والطاقة العالمية.

انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة

المصدر: euronews

كلمات دلالية: النزاع الإيراني الإسرائيلي إسرائيل إيران البرنامج الايراني النووي الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الحرس الثوري الإيراني النزاع الإيراني الإسرائيلي إسرائيل إيران البرنامج الايراني النووي الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الحرس الثوري الإيراني إيران إسرائيل اليمن النزاع الإيراني الإسرائيلي حيفا النزاع الإيراني الإسرائيلي إسرائيل إيران البرنامج الايراني النووي الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الحرس الثوري الإيراني صواريخ باليستية بريطانيا سوريا قطاع غزة غزة

إقرأ أيضاً:

نووي إسرائيل.. ماذا نعرف عن الترسانة "الغامضة" للدولة العبرية؟

في ظل التصعيد بين إسرائيل وإيران، عاد الجدل حول الترسانة النووية الإسرائيلية التي تُقدَّر بنحو 90 رأسًا نوويًا رغم عدم الاعتراف الرسمي بامتلاكها. اعلان

عاد النقاش الدولي ليتناول ملفاً ظل لسنوات محاطًا بالضبابية: الترسانة النووية الإسرائيلية. فبينما تهاجم الدولة العبرية منشآت إيرانية بدعوى منع طهران من امتلاك قنبلة نووية، تبقى قدراتها في هذا المجال طيّ الكتمان الرسمي، وإن كانت تحظى باعتراف واسع بين الخبراء ووكالات الاستخبارات.

غموض مدروس

إسرائيل لا تعلن امتلاكها للأسلحة النووية، ولا تنفي الأمر. هذه السياسة المتمثلة بـ"الغموض النووي" وُصفت سابقًا بأنها استراتيجية لردع الأعداء دون إشعال سباق تسلح إقليمي. لكن بعض الخبراء، كجيفري لويس من معهد ميدلبوري، يعتبرون أن هذا الغموض بات "إنكارًا لا يُصدّق"، بحسب تصريح له لشبكة NBC الأميركية.

تقديرات عدد الرؤوس النووية

رغم غياب الاعتراف الرسمي، تُجمع تقديرات منظمات متخصصة مثل "اتحاد العلماء الأميركيين" و"معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام" (SIPRI) على أن إسرائيل تمتلك نحو 90 رأسًا نوويًا. ويُعتقد أن هذه الترسانة قابلة للنقل عبر صواريخ باليستية، طائرات مقاتلة، وربما غواصات قادرة على حمل رؤوس نووية. ويُعد مفاعل ديمونا في صحراء النقب حجر الأساس لهذا البرنامج.

Relatedحرب الأرقام الثقيلة بين إيران وإسرائيل: حين تفوق كلفة الدفاع ثمن الهجومبين الجاهزية والعواقب.. هل ينخرط حزب الله في الحرب بين إيران وإسرائيل؟ مهلة الأسبوعين والحرب الإسرائيلية الإيرانية.. هل يمكن الوثوق بترامب؟ خارج معاهدة حظر الانتشار

على عكس إيران، لم تنضمّ إسرائيل لقائمة الدول الموقعة على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، ما يعفيها من الالتزامات الرقابية المفروضة على الدول الأطراف في تلك الاتفاقية. وللانضمام رسميًا إلى المعاهدة، يتوجب على أي دولة إعلان امتلاكها للسلاح النووي قبل عام 1967، وهو ما لا ينطبق على إسرائيل، وبالتالي ستكون مجبرة على تفكيك ترسانتها، وهو طبعا ليس في حسابات الساسة الإسرائيليين على اختلاف اتجاهاتهم لما يعتبرونه.

تسريبات فعنونو

في ثمانينيات القرن الماضي، هزّ مردخاي فعنونو، الفني السابق في مفاعل ديمونا، المؤسسة الإسرائيلية بكشفه معلومات وصورًا سرية لصحيفة "صنداي تايمز" البريطانية، مؤكّدًا امتلاك بلاده برنامجًا نوويًا متكاملًا. وقد أدين بتهمة الخيانة وقضى 18 عامًا في السجن، معظمها في عزلة انفرادية. وفي مقابلة مع قناة "BBC" عام 2004، قال فعنونو: "لم أخن، بل أنقذت إسرائيل من محرقة جديدة".

وقف جنود إسرائيليون ساكنين بينما دوّت صفارات الإنذار جنوب إسرائيل، يوم الخميس، 1 مايو/أيار 2008، إحياءً لذكرى الهولوكوست السنوية. AP Photoعائق أمام شرق أوسط خالٍ من السلاح النووي

يرى "مركز ضبط التسلح ومنع الانتشار" أن استمرار إسرائيل في تبني سياسة الغموض يمثل عقبة أمام إقامة منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط، وهي مبادرة تم إقرارها في مؤتمر مراجعة معاهدة NPT عام 1995، لكنها لم ترَ النور بسبب غياب الشفافية، بحسب المركز.

هجوم ضد إيران: سلاح ذو حدين؟

يرجّح مراقبون أن تؤدي الضربات الإسرائيلية إلى نتيجة معاكسة لما تُعلنه تل أبيب، إذ قد تدفع طهران إلى تسريع وتيرة برنامجها النووي، بدافع الردع وليس التصعيد. ويقول جون إيراث، مدير السياسات في مركز ضبط التسلّح: "بدلًا من كبح طموح إيران النووي، قد تعزز هذه الهجمات شعورها بالحاجة إلى امتلاك سلاح نووي، ما يفتح الباب على مسار بالغ الخطورة".

انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة

مقالات مشابهة

  • نووي إسرائيل.. ماذا نعرف عن الترسانة "الغامضة" للدولة العبرية؟
  • عاجل. مصابون في سقوط صاروخ إيراني على بئر السبع بإسرائيل وطهران تتحدّث عن ضرب مركز غاف يام نيغيف التكنولوج
  • واشنطن بوست تفجر المفاجأة: مخزون صواريخ إسرائيل الدفاعية سينتهي خلال هذه المدة
  • صواريخ إيران تخترق سماء إسرائيل.. ودوي انفجارات في حيفا
  • في ظل سعيها لتدمير قدرات إيران.. ماذا نعرف عن برنامج إسرائيل النووي؟
  • إسرائيل تهاجم مفاعل أراك للماء الثقيل في إيران.. ماذا نعرف عن المنشأة؟
  • تحول تاريخي في مسار الصناعات الدفاعية التركية
  • القنبلة الخارقة للتحصينات.. ماذا نعرف عن سلاح تطلبه إسرائيل من أمريكا لضرب جوهر برنامج إيران النووي؟
  • استُخدمت لأول مرة ضد إسرائيل.. ماذا نعرف عن صواريخ "سجيل"؟