نبضات من أعماق الأرض.. أفريقيا تنقسم ومحيط جديد يتشكل
تاريخ النشر: 29th, June 2025 GMT
اكتشف علماء الجيولوجيا "نبضا أرضيا" عميقا يشبه دقات القلب، يتمثل في تدفقات دورية من الصخور المنصهرة ترتفع من أعماق الأرض في قلب منطقة عفار الإثيوبية، حيث تلتقي 3 صفائح تكتونية، وهو الأمر الذي يشير إلى أن القارة الأفريقية تشهد انقساما تدريجيا قد يؤدي إلى ولادة محيط جديد خلال ملايين السنين.
وكشفت الدراسة التي قادتها العالمة إيما واتس من جامعة ساوثهامبتون، ونُشرت في مجلة "نيتشر"، أن هذه النبضات الحرارية ليست عشوائية، بل تتبع نمطا كيميائيا متكررا، يتغير بحسب سرعة تمدد الصفائح التكتونية فوقها.
ففي مناطق مثل البحر الأحمر وخليج عدن، حيث تتحرك الصفائح بسرعة نسبية، ترتفع النبضات بسلاسة، بينما تتباطأ وتتشوه في مناطق أبطأ مثل الصدع الإثيوبي الرئيسي.
ويقول الباحثون إن هذه الظاهرة تقدم نافذة نادرة لفهم كيفية تشكل المحيطات وتغير ملامح القارات.
فمع استمرار تمدد القشرة الأرضية، من المتوقع أن ينفصل الجزء الشرقي من أفريقيا، الذي يضم كينيا وأثيوبيا وتنزانيا والصومال وأجزاء من موزمبيق، عن بقية القارة، مكونا قارة جديدة ومحيطا ناشئا يربط البحر الأحمر بالمحيط الهندي.
وتُعد منطقة عفار واحدة من الأماكن القليلة على سطح الأرض التي يمكن فيها دراسة عملية انقسام القارات في الزمن الحقيقي، حيث التفاعل المباشر بين أعماق الأرض وسطحها.
وقد جمع الفريق البحثي أكثر من 130 عينة من الصخور البركانية لتحليل البصمات الكيميائية لهذه النبضات، مما أتاح لهم رسم خريطة ثلاثية الأبعاد للبنية الداخلية للقشرة والوشاح الأرضي.
ويؤكد الباحثون أن فهم هذه النبضات العميقة لا يساعد فقط في تفسير النشاط البركاني والزلازل في المنطقة، بل يسلط الضوء أيضًا على ديناميكية كوكب الأرض كجسم حي ينبض ويتنفس من الداخل.
إعلانالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات
إقرأ أيضاً:
تعدين أعماق البحار.. إبادة بيئية قد يحفزها الصراع على المعادن
منذ أن قرر الرئيس الأميركي دونالد ترامب في أبريل/نيسان فتح باب التعدين في أعماق المحيطات، بما فيها المياه الدولية، دق دعاة حماية البيئة ناقوس الخطر بشأن الآثار البيئية الخطيرة لذلك. واستجابت العديد من التحالفات العابرة للحدود لتحذيرات الخبراء من "إبادة بيئية" يتم التحضير لها في خضم صراع دولي على المعادن النادرة.
وفي سياق توجهاتها للتخلص من السياسات البيئية والمناخية وزيادة الاعتماد على الوقود الأحفوري، قدّر ت إدارة الرئيس ترامب أن التعدين في أعماق البحار قد يضيف 300 مليار دولار إلى الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة، ويستحدث 100 ألف وظيفة جديدة، على مدى 10 سنوات.
اقرأ أيضا list of 4 itemslist 1 of 4معاهدة أعالي البحار تكتسب زخما والتنفيذ في يناير 2026list 2 of 4دراسة: تعدين أعماق البحار يدمر نظمها البيئيةlist 3 of 4دراسة: 99% من أعماق البحار مجهولة ومخططات تعدينها خطيرةlist 4 of 4البلاستيك يتغلغل في كل طبقات المحيطات وأعماقهاend of listورغم أن الصين والاتحاد الأوروبي، ومنظمات، ومؤسسات دولية، وجمعيات غير حكومية رفضت التوجه الأميركي، يتخوف العلماء من خفوت الأصوات المعارضة، وبدء صراع دولي على معادن قاع البحار والمحيطات قد لا تحمد عقباه.
