هل تواصل كندا دعم أوكرانيا رغم أزماتها الاقتصادية؟
تاريخ النشر: 24th, June 2025 GMT
ألبرتا- ترتفع أصوات المواطنين في كندا المنتقدة لاستمرار حكومتهم في تقديم الدعم المالي والعسكري لأوكرانيا، معبرين عن قلقهم المتزايد إزاء أولويات الإنفاق الحكومي التي تأتي على حساب الاحتياجات الداخلية الملحة.
ويأتي ذلك في ظل أزمات اقتصادية ومالية متفاقمة هي الأشد وطأة في تاريخ البلد، فضلا عن تزايد الضغوط على دخل الأسر والعاملين، وتراجع قدرة الحكومة على معالجة المشكلات الداخلية.
وأعلن رئيس الوزراء مارك كارني عقب اختتام قمة دول مجموعة السبع، عن حزمة دعم جديدة لأوكرانيا بقيمة إجمالية 4.3 مليارات دولار كندي (2 مليار للتزود بأسلحة مثل الطائرات من دون طيار، والذخائر، والمركبات المدرعة) وقرض بقيمة (2.3 مليار دولار كندي لإعادة بناء البنية التحتية)، وتوفير 57.4 مليون دولار كندي لدعم الأمن.
قدمت كندا في عهد حكومة جاستن ترودو السابقة، منذ بدء الحرب أكثر من 12.4 مليار دولار كندي (حوالي 9.2 مليارات دولار أميركي) مساعدات مالية مباشرة لأوكرانيا، والتزمت بتقديم 45 مليار دولار كندي كمساعدات عسكرية حتى عام 2029، ليصل إجمالي الدعم مع إعلان كارني إلى ما يقرب من 24 مليار دولار كندي (17.8 مليار دولار أميركي).
يرى مستشار الأمن المالي مدين سلمان، أن كندا يجب أن توازن بين ما تراه واجبا أخلاقيا وإنسانيا في دعم أوكرانيا لتحرير أراضيها المحتلة من قبل روسيا، وبين دعم شعبها الذي يعيش ظروفًا اقتصادية صعبة وغير مسبوقة تمر بها البلاد.
ويضيف سلمان، في حديثه لـ"الجزيرة نت"، أن التباطؤ الاقتصادي، والتعريفات الجمركية الأميركية، وارتفاع معدلات البطالة، يجب أن تدفع الحكومة الكندية إلى إصلاح الوضع الداخلي قبل الالتفات إلى مشكلات الدول الأخرى، خاصة أن الحرب الروسية الأوكرانية باتت تدور في حلقة مفرغة وفق ما يظهر، على حد قوله.
الأولوية للأزمات الداخليةوشدد سلمان على ضرورة توجيه الدعم الحكومي حاليا نحو معالجة الأزمات الداخلية التي تؤثر مباشرة في حياة المواطن، لا سيما في قطاعي السكن والصحة، مع التركيز على الاستثمار في مشاريع البنية التحتية، التي أصبحت ضرورية لتعويض انهيار الشراكة الاقتصادية مع الجارة أميركا.
من جانبه، أيد الخبير المالي أحمد جاد الله ما ذهب إليه سلمان، في أن الأولوية كان يجب أن تُعطى لتعهدات مارك كارني "الوردية" التي قدمها للكنديين، بتخصيص هذه الموارد لإصلاح البنية التحتية الكندية، ودعم برامج تعزيز الصادرات والابتكار والترويج التجاري للمنتجات والصناعات الكندية، إضافة إلى تحسين الخدمات الطبية التي تعاني أصلاً من نقص حاد في الموارد.
إعلانوعن تأثيرات القرار على الميزانية، حذر جاد الله من تداعياته على الميزانية، التي ستجعل الحديث عن سد عجز الميزانية حلما صعب المنال، مشيرا إلى أن هذا الدعم سيؤثر سلبا على التضخم وسعر الدولار الكندي في أسواق الصرف، كما سيؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات الأساسية، مثل الغذاء والطاقة، مما سيقلل من القوة الشرائية للمواطنين ويزيد من صعوبة الحياة.
ويضيف جاد الله، في تعليق لـ"الجزيرة نت"، أن ذلك سينعكس أيضا على زيادة الدَّين العام، حيث يُمول جزء كبير من الدعم عن طريق الاقتراض، مشيرا إلى أن هذا سيرفع الدَّين العام على المدى الطويل، ويزيد من تكلفة خدمته، مما سيرهق ميزانية الدولة ويعرقل أي جهود أو خطط لإصلاح الوضع الاقتصادي والمالي الحالي.
