عقب اعتصام القبائل.. هل يفي الجيش المصري بوعده للمهجرين بشمال سيناء؟
تاريخ النشر: 29th, August 2023 GMT
شهدت منطقة شمال سيناء المصرية على مدار أيام؛ تجمعات غاضبة وتظاهرات من قبل المهجرين من رفح والشيخ زويد، للمطالبة بالعودة إلى منازلهم وأراضيهم المهجرين منها على إثر عمليات قسرية بدأت عام 2014، بدعوى الحرب على الإرهاب.
والمظاهرات التي بدأت الجمعة، تحت عنوان "جمعة العودة"، جرى تعليقها الأحد بعد تعهد من الجيش المصري بتمكين المهجرين من العودة يوم العاشر من تشرين الأول/ أكتوبر القادم، وذلك في أعقاب اجتماع جرى بين وجهاء القبائل الثلاث التي تسكن المنطقة، الرميلات، الترابين، والسواركة من جهة، وقائد الجيش الثاني الميداني، الذي يسيطر على شمال سيناء، محمد ربيع في مدينة العريش، من الجهة الأخرى.
وتطرح هذه الأزمة أسئلة عدة، أبرزها هل يفي الجيش بوعوده ويعيد المهجرين إلى منازلهم، وما هي نقاط القوة لدى القبائل المتضررة، وهل يذهب النظام إلى الالتفاف على هذه المطالب؟
"بداية الأزمة"
أزمة أهالي تلك المنطقة من سيناء، بدأت في تشرين الأول/ أكتوبر 2014، مع صدور قرار سيادي بإنشاء منطقة عازلة على الحدود مع قطاع غزة بطول 13.5 كلم، ما تبعه هدم جرافات الجيش مدينة رفح والقرى المحيطة، وإزالة نحو 1220 منزلا، وتجريف 150 فدانا من أشجار الزيتون.
ومن ذلك التاريخ ولنحو 9 سنوات جرى تهجير حوالي 2044 عائلة لمحافظات القناة والدلتا، لكنه وفي 23 كانون الثاني/ يناير الماضي، أعلن رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، أن مصر أصبحت خالية من الإرهاب، معلنا عن تنظيم احتفالية كبيرة بمدينة الشيخ زويد.
وأعاد هذا الإعلان الأمل في نفوس الأسر المهجرة للعودة إلى المنطقة الحدودية الحيوية التي تشرف على "معبر رفح البري" الشهير مع قطاع غزة والذي يمثل رواجا تجاريا وفرص عمل لكثير من الأهالي، وذلك مع توجه حكومي لإقامة مشروعات زراعية وحفر 1500 بئر مياه بأراضي رفح وتوطين شركات استثمارية فيها.
وتطالب القبائل المهجرة بالعودة إلى منازلهم بعد سنوات من عمليات الإخلاء القسري التي جرت لهم وهدم منازلهم والاستيلاء على أراضيهم ومزارعهم، دون تعويض عادل، منتقدين قيام الجيش بمنعهم من العودة، لصالح إطلاق مشروعات في مناطقهم السابقة.
"كسر حاجز الخوف"
مراقبون ومتحدثون لـ"عربي21"، رأوا أن مطالبة الأهالي بـ"حق العودة"، أمر مشروع، خاصة بعد إعلان السلطات نهاية الإرهاب في سيناء، وخطوة تكسر حاجز الخوف، لكنهم اعتبروا غضبة الأهالي وتجمعاتهم واعتصاماتهم أمر خطير، بفعل طبيعة أهالي سيناء القبلية ولحملهم السلاح، ما دفع قائد الجيش الثاني للاجتماع بقادة القبائل.
وذهبت مخاوف البعض إلى أن يكون تعنت الدولة مع أهالي سيناء سببا في عودة "تنظيم الدولة"، أو فرع التنظيم المعروف بـ"ولاية سيناء"، للنشاط بين الأهالي وتفجير أعمال عنف ومواجهات مجددة مع قوات الجيش والشرطة في سيناء، يدفع ثمنها الأهالي.
"تصاعد الأحداث؟"
وفي21 آب/ أغسطس الجاري، شهد تجمع عشرات السكان الذين نظموا وقفة احتجاجية سلمية في منطقة "المقاطعة" شرق سيناء، مطالبين السلطات بالسماح لهم بالعودة لمنازلهم وأراضيهم التي هُجروا منها قسرا منذ سنوات بدعوى محاربة الإرهاب.
