انتشر في الآونة الأخيرة لقب "الأب الروحي للذكاء الاصطناعي" (God Father OF AI)، وهو لقب يشير إلى العلماء الذين ساهموا في تطوير الذكاء الاصطناعي ووصوله إلى الشكل الذي نعرفه اليوم، ولكن بسبب تعقد عمليات تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، فلا يمكن نسب الذكاء الاصطناعي إلى أب روحي واحد فقط، والأوقع نسبه إلى مجموعة متنوعة من العلماء.

إذ يمثل الذكاء الاصطناعي نتاج جهود العديد من العلماء التي تضافرت معا عبر السنوات لتخرج لنا التقنية بالشكل الذي نعرفه اليوم، وعلى الأغلب تستمر أبحاث العلماء في التأثير بالتقنية لسنوات طوال بعد نشرها.

وفيما يلي قائمة تضم بعض العلماء الذين ساهموا في تطوير الذكاء الاصطناعي ووصوله إلى ما نعرفه اليوم.

1- جيفري هينتون أستاذ فخري في جامعة تورنتو

ركزت أبحاث هينتون على الشبكات العصبية التي تمثل الوحدة البنائية لنماذج الذكاء الاصطناعي المتطورة، وفي عام 2018، فاز بجائزة "تورينغ"، وذلك مقاسمة مع يان ليكون ويوشوا بنجيو، وتعد الجائزة من أبرز وأهم الجوائز في عالم الذكاء الاصطناعي.

تحول هينتون في السنوات الأخيرة إلى مدافع وناشط متعلق بأمن الذكاء الاصطناعي، مدعيا أنها قضية أكثر خطورة من التغير المناخي والاحتباس الحراري المنتشر في العالم، ويذكر أن هينتون كان ضمن المطالبين بإيقاف تطوير الذكاء الاصطناعي لمدة 6 أشهر.

جيفري هينتون يؤمن بأن أمن الذكاء الاصطناعي قضية أكثر خطورة من قضايا المناخ والاحتباس الحراري (غيتي)

 

2- يوشوا بنجيو أستاذ علوم الكمبيوتر في جامعة مونتريال

تقاسم بنجيو جائزة "تورينغ" مع جيفري هينتون ويان ليكون، ويركز عمله على أنوية الذكاء الاصطناعي العصبية وآليات الاتصال بينها لتسريع عمليات تطوير الذكاء الاصطناعي، وفي عام 2022 أصبح بنجيو العالم الأكثر اقتباسا في العالم فيما يتعلق بالذكاء الاصطناعي.

ولم تقتصر جهود بنجيو على أبحاث الحواسيب فقط، بل امتدت لتشمل تأسيس شركة "إيليمنت إيه آي" (Element AI)، وهي شركة تعمل في قطاع حلول الذكاء الاصطناعي للشركات، وذكر أن شركة "سيرفس ناو" (Service Now) الشهيرة في عام 2020 استحوذت عليها.

إعلان

كما شارك بنجيو أيضا في الرسالة المفتوحة الموجهة إلى شركة "أوبن إيه آي" بشأن تعطيل تطوير الذكاء الاصطناعي لمدة 6 أشهر خوفا من سرعة التطوير الكبيرة في القطاع، وتضمنت هذه الرسالة توقيعات عدد كبير من الشخصيات البارزة من بينهم إيلون ماسك.

 

بنجيو أصبح العالم الأكثر اقتباسا في العالم فيما يتعلق بالذكاء الاصطناعي عام 2022 (أسوشيتد برس) 3- سام ألتمان المدير التنفيذي لشركة "أوبن إيه آي"

رغم أن سام ألتمان ليس أحد العلماء البارزين في قطاع الذكاء الاصطناعي، فإن له دورا كبيرا في تطوير التقنية بالشكل الذي نعرفه اليوم، فمن دون إعلان "أوبن إيه آي" عن "شات جي بي تي" في عام 2022 لما كان الذكاء الاصطناعي بالشكل الذي نعرفه اليوم.

ويعترف ألتمان بالمخاوف المحيطة بالذكاء الاصطناعي بشكل كبير، إذ قال في إحدى المقابلات مع "بيزنس إنسايدر" (Business Insider) إنه لا ينام ليلا بسبب خوفه من "شات جي بي تي" وقدراته.

