رصاصة في قلب الإنسانيّة
تاريخ النشر: 22nd, July 2025 GMT
ريتّا دار
قرأت ذات مرّة سؤالًا استنكاريًّا عالقًا في فضاء الإنترنت: "لماذا حين ينكسر قلب، لا يتوقّف الكوكب لثانية، احترامًا لكارثيّة الأمر؟!".
أعدت قراءته بصمت وكأنّني عثرت فيه على مرآة صغيرة.
فكم مرّة انكسر القلب، ومرّ العالم كأنّ شيئًا لم يكن؟
وكم مرّة مات إنسان، وضحكات التّلفاز في البيت المجاور مسموعة.
لكنّني أريد أن أضيف لهذا السّؤال: وماذا عن الموت؟
لماذا حين يُنتزع إنسان من الحياة، لا تتوقّف السّماء عن إرسال شمسها، أو الرّيح عن بعثرة أوراق الأشجار؟
لماذا لا يرتبك الضّوء؟ لا يختنق الهواء؟
لماذا لا يفقد النّاس شهيّتهم للحياة لدقيقة واحدة فقط، احترامًا لمن خُلع من الحياة بقوّة وغدر؟
الموت بطبيعته، حدثٌ فاصل.
مُوجع، لكنّه جزء من النّسيج الكونيّ، مثله كمثل تعاقب الفصول الأربعة، أو الّليل والنّهار. يُولد الإنسان ويكبر، ثمّ ينطفئ. يموت الكبار بعد أعمار مديدة، ويموت بعض الأطفال سريعًا كومضة. يموت النّاس من أمراض خبيثة، من فواجع الطّبيعة، من أخطاء لم تكن مقصودة.
كلّ ذلك، رغم قسوته، مفهوم. مُؤلم نعم، لكنّه منسجم مع محدوديّة الحياة.
لكن ما لا أفهمه، ولا أستطيع أن أدرّب قلبي على تقبّله، هو الموت الناتج عن القتل. القتل بحدّ ذاته كفعل يقرّر فيه الإنسان أن يقف أمام حياة شخص آخر، ويقطعها من المنتصف، كما لو كان يمزّق ورقة لا تعنيه.
القتل سلوك غير طبيعيّ
ليس لأنّ ضحاياه أبرياء فقط، بل لأنّه كسر لكلّ ما فينا من معانٍ. إنّه ضدّ الحبّ، ضدّ الطّبيعة، ضدّ الفطرة، ضدّ الرّحمة.
كلّما قرأت رقمًا في نشرة إخباريّة عن ضحايا حرب هنا أو هناك، أرى الوجوه خلف تلك الأرقام. أُمّهات، أطفال، شباب لم تكتمل ضحكاتهم. حين أسمع عن قصف، أو حادثة طعن، أو تفجير، أفكّر في وجه الشّخص الّذي لم يكن يعرف أنّ هذا هو صباحه الأخير. أفكّر في الحذاء الّذي نُسي في زاوية ما، في الهاتف الّذي ظلّ يرنّ، في الرسائل الّتي لم يمنح القاتل المقتول لحظة ليقرأها.
والمثير للسخرية حقّاً أنّ الإحصائيّات الحديثة تقول إنّ عدد وفيّات الحروب في القرن الحالي، رغم فداحته، لا يُحدث تغييرًا جذريًّا في معدّلات الوفيّات العالميّ، لأنّ سكّان العالم باتوا بالمليارات.
لكن هل يُقاس الحزن بالحجم والكمّ؟
هل يصبح الألم أقلّ لأنّ البشر أكثر؟
إنّ موتًا واحدًا غير طبيعيّ كفيل بأن يهزّ جدار الرّوح، فكيف بملايين!
منذ سنوات، لا أقف على قدمي، بل على قلبي.
قلبي الّذي ما زال يحمل في تجاويفه صور من رحلوا.
لا أحد علّمني كيف أتعامل مع الموت حين يكون مفاجئًا، عنيفًا، وعبثيًّا.
كلّ موت غير طبيعيّ يؤلمني.
ليس فقط لأنّه شاذّ، بل لأنّه انتهاك للمنطق الإنسانيّ.
نحن نُولد لنعيش. نُخلق لنُعانَق ونُحَبّ، لا لنُقتل.
حين تُقتل حياة أيّ كائن حيّ -حتّى شجرة- بيد بشر، يموت جزء في كلّ واحد منّا، حتّى لو لم نعرف الضّحيّة يومًا.
وحين نعتاد على ذلك، حين نُصبح قادرين على تقبّل الخبر والانتقال مباشرة إلى ما بعده، فهذا يعني أنّ ضررًا عميقًا أصاب إنسانيّتنا.
الموت حقّ، نعم.
لكنّ القتل ظلم.
وما بين الموت والقتل، يقف الإنسان مذهولا، مُتألّما، عاجزا، لا على قدميه.. بل على قلبه.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
بسبب القتل في الفاشر.. بريطانيا تفرض عقوبات على قادة في الدعم السريع
فرضت بريطانيا عقوبات على كبار قادة قوات الدعم السريع السودانية، متهمة إياهم بالتورط في عمليات قتل جماعي وعنف جنسي بشكل ممنهج وهجمات متعمدة على المدنيين في السودان، وطالت العقوبات "نائب قائد قوات الدعم عبد الرحيم دقلو، قائد قطاع شمال دارفور اللواء جدو حمدان، القائد تيجاني إبراهيم موسى، والفاتح عبدالله إدريس المعروف بـ(أبو لولو)".