وعن تحقيق التوازن في الصرف، يقول جاد الله إنه يتطلب نهجا اقتصاديا مدروسا بدقة، من خلال اعتبار رفاهية المواطن الكندي وجودة الخدمات المقدمة إليه أولوية وطنية لا تحمل المساومة.
وذلك من خلال إعطاء الأسبقية لتوفير وتحسين الاحتياجات الأساسية للمواطنين، مثل الصحة والتعليم، وتخفيض تكلفة السكن وتوفير إسكانات مدعومة من الحكومة بأسعار معقولة لذوي الدخل المحدود والمتوسط، والحد من غلاء أسعار المواد التموينية، ودعم قيمة العملة المحلية.
وتعاني كندا من تحديات اقتصادية تتجلى في ارتفاع تكاليف المعيشة، وتزايد معدلات البطالة وانخفاض فرص العمل، وارتفاع أسعار المنازل، فضلاً عن زيادة إيجارات السكن، مما أدى إلى شعور المواطنين بالإحباط جراء عجز الحكومات عن إيجاد حلول جذرية لهذه الأزمات، التي أثقلت كاهلهم بشكل مباشر، وتسببت في عدم استقرار حياتهم.
كندا لم تتأثرمن جهته، قدم الخبير الاقتصادي الدكتور زياد الغزالي، رؤية مختلفة عن سابقيه، قائلاً إن تمويل الالتزامات الخارجية لم يأتِ على حساب الخدمات الأساسية للمواطن الكندي، مشيرا إلى أن الحكومة حافظت على تمويل الرعاية الصحية والتعليم والبنية التحتية والإسكان، رغم الزيادة الكبيرة في عدد السكان بين أعوام 2021 و2024.
وأوضح الغزالي، في حديثه للجزيرة نت، أن المساعدات المالية التي قدمتها الحكومة الكندية لأوكرانيا استُردت عندما ارتفعت أسعار النفط والغاز خلال عامي 2022 و2023 نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية، مما انعكس إيجابيا على إيرادات الدول المصدرة للنفط والغاز، إلى جانب سياسات الاقتراض وإعادة التوجيه.
دافع إنساني وحقوقيوعن دوافع تقديم الدعم لأوكرانيا، أكد الغزالي أن كندا ترى نفسها جزءا من الدول التي تدافع عن حقوق الإنسان وسيادة القانون والديمقراطية، وتسعى للحفاظ على مكانتها الدولية كعضو في مجموعة السبع وحلف الناتو.
وأشار إلى أن هذا الدعم يهدف إلى ردع التوسع الروسي باتجاه أوروبا الشرقية، لافتاً إلى أن كندا تضم واحدة من أكبر الجاليات الأوكرانية في العالم، بما يقارب 1.4 مليون مواطن كندي من أصول أوكرانية.
كما أوصى الغزالي بأن تكون المساعدات المستقبلية، التي لا تُعد إنسانية، على شكل قروض قابلة للاسترداد أو من خلال مساهمات متعددة الأطراف، مثل إنشاء صندوق مشترك مع مجموعة السبع. كما دعا إلى زيادة كفاءة الإنفاق الداخلي وتحفيز النمو الاقتصادي لتحقيق التوازن بين الالتزامات الداخلية والخارجية.
إعلانفي المحصلة، استعادة ثقة المواطنين، يتطلب من الحكومة تحقيق توازن بين الالتزامات الخارجية والداخلية، وذلك من خلال عاملين، أولهما العمل مع الشركاء الدوليين لتوزيع العبء المالي وضمان تحقيق الالتزامات بأقل تكلفة.
وثانيا إجراء إصلاحات داخلية وتعزيز برامج الدعم الاجتماعية، وإعطاء الأولوية لمعالجة أزمة السكن والتضخم والبطالة وإصلاح وتطوير القطاع الصحي، لضمان حياة كريمة للكنديين تتناسب مع مقدرات بلادهم ومكانتها العالمية، دون تخلي كندا عن دورها الدولي الحيوي.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات ملیار دولار کندی جاد الله من خلال إلى أن
إقرأ أيضاً:
تقرير عبري: احتلال غزة سيكلّف إسرائيل 52 مليار دولار سنويا
حذّر مسؤولون في وزارة المالية الـ"إسرائيلية" من أن خطة الحكومة لاحتلال قطاع غزة قد تُثقل الخزينة بتكاليف سنوية تصل الى 180 مليار شيكل (52.6 مليار دولار أمريكي).
