الطريق إلى الحسين: مواكب تتحدى الزمان والمكان
تاريخ النشر: 5th, July 2025 GMT
5 يوليو، 2025
بغداد/المسلة: تموج كربلاء هذه الأيام بسيل بشري هائل، يتقاطر من كل فجّ، يتقدمه الحزن العميق ويعقبه الولاء الطقوسي، في مشهد يتكرر كل عام لكنه لا يفقد ألقه ولا رمزيته.
وامتدت الساحات بين ضريحي الإمامين الحسين والعباس لتتحول إلى صحن واسع من الحنين، حيث تتعانق النذور والدموع والتراتيل، وتعلو أصوات “اللطميات” فيما يخرّ الحضور على صدورهم ضرباً وجدانياً يعبّر عن انغراس الحكاية في القلوب.
وأُقيمت سرادقات كبرى على جانبي الطرق المؤدية إلى المرقدين الشريفين، بعضها اتخذ طابعاً دينياً خالصاً، حيث تُلقى الخطب وتُروى واقعة الطف، وبعضها الآخر خدمياً ينصب القدور ويوزع الطعام والماء والشاي في مشهد من التكافل المذهل.
وقال أحد القائمين على موكب “أبو الفضل العباس” في تغريدة له على منصة X: “خدمتنا لا تنتهي، ولو وقفنا على أرواحنا.. الحسين علّمنا أن العطاء لا سقف له”.
واحتشد الزائرون من دول شتى، قادمين من باكستان، وإيران، ولبنان، والبحرين، والهند، والكويت، إضافة إلى الزوار المحليين، فيما تسجّل المواكب الحسينية حضوراً لافتاً للجاليات الشيعية في أوروبا وأمريكا وأستراليا، حيث تعاد الطقوس بذات الحماسة، وتُترجم الحكاية إلى لغات مختلفة، دون أن تفقد رمزيتها أو صلتها بالمظلومية الأصلية.
وتوالت أسماء المواكب بحسب سرد واقعة كربلاء، فموكب “علي الأكبر” يسبق موكب “أبي الفضل العباس”، وموكب “الطفل الرضيع” يتقدمه صراخ شجيّ لطفل ملفوف بالقماش الأخضر، بينما توزع القصائد والرثائيات بدقة كأنها تقاويم مشاعر مؤطرة. وأحدثت هذه التسميات نوعاً من التراتبية الشعائرية التي تنسج سردية الطف في الزمان والمكان.
وقال “حسين اللامي”، أحد المشاركين من محافظة البصرة، في تدوينة على إنستغرام: “أنا أجي كل سنة…. ما أرتاح غير بكربلاء، ما أشبع غير بحزن الحسين”، في إشارة إلى المسيرات الراجلة التي باتت ظاهرة بارزة، خاصة مع اقتراب الأربعين، حيث تجاوز عدد المشاة المسجلين في الأعوام الماضية 20 مليوناً بحسب الإحصائيات الرسمية.
واستعرض عدد من المغردين صور المشاعل الملتهبة التي يحملها الشبان ليلاً، وهم يجوبون الأزقة في صمت كئيب يخترقه صوت الطبول، مشهد يختصر إرثاً عمره أكثر من 13 قرناً.
وتمخضت هذه الطقوس عن استعادة رمزية قوية للتاريخ، وتحولت المسيرات إلى ما يشبه “متحفاً حيّاً” يتحرك في الشوارع، ناقلاً رواية الحسين من الجبل إلى المنبر، ومن السيف إلى الذاكرة.
وارتفعت الأصوات بين المثقفين والإعلاميين حول معنى استمرار هذه التقاليد في عصر الحداثة، لكن رواد المنصات الرقمية دافعوا عنها بقوة، فكتب الصحفي العراقي مرتضى التميمي: “الحسين ما كان طقس.. كان مشروع ضد الظلم، وكل دمعة عليه تجدد هذا المشروع”.
واحتضنت كربلاء هذا العام أكثر من 13 ألف موكب حسيني مسجل، بحسب بيان للعتبتين الحسينية والعباسية، فيما شارك آلاف المتطوعين من قوات الأمن والحشد والهيئات الخدمية في تنظيم الحشود وتقديم الدعم اللوجستي.
