«البيئة- أبوظبي» تجدد الدعوة لإنقاذ غابات القرم
تاريخ النشر: 27th, July 2025 GMT
أبوظبي (الاتحاد)
تزامناً مع اليوم العالمي لصون أشجار القرم، الذي يُحتفى به سنوياً بهدف رفع الوعي العالمي بأهمية هذه النظم البيئية الساحلية، وتعزيز الجهود الدولية لحمايتها واستعادتها، جددت هيئة البيئة -أبوظبي الدعوة إلى توحيد الجهود من أجل الحفاظ على هذا المورد الحيوي، إذ تعد غابات القرم خط دفاعٍ طبيعياً في مواجهة ارتفاع منسوب البحار، وتشكل حاجزاً فعالاً أمام الأعاصير والعواصف، كما تُعد موائل حيوية تدعم التنوع البيولوجي البحري، فضلاً عن كونها أحد الحلول القائمة على الطبيعة للمساهمة في مواجهة التغيرات المناخية والحد من الانبعاثات الكربونية، وبالتالي فإن فقدانها يعد خسارة بيئية لا يمكن تعويضها، وحمايتها لم تعد خياراً، بل أصبحت ضرورة عالمية مُلحة.
في ديسمبر الماضي، اجتمع أكثر من 300 خبير وصانع قرار وقائد مجتمعي في أبوظبي لإيصال رسالة واضحة مفادها: «إننا نسابق الزمن لإنقاذ أشجار القرم».
جاء ذلك خلال المؤتمر الدولي الأول لصون أشجار القرم وتنميتها، الذي نظمته هيئة البيئة -أبوظبي تحت مظلة «مبادرة القرم- أبوظبي»، حيث حذر ممثلون من 82 دولة من أن نحو 50% من غابات القرم العالمية معرضة لخطر الزوال بحلول عام 2050 نتيجة للضغوط البشرية المتزايدة. وأكدت مداخلاتهم ضرورة اتخاذ إجراءات جماعية عاجلة لحماية هذه النظم البيئية الحيوية، وإعادة تأهيل المتضرر منها، وتعزيز الممارسات المستدامة في إدارتها.
وسلط المؤتمر الضوء على الدور الريادي لإمارة أبوظبي كمركز عالمي رائد متخصص بعلوم أشجار القرم وجهود تأهيلها.
ومن خلال مبادرة القرم – أبوظبي، التي تقودها هيئة البيئة - أبوظبي وتُعدُّ برنامجاً شاملاً يضمُّ جميع المشاريع والأبحاث المعنية بحماية واستعادة أنظمة القرم والكربون الأزرق في الإمارة، وبالتعاون مع التحالف العالمي لأشجار القرم، والمجموعة المتخصصة لأشجار القرم التابعة للاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة، وبرنامج العقد العالمي للكربون الأزرق للمحيطات، إلى جانب الشركاء الدوليين الآخرين، شدد المؤتمر على الحاجة الملحة لتسريع الجهود العالمية لحماية أشجار القرم وإعادة تأهيلها، مع إبراز مكانة دولة الإمارات الرائدة في الابتكار، والبحث العلمي، والاستعادة البيئية على نطاق واسع.
على الرغم من التحذيرات الجادة، فقد بث المؤتمر شعوراً بالتفاؤل، إذ إن الإنجازات العلمية، والمبادرات المجتمعية المثمرة، ترسم ملامح مستقبل تضمن فيه استدامة أشجار القرم، بل وتعود لتزدهر على نطاق واسع.
نهج علمي
خلال العقود الثلاثة الماضية، فقد العالم أكثر من مليون هكتار من غابات القرم. ومع ذلك، يشير خبراء المركز الدولي لأبحاث القرم إلى أن نحو 70% من هذه المساحات، أي ما يزيد على 800 ألف هكتار، لا تزال قابلة لإعادة التأهيل. وضمن هذا السياق يبرز نهج «إعادة التأهيل البيئي لأشجار القرم»، وهو نهج علمي يرتكز على المشاركة المجتمعية ومراعاة العمليات الطبيعية. ويولي هذا النهج أولوية لمعالجة الأسباب الجذرية للتدهور، مثل تعزيز التدفق الطبيعي للمياه، وتحسين جودة التربة، وضمان انتظام حركة المد والجزر، بما يسمح لأشجار القرم بالتجدد الطبيعي.