تلك التظاهرات اتخذت شكلا وحجما أوسع بكثير يوم الجمعة الماضية، حيث تجمعت حشود من قبيلة "الرميلات" من النازحين والمهجرين قسرا من مناطق رفح والشيخ زويد شرق سيناء في اعتصام مفتوح أطلقوا عليه "جمعة العودة" لمطالبة السلطات بالسماح لهم بالعودة لأراضيهم، فيما دعوا أهالي رفح والشيخ زويد للانضمام إليهم.
وخلال تجمعات الجمعة، برز حديث أحد رموز قبيلة "الرميلات" الشيخ صابر الصياح، والذي قال مخاطبا السلطات المصرية: "نموت دون أرضنا، الموت ولا المذلة"، مشيرا إلى أن قائد الجيش الثاني الميداني اللواء محمد ربيع، وعدني "ألا أعمل في أرضي غفيرا أو عاملا".
وفي رده على ذلك الوعد، أعرب عن ألمه، قائلا إنه "يجري الآن تسليم أرضي للمستثمرين وتريدون مني السكوت؟"، متسائلا: "هل هناك جيش يمنع مواطنا يدخل أرضه أو ينام في بيته؟".
وفي تطور مثير للجدل والمخاوف من إجراءات أمنية أشد قسوة، قامت السلطات الأمنية المصرية السبت، بمنع تدفق أهالي رفح المهجرين القادمين من محافظات مصر المختلفة للالتحاق بخيمة الاعتصام في مدينة الشيخ زويد، وأغلقت أمامهم أكمنة الميدان والريسة والشلاق.
وأكد نشطاء أن قوات الأمن منذ الثالثة عصر السبت، قامت بالتحقق من بطاقات الهوية الشخصية للمسافرين، ومنعت مرور حاملي الهويات الشخصية المدون بها محل الإقامة "رفح".
وفي واقعة تماثل ما قامت به حكومة الرئيس الأسبق حسني مبارك خلال ثورة يناير 2011، قامت السلطات ظهر السبت، بقطع شبكات الاتصال عن مناطق مختلفة في رفح والشيخ زويد في محاولة للتضييق على المعتصمين، وهو الإجراء الذي يعاني منه أهالي سيناء منذ نحو 10 سنوات.
وحذر بيان منسوب لقبائل "الترابين" و"السواركة" و"الرميلات"، المقاولين من مدينة العريش ومن عموم مصر والعاملين في الشركات بمناطقهم من الاقتراب من أراضيهم والابتعاد عن "الشيخ زويد"، و"رفح"، أو العمل بهما.
وقال البيان الممهور باسم مجموعة باسم "حراس الأرض": "سنثأر من كل شخص أو شركة وسنحاسبه من ماله وعرضه في القريب أو البعيد".
أحدث التطورات، جاءت بقرار تعليق الاعتصام، بعد اجتماع طارئ بين ممثلي اعتصام أبناء قبيلة الرميلات وبين قائد الجيش الثاني الميداني اللواء محمد ربيع، وقادة من جهاز الخدمة السرية التابع للمخابرات الحربية، عصر السبت بمدينة العريش.
مؤسسة سيناء الحقوقية نشرت أن قرار تعليق الاعتصام جاء بعد تلقي المعتصمين وعودا بتحقيق مطالبهم، لافتة إلى طلب القيادات العسكرية من المعتصمين تشكيل لجنة تضم 10 ممثلين عن قبائل الرميلات والسواركة والترابين لعقد اجتماع آخر في القاهرة 20 تشرين الأول/ أكتوبر المقبل.
وما زال السؤال قائما، حول حقيقة ما يجري على أرض شمال سيناء منذ الأسبوع الماضي، وعن احتمالات أن تنتهي حالة الغضب واحتمالات اتساعها، والسيناريوهات التي قد تلجأ لها السلطات حتى لا تنفجر شرارة سيناء في وجه النظام.
"استعداء خطير"
وفي إجابته على تساؤلات "عربي21"، قال الباحث المصري في الشؤون الأمنية أحمد مولانا، إن "أحداث سيناء مرتبطة بوعود تلقتها القبائل من القوات المسلحة بأن المشاركة في مواجهة تنظيم الدولة ستكون مقابل عودتهم إلى قراهم عقب انتهاء الصراع، ولكن هذا ما لم يتم".
وأشار إلى أنه "مؤخرا وجد الأهالي (الهيئة الهندسية للقوات المسلحة) تتفقد بعض المناطق التي كان الأهالي يقيمون بها وسط ترديد كلام عن احتمال بناء مشروعات صوب زراعية ومشاريع أخرى؛ فاحتج الأهالي واعتصموا وطالبوا بلقاء قائد الجيش الثاني الذي التقاهم".