الإعلان عن "شات جي بي تي" من قبل سام ألتمان كان أحد الأسباب وصول الذكاء الاصطناعي إلى شكله الحالي (غيتي)

 

4- يان ليكون أستاذ في جامعة نيويورك

يعد يان ليكون الفائز الثالث في جائزة "تورينغ" لعام 2018، مما أكسبه لقب الأب الروحي لتقنيات الذكاء الاصطناعي، وهو يشغل حاليا منصب مدرس في جامعة "نيويورك".

كما عمل ليكون في عام 2013 بشركة "ميتا" رئيسا لقسم الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي في الشركة، وخلال تلك الفترة تمكن من تطوير تقنية تدرب خوارزميات الذكاء الاصطناعي بالاعتماد على مقاطع الفيديو التي يتم مشاركتها يوميا في المنصة.

واتخذ ليكون موقفا محايدا من المخاطر التي يمثلها الذكاء الاصطناعي على العالم على عكس العديد من علماء الحواسيب والذكاء الاصطناعي، وأوضح في مقابلة سابقة أن "شات جي بي تي" ونماذج الذكاء الاصطناعي الأخرى من فئة نماذج اللغة الكبيرة ليست أذكى من الكلب أو القطة.

ليكون كان يشغل منصب رئيس قسم الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي في "ميتا" (غيتي)

 

5- فاي فاي لي أستاذة علوم الحاسوب في جامعة ستانفورد

ركزت أبحاث فاي فاي لي على تعلم الآلة والتعلم العميق بحسب ما جاء في موقع جامعة "ستانفورد"، ولكن تعرف لي بدورها البارز في تطوير تحدي "إيميج نيت" (ImageNet)، وهو الاختبار الذي يتحدى الحواسيب لتنصيف الأشياء بناء على الصور.

كما ارتبط اسمها كثيرا بشركات تقنية بارزة مثل "غوغل" و"تويتر"، إذ شغلت منصب نائب رئيس "غوغل" لقطاع الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، فضلا عن كونها أحد أعضاء مجلس إدارة "تويتر" قبل استحواذ إيلون ماسك عليها في عام 2022.

فاي فاي لي شغلت منصب نائب رئيس "غوغل" لقطاع الذكاء الاصطناعي وأحد أعضاء مجلس إدارة "تويتر" سابقا (غيتي)

 

6-ستيوارت راسل أستاذ جامعة كاليفورنيا في بيركلي

ساهم ستيوارت راسل في العديد من الأوراق البحثية المتعلقة بالمخاوف من الذكاء الاصطناعي وعلاقته بالبشر، وفي عام 2019 نشر ورقة بحثية تتوقع كيف يمكن للبشر والآلات أن يعيشوا معا في حال أصبح الذكاء الاصطناعي أكثر ذكاء من البشر.

كما شارك راسل أيضا في كتابة العديد من الكتب المتعلقة بالذكاء الاصطناعي والمخاوف منه، بدءا من كتاب نهج حديث في النظر للذكاء الاصطناعي بالتعاون مع بيتر نورفيغ، ويعد هذا الكتاب من أبرز الكتب التي تتحدث عن فلسفة الذكاء الاصطناعي.

إعلان

وحذر راسل في العديد من المناسبات من سرعة تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي وما قد يحدث منها، إذ يرى راسل أن "شات جي بي تي" وغيره من نماذج للغة العميقة قادرة على إنهاء تجارب التعلم بالشكل الذي نعرفه.

ستيوارت راسل قدم العديد من الأوراق البحثية حول المخاوف من الذكاء الاصطناعي وعلاقته بالبشر (الفرنسية) 7-بيتر نورفيغ زميل في مركز ستانفورد للذكاء الاصطناعي

أمضى عالم الذكاء الاصطناعي بيتر نورفيغ سنوات عدة في مطلع القرن الـ21 مديرا مباشرا لقسم خوارزميات البحث والذكاء الاصطناعي والترجمة الآلية لدى "غوغل"، وذلك إلى جانب تقديمه عددا كبيرا من الأبحاث عن الذكاء الاصطناعي.