وتتعلق عمليات الاستخراج أساسا بما يسمى العقيدات المتعددة المعادن، وهي نوع من الحصى بحجم حبات البطاطا تشكلت عادة عبر مئات آلاف أو ملايين السنين تكون غنية بالمعادن مثل المنغنيز والنيكل والكوبالت والنحاس والمعادن النادرة، وهي مواطن أساسية لكائنات البحر العميق.
وباتت هذه المعادن، ذات أهمية بالغة في صناعة المركبات الكهربائية والألواح الشمسية، وفي الهواتف الذكية وأجهزة الكومبيوتر المحمولة، وغيرها من الصناعات الدقيقة.
ويتطلب استخراج تلك العقيدات تعدينا في قاع البحار العميقة بواسطة الحفر أو الجرف أو التفجيرات، أو وسائل أخرى، وغالبا ما تتم في مناطق عميقة ومجهولة، ولا تمتلك إلا بعض الدول والشركات الكبرى القدرة على تعدينها، ما سيجعلها احتكارا لتلك القوى الدولية.
مناطق مجهولة
حتى الآن لم يستكشف البشر سوى أقل من 0.001% من قاع البحار العميقة، أي ما يعادل عُشر مساحة بلجيكا تقريبا. ولذلك، يفتقر العلماء إلى فهم كاف لهذه النظم البيئية الغامضة.
ويضم قاع البحر العميق براكين تحت الماء وسلاسل جبلية وسهولا سحيقة. وتحتضن تلك المنطقة مجموعة متنوعة من الأنواع الفريدة التي تتكيف مع الظروف القاسية، مثل قلة ضوء الشمس والضغط العالي.
ويحذر العلماء من أن بعض كائنات المحيط العميق قديمة للغاية، فبعض الأسماك فيها تعيش مئات السنين، وتعيش الشعاب المرجانية آلاف السنين، بينما يصل عمر الإسفنج البحري أحيانا إلى 11 ألف سنة.
وقد تكون آلاف الكائنات فيها غير مكتشفة بعد، وهي كلها "أنظمة بيئية لا تتجدد ضمن مقاييس الزمن البشري. وإذا فُقدت، فيكون ذلك إلى الأبد"، حسب فرح عبيد الله الناشطة البيئية، ومؤسسة ومديرة منظمة "نحن والمحيط" في إسبانيا.
وفي غياب المعرفة الكاملة عن النظم البحرية في تلك الأعماق السحيقة، من غير المعروف كيف ستكون آثار التعدين على وظائفها البيئية بشكل كامل، لكن الأبحاث تظهر حتى الآن أن تعدين أعماق المحيطات قد يُخلف آثارا بيئية كارثية، ومن بينها:
-تدمير الموائل: يمكن أن تؤدي أنشطة التعدين إلى تدمير موائل قاع البحر إلى ما هو أبعد من نقطة التعافي، مما يؤثر على الأنواع القاعية مثل الديدان والمحار والإسفنج ونجم البحر وكائنات أخرى غير مكتشفة بعد.
-أعمدة الرواسب: يُؤدي التعدين في قاع البحار العميقة إلى رفع الرواسب، مما يؤثر على الأنواع المهاجرة مثل أسماك القرش والسلاحف. ويمكن أن يلحق ضررا أكبر بمصايد الأسماك العالمية، وقد وصلت 57.3% من المخزونات السمكية بالفعل إلى الحد الأقصى للصيد، بينما تعاني 35.4% منها من الصيد الجائر.
-تعطيل شبكة الغذاء: إن استهداف العقيدات المتعددة المعادن من شأنه أن يؤدي إلى تغيير شبكات الغذاء الغذائية وغير الغذائية مثل الإسفنج الزجاجي الذي يدعم الحياة البحرية.
– التلوث الضوئي والضوضائي: تؤدي عمليات مركبات التعدين في قاع البحر، والحفر والتجريف، والمتفجرات، والاهتزازات إلى تلوث ضوئي وضوضائي يتجاوز الحدود المسموح بها للعديد من أنواع الحيتان.