وأصبحت المدينة نموذجاً حياً للتنسيق الشعبي والديني في مشهد مذهل يجمع بين الألم والاحتفاء.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post AuthorSee author's posts
المصدر: المسلة
إقرأ أيضاً:
النسخة الأفضل من منتخب الأردن تتحدى تاريخا من التفوق العراقي في كأس العرب
ستكون مباراة دور الثمانية من بطولة كأس العرب لكرة القدم، بين الأردن والعراق، فرصة مواتية للمنتخب الأردني من أجل استغلال أفضليته والحالة الفنية العالية التي يعيشها في السنوات الأخيرة، من أجل كسر تاريخ من التفوق العراقي في المواجهات المباشرة بينهما.
ويتقابل منتخبا الأردن والعراق مساء غد الجمعة في دور الثمانية من البطولة التي تستضيفها قطر حتى 18 ديسمبر الحالي، حيث قدم المنتخب الأردني بقيادة مدربه المغربي جمال سلامي أداء مميزا ونتائج مذهلة جعلته المنتخب الوحيد في المجموعات الأربعة للبطولة الذي يتأهل بالعلامة الكاملة في صدارة الترتيب.
حقق النشامى الفوز على الإمارات 2 / 1 في مستهل مشوار البطولة، ثم على الكويت 3 / 1، وحتى أمام منتخب مصر عندما لعبت الأردن بالصف الثاني من اللاعبين عقب ضمان التأهل، لم يغب الفوز أيضا، بل كان الأكبر بنتيجة 3 / صفر.
وساهمت العروض الأردنية القوية في أن يكون هذا المنتخب مرشحا فوق العادة لنيل اللقب العربي لاسيما أنه وصيف النسخة الماضية من بطولة كأس آسيا، بينما يواجه منافسوه الأبرز بعض النواقص الفنية مثل المغرب والجزائر والسعودية، جعلتهم يتعرضون لعثرات في مشوار البطولة.
وأمام المنتخب العراقي يأمل الأردن في محاولة تغيير التاريخ الذي ينحاز بشكل واضح للعراق، بواقع 21 انتصار و8 هزائم و5 تعادلات فقط.
وينشد المنتخب الأردني انتصاره التاسع على العراق، في جميع المناسبات التي التقيا فيها، علما بأن المنتخبين تقابلا في تصفيات كأس العالم وحسم التعادل صفر / صفر المباراة الأولى، بينما فاز منتخب العراق 1 / صفر في الثانية.
لكن المواجهة الإقصائية التي لا تقبل القسمة على اثنين في دور الثمانية لكأس العرب، تعيد إلى أذهان الأردن التفوق على العراق 3 / 2 في دور الـ16 من بطولة كأس آسيا 2023.
وأصبح المدرب المغربي جمال سلامي، الذي يسير بثبات على درب مواطنه الحسين عموتة الذي قاد الأردن لنهائي تاريخي في كأس آسيا، أمام حيرة فنية بشأن العناصر التي يختارها لمواجهة العراق خاصة مع تألق الصف الثاني من اللاعبين ضد مصر على غرار محمد أبو حشيش وعدي الفاخوري وغيرهم، مع وجود عناصر لا غنى عنها مثل يزن النعيمات وعلي علوان.
في المقابل فإن الأسترالي جراهام أرنولد مدرب العراق يدرك جيدا أن التاريخ وحده ليس كافيا لأن يعول عليه المنتخب في سبيل تحقيق تفوق جديد على الأردن.
ومثلما تأهل المنتخب الأردني لأول مرة تاريخيا إلى نهائيات كأس العالم، فإن المنتخب العراقي بات على أعتاب التأهل للمونديال، وتنتظره مرحلة الملحق في مارس المقبل، ليكون ذلك إنجازا ملموسا للمدرب الأسترالي الذي يعتمد مدرسة الواقعية في الأداء ويعرف جيدا قدرات لاعبيه وظهرت بصماته سريعا مع المنتخب.
وفي المباراة الأخيرة بدور المجموعات ضد الجزائر، ورغم النقص العددي منذ الدقيقة 5 لطرد حسين علي، أظهر المنتخب العراقي شخصية قوية، وكان ندا بـ 10 لاعبين للجزائر.
ويأمل أرنولد في استمرار تألق نجومه على غرار أيمن حسين ومهند علي وعلي جاسم وأمجد عطوان، ولن يجد المدرب الأسترالي فرصة أفضل من كأس العرب كدفعة معنوية وفنية قوية للاعبيه قبل الملحق المونديالي.