لم يقتصر الدعم الأمريكي للكيان المحتل خلال الحرب الحالية على المال والسلاح والحشد السياسي الدولي، بل تعداه إلى انخراط الولايات المتحدة المباشر في الصراعات في المنطقة منذ الساعات الأولى لاندلاعها، وصولا إلى حرب الإبادة في غزة، وحتى يومنا هذا. لم تتخذ الولايات المتحدة موقفا محايدا بين طرفي الصراع، ولو حتى على المستوى اللفظي، فمن يسعى إلى تحقيق السلام بين المتنازعين، لا يمكن أن يسلح طرفا ويسعى إلى تجريد الطرف الآخر من أبسط وسائل القوة التي تمكنه من الدفاع عن نفسه، الأمر الذي يؤكد أن أمريكا تمارس خداعا وتضليلا سياسيا بات مكشوفا للعالم بأسره.



إن ما استدعى هذه المقدمة هو إعلان دونالد ترامب، فجر الأحد، عن تنفيذ الولايات المتحدة ضربات جوية ناجحة على ثلاث منشآت نووية في إيران، واصفا ذلك بأنه رد عسكري رائع يهدف إلى تدمير قدرة طهران على تخصيب اليورانيوم. ووفقا لتصريحاته، فإن المنشآت المستهدفة هي فوردو ونطنز وأصفهان، التي تُعد من الركائز الأساسية للبنية النووية الإيرانية.

يأتي هذا التطور في ظل توترات حادة تشهدها المنطقة، وسط تلميحات أمريكية "إسرائيلية" إلى ضرورة الحسم العسكري تجاه ما تعتبره واشنطن وتل أبيب تهديدا نوويا إيرانيا.

لم يقتصر إعلان ترامب على تأكيد الضربات، بل تضمّن تهديدا مبطنا بشن عمليات عسكرية أشد إذا لم تسعَ إيران إلى السلام.

في المقابل، أكدت وسائل إعلام إيرانية تعرض المنشآت للقصف، مع الإشارة إلى أنها كانت "مفرغة" وخالية من المواد المشعة، وبينما تتوالى التصريحات، يقف العالم على أعتاب مواجهة إقليمية قد تتسع لتشمل نطاقات أوسع مما يتوقعه أحد.

الضربات الجوية التي استهدفت منشآت فوردو ونطنز وأصفهان لا تُعد مجرد رد فعل عسكري عابر، بل تشكل في جوهرها إعلانا صريحا عن تحول واشنطن من ممارسة الضغوط السياسية والاقتصادية على إيران إلى تبني الخيار العسكري المباشر.

وقد صرح ترامب عن نجاح العملية بشكل كامل، وأشار إلى استخدام قنابل خارقة للتحصينات تزن 30 ألف رطل، وهو ما يمثل سابقة خطيرة تنذر بتغيير قواعد الاشتباك في المنطقة.

وتزامن هذا الإعلان مع تسريبات من شبكتي "فوكس نيوز" و"نيويورك تايمز" تؤكد إطلاع مسؤولين في الكونغرس على العملية مسبقا، مما يدل على أن القرار كان مدروسا ومخططا له بعناية، وربما بموافقة "إسرائيلية" ضمنية أو حتى بشراكة استخباراتية.

إن تصريح ترامب بأن "إسرائيل" اليوم أكثر أمانا ليس مجرد رأي شخصي، بل هو اعتراف ضمني بالتنسيق "الإسرائيلي" الأمريكي في هذا الاعتداء، خاصة أن المواقع المستهدفة تُعد جوهر المشروع النووي الإيراني الذي تعتبره تل أبيب تهديدا وجوديا لها منذ سنوات، في حين التزمت القيادة الإيرانية صمتا حذرا وتجنبت إصدار تصريحات رسمية غاضبة على النحو المعهود، فاكتفت وسائل الإعلام الإيرانية بالتأكيد على أن المواقع المستهدفة خالية من المواد المشعة وأن الإخلاء قد تم سابقا، في محاولة واضحة لامتصاص الصدمة وطمأنة الرأي العام، لكن هذا الصمت لا يعني بالضرورة قبولا بالأمر الواقع، بل قد يشير إلى نية إيران الرد بطريقة مدروسة أو عبر أذرعها الإقليمية مثل حزب الله أو الحشد الشعبي في العراق، أو الحوثيين في اليمن.

وفي حال حدوث رد إيراني، فمن الممكن أن نشهد موجة جديدة من التصعيد، قد تشمل قصف قواعد أمريكية في الخليج، أو هجمات على مصالح "إسرائيلية"، مما يفتح الباب أمام سيناريوهات حرب إقليمية شاملة، خاصة مع تزايد الاحتكاك العسكري في البحر الأحمر والعراق وسوريا.

