5 أغسطس، 2025

بغداد/المسلة: وسط أجواء سياسية مشبعة بالوعود ومشحونة بالعطش، يشد المسؤولون العراقيون الرحال تباعاً إلى أنقرة، وكلهم يحمل ملف “الإطلاقات المائية” من تركيا كأنّه ورقة خلاص، أو طوق نجاة لمحافظاتهم الظمأى. وها هو محافظ البصرة أسعد العيداني يدخل ذات الدائرة المغلقة، حاملاً همّ الجنوب الذي تزداد فيه معاناة الأهالي يوماً بعد يوم بسبب شح المياه، ويعود ليعد بـ”آمال جديدة” لا تختلف كثيراً عن وعود سبقه إليها رئيس الحكومة ورئيس البرلمان، وكأن الدولة كلها في مهمة علاقات عامة مع الجار التركي أكثر منها مفاوضات سيادية ذات جدوى.

وتتكرر العبارات في كل مرة: “لقاء مثمر”، “مباحثات مهمة”، “تفهم تركي للوضع العراقي”، لكنّ المؤشرات الميدانية تبقى ثابتة عند خطوطها الحمراء؛ الواردات المائية لا ترتفع إلا بنسب طفيفة، والإطلاقات من السدود العراقية تكاد تكون “تحرك مياه راكدة”، لا تغيّر واقعاً ولا تروي ظمأ. ومع ذلك، تستمر الخطابات الرسمية بتقديم هذه الاجتماعات كأنها إنجازات، بينما الواقع المائي ينذر بموسم عطش جديد.

ويبدو أن تركيا قد أتقنت استخدام ورقة المياه بمهارة سياسية عالية، تزاوج بين الابتزاز الناعم والضغوط الهيكلية، في مشهد أقرب إلى مقايضة مستترة: النفط مقابل الماء، أو السكوت العراقي مقابل القليل من القطرات المتدفقة من منابع الأناضول.

وبينما يعلن رئيس البرلمان العراقي أن تركيا وافقت على إطلاق 420 متراً مكعباً في الثانية، تؤكد الوقائع الفنية أن ما يصل فعلياً لا يتجاوز 350 متراً، في ظل غياب الشفافية وتهالك البنية المائية العراقية، وعجزها عن التخزين أو الاستفادة القصوى.

ويكشف الخبير رمضان حمزة عن مفارقة قاسية: العراق، حتى لو حصل على مزيد من المياه، لن يستفيد فعلياً، والقرار الحكومي بإلغاء الموسم الزراعي الصيفي يعكس قلة الحيلة وغياب الرؤية طويلة المدى، ويزيد من اعتماد الدولة على الاستيراد الغذائي، فيما يتحول ملف المياه من قضية وطنية إلى مجرد ملف دبلوماسي عالق.

 

 

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author Admin

See author's posts

المصدر: المسلة

إقرأ أيضاً:

العفو الدولية تنتقد قانون حرية التعبير العراقي: صياغات فضفاضة وتكريس للقمع

2 أغسطس، 2025

بغداد/المسلة: في الوقت الذي تتسابق فيه القوى السياسية العراقية لتشريع قوانين مؤجلة منذ دورات نيابية سابقة، تتجه الأنظار نحو مشروع قانون «حرية التعبير عن الرأي والاجتماع والتظاهر السلمي»، المثير للجدل، والذي عاد إلى طاولة التصويت وسط تحذيرات محلية ودولية من خطورته على الحريات العامة، وانقسام واضح بين من يراه وسيلة لتنظيم الفضاء المدني، ومن يعتبره محاولة مقنّعة لتضييق الخناق على حرية التعبير تحت غطاء قانوني.

وتأتي تحذيرات منظمة العفو الدولية كجرس إنذار مبكر لما قد يحمله القانون من قيود مقلقة على حرية التعبير والتجمع، محذرة من أن تمريره بصيغته الحالية سيكرّس الطابع القمعي المتصاعد في المشهد السياسي العراقي، ويمثل انتكاسة قانونية تتنافى مع التزامات العراق الدستورية والدولية.

ورغم إعلان لجنة حقوق الإنسان النيابية عن تعديلات شملت حذف فقرات جزائية وتسهيل إجراءات التظاهر، إلا أن روح القانون ما تزال محل تشكيك واسع، لاسيما ما يتصل بسلطة منح الإذن المسبق، وحظر ارتداء الأقنعة، وتقييد أوقات التظاهر.

وتنطوي المفردات القانونية المقترحة على ازدواجية في التفسير، حيث تُستخدم تعبيرات مطاطية مثل “النظام العام” و”الآداب العامة” كأدوات جاهزة للتقييد، في بيئة سياسية مشحونة بالتخندقات الطائفية والحزبية، ومشبعة بتركة من انتهاكات حرية الصحافة والنشر. ويتخوف ناشطون من أن تتحول هذه العبارات إلى مفاتيح لقمع الأصوات المعارضة، خاصة في ظل غياب قضاء مستقل قادر على ضبط الاستخدام التعسفي للقانون.

ويتّسق الجدل الراهن حول مشروع القانون مع تاريخ طويل من المناكفات التشريعية التي غالباً ما تتقاطع فيها الرؤى الحقوقية مع مقاربات أمنية تتبناها أطراف متنفذة تخشى من اتساع رقعة الاحتجاج الشعبي، لاسيما مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية المرتقبة في نوفمبر المقبل، التي قد تشهد عودة زخم الشارع بعد سنوات من الاحتجاجات التي هزت السلطة في 2019 و2020.

وتعكس محاولات تمرير القانون ما يمكن وصفه بـ”التكتيك التشريعي المحسوب”، حيث يُطرح القانون ضمن حزمة مشاريع في جلسات مكتظة، لإضعاف زخم المعارضة وتحويله إلى ملف قانوني تقني. غير أن الحراك المدني لم يستسلم بعد، إذ واصلت منظمات محلية، بينها «برج بابل»، الضغط بتواقيع ومذكرات احتجاج لتعديل المسوّدة وتحصين النصوص من التأويل السلطوي.

 

 

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author Admin

See author's posts

مقالات مشابهة

  • قرارات تخص الاقتصاد العراقي بينها تصدير الأسفلت المؤكسد
  • درجال وبنيان ويونس يتنافسون على رئاسة الاتحاد العراقي
  • بعضهم ترك مهناً مهمة.. عمل الـأونلاين يستهوي الشباب والفتيات في العراق
  • بلاش الاستسهال..الإفتاء: انقطاع المياه المؤقت عن المنزل لا يبيح التيمم
  • هل يجوز التيمم حال انقطاع المياه يوما كاملا؟.. أمينة الفتوى تجيب
  • انتهاء مهمة يونيتاد يوقظ مخاوف ضياع القصاص لـالإرث الدموي في العراق
  • العفو الدولية تنتقد قانون حرية التعبير العراقي: صياغات فضفاضة وتكريس للقمع
  • أطعمة ومشروبات صيفية تسهم في ترطيب الجسم وتقليل احتباس المياه |فيديو
  • السوداني يفتتح مشروع تقوية المياه في مناطق تكريت