وشغل نورفيغ مناصب تعليمية بارزة، إذ كان عضو هيئة التدريس السابق في جامعة كاليفورنيا في بيركلي، وأستاذا سابقا في جامعة جنوب كاليفورنيا، والآن هو زميل في مركز الذكاء الاصطناعي المرتكز على الإنسان في جامعة ستانفورد.

بيتر نورفيغ عمل مديرا مباشرا لقسم خوارزميات البحث والذكاء الاصطناعي والترجمة الآلية في "غوغل" 8- تمنيت جيبرو عالمة أبحاث

شغلت جيبرو منصب عالمة أبحاث وقائدة فنية مشاركة لفريق الذكاء الاصطناعي الأخلاقي في "غوغل" حيث نشرت بحثا جدليا حول سلوكات العنصرية والتحيز في التعلم الآلي، وبسبب الجدل الذي دار حول هذا البحث تركت منصبها في "غوغل" قبل أن تؤسس معهد أبحاث الذكاء الاصطناعي الموزع في عام 2021 الذي يصف نفسه بأنه "مساحة لأبحاث الذكاء الاصطناعي المستقلة والمتجذرة في المجتمع، وخالية من التأثير الشامل لشركات التكنولوجيا الكبرى".

وبحسب ما قالته جيبرو في مقابلة سابقة، فإن الرغبة في اللحاق بركب منتجات الذكاء الاصطناعي قد يجعل الشركات تهمل تطبيق عوامل الأمان بشكل واضح في المنتجات الخاصة بها.

جيبرو نشرت بحثا جدليا حول سلوكات العنصرية والتحيز في التعلم الآلي (مواقع التواصل الاجتماعي) 9- أندرو نج عالم حاسوب

في عام 2011، أسس أندرو نج مشروعا جديدا للتعلم الآلي أطلق "عقل غوغل"، وهو المشروع الذي تحول لاحقا إلى حجر أساس في تدريب الشبكات العصبية لدى "غوغل" وخوارزميات الشركة، إذ قام في المشروع بتدريب خوارزمية "يوتيوب" لاكتشاف المقاطع التي تظهر فيها القطط.

وشغل نج منصب العالم الرئيسي في شركة "بايدو" الصينية للتقنيات المختلفة، وساهم خلال رحلته العملية في أكثر من 200 بحث بارز ومهم في قطاع الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي والروبوتات.

وإلى جانب دوره البحثي، ساهم نج في بناء موقع "كورسيرا" (Coursera) الشهير ثم انتقل بعد ذلك بـ5 سنوات إلى تأسيس شركة "دييب ليرنينغ. إيه آي" التي تقوم بنشر دورات الذكاء الاصطناعي في "كورسيرا".

وخلال محادثة مع "بلومبيرغ" مؤخرا، أشار نج إلى أن الذكاء الاصطناعي لن يكون سببا في انقراض البشرية أو انتهائها، بل على الأغلب سيكون جزءا من الحل.

المؤسس المشارك لموقع وتطبيق "كورسيرا" آندرو نج (الفرنسية) 10- دافني كولر أكاديمية مزينة وحاصلة على زمالة ماك آرثر

ساهمت كولر في تأسيس شركة "إنسيترو" (Insitro)، وهي شركة أدوية تعتمد على الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي لتطوير منتجاتها وفهم الأمراض البشرية، وهي ترى أهمية الذكاء الاصطناعي في حل لغز التركيب الحيوي للإنسان.

وتعد كولر من الأكاديميين النجاحين في مجال الذكاء الاصطناعي ودمجه مع الجوانب الحيوية لحياة الإنسان، إذ شغلت منصب مدير الحوسبة الرئيسي في شركة "كاليكو" (Calico) التابعة لـ"غوغل" إلى جانب نشرها أكثر من 300 بحث في مجال الذكاء الاصطناعي.