وتؤكد الدراسات العلمية أن الطبيعة تمتلك قدرة فطرية على التعافي متى ما أُتيحت لها الظروف المناسبة، دون الحاجة إلى تدخل بشري، وإنما فقط من خلال حماية المواقع أو عبر إعادة تأهيل الأنظمة الهيدرولوجية. وعندما تتولى الطبيعة زمام المبادرة، تكون النتيجة غابات أكثر قوة، وتنوعاً بيولوجياً أكثر ثراءً، ومرونة راسخة في مواجهة التحديات المناخية.
في هذا الإطار، تبرز أهمية برامج إعادة تأهيل أشجار القرم المبنية على أسس علمية دقيقة، والتي تعد من أبرز أدوات التدخل الإيجابي لتسريع وتيرة التعافي البيئي. إذ تسهم هذه البرامج، عبر اختيار المواقع المناسبة واعتماد الأنواع المحلية وتطبيق تقنيات الزراعة الحديثة، في إعادة تأهيل الموائل المتضررة، وتعزيز قدرة هذه النظم البيئية على التكيّف مع التغيرات المناخية والضغوط المستمرة.
الاستثمار في غابات القرم
سلَّط المؤتمر الضوء على التحديات المالية الكبرى التي تعيق توسيع نطاق جهود إعادة تأهيل غابات القرم على المستوى العالمي، مؤكداً أن تحقيق التأثير المطلوب يستلزم تسريع وتيرة تدفق الاستثمارات من مصادر متنوعة تشمل الحكومات، والقطاع الخاص، والمؤسسات الخيرية.
وفي هذا الإطار، برزت مبادرة «تنمية القرم»، التي أُعلن عنها خلال مؤتمر الأطراف السابع والعشرين (COP27)، والرامية إلى جمع 4 مليارات دولار لصون وإعادة تأهيل غابات القرم بحلول عام 2030. وتمثل هذه المبادرة خطوة محورية لسد الفجوة بين السياسات، والتمويل، والتنفيذ.
ومع ذلك، شدد المشاركون على أن التمويل لا يجب أن يقتصر على النماذج التقليدية المعتمدة على أرصدة الكربون فحسب، بل ينبغي تطوير آليات مالية شاملة تعكس القيمة الحقيقية والمتكاملة لخدمات النظام البيئي لأشجار القرم، بدءاً من حماية التنوع البيولوجي، ووصولاً إلى تقليل مخاطر الكوارث. كما دعوا إلى توجيه التمويل نحو مشاريع طويلة الأمد تستند إلى أسس علمية، وتنفذ بالشراكة مع المجتمعات المحلية.
يفرض علينا الواقع تحدياً صارخاً يتمثل في حاجتنا إلى 8 تريليونات دولار من الاستثمارات لمواجهة أزمة فقدان التنوع البيولوجي، ويتعين علينا مضاعفة التمويل السنوي المخصص للطبيعة أربع مرات بحلول عام 2050. فالمشاريع الصغيرة، رغم أهميتها، لا يمكنها وحدها تلبية هذا التحدي، لذا، فإن توسيع نطاق الاستثمار هو الحل الأمثل.
وفي هذا السياق، يعد برنامج شراكة «مبادرة القرم- أبوظبي» أحد النماذج الواعدة، إذ يتيح للمؤسسات في الإمارة وخارجها التعاون لتنفيذ مبادرات مشتركة لإعادة تأهيل وحماية أشجار القرم، مما يعزز قدرتها على إحداث تأثير إيجابي ملموس.
نهج تكاملي
أكد المؤتمر أن حماية أشجار القرم لا يمكن أن تتم بمعزل عن النظم البيئية والمجتمعات المحيطة بها. وتبنّى الخبراء نهجاً متكاملاً لإدارة المناطق الساحلية والبحرية، يركز على استعادة الممرات البيئية التي تربط أشجار القرم بالأعشاب البحرية والشعاب المرجانية، إلى جانب ضمان سلامة مجاري الأنهار التي تغذي هذه النظم الحيوية.
كما شدد المؤتمر على أهمية وضع المجتمعات المحلية في صميم الاستراتيجيات المستقبلية لصون أشجار القرم، انطلاقاً من مبدأ أن نجاح جهود الحماية لا يكتمل إلا إذا كان بقيادة المجتمعات ومن أجلها.
