ديفيد هيرست: “إسرائيل” خرجت من مغامرتها ضد إيران بمحصلة هزيمة استراتيجية رغم الضربات الخاطفة
تاريخ النشر: 26th, June 2025 GMT
#سواليف
اعتبر سلاح الجو الألماني في الحقبة النازية أن الغارة على مدينة كوفنتري البريطانية في 14 تشرين الثاني/ نوفمبر 1940 إنجاز تكنولوجي خارق. فقد بالغت آلة الدعاية النازية في تمجيد الغارة، واصفة إياها بـ”الأعنف في تاريخ الحرب”. لم يخفِ جوزيف غوبلز، وزير الدعاية النازي، فرحته بالهجوم، حتى إنه أطلق عليه اسماً خاصاً هو “الكوفنترة”.
فما هي إلا أسابيع قليلة حتى انتقلت مصانع إنتاج الطائرات البريطانية إلى مواقع بديلة. وتضررت القدرة الإنتاجية بشكل جزئي، لكنها لم تتوقف. وخلال أشهر، استعادت المصانع كامل طاقتها. والأسوأ بالنسبة للألمان، كما يضيف هيرست، أن صور كاتدرائية كوفنتري المدمّرة هزّت الرأي العام الأمريكي الذي لم يكن قد دخل الحرب بعد، وأظهرت صلابة البريطانيين وإصرارهم على الانتقام، ما أفضى إلى بدء حملة قصف ملكية عنيفة ضد ألمانيا.
واليوم يعيد التاريخ نفسه في مشهد مألوف، لكن هذه المرة في #الشرق_الأوسط. فبعد 12 يوماً على #العدوان_الإسرائيلي على #إيران، بدأت القيادات العسكرية في تل أبيب تكتشف أن ” #النصر_الخاطف ” الذي تباهت به في الساعات الأولى انقلب إلى #هزيمة_استراتيجية، حسبما يرى هيرست.
مقالات ذات صلةويؤكد هيرست أن أياً من الأهداف الثلاثة المعلنة للاحتلال الإسرائيلي لم يتحقق. فلا يوجد دليل دامغ حتى الآن على أن #برنامج_التخصيب_النووي_الإيراني قد تم تدميره كما زعم الرئيس الأمريكي دونالد #ترامب. فقد أتيحت لإيران فرصة نقل أجهزة الطرد المركزي إلى أماكن آمنة، بينما لا تزال وجهة ما يزيد عن 400 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب غير معروفة. أما القادة والعلماء الذين سقطوا في الضربة الأولى، فقد جرى تعويضهم سريعاً.
وبحسب تقرير استخباراتي نشرته قناة “سي إن إن” الأمريكية نقلاً عن مصادر مطلعة، فإن وكالة الاستخبارات الدفاعية التابعة للبنتاغون خلصت إلى أن الضربات الأمريكية على المواقع النووية الثلاثة في إيران لم تدمر جوهر البرنامج، بل أرجأته لبضعة أشهر فقط.
ويرى هيرست أن هذا السيناريو يعيد إلى الأذهان ما حدث في كوفنتري. إذ من المتوقع أن تستعيد إيران خلال أشهر لا سنوات قدرتها على تخصيب اليورانيوم وإنتاج منصات إطلاق الصواريخ. فالتكنولوجيا والمعرفة، والأهم من ذلك، الإرادة الوطنية الإيرانية، أثبتت أنها أقوى من العاصفة.
ويضيف هيرست أن الأضرار التي لحقت بالاحتلال الإسرائيلي جراء الرد الصاروخي الإيراني تفوق ما تسببت به صواريخ “حماس” المحلية على مدى عامين، أو ما أحدثه “حزب الله” خلال أشهر. فقد تعرضت أهداف استراتيجية إسرائيلية لضربات مباشرة، بما في ذلك محطة تكرير نفط ومحطة توليد كهرباء، في حين زعمت إيران أنها أصابت مواقع عسكرية إسرائيلية، وهو ما لا يمكن التحقق منه بسهولة بسبب الرقابة المشددة.
وبرأي هيرست، فإن من أبرز نتائج العدوان هو توحيد الداخل الإيراني خلف نظامه، بدلاً من إضعافه. ولم ينجح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في تحقيق هدفه الثاني، وهو استدراج الولايات المتحدة إلى حرب مفتوحة بالنيابة عنه، إذ يبدو أن وعود ترامب بدعم غير مشروط تحولت إلى عبء سياسي.