ولا تؤمن كولر بأن الذكاء الاصطناعي يمثل خطرا كبيرا على الحياة البشرية بالشكل الذي نعرفه اليوم، بل على النقيض تماما فهو يعود بالنفع بشكل كبير على حياة المستخدمين في مختلف الجوانب.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الذکاء الاصطناعی والتعلم الآلی تطویر الذکاء الاصطناعی من الذکاء الاصطناعی بالذکاء الاصطناعی شات جی بی تی العدید من فی جامعة فی تطویر فی عام إیه آی عام 2022

إقرأ أيضاً:

الوزراء: من التشخيص للعلاج.. الذكاء الاصطناعي يغير قواعد الطب

أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، تحليلاً جديداً قدم من خلاله عرضاً لمزايا وتحديات توظيف الذكاء الاصطناعي في القطاعات الصحية، مع إلقاء نظرة على بعض التجارب الدولية في هذا المجال، حيث أشار إلى أن أنظمة الرعاية الصحية شهدت على مدار السنوات الماضية تحولًا كبيرًا بفضل إدماج تقنيات الذكاء الاصطناعي، التي باتت تؤدي دورًا محوريًّا في التشخيص، ورعاية المرضى، والإدارة، وتعزيز الصحة العامة؛ وأصبحت توفر إمكانات كبيرة، بدءاً من أدوات التعلم الآلي القادرة على قراءة الصور الطبية بدقة، إلى منصات المراقبة الصحية عن بُعد، بما يُسهم في تحسين الكفاءة في المجال الطبي، مضيفاً أنه في ظل التحديات المتزايدة، مثل نقص الكوادر، وتزايد الأمراض المزمنة، تتجه دول عديدة اليوم لتبني حلول ذكية ترتكز على البيانات والتعلم الآلي؛ ما يجعلها في طليعة ثورة صحية رقمية تُعيد تشكيل مستقبل الرعاية الصحية عالميًّا.

وأكد المركز تحقيق تقنيات الذكاء الاصطناعي تأثيرًا ملحوظًا في مجال الرعاية الصحية وخاصة فيما يتعلق بتحسين دقة التشخيص والكشف المبكر عن الأمراض؛ فالتعلم الآلي (Machine learning)، وهو عنصر أساسي في الذكاء الاصطناعي المستخدم في الرعاية الصحية، أحدث نقلة نوعية في هذا المجال من خلال تحسين التشخيص والعلاج؛ فعن طريق معالجة كميات هائلة من البيانات السريرية، يمكن للخوارزميات تحديد الأنماط والتنبؤ بالنتائج الطبية بدقة كبيرة.

كما تساعد تقنية "التعلم الآلي" في تحليل سجلات المرضى، والتصوير الطبي، واكتشاف علاجات جديدة؛ ما يساعد المتخصصين في الرعاية الصحية على تحسين العلاج وخفض التكاليف. وكذلك يُتيح التعلم الآلي التشخيص الدقيق للأمراض، وتقديم علاجات مخصصة، واكتشاف التغيرات الطفيفة في العلامات الحيوية، والتي قد تشير إلى مشكلات صحية محتملة.  ولعل أبرز الأمثلة على تقنيات التعلم الآلي برنامج (EchoNext) الذي يتم توظيفه في اكتشاف أمراض القلب الهيكلية بنسبة دقة تبلغ 77%، وقد أسهم بالفعل في اكتشاف آلاف الحالات عالية الخطورة.

بالإضافة إلى ذلك، هناك أداة "معالجة اللغة الطبيعية" (NLP) وهي أحد أشكال الذكاء الاصطناعي التي تُتيح لأجهزة الكمبيوتر فهم اللغة البشرية واستخدامها، ويُستخدم هذا النوع من الذكاء الاصطناعي في قطاع الرعاية الصحية بشكل متزايد، وهو ما يُسهم في تحسين جودة الرعاية الصحية من خلال تشخيص أدق، وتبسيط الإجراءات السريرية.

على الجانب الآخر، يُحدث الذكاء الاصطناعي تحولًا كبيرًا في الجوانب الإدارية للرعاية الطبية؛ فمن خلال أتمتة المهام الروتينية، مثل: إدخال البيانات، ومعالجة المطالبات، وتنسيق المواعيد، تُتيح تقنيات الذكاء الاصطناعي لمقدمي الرعاية والمؤسسات الصحية توفير الوقت للتركيز على رعاية المرضى.