الضربة الأمريكية، وإن كانت ناجحة عسكريا وفقا للرواية الأمريكية، إلا أنها تُمثل مقامرة استراتيجية غير محسوبة العواقب، فإيران لديها القدرة على الرد وإن كان ردا غير متماثل، وأي رد قوي سيضع الولايات المتحدة في موقف حرج، وقد يدفعها إلى دوامة لا نهاية لها من التصعيد.

ما جرى لا يمكن فصله عن المشهد الأوسع في الشرق الأوسط، "إسرائيل" تواجه مأزقا وجوديا في غزة، والولايات المتحدة تواجه تراجعا في نفوذها، وإيران تسعى إلى توسيع مجالها الاستراتيجي في العراق ولبنان وسوريا.

في هذا السياق، يتضح أن العدوان الأخير لم يكن مجرد ضربة، بل محاولة لإعادة صياغة قواعد اللعبة بالقوة، وإرسال رسالة مفادها أن البرنامج النووي الإيراني أصبح هدفا مشروعا، بالإضافة إلى ذلك، فإن هزيمة طهران أمام ما تراه غطرسة "إسرائيلية" قد يتبعه توسع "إسرائيلي" في المنطقة، وربما يمتد ليشمل دولا مجاورة كمصر والأردن، لكن المراهنة على صناعة السلام بالقصف تضع الإدارة الأمريكية، سواء الحالية أو القادمة، في مواجهة مع الحقائق التاريخية.

فالقصف لم ينهِ البرنامج النووي العراقي في التسعينيات، ولم يُسقط النظام السوري، ومن غير المرجح أن يؤدي إلى إخضاع إيران، بل على العكس، قد يزيد الهجوم من دعم الشعب الإيراني لبرنامجه النووي باعتباره مشروعا سياديا، ويشجع المتشددين على الرد عسكريا، بالإضافة إلى ذلك، يمثل العدوان الأمريكي ضربة قاصمة للشرعية الدولية، إذ لم يتم الرجوع إلى مجلس الأمن، ولم يُقدَّم أي دليل يثبت أن المنشآت المستهدفة تشكل خطرا وشيكا، وهذا يثير الذكريات بغزو العراق عام 2003، الذي استند أيضا إلى معلومات استخباراتية مضللة حول أسلحة دمار شامل لم يتم العثور عليها لاحقا.

في ظل غياب موقف أوروبي أو أممي حازم، فإن الرسالة للعالم واضحة، القوة هي القانون، ومن لا يملكها عليه تحمل القصف، حتى لو كانت منشآته النووية تخضع لرقابة وكالة الطاقة الذرية.

تعد الضربات التي أعلن عنها ترامب ضد المنشآت النووية الإيرانية أخطر تصعيد منذ سنوات، وقد تؤدي إلى انزلاق الأوضاع نحو حرب واسعة النطاق في الخليج والشرق الأوسط.

هذا العدوان ليس مجرد عمل عسكري، بل هو إعلان سياسي بأن الولايات المتحدة، بالشراكة مع "إسرائيل"، قد اختارت طريق القوة والنار بدلا من الحوار.

فهل سيتم احتواء الموقف، أم أن العد التنازلي لحرب إقليمية قد بدأ؟

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء الحرب ترامب إيران النووية إسرائيلية إيران إسرائيل النووي حرب ترامب قضايا وآراء مدونات مدونات مدونات قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة تكنولوجيا سياسة سياسة رياضة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة

إقرأ أيضاً:

ترامب: الولايات المتحدة تريد مساعدة الصين لا إيذاءها

قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الأحد، إن الولايات المتحدة تريد مساعدة الصين، لا إيذاءها.

ترامب يغادر واشنطن لزيارة إسرائيل وحضور قمة شرم الشيخ زيلينسكي يطلب من ترامب تعزيز الدفاعات الجوية الأوكرانية

جاء ذلك في تدوينة لترامب على منصة "تروث سوشيال" الأمريكية.

 

وأكد ترامب، أنه "لا داعي للقلق بشأن الصين، وأن كل شيء سيكون على ما يرام".

 

وأضاف: "مرّ الرئيس الصيني شي جين بينغ، بفترة عصيبة. إنه لا يريد أن تقع بلاده في كساد، وأنا أيضا لا أريد ذلك".

 

ترامب أردف: "الولايات المتحدة تريد مساعدة الصين، لا إيذاءها".