ولفت إلى أنهم "حصلوا على وعود من رئاسة الجمهورية بالعودة إلى أراضيهم بداية من 10 تشرين الأول/ أكتوبر المقبل، وسط حديث عن احتمال زيارة السيسي للمنطقة في احتفالات (6 أكتوبر) والإعلان عن ما يسمى بـ(الانتصار في الحرب ضد الإرهاب)".
وحول المخاوف من احتمال أن يقوم النظام بمواجهة مطالبة الأهالي بحق العودة لأراضيهم بالطرق الأمنية سواء الاعتقال أو توقيف بعض قياداتهم، أو حتى العنف والقتل، قال مولانا: "في ظني أن المواجهة الأمنية من الاعتقال والتوقيف أمر صعب".
وأكد أن "المطالب الحالية للأهالي مطالب واسعة وليست لأفراد، كما أن المحتجين كانت علاقتهم بالقوات المسلحة جيدة خلال السنوات الماضية"، مشددا على أن "التعامل القاسي أو الحاد معهم سيؤدي إلى إعادة تأجيج الأوضاع في سيناء".
وبشأن ما يثار عن احتمالات أن يظهر تنظيم الدولة مجددا، إلى جانب الأهالي، استبعد الباحث الأمني "عودة التنظيم الدولة أو أن يكون له نشاط"، مبينا أنه "أُنهك وتعرض لضربات قاضية بالسنوات الماضية".
ويرى أن "الضغوط التي يمارسها الأهالي على شكل اعتصامات ومن بعض رموز القبائل سيتم الاستجابة لها ولو جزئيا؛ لأنه لن يكون هناك مكسب أو استقرار بالمنطقة في جنوب رفح أو الشيخ زويد حال استعداء قبائل تسكن المنطقة منذ مئات السنين".
وسيناء بوابة مصر الشرقية وتصل مساحتها نحو 6 بالمئة من مصر، ويمثل حدها الغربي أهمية خاصة للتجارة العالمية حيث يوجد مجرى قناة السويس.
وتضم شبة جزيرة سيناء نحو 11 قبيلة هي: السواركة، والمساعيد، والسماعنة، والعيايدة، والرميلات، والبياضية، وبلّي، والأخارسة، والعقايلة، والدواغرة، والرياشات. فيما تقطن جميعها محافظة شمال سيناء وعاصمتها العريش، وجنوب سيناء وعاصمتها الطور.
"نقطة ساخنة"
وفي قراءته السياسية والأمنية والعسكرية للوضع في سيناء، قال السياسي المصري عمرو عادل، إن "شمال سيناء كانت منذ ما يقرب من 20 عاما نقطة ساخنة عانى أهلها معاناة شديدة مع الأنظمة الحاكمة، وشعب سيناء لم يعد بإمكانه إلا الغضب للحفاظ على ما تبقى من حقه الضائع".
رئيس المكتب السياسي للمجلس الثوري المصري، وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف: "ما زال المجتمع القبلي في سيناء قادرا على التصدي للدولة وهذه أحد أهم أوراق الضغط لديهم".
وأكد أن "هذا سيشكل ضغطا كبيرا على النظام لو لم يستطع اختراق هذا التجمع القبلي"، مشيرا إلى أن "النظام قبل ذلك فكك احتجاجات قبلية، كما حدث منذ أسابيع في مرسي مطروح ".
عادل الذي كان ضابطا في الجيش المصري سابقا، يعتقد أن "النظام قد يلجأ للعنف والاعتقالات لحل الأزمة إذا فشلت أدواته الناعمة في تفكيك الاحتجاجات"، مبينا أن "النظام لا يلجأ للعنف إلا في إحساسه بالخطر الشديد كما حدث عامي 2011 و2013".
وبالنسبة لموقف "تنظيم الدولة" المحتمل من احتجاجات الأهالي، يرى السياسي المصري، أن "الأمر ليس مباشرا لهذه الدرجة، فالعلاقة بين التنظيم والجماهير والنظام شديدة التعقيد، ومن الصعب الحكم على رد فعل التنظيم أو الجمهور تجاهه بدون معلومات أكثر تفصيلا من داخل سيناء".
وحول إمكانية استغلال غضب أهالي سيناء مع ما لدى المصريين من غضب مكتوم، قال عادل، إن "الشعب المصري كله يجب عليه التكاتف مع كل الاحتجاجات في أي مكان، حتى لا يترك المحتجين وحدهم أمام النظام، والقوى السياسية عليها توجيه الجماهير للبناء على الغضب المكتوم وأعتقد أنه سيكون قريبا".