علاوة على ذلك، يمتلك الذكاء الاصطناعي القدرة على تقليل الأخطاء البشرية من خلال تسريع مراجعة السجلات الطبية، والصور الشعاعية، ونتائج الاختبارات. ومع منحه للمهنيين الطبيين مزيدًا من التحكم في سير عملهم، يمكنهم تقديم رعاية ذات جودة عليا مع الحفاظ على الكفاءة في التكاليف.

أشار التحليل إلى أن تقنيات الذكاء الاصطناعي توفر فرصًا كبيرة لمعالجة أزمات أنظمة الرعاية الصحية، وخاصة المتعلقة بارتفاع النفقات وأزمة القوى العاملة؛ فالتقديرات تشير إلى أن نفقات الرعاية الصحية قد ارتفعت بوتيرة سريعة خلال السنوات العشرين الماضية، ويُقدّر أن ما لا يقل عن 20% من هذه النفقات يتم هدرها.

في الوقت نفسه، يواجه قطاع الرعاية الصحية أزمة حادة في القوى العاملة؛ إذ تُقدِّر "منظمة الصحة العالمية" (WHO) وجود عجز بنحو 10 ملايين عامل صحي بحلول عام 2030، خاصة في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط. كما أن العاملين في قطاع الصحة يعانون من الإرهاق الشديد؛ حيث تشير التقديرات إلى أن نحو 50% من المهنيين الصحيين يعانون من الاحتراق الوظيفي.

وفي هذا السياق، يأتي دور الذكاء الاصطناعي ليحدث تغييرات جوهرية في تنظيم الرعاية الطبية، من خلال نقل المهام الحيوية وتعزيز أداء العاملين في القطاع الصحي، وهو ما يؤدي إلى تحسين نتائج المرضى ورفع كفاءة التشغيل.

أوضح التقرير أنه رغم المكاسب التي يوفرها الذكاء الاصطناعي في قطاع الرعاية الصحية، لا يخلو الأمر من تحديات عديدة تتطلب التعامل معها، خاصة مع تزايد استثمارات المؤسسات الصحية في استخدام هذه التقنيات، ويأتي في مقدمة هذه التحديات:

-خصوصية البيانات: حيث تُعَد حماية البيانات الشخصية من أبرز المخاوف المتعلقة باستخدام الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية؛ فأنظمة الذكاء الاصطناعي تعتمد على كميات هائلة من بيانات المرضى لتعمل بكفاءة، لكن أي سوء في التعامل مع هذه البيانات قد يؤدي إلى خروقات في الخصوصية. وتزداد الخطورة عندما تكون تلك البيانات مدرجة على منصات سحابية أو مجموعات بيانات غير محمية بشكل كافٍ.

-غياب أطر تنظيمية واضحة: رغم أن بعض المناطق، مثل الاتحاد الأوروبي، تبنَّت تشريعات شاملة مثل قانون الذكاء الاصطناعي (EU AI Act) لعام 2024، فإن العديد من الدول -خاصة في الجنوب العالمي- لا تمتلك تنظيمًا واضحًا لاستخدام الذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الصحية. هذا التباين يعقِّد عملية نشر أدوات الذكاء الاصطناعي عالميًّا، خاصة بالنسبة للشركات متعددة الجنسيات.

-صعوبة مواكبة التطورات: هناك صعوبة في مواكبة قطاع الصحة للابتكارات السريعة في مجال الذكاء الاصطناعي؛ فالذكاء الاصطناعي يُعَد قطاعًا ناشئًا، ومعظم الشركات العاملة فيه لا يتجاوز عمرها عشر سنوات، بينما قطاع الرعاية الصحية يُعَد صناعة ناضجة تهيمن عليها مؤسسات راسخة. هذا التفاوت بين طبيعة القطاعين قد يُبطئ وتيرة الابتكار، من خلال الإجراءات والهياكل المتجذّرة التي قد تعوق تبني التقنيات الجديدة.

-صعوبات التكامل مع أنظمة المعلومات الصحية: يتطلب تطبيق الذكاء الاصطناعي في المستشفيات دمجًا فعّالًا مع السجلات الصحية الإلكترونية وقواعد بيانات التصوير الطبي وسير العمل السريري، ومع هذا، فالعديد من المؤسسات الصحية تفتقر إلى البنية التحتية التكنولوجية والمعايير اللازمة لضمان هذا التكامل؛ ما يؤدي إلى تنفيذ مجزَّأ وأعباء إدارية إضافية.