ويشير #هيرست إلى مفارقة سياسية حين يتساءل: “إلى متى ستبقى لافتة (شكراً سيادة الرئيس) معلقة على الطريق السريع في تل أبيب، بعد أن ضغط ترامب على المكابح لوقف اندفاعة نتنياهو العسكرية؟”.
ففي البداية، أنكر ترامب تورط بلاده في الهجوم، ثم عاد وأشاد بنجاحه، مدعياً أن الفضل يعود للتكنولوجيا الأمريكية. لكنه، وفي غضون أيام، تحول من المطالبة باستسلام إيراني غير مشروط إلى شكر طهران على تحذيرها المسبق بشأن قصف قاعدة العديد في قطر، ثم أعلن رغبته في السلام.
ويقول هيرست إن ما حدث هو انقلاب سياسي كامل. فبدلاً من أن يستمر ترامب في دعم نتنياهو حتى النهاية، تراجع تحت ضغط المشاكل الداخلية، خصوصاً بعد أن أبدى جمهوريون بارزون رفضهم للمغامرة العسكرية.
ويتابع رئيس تحرير “ميدل إيست آي” أن الأيام الاثني عشر الماضية شكّلت درساً قاسياً لنتنياهو، الذي ظن أن بإمكان الاحتلال الإسرائيلي تنفيذ ضربات موجعة دون الحاجة إلى غطاء أمريكي. ففي اليوم الأول، بدا أن تل أبيب حققت اختراقاً كبيراً في الداخل الإيراني، شبيهاً بما فعلته في لبنان مع “حزب الله”. لكنها سرعان ما أدركت أن ذلك غير كاف لتحقيق النصر.
ويضيف هيرست أن ترامب بدوره أثبت أنه رجل اللحظة الواحدة، معلناً إنهاء المهمة قبل أن يجف حبر تقارير التقييم، بل وهنأ إيران على عدم استهداف جنوده، في سلوك يعيد إلى الأذهان ما فعله مع الحوثيين في اليمن، حين اكتفى بالتصريحات قبل أن يسافر إلى الرياض لجمع المكاسب.
ورغم أن إيران تكبدت خسائر مؤلمة، من بينها مئات القتلى، وفشلت دفاعاتها الجوية في إسقاط الطائرات الإسرائيلية، إلا أنها كما يقول هيرست احتفظت بروحها القتالية واستمرت في إطلاق الصواريخ، مدركة أن مجرد فرض العيش في الملاجئ على الإسرائيليين يعد مكسباً بحد ذاته.
ويتابع: “لقد دخلت إسرائيل في حرب استنزاف لا تحتملها ميزانيتها بعد عشرين شهراً من المواجهة في غزة. وكان نتنياهو يراهن على ضربة قاضية، لكنها لم تتحقق”.
ويشير هيرست إلى أن ترامب، الذي أطلق رسالة واضحة للاحتلال الإسرائيلي عبر مكبرات الصوت: “لا تسقطوا القنابل، وإن فعلتم فستكون هناك عواقب”، بات متردداً، ما زاد من عزلة تل أبيب.
ويرى هيرست أن الصراع لم يكن في جوهره متعلقاً ببرنامج نووي لا وجود له أصلاً، بل كان معركة بين سرديتين: السردية الأولى تقول إن العرب، بما فيهم الإيرانيون، لا طاقة لهم بإسرائيل وأمريكا، وعليهم الاستسلام وقبول التجارة وترك موضوع فلسطين ليوم آخر. وهي الرواية التي تتبناها أنظمة عربية عدة بشكل غير رسمي.
أما السردية الأخرى فتؤمن، كما يكتب هيرست، أن بقاء إسرائيل بشكلها الحالي يعني استمرار الاحتلال، وبالتالي استمرار المقاومة. وتُعد إيران، في هذا السياق، حجر الزاوية في التصدي للهيمنة الإسرائيلية، ليس بسبب ترسانتها فقط، بل لجرأتها في المواجهة.
وإذا ما تم تثبيت وقف إطلاق النار، فلن تتعجل إيران العودة إلى طاولة المفاوضات. فهي وفقاً لهيرست لن تثق برئيس أمريكي انسحب من الاتفاق النووي مرتين، ولا ترى أي طائل من محادثات لا تفضي إلى ضمانات بعدم تكرار الهجوم.
ويشير إلى أن انسحاب إيران من معاهدة حظر الانتشار النووي قد يكون أحد الخيارات، وربما تجد فيه حافزاً للذهاب نحو تطوير قنبلة نووية لردع إسرائيل.