وعليه، فإن إشراك المجتمعات التي تعتمد على أشجار القرم في مصايد الأسماك، والحماية من العواصف، وسبل العيش، يتطلب ضمان توفير برامج لبناء القدرات، وتنويع مصادر الدخل عبر أنشطة، مثل السياحة البيئية والمصائد المستدامة. فعندما تمنح المجتمعات الأدوات اللازمة للازدهار، تزدهر معها أشجار القرم. أخبار ذات صلة
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: أبوظبي الغابات البيئة أشجار القرم الإمارات القرم النظم البیئیة لأشجار القرم أشجار القرم غابات القرم إعادة تأهیل هذه النظم
إقرأ أيضاً:
سيراليون جوهرة غرب أفريقيا… غابات مطيرة وشلالات متدفقة
تعتبر سيراليون بمنزلة جوهرة غرب أفريقيا، حيث إنها تتمتع بطبيعة خلابة تأسر الألباب، والتي تتنوع بين غابات مطيرة كثيفة وشلالات متدفقة وسواحل بكر وشواطئ ذهبية.
ومع تزايد الوعي العالمي بأهمية الاستدامة والحفاظ على البيئة، برزت السياحة البيئية كفرصة محورية لسيراليون لتحقيق التنمية الاقتصادية مع حماية تراثها الطبيعي والثقافي للأجيال القادمة.
ويتعين على السياح، الذين يصلون إلى مطار "لونجي" الدولي ويتجهون إلى العاصمة "فريتاون"، ركوب العبّارات القديمة أو أحد القوارب السريعة الصغيرة، وقطع بضعة كيلومترات في المحيط الأطلسي.
وعند الوصول إلى الرصيف يخطو السياح في مدينة خلابة تقع على طرف شبه الجزيرة، وتضم بعض المتاحف البسيطة والمطاعم والحانات اللطيفة على طول الشواطئ. ويكتشف السياح أعظم كنوز سيراليون خارج حدود المدينة، ألا وهي الطبيعة الخلابة.
مشروع حماية الشمبانزييقع مشروع حماية الشمبانزي "تاكو جاما" على مشارف العاصمة فريتاون، ويعيش في هذه المنطقة أكثر من 100 حيوان، ويتمكن السياح من سماع أصوات القردة من مسافة بعيدة.
وأوضح مؤسس المشروع "بالا أماراسيكاران" قائلا "في السابق كان يتم صيد قرود الشمبانزي لأغراض التسلية والترفيه، ولا يزال هناك بعض الأشخاص يأكلون لحوم القرود حتى الآن". وقد قام مدير المشروع مع فريقه بإنقاذ العديد من هذه الحيوانات.
ويشاهد السياح صغار الشمبانزي وهي تلعب في حظيرة صغيرة وتتسلق الحبال وجذوع الأشجار، وتراقب الزوار باهتمام. وتعيش قرود الشمبانزي الأكبر سنا في حظائر كبيرة ذات أشجار كثيفة، وعادة لا يتمكن السياح من مشاهدتها إلا أثناء فترات التغذية.
إعلانويعتمد مشروع حماية الشمبانزي "تاكو جاما" في تمويله على السياحة البيئية إلى جانب مصادر تمويل أخرى. وبالإضافة إلى الجولات السياحية المصحوبة بمرشدين في الموقع، يُنظم "بالا أماراسيكاران" وفريقه العديد من الفعاليات الأخرى مثل جلسات اليوغا وحفلات الجاز، وبطبيعة الحال يتم توفير خدمات المبيت في أماكن إقامة بسيطة وصديقة للبيئة.
ودائما ما تظهر الأراجيح المعلقة بين الأشجار، والتي تدعو السياح للاسترخاء بها، ولا يسمع السياح سوى صوت الشمبانزي وأصوات الغابة، وأضاف مؤسس المشروع قائلا: "من خلال وجودنا هنا تمكنا من حماية المنطقة، لأن كل من يأتي إلى هنا يعارض التدمير".
ونظرا لأن السياحة البيئية تعد من الأمور بالغة الأهمية لمشروع "تاكو جاما"، فإن "بالا أماراسيكاران" يعمل على توسيع المشروع من خلال إنشاء مركز تدريب وقاعة سينما ومسرح في الهواء الطلق، ومن المتوقع أن تعود مثل هذه المشروعات على السكان المحليين بمكاسب مالية.
جزيرة "تيواي"وعلى هذا النهج يسعى "بالا أماراسيكاران" إلى التعاون مع وزارة السياحة في سيراليون لإنشاء مسار متكامل للسياحة البيئية في جميع أنحاء البلاد، لأن الحماية لا تقتصر على قرود الشمبانزي، ولكن هناك العديد من الحيوانات الأخرى المهددة بالانقراض بشدة مثل فرس النهر القزم.