Britain sanctioned senior commanders of Sudan's paramilitary Rapid Support Forces on Friday, over what it said were their links to mass killings, systematic sexual violence and deliberate attacks on civilians in the African country. https://t.co/qLl1LxAIYV — Reuters Africa (@ReutersAfrica) December 12, 2025
وقالت الحكومة البريطانية إن هؤلاء القاعدة يُشتبه في تورطهم بهذه الجرائم، باتوا يواجهون تجميد أصول وحظر سفر، وقالت وزيرة الخارجية البريطانية إيفيت كوبر في بيان "الفظائع المرتكبة في السودان مروعة إلى حد أنها تترك ندبة في ضمير العالم... والعقوبات التي نعلنها اليوم ضد قادة قوات الدعم السريع تشكل ضربة مباشرة لأولئك الذين تلطخت أيديهم بالدماء".
وتأتي هذه العقوبات بعد أن اقترحت الولايات المتحدة والإمارات ومصر والسعودية في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي خطة لهدنة لمدة ثلاثة أشهر تليها محادثات سلام، وردت قوات الدعم السريع بقبول الخطة، لكنها سرعان ما شنت غارات جوية مكثفة بطائرات مسيرة على مناطق تابعة للجيش.
معاقبة شبكة تجند مقاتلين من كولومبيا
وفرضت الولايات المتحدة، الثلاثاء عقوبات على شبكة عابرة للحدود تُجند عسكريين كولومبيين سابقين وتدرب جنودًا بينهم أطفال للقتال في صفوف قوات الدعم السريع، وذكرت وزارة الخزانة الأمريكية في بيان، أنها فرضت عقوبات على 4 أفراد و 4 كيانات ضمن الشبكة، التي قالت إنها تتألف في معظمها من مواطنين وشركات كولومبية.
BREAKING: The US government has imposed sanctions on a network that is fueling the conflict by recruiting former Colombian military personnel to train soldiers—including children—to fight for the Rapid Support Forces, a Sudanese paramilitary group.
"The Rapid Support Forces have… — Harun Maruf (@HarunMaruf) December 9, 2025
وأفادت بأن العقوبات على الشبكة تُعطل مصدرًا مهمًا للدعم الخارجي لقوات الدعم، ما يُضعف قدرتها على استخدام مقاتلين كولومبيين مهرة ضد المدنيين. واتُهمت قوات الدعم السريع باستهداف المدنيين وقتل الرجال وحتى الرضع، كما استهدفت النساء والفتيات عمدًا ومارست بحقهن الاغتصاب. وأكدت الوزارة في بيانها أنها ستعمل بالتنسيق مع دول المنطقة لإنهاء هذه الفظائع وتحقيق الاستقرار في السودان.
دعوة لقبول الهدنة
من جانبه، أكد مبعوث الرئيس الأمريكي إلى أفريقيا مسعد بولس، أن واشنطن تحاسب مرتكبي الفظائع بالسودان، داعياً الأطراف السودانية إلى قبول الهدنة لوقف العنف في البلاد، وكتب عبر حسابه على منصة "إكس": " تُحمّل الولايات المتحدة المسؤولية لأولئك الذين يرتكبون الفظائع في السودان".
Today, the United States is holding accountable those who commit atrocities in Sudan. The parties must accept a humanitarian truce to halt the violence and end external military support from transnational networks of murderers like the Colombians we sanctioned today. These… — U.S. Senior Advisor for Arab and African Affairs (@US_SrAdvisorAF) December 9, 2025
وأضاف "يجب على الأطراف القبول بهدنة إنسانية لوقف العنف وإنهاء الدعم العسكري الخارجي من الشبكات العابرة للحدود التي تضم قتلة، مثل الكولومبيين الذين فُرضت عليهم العقوبات"، مضيفًا "تعكس هذه الإجراءات التزامنا بدعم السلام ومساندة الشعب السوداني".
الملايين يواجهون انعدام الغذاء
من جانبه، أعلن مدير العمليات في منظمة أطباء بلا حدود كينيث لافيل، انهيار كل الأنظمة التي تحفظ الحياة في السودان، محذرًا من أن نحو 9 ملايين يواجهون انعدام الأمن الغذائي في السودان، يأتي هذا في وقت أكد فيه وزير الصحة السوداني هيثم محمد إبر اهيم، أن السودان يسجل أكثر من 3 ملايين إصابة سنويًا بالملاريا مع معدلات وفيات عالية، وفقًا للإحصاءات الرسمية المسجلة في المستشفيات.
الأمم المتحدة تحذر من أن المدنيين في منطقتي #دارفور و #كردفان لا يزالون يواجهون عنفا متصاعدا وعشوائيا،
وتجدد الدعوة لكافة أطراف النزاع في #السودان إلى وقف الهجمات على المدنيين فورا، والالتزام بالمبادئ الأساسية للقانون الدولي الإنساني.https://t.co/B8ikEvX8gk — أخبار الأمم المتحدة (@UNNewsArabic) December 11, 2025
وأفاد شهود عيان بأن ولاية شمال كردفان باتت تحتضن العدد الأكبر من النازحين، وتؤوي حاليًا نحو 864 ألف شخص، ووفق مفوضية العون الإنساني في الولاية فإن قرابة 82 ألف نازح يقيمون داخل مراكز الإيواء، بينما تتوزع البقية بين مجتمعات مضيفة والأقارب.