 

والخميس، أعلنت وزارة التجارة الصينية عن فرض قيود جديدة على صادرات العناصر الأرضية (المعادن) النادرة، أو نقل معدات أو معلومات تتعلق بإنتاجها أو معالجتها وذلك لـ"دواع تتعلق بالأمن القومي".

 

وتنص القيود الجديدة على حصول المصدرين للمعادن النادرة على ترخيص تصدير من الوزارة.

 

والجمعة، أعلن ترامب، أن الولايات المتحدة ستفرض رسوما جمركية إضافية بنسبة 100 بالمئة على الصين، بالإضافة إلى الرسوم الحالية (30%)، اعتبارا من 1 نوفمبر المقبل، كما ستطبق ضوابط تصدير على جميع البرمجيات الحساسة.

 

وقال ترامب، إن الصين أرسلت رسالة "عدائية للغاية"، تشير إلى أنها ستفرض اعتبارا من الأول من نوفمبر، ضوابط تصدير واسعة النطاق على جميع المنتجات التي تُنتجها تقريبا، بل وحتى على بعض المنتجات التي لا تُصنع لديها، واصفا هذا الموقف بأنه "عدواني جدا" في مجال التجارة.

 

استعدادات لاحتمال تبكير موعد الإفراج عن الأسرى

 

كثّفت إسرائيل خلال الساعات الماضية استعداداتها لتنفيذ صفقة تبادل الأسرى مع حركة حماس، وسط مؤشرات على احتمال تبكير موعد الإفراج عن الأسرى، بعد صدور أوامر عاجلة بتحريك الوحدات الخاصة ونقل عدد من المعتقلين إلى مراكز الإفراج.

 

وذكرت هيئة البث الإسرائيلية أن الجيش وضع وحدات خاصة في حالة تأهب داخل قطاع غزة تحسبا لإطلاق الأسرى الإسرائيليين في أي لحظة، بعد ورود تقديرات أمنية بإمكانية تسريع تنفيذ المرحلة الأولى من الاتفاق قبل يوم غد الاثنين.

 

وفي موازاة ذلك، كشفت صحيفة يديعوت أحرونوت أن إدارة السجون الإسرائيلية تلقت أوامر مباشرة بالبدء في إجراءات الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين، موضحة أن السلطات باشرت نقل المعتقلين من خمسة سجون إلى مرافق خاصة استعدادا لبدء التنفيذ.

 

وينص الاتفاق على الإفراج عن 250 أسيرا محكوما بالمؤبد، إضافة إلى 1700 أسير من قطاع غزة اعتقلوا بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.

 

وقالت مصادر حقوقية إن سلطات الاحتلال جمعت عددا من الأسرى المقرر الإفراج عنهم في سجن النقب وسجن عوفر، تمهيدا للإفراج عنهم خلال الساعات المقبلة.

 

وأقدمت قوات الاحتلال على الاعتداء على الأسرى ومعاملتهم معاملة مهينة أثناء تجميعهم في سجن النقب، إذ ظهروا مقيدين ومعصوبي الأعين وأجبروا على خفض رؤوسهم، بينما يحيط بهم عناصر من قوات الاحتلال، وفق ما وثقته لقطات فيديو.

 

ووصف مكتب إعلام الأسرى المشاهد بأنها “توثيق جديد لسياسة الإذلال الممنهج”، مشيرا إلى أن ما جرى يثير القلق بشأن التزام إسرائيل بالمعايير الإنسانية خلال تنفيذ الصفقة.

مقالات مشابهة

  • الولايات المتحدة تبدأ فرض رسوم جمركية على واردات الأخشاب والأثاث
  • ارتفاع النفط مع تهدئة التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين
  • ترامب من شرم الشيخ: اتفاق غزة بدأ بضرب المنشآت الإيرانية
  • ترامب: الولايات المتحدة مع الرئيس المصري حتى النهاية
  • ترامب: تدمير قدرات إيران النووية إنجاز كبير في الشرق الأوسط
  • ترامب: تدمير قدرات إيران النووية إنجاز كبير.. دمرنا أخطر الأسلحة بالعالم
  • ترامب: الولايات المتحدة قامت بتدمير القوة النووية الإرهابية
  • النفط يستعيد بعض مكاسبه بعد خسارته بفعل التوترات بين الولايات المتحدة والصين
  • ترامب: الولايات المتحدة تريد مساعدة الصين لا إيذاءها
  • ”الرقابة النووية“ تفعل نظام التفتيش المتقدم لضبط مخالفات الأنشطة الإشعاعية