ويختم هيرست مقاله بالقول إن طهران ليست في عجلة من أمرها، وقد صمدت أمام عقوبات وحرب ضروس. هي ليست بحاجة لاتفاق، بل تستطيع إعادة البناء والتعافي. أما نتنياهو وترامب، فكلاهما بحاجة إلى المحاسبة.
ويقتبس هيرست مما قاله وزير الحرب الإسرائيلي السابق أفيغدور ليبرمان: “رغم النجاحات الاستخباراتية والعسكرية، فإن النهاية مرة. سندخل في مفاوضات صعبة مع نظام لن يتوقف عن التخصيب أو تصنيع الصواريخ أو دعم (الإرهاب)”. ويضيف ليبرمان: “لقد حذرت منذ البداية: لا يوجد أخطر من أسد جريح. وقف إطلاق النار بلا صفقة سيفضي إلى حرب جديدة بعد عامين أو ثلاثة، ولكن في ظروف أسوأ”.
ويختتم هيرست بالتشديد على أن إسرائيل استبدلت عدواً غير مباشر بآخر مباشر، أكثر خطورة، وأكثر جرأة. وبدلاً من الميليشيات، تواجه الآن دولة قادرة على إدخال كامل سكانها إلى الملاجئ. أما أوروبا، التي كانت طرفاً في الاتفاق النووي، فقد تخلت عن كل دورها، وأثبتت مرة أخرى عجزها عن الوساطة. إنها، كما يقول هيرست، تقوض النظام الدولي الذي تتشدق بحمايته.
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: سواليف الشرق الأوسط العدوان الإسرائيلي إيران هزيمة استراتيجية برنامج التخصيب النووي الإيراني ترامب هيرست هیرست أن تل أبیب
إقرأ أيضاً:
توكل كرمان: إيران خرجت منتصرة في الحرب مع إسرائيل كما خرج الحوثي منتصراً في الحرب مع أمريكا
قالت الناشطة اليمنية الحائزة على جائزة نوبل للسلام، توكل كرمان، إن إيران في تقديرها خرجت منتصرة في الحرب مع إسرائيل، كما خرجت جماعة الحوثي منتصرة في الحرب مع أمريكا.
وأضافت كرمان -في منشور لها على فيسبوك- "أنا لا أحتفي هنا بانتصار إيران ولا بانتصار الحوثي، بل أراهما تماما كالمشروع الإسرائيلي، يحملان خطراً بالغاً على المنطقة".
وتابعت "سبق أن أدنتُ العدوان الإسرائيلي على إيران، ومن هذا المنطلق أرحب بوقف إطلاق النار".
وأردفت "أعلم أن الحرب على إيران ليست بسبب غزة، وأن دفاعها وردها على الهجمات الإسرائيلية ليس من أجل غزة، بل من أجل برنامجها النووي والصاروخي".
وختمت كرمان منشورها بالقول "قلوبنا مع غزة التي تتلقى كل هذا التوحش وحرب الإبادة ومجازر التطهير العرقي وحيدة ومنفردة، ومع كفاح ونضال الفلسطينيين في سبيل الحرية والاستقلال".
وفي وقت سابق اليوم أعلنت وسائل إعلام إيرانية، بدء سريان وقف إطلاق النار الذي أعلنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وذكرت وكالة "فارس" للأنباء، المقرّبة من الحرس الثوري الإيراني، أن وقف إطلاق النار بدء اعتبارًا من الساعة 07:30 بالتوقيت المحلي (04:00 ت. غ.). وأضافت أن التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار جاء إثر "خسائر ألحقتها الصواريخ الإيرانية بالصهاينة".
وصباح الثلاثاء، أعلن ترامب بدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران، وذلك بعد ساعات من إعلانه توصل طهران وتل أبيب التوصل إلى اتفاق كامل على وقف تام وشامل لإطلاق النار.
ومنتصف ليل الاثنين/ الثلاثاء، أعلن ترامب عن "التوصل إلى اتفاق كامل بين إسرائيل وإيران على وقف تام وشامل لإطلاق النار"، على أن يدخل الاتفاق حيز التنفيذ في غضون 6 ساعات تقريبا من لحظة إعلانه، مضيفا أن وقف إطلاق النار يدوم أولا لمدة 12 ساعة ثم "ستعتبر الحرب منتهية رسميا".
وفي 13 يونيو/ حزيران الجاري، شنت إسرائيل بدعم أمريكي عدوانا على إيران استمر 12 يوما، شمل مواقع عسكرية ونووية ومنشآت مدنية واغتيال قادة عسكريين وعلماء نوويين، وأسفر عن 606 قتلى و5 آلاف و332 مصابا، وفق وزارة الصحة الإيرانية.