-التحيّز الخوارزمي والعدالة الصحية: تعتمد أنظمة الذكاء الاصطناعي على البيانات التي تُدرَّب عليها، وإذا كانت هذه البيانات تفتقر إلى تمثيل سكاني متنوع، فقد يؤدي ذلك إلى أداء ضعيف في تشخيص أو علاج فئات معينة من السكان. وقد كشفت عدة دراسات أن العديد من النماذج التجارية المستخدمة في الرعاية الصحية أظهرت تحيزًا عنصريًّا واجتماعيًّا؛ مما يُعمِّق الفجوات في جودة الرعاية الصحية.

-مقاومة القوى العاملة: رغم تزايُد الحماس تجاه الذكاء الاصطناعي، فإن كثيرًا من العاملين في المجال الصحي يبقون مترددين أو مقاومين له، بسبب مخاوف من فقدان الوظائف أو المسؤولية القانونية أو نقص التدريب.

وفي هذا السياق، يُعد كسب ثقة الأطباء وقبولهم أمر بالغ الأهمية لنجاح تطبيق الذكاء الاصطناعي في المجال الصحي. ولحدوث ذلك؛ يجب أن تتاح للأطباء إمكانية الاطلاع على كيفية اتخاذ النظام للقرارات، والتأكد من اعتماده على معلومات طبية دقيقة وحديثة. كذلك، يجب أن يكون استخدام هذه الأنظمة ملتزمًا بالقوانين والضوابط لضمان الاستخدام الأخلاقي وعدم تعريض المرضى للخطر.

وأوضح المركز أنه في ظل المزايا العديدة التي يوفرها الذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الصحية، بدأ عدد من الدول في توظيفه بشكل متزايد لدعم جهودها في مواجهة تفشي الأمراض، ومن بين أبرز هذه الدول: الدانمارك والصين وبريطانيا ورواندا ومالاوي.

وفي هذا الصدد؛ تُعَد الدانمارك تجربة رائدة في التحول الرقمي والاعتماد على الذكاء الاصطناعي والروبوتات في الرعاية الصحية؛ حيث تستثمر في تطوير "مستشفيات المستقبل" التي تعتمد على الأتمتة والخدمات الرقمية.

كما أنشأت الدانمارك عددًا من المنصات الابتكارية المرتبطة مباشرة بالمستشفيات، مثل مستشفى جامعة "جنوب الدانمارك"، بهدف تجربة الحلول التقنية في بيئة سريرية حية. وتشمل هذه المراكز: "مركز الروبوتات السريرية" الذي يدمج التقنية مع المهام اللوجستية والعلاجية، و"مركز الذكاء الاصطناعي الإكلينيكي" المعني بتطوير أدوات تحليلية تدعم التشخيص، و"مركز التكنولوجيا الطبية المبتكرة" الذي يركِّز على الطب عن بُعد والتطبيقات الذكية.

أوضح التحليل أن هذه المنصات تُتيح التعاون المباشر بين المهندسين والأطباء؛ مما يُعجِّل باختبار الحلول وتكييفها مع احتياجات الواقع السريري، كما توفر للشركات -لا سيما الشركات الصغيرة والمتوسطة- نموذجًا متكاملًا جاهزًا للتوصيل والتشغيل يتيح اختبار المفاهيم وتطوير النماذج الأولية بالتعاون مع الفرق الطبية؛ حيث يتم التركيز على الحلول التي تعالج تحديات حقيقية داخل المستشفيات، مثل: تقليل المهام المتكررة، وإتاحة وقت أكبر للرعاية المباشرة.

وفي "المختبر الوطني للروبوتات" بجامعة هيريوت‑وات في بريطانيا، تم تطوير "روبوت ARI" لدعم المرضى بعد الجراحة أو الإصابات؛ حيث يُوجِّه المرضى خلال تمارين إعادة التأهيل؛ مما يخفف الضغط على أخصائي العلاج الطبيعي.