ولا تزال هذه الحيوانات تعيش في المنطقة المحيطة بجزيرة "تيواي"، وتستغرق الرحلة من فريتاون بالسيارة نحو 5 ساعات حتى الوصول إلى هنا، وتفتقر سيراليون إلى وجود شبكة مواصلات عامة جيدة، وغالبا ما تكون الطرق في حالة سيئة خارج المدن الكبرى، ويمكن للسياح هنا معايشة مغامرات مثيرة.
وتقع جزيرة "تيواي" بين نهرين على حافة غابة مطيرة، وتبرز الأشجار الضخمة نحو السماء، وتصدح أصوات الحشرات في كل مكان، وتعتبر هذه الجزيرة مقصدا لعشاق الطيور في المقام الأول، نظرا لأنه يعيش بها أكثر من 135 نوعا، كما أنها تضم أحد أعلى تجمع الرئيسيات في العالم، ويمكن للسياح أثناء التجول في الجزيرة سماع أصوات القرود ورؤيتها وهي تقفز بين قمم الأشجار.
وتعتبر جزيرة "تيواي" محمية طبيعية وتضم محطة أبحاث ملحقة بها، وتُدر دخلا من خلال السياحة البيئية، ولكن تجهيزاتها ومرافقها أكثر بساطة من مشروع "تاكو جامع".
وتنتشر بالجزيرة عدة أجنحة تضم عدة أسرة بدون بطانيات أو وسادات، بالإضافة إلى الكبائن المشتركة للدش والمرحاض، ولا يوجد بها كهرباء ولا تغطية لشبكات الاتصالات الهاتفية الجوالة.
وعلى الرغم من انعدام وسائل الراحة، فإن السياح ينعمون بالطبيعة الخلابة، حيث يمكنهم هنا الانطلاق في جولات التجول في الغابة أو الاستمتاع برحلات بالقارب في النهر المحيط بالجزيرة.
الغابة المطيرة "جولا"ويمكن للسياح بعد ذلك الذهاب إلى الغابة المطيرة "جولا" الواقعة على الحدود مع ليبيريا، وتعتبر هذه الغابة موطنا لفيلة الغابات وظباء الحمار الوحشي، وهي عبارة عن ظباء صغيرة في الغابات، وسُميت بهذا الاسم بسبب الخطوط الموجودة على فرائها، ولكن يصعب على السياح أيضا مشاهدة هذه الحيوانات النادرة في الغابة المطيرة ذات الأشجار الكثيفة.
ولكن حتى مع اختباء ظباء الحمار الوحشي أو فرس النهر القزم فإن الطبيعة البكر في سيراليون تبهر السياح، ولكن الأمر قد يحتاج إلى بعض الرحلات الشاقة في بعض الأحيان.
إعلانكما يمكن الاستمتاع بتجربة أكثر استرخاءً على الشواطئ الحالمة ذات المياه الصافية الرقراقة، والتي تمتد على طول الساحل جنوب العاصمة، وقد يتواجد السائح على هذه الشواطئ بمفرده، ومن ضمن هذه الشواطئ "بلاك جونسون بيتش" أو "بوريه بيتش".
جزر الموزبالإضافة إلى وجود الكثير من الجزر الصغيرة، والتي تروي تاريخ سيراليون مثل جزر الموز "بانانا آيلاندز"، وهي عبارة عن 3 جزر متصلة، وأفضل وسيلة للوصول إليها استخدام القوارب من بلدة "كينت" الصغيرة.
وقد كانت هذه الجزر من أهم مراكز تجارة الرقيق في الفترة بين القرن السادس عشر والتاسع عشر، حيث كانت السفن تنطلق من هنا محملة بالعبيد إلى أميركا، وخلال الجولات السياحية يشاهد السياح الآثار التاريخية لتلك الحقبة، بالإضافة إلى آثار التاريخ الاستعماري.
ويعتمد سكان جزر الموز "بانانا آيلاندز" في معيشتهم على صيد الأسماك والنشاط السياحي، وهنا ينعم الزوار أيضا بالتجول وسط الغابات الكثيفة ومشاهدة القرود والطيور، إلى جانب أنشطة السياحة البيئية فائقة الجودة، حيث يقدم منتجع "بافا ريزورت" خياما كبيرة وفاخرة مع شرفات خشبية تطل على البحر.
وأوضح ساهر بويا، مدير منتجع "بافا ريزورت" قائلا: "يتعلق الأمر هنا بحماية البيئة والعمل مع السكان المحليين، حيث نقوم بشراء الطعام منهم، ويعمل الكثير منهم لدينا في المنتجع". وتبلغ تكلفة المبيت في هذا المنتجع الفاخر 100 دولار أميركي لليلة الواحدة.