وبحسب مسؤول في الوزارة فإن التكلفة المتوقعة لاحتلال القطاع تتراوح بين 120 و180 مليار شيكل، وهو ما قد يرفع العجز المالي إلى نحو 7% هذا العام وزيادة بنسبة 2% في العجز.
وحذّر المسؤول من أن يؤدي هذا إلى خفض جديد في التصنيف الائتماني لـ"إسرائيل" إلى مستويات مماثلة لدول مثل بيرو وكازاخستان، مشددًا على أن استمرار النهج الحالي يكشف عن "غياب الجدية لدى الحكومة في إدارة الاقتصاد أثناء أزمة أمنية".
احتلال غزة سيفاق العبء الضريبي على الـ"إسرائيليين"
ويعني ذلك بالنسبة للـ"إسرائليين" زيادة كبيرة في العبء الضريبي ، وتخفيضات في الخدمات الأساسية كالصحة والرعاية الاجتماعية والتعليم، وزيادة العبء على جنود الاحتياط وعائلاتهم.
ووفقًا لما أورده موقع يديعوت أحرونوت العبري ، فإن تقديرات الوزارة تشير إلى أن النفقات اليومية للعمليات العسكرية ، بما في ذلك تعبئة مئات الآلاف من جنود الاحتياط، تصل إلى نحو 350 مليون شيكل، أي ما يعادل 10 إلى 11 مليار شيكل شهريًا، استندا لحساب التكلفة الشهرية لجندي الاحتياط وهي 30 ألف شيكل , دون الأخذ في الاعتبار التكلفة الإضافية لتمديد خدمة الجنود النظاميين.
ولا تزال هذه الحسابات مبنية على تقديرات أولية ، بحسب تقرير للقناة 12 العبرية , إذ لا يوجد حتى الآن تفصيل كامل للخطة العملياتية , حيث استند تقدير التكلفة إلى عملية ما يسمى "عربات جدعون"، التي كلّفت إسرائيل 25 مليار شيكل.
ومن المتوقع أن يتطلب التقدم نحو حكومة عسكرية في قطاع غزة ، هو التوجه الذي يسعى إليه وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، والذي سيكلف إسرائيل مبالغ سنوية ثابتة تبلغ حوالي 20 مليار شيكل، وفقًا لحسابات داخلية أجرتها مؤسسة الجيش الإسرائيلي.
كالكاليست: احتلال غزة سيكون المقامرة الأعلى تكلفة لإسرائيل
ووسط تجاهل للتبعات الاقتصادية , لم تُطرح خطة احتلال غزة للنقاش المالي في الكنيست أو الحكومة حتى الآن , فيما يخشى مسؤولون في حكومة نتنياهو أن تستهل (إسرائيل) عام 2026 بلا موازنة معتمدة ، الأمر الذي قد يضر بالاستثمارات والنمو الاقتصادي ، خاصة مع التراجع المتوقع في إيرادات الضرائب نتيجة الأضرار التي ستلحق بالشركات والقطاعات التجارية.
ويأتي ذلك فيما تستعد الحكومة لتحويل 42 مليار شيكل إضافية إلى ميزانية "الدفاع" ، ما يزيد الضغط على المالية العامة.
بدورها , قالت صحيفة كالكاليست الاقتصادية العبرية , إن هناك مؤشرات متزايدة على أن خطة الاحتلال الكامل لقطاع غزة لن تكون مجرد مغامرة عسكرية، بل مقامرة قد تكون الأعلى تكلفة في تاريخ إسرائيل.
ولا تقف التحذيرات عند حدود الآثار الاقتصادية ، فقد أوضح مصدر في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية أن الـ" دخول إلى غزة مجددا سيكون بمثابة مستنقع عسكري وأمني من طراز مختلف تماما".
وفجر الجمعة 8 آب / أغسطس ، أقر المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر "الكابينت" خطة عرضها رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو لإعادة احتلال قطاع غزة بالكامل تبدأ عبر تهجير سكانها البالغ عددهم نحو مليون نسمة إلى الجنوب، ثم تطويق المدينة وتنفيذ عمليات توغل في التجمعات السكنية.
فيما لم تعقد حكومة تل أبيب حتى الآن اجتماعا واحدا لمناقشة التأثير المالي للاحتلال العسكري الكاملة لقطاع غزة رغم التحذيرات.