"دعم حقوقي وشعبي"
وتأتي تظاهرات أهالي سيناء في توقيت يعبر فيه كثير من المصريين عن جام غضبهم من سياسات نظام السيسي، كاسرين حاجز الخوف عبر مواقع التواصل الاجتماعي بمقاطع فيديو غاضبة، ما زاد من حالة التعاطف مع أهالي سيناء.
مؤسسة سيناء الحقوقية من جانبها، أعلنت دعمها المطالب المشروعة لسكان مناطق رفح والشيخ زويد، ودعت الحكومة المصرية بعد إعلانها انتهاء عمليات مكافحة الإرهاب بالسماح الفوري غير المشروط لهم بالعودة لكامل أراضيهم ومنازلهم، مع دفع تعويضات تتناسب مع حجم الضرر الواقع عليهم.
كما أنها دعت الحقوقيين والإعلاميين إلى إظهار التضامن والدعم للنازحين من أهالي سيناء بالتدوين عبر وسم "حق العودة".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية سيناء المصرية الجيش السيسي مصر السيسي سيناء الجيش سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تنظیم الدولة تشرین الأول أهالی سیناء الشیخ زوید شمال سیناء فی سیناء إلى أن
إقرأ أيضاً:
القبيلة اليمنية تنتزع مكانتها الوطنية .. محطات خالدة
يمانيون /
تُعتبر القبيلة اليمنية من أقدم وأبرز المكونات الاجتماعية في اليمن، حيث لعبت عبر التاريخ دورًا أساسيًا في الحفاظ على الأرض والعرض، وضمان استقرار المجتمع اليمني في مواجهة مختلف التحديات. كانت القبيلة دائمًا النواة التي ينبثق منها النظام الاجتماعي والسياسي، وامتازت بقدرتها على التنظيم الذاتي والالتزام بقيم الشرف والكرامة، مما جعلها عنصرًا رئيسيًا في بناء الهوية الوطنية وحماية البلاد.
وتتمسك القبيلة اليمنية بهويتها الإيمانية العميقة، متجذرة في القيم الدينية والتقاليد العربية الأصيلة التي ترسخت عبر الأجيال. هذا التمسك بالهوية الإيمانية والتمسك بالعادات والتقاليد يمنح القبيلة قوة أخلاقية وروحية تضفي على مواقفها الوطنية عمقًا ومتانة، وتشكّل درعًا يحمي النسيج الاجتماعي من التفكك في أوقات الأزمات.
دور القبيلة اليمنية في دعم غزة ومساندة القضية الفلسطينية
مع تصاعد العدوان على غزة، برزت القبائل اليمنية كحاضنة قوية للقضية الفلسطينية، مؤكدين وقوفهم الثابت إلى جانب الشعب الفلسطيني في معركته ضد الاحتلال. لم يكن موقف القبائل مجرد تعاطف شعبي، بل كان ميدانياً من خلال المساهمة في عمليات الدعم المتعددة، ورفع شعارات النكف والوقوف المسلح، مؤكدين أن فلسطين قضية مركزية بالنسبة لهم تمثل ضمير الأمة وهويتها.
في مواجهة العدوان الأمريكي الإسرائيلي الذي استهدف اليمن، لم تكتفِ القبائل بالدعم الرمزي، بل أسهمت بشكل مباشر وفعّال في عمليات الإسناد العسكري للقوات المسلحة اليمنية. لعبت القبائل دورًا تكميليًا حاسمًا، حيث قدمت الدعم اللوجستي والقتالي الذي ساعد في التصدي لمحاولات العدو الساعية إلى إضعاف قدرات الجيش الوطني وتشتيت جهوده، خاصة في ظل الانشغال بقضية غزة. هذا التنسيق بين القبائل والقوات المسلحة كان من أبرز العوامل التي عززت قدرة اليمن على الصمود والمواجهة.
دعم القبائل القوات المسلحة
لم تقتصر مساهمة القبائل على الجانب العسكري فقط، بل تعدته لتشمل تقديم قوافل الدعم والإسناد المالي لكل من غزة والقوات المسلحة اليمنية. كان تنظيم حملات جمع التبرعات وتوفير الإمدادات الطبية والغذائية واللوجستية من أبرز أدوار القبائل، حيث تم نقل هذه القوافل عبر شبكات تنسيق محكمة، تعكس حرص القبائل على توفير كل ما يلزم لمواجهة العدوان ودعم الجبهة الداخلية والخارجية. هذا الدعم المستمر هو دليل على عمق التزام القبائل بقضايا الأمة والتزامها بتحقيق الانتصار.