– تفريغ السموم واحتياطيات الكربون: يمكن أن يؤدي التعدين وأدواته إلى نشر النفايات وإثارة مخزونات الكربون في أعماق المحيطات، مما يؤثر بشكل كبير على تنظيم المناخ في المحيطات والكوكب ككل.
مخاطر حمّى التعدين
يشير الخبراء إلى أن بدء التعدين في أعماق البحار دون تقييمات بيئية واضحة قد يسفر عن عواقب طويلة الأمد على الكوكب والمجتمعات ومصادر العيش. وفي أسوأ الأحوال، قد يسبب انهيارا بيئيا واسع النطاق لن يتعافى منه الكوكب.
ويدعو ائتلاف الحفاظ على أعماق البحار السلطة الدولية لقاع البحار إلى التفاوض بشأن الشروط التنظيمية للتعدين في قاع البحار. وأيدت حتى الآن 37 دولة حظرا مؤقتا على أنشطة التعدين في قاع المحيط.
وتتماشى هذه المعارضة العابرة للحدود مع معارضة من مجتمعات السكان الأصليين والمنظمات البيئية، وأكثر من 930 عالما ومشرعا من أكثر من 70 دولة.
وتقول فرح عبيد الله "إن التعدين لم يبدأ بعد، لكن إذا سُمح له بالانطلاق، فلن يحدث فقط دمارا بيئيا هائلا، بل سيطلق عصرا جديدا من الاستعمار."
إعلانوتضيف "نحن نتحدث عن المحيط الدولي، أي الأعماق التي تنتمي للجميع، لا لأي دولة بعينها. إذا سُمح لبضع دول بالسيطرة عليه، فسيبدأ سباق جديد شبيه بحمى الذهب، تستعمر فيه الدول الغنية هذا الفضاء المشترك من جديد".
وبموجب اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، أمضت السلطة الدولية لقاع البحار أكثر من 10 سنوات في وضع لوائح للإشراف على استغلال معادن قاع البحار في المياه الدولية.
وبعد فشلها في وضع معايير للتعدين التجاري في أعماق البحار في يوليو/تموز 2023، خططت لمناقشة المبادئ التوجيهية المستقبلية ووضع اللمسات الأخيرة على القواعد بحلول دورتها في يوليو/تموز 2025. و رغم المفاوضات المكثفة، لم يتم التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن اللائحة، ولم تُمنح أي تراخيص للتعدين.
ومن شأن ذلك أن يوقف حتى الآن جميع أنشطة التعدين التجارية في المياه الدولية، إلى أن يتمكن العلماء من إجراء تقييمات شاملة للأثر ووضع لوائح بيئية صارمة. ويتطلب ذلك إعداد تقارير ومراقبة شفافة للتغلب على المشكلات العالقة وضمان الامتثال لاتفاقية التنوع البيولوجي.
وفي حين يجادل مؤيدو التعدين في قاع البحار العميقة بأن استخراج المعادن من أعماق المحيطات أمر بالغ الأهمية للتحول نحو الطاقة الخضراء، يرى العلماء بأن هناك بدائل أكثر استدامة وسهولة يمكن النظر فيها، دون اللجوء إلى تدمير أحد أكثر النظم البيئية حساسية وأهمية في استقرار الكوكب.
وتشكل المحيطات 70% من سطح الكوكب، ولها تأثير عميق على الحياة بأسرها، إذ تنظم المناخ العالمي، وتنتج غالبية الأكسجين الذي نتنفسه، وتمتص ثاني أكسيد الكربون، وتحتضن شبكة بيئية معقدة تحافظ على دورة الحياة على الأرض. وتعد أيضا أكبر "بالوعة كربون"، مما يجعلها عنصرا حاسما في مواجهة تغير المناخ.
ومع أن العالم سيظل بحاجة دائمة للمعادن، لا سيما مع توجهه نحو مستقبل طاقة أكثر خضرة. فإن وسائل الحصول عليها يجب أن تكون مستدامة لما فيه مصلحة الكوكب، حسب الخبراء.
وسيمنح وقف التعدين في أعماق البحار المجتمع العلمي وقتا أكثر للدراسة والفهم، واكتشاف بدائل أكثر أمانا، وإعادة صياغة سياسات المحيطات لحماية النظام البيئي البحري الواسع من أضرار لا يمكن إصلاحها.