وفي الصين، اعتمدت المستشفيات الكبرى منذ يناير 2025 نموذج (DeepSeek)، الذي يدمج الذكاء الاصطناعي في مجالات علم الأمراض وتحليل الصور الطبية ودعم القرار الإكلينيكي. وقد بدأت الصين في تطبيقه بالمؤسسات الطبية الكبرى في شنغهاي، ثم توسعت على الصعيد الوطني، وقد أدى ذلك إلى تحسين دقة التشخيص، وتسريع سير العمل، وتخفيف الضغط على الأطباء.

وكذلك، وظَّفت رواندا الذكاء الاصطناعي في الكشف المبكر عن مرض "جدري القرود" (Mpox)، وهو مرض نادر وقاتل تفشّى بين عامي 2022 و2023؛ ما ساعد في التصدي السريع للمرض وحماية الفئات المعرضة للخطر.

أيضًا، في مدينة "ليلونغوي" في مالاوي، تم توظيف نظام مراقبة الأجنة المدعوم بالذكاء الاصطناعي، الذي طُوِّر بالشراكة بين شركة البرمجيات الأمريكية (PeriGen) ووزارة الصحة في مالاوي ومستشفى "تكساس للأطفال" الأمريكية، وقد أسهم بالفعل في خفض وفيات حديثي الولادة بنسبة 82% خلال ثلاث سنوات؛ حيث يقوم بتحليل نبض الجنين بشكل مستمر، وينبِّه الطاقم الطبي فورًا للتدخل، وهو ما يُعَد تحسنًا كبيرًا مقارنة بالفحوصات اليدوية المتقطعة.

وأشار التحليل إلى أنه في ظل الاعتماد المتزايد على تطبيقات الذكاء الاصطناعي في المجال الطبي، أوصى العديد من المنظمات الدولية بتضمين هذه التطبيقات ضمن منصات الصحة الوطنية؛ حيث يمكن للدول ذات البنية التحتية الرقمية الأساسية تبني أدوات بسيطة، مثل: روبوتات المحادثة التنبيهية، وتذكيرات الرسائل النصية المدعومة بالذكاء الاصطناعي، بينما الدول ذات النظم القوية يمكنها اعتماد تطبيقات أكثر تقدمًا كالتنبؤ الفوري بالأوبئة، وتحسين إدارة الموارد.

وأوضح المركز أنه على الرغم من الإمكانات الهائلة للذكاء الاصطناعي في تحسين التشخيص وتسريع العلاج وتخفيف الأعباء الإدارية، فإن التحديات المصاحبة له لا تقل أهمية؛ فحماية الخصوصية، وضمان الإنصاف، وبناء الثقة، وتحقيق التنظيم الفعّال، كلها قضايا لا بُدَّ من معالجتها بجدية، ويتطلب تجاوز هذه التحديات تنسيقًا وثيقًا بين الحكومات، والمطورين، والمؤسسات الصحية، ومنظمات المجتمع المدني، من أجل تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي موثوقة وأخلاقية وشاملة.

طباعة شارك مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار توظيف الذكاء الاصطناعي الرعاية الصحية تقنيات الذكاء الاصطناعي التشخيص والعلاج القطاع الصحي

مقالات مشابهة

  • الوزراء: من التشخيص للعلاج.. الذكاء الاصطناعي يغير قواعد الطب
  • اليوم.. انطلاق المؤتمر العالمي العاشر للإفتاء عن الذكاء الاصطناعي
  • يصاب بالتسمم باستشارة من «الذكاء الاصطناعي»
  • أبوظبي تكتب قصة نجاح في الذكاء الاصطناعي
  • نائب محافظ سوهاج يُطلق مبادرة «سوهاج Ai» لتأهيل الشباب في مجالات الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني
  • مقارنة بين GPT-5 وGPT-4.. تطور الذكاء الاصطناعي من الدقة إلى العمق
  • عبيدات يكتب ( توظيف الذكاء الاصطناعي في قطاع النقل العام )
  • أبرز اتجاهات الذكاء الاصطناعي التوليدي في 2025
  • إطلاق CharGPT5 في خطوة نحو الذكاء الاصطناعي الفائق
  • الجدل الاقتصادي في شأن الذكاء الاصطناعي (3- 5)