ارتباط القبيلة اليمنية بالقيادة الثورية
القبيلة اليمنية لم تكن يومًا كيانًا منعزلاً عن السلطة أو القيادة السياسية، بل حافظت على ارتباط وثيق بالقيادة الثورية التي تقود المعركة الوطنية. هذا الارتباط تبلور في دعم القبائل المستمر للقيادة في كل مواقفها السياسية والعسكرية، ووقوفها خلفها بكل قوة لمواجهة التحديات التي تهدد الوطن. وقد أظهر هذا التنسيق الميداني والسياسي بين القبائل والقيادة الثورية مدى تلاحم القوى الوطنية في اليمن، حيث أصبحت القبيلة ركناً أساسياً في منظومة الدفاع الوطني والاستقرار السياسي.
فشل العدو الأمريكي والإسرائيلي ومحاولات اختراق القبيلة اليمنية
حاول العدو الأمريكي والإسرائيلي، بدعم من بعض الأنظمة العربية المتآمرة، اختراق القبيلة اليمنية بشتى الوسائل، بدءًا من الحرب المباشرة والتحريض، إلى الحرب الناعمة التي استهدفت تفكيك الروابط بين القبائل والقيادة الثورية والسياسية. شملت هذه المحاولات استخدام أدوات استخباراتية، دعم العملاء والجواسيس، وحملات التشويه الإعلامي بهدف عزل القبائل عن معركة الصمود الوطني.
إلا أن القبيلة اليمنية أظهرت قدرة استثنائية على التصدي لهذه المؤامرات. فقد استطاعت بفضل الترابط القبلي والتمسك بالهوية الوطنية والإيمانية أن تحافظ على وحدتها وتماسكها، وأن ترفض بشكل حاسم كل محاولات الانقسام والتفكيك. هذه المقاومة القوية جعلت من القبيلة اليمنية قوة صلبة لا يمكن اختراقها، ومصدر ثقة للقيادة الثورية التي وجدت فيها شريكًا استراتيجياً في حماية الوطن وتعزيز الجبهة الداخلية.
إن هذا النجاح في التصدي لمؤامرات العدو يعكس حكمة القبائل وقدرتها على التمييز بين المشاريع الاستعمارية والعملاء، مما يحفظ للساحة الوطنية توازنها ويعزز من فرص تحقيق الانتصار في الصراع المستمر.
دور القبيلة اليمنية في ثورة 21 سبتمبر وانتزاع مكانتها الوطنية
شكلت ثورة 21 سبتمبر محطة تاريخية بارزة أعادت للقبائل اليمنية مكانتها السياسية والاجتماعية بعد سنوات من التهميش النسبي. كانت القبيلة لاعبًا رئيسيًا في نجاح هذه الثورة، التي مثلت إرادة شعبية واسعة لاستعادة السيادة الوطنية واستعادة الحقوق المغتصبة. أظهر أبناء القبائل انخراطًا واسعًا في الفعاليات الشعبية والسياسية والعسكرية، ما أكسبهم احترامًا واعترافًا رسميًا بمكانتهم كركيزة أساسية في الدولة اليمنية الحديثة. هذه الثورة لم تعزز فقط دور القبيلة، بل أعادت دمجها بفاعلية في مجالات الأمن والسياسة والبناء الوطني.
الصمود والتضحيات.. دور القبيلة اليمنية في مواجهة العدوان
على مدى أكثر من عشرة أعوام، تحملت القبائل اليمنية أعباءً جسيمة في معركة الدفاع عن الوطن ضد العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي، مقدمة أروع صور البطولة والتضحية. شارك أبناء القبائل في العديد من الجبهات، وكانوا عماد الصمود الشعبي والعسكري في مواجهة الغزاة والمحتلين. تميزت القبائل بقدرتها على التعبئة والتنظيم، وتحملت خسائر بشرية ومادية فادحة في سبيل الحفاظ على الأرض والسيادة الوطنية. إن تضحيات القبائل اليمنية في هذه الحرب ليست مجرد أرقام أو أخبار، بل هي قصص بطولية ترسخ قيم الوفاء والوطنية الحقة.
القبيلة اليمنية اليوم ليست فقط قوة اجتماعية وتاريخية، بل هي ركيزة وطنية أساسية في الدفاع عن اليمن، وجسر وصل بين الماضي المجيد والحاضر المستمر في مواجهة التحديات. من دعم غزة إلى دعم القوات المسلحة، ومن مواجهة المؤامرات إلى ثورة 21 سبتمبر، ومن ثم الصمود والتضحيات في وجه العدوان، تؤكد القبائل اليمنية التزامها الثابت بحماية الوطن وتعزيز مكانته، مجسدة بذلك أروع صور الوحدة الوطنية والروح القتالية التي لا تقهر.