ترميم يعكس هوية عُمانية أصيلة
تاريخ النشر: 5th, August 2025 GMT
كتب - علي بن خلفان الحبسي -
في قلب حارة العقير القديمة بولاية سناو، وعلى مرمى حجر من مسجدها العريق والسوق القديم، عاد «البيت الشرقي» إلى الحياة من جديد بعد اكتمال أعمال ترميمه مطلع يونيو 2023. استمر المشروع نحو ستة أشهر من العمل المتواصل، أعاد خلالها الفريق إحياء ملامح المعمار العُماني التقليدي، مسترجعًا بذلك حكايات الزمن الذي كان فيه الطين والجص والدعون أساس البناء والهوية.
وأوضح زهران بن سالم الراشدي، نيابة عن المشرفين على الترميم، أن البيت الشرقي ليس مجرد منزل قديم، بل يُعد نموذجًا أصيلًا للمنازل الطينية التي سكنها العمانيون حتى بدايات النهضة المباركة عام 1970. ورغم اندثار بعض أجزائه بفعل الزمن والعوامل الطبيعية، إلا أن العقود والأقواس العتيقة ما زالت شامخة، تروي قصة البناء القوي والهندسة المعمارية الدقيقة التي تميز بها البناؤون العمانيون. ويضيف الراشدي أن هذا المشروع جاء بمبادرة ذاتية من ورثة المرحوم سالم بن حمود الراشدي، وتحديدا الأخوين سيف وحمود بن سالم الراشدي، اللذين نشآ في هذا المنزل وارتبطا به وجدانًا وتاريخًا. أشرفا على الترميم بأنفسهما، مع الحرص الكامل على المحافظة على التصميم الأصلي للمنزل كما كان قبل نحو 60 عامًا، بما في ذلك الحفاظ على الجذوع التي تحمل نقوشًا لأسماء البنّائين المهرة الذين شاركوا في بنائه في ستينيات القرن الماضي، وهو ما يضيف بعدًا إنسانيًا وفنيًا للبيت.
غير أن المشروع لم يخلُ من التحديات؛ حيث واجه الفريق نقصًا في القوى العاملة الخبيرة في البناء الطيني التقليدي، إلى جانب صعوبة توفير المواد الأصلية المستخدمة مثل «الجص»، و«الدعون»، و«الجذوع»، والتي كانت تُصنع محليًا في الماضي لكنها أصبحت نادرة في الوقت الحالي. بجهود متواصلة، تمكن الفريق من تأمين هذه المواد من داخل الولاية وخارجها، بالإضافة إلى تعديل وإعادة استخدام الأبواب الأصلية للمنزل، في خطوة تعكس التزامًا بمبدأ الاستدامة والمحافظة على هوية المكان.
وعلى الرغم من عدم وجود دعم مالي مباشر من الجهات الرسمية، إلا أن الدعم الفني واللوجستي كان حاضرًا بشكل بارز. ساهمت وزارة التراث والسياحة، ودائرة التراث والسياحة بشمال الشرقية، ومكتب محافظ شمال الشرقية، وبلدية شمال الشرقية في تسهيل الإجراءات، وتقديم المشورة الفنية، وتنسيق الجهود، لا سيما فيما يتعلق بتوصيل الخدمات للموقع مستقبلا، مما أسهم في إنجاح المشروع.
وعلى صعيد المتابعة، تم التواصل المستمر مع كبار السن من أبناء الحارة لأخذ آرائهم بشأن التفاصيل المعمارية، كما استعان الفريق بمكاتب استشارية متخصصة ذات خبرة في ترميم المباني التراثية. وتم توثيق مراحل الترميم كاملة عبر الصور الشمسية والمقاطع المرئية، قبل وأثناء وبعد التنفيذ، بهدف الحفاظ على الذاكرة البصرية للبيت وتوفير مادة مرجعية للباحثين والزوار والمهتمين بالتراث العمراني.
ويؤكد الراشدي أن ترميم البيت الشرقي يشكل جزءًا لا يتجزأ من مشروع أكبر يشرف عليه مكتب محافظ شمال الشرقية لإعادة التخطيط الحضري لحارة العقير، الذي يهدف إلى إحياء الحارة القديمة ومرافقها التاريخية، بما في ذلك السوق والمسجد والبئر، وهو ما من شأنه تعزيز فرص تحويل الحارة إلى وجهة سياحية ثقافية نابضة بالحياة.
كما لفت إلى أن وزارة التراث والسياحة كانت قد أشرفت سابقا على ترميم مسجد الحصن المجاور، وساهمت بتوفير المواد الأساسية لترميمه مثل: «الصاروج»، و«الجص»، والأبواب، والنوافذ، والدعون. وهذه التجربة ساهمت بشكل مباشر في إنجاح ترميم البيت الشرقي والاستفادة من الخبرات الفنية المكتسبة.
وعن الخطط المستقبلية، يرى القائمون على المشروع أن الهدف لا يقتصر على الحفاظ على الإرث العائلي فقط، بل يتعداه إلى إحياء الذاكرة الجمعية لأبناء الحارة، وتقديم نموذج يُحتذى به لأصحاب المنازل القديمة في المنطقة. وتتم دراسة إمكانية استغلال البيت كمتحف تراثي صغير، أو نزل تقليدي، أو مقهى شعبي يعكس روح المكان وتاريخه، ما يعزز من فرص تنشيط السياحة المحلية.
وفي الوقت الحالي، يمكن للزوار من الأهالي والمهتمين زيارة البيت والاستمتاع بالجلوس فيه لتناول وجبة أو الاستراحة، بالتنسيق مع الورثة، بينما تستمر التحضيرات للتحول التدريجي إلى منشأة ذات طابع ثقافي وسياحي.
هذا المشروع يعكس روح الانتماء والوفاء للهوية العُمانية، ويجسد أحد أبعاد «رؤية عُمان 2040» التي تضع «التراث والثقافة» في صميم توجهاتها التنموية، باعتبارها ركيزة أساسية للهوية الوطنية، ومصدرًا للفرص الاقتصادية والسياحية. كما يُبرز مهارة العمانيين في البناء التقليدي والتفاصيل الهندسية التي طالما زُخرت بها منازلهم القديمة، ويؤكد أهمية الشراكة بين المجتمع والجهات الحكومية في الحفاظ على هذا التراث العريق.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الحفاظ على
إقرأ أيضاً:
"الشورى" يستعرض الجهود العُمانية في "التحول الرقمي" ضمن "المنتدى البرلماني التشريعي" بأبوظبي
مسقط- الرؤية
شارك مجلس الشورى اليوم الثلاثاء في أعمال المنتدى البرلماني التشريعي الأول الذي نظمه المجلس الوطني الاتحادي بدولة الإمارات العربية المتحدة؛ وذلك في إطار الندوة الخليجية المشتركة للمجالس التشريعية الخليجية، بمشاركة عدد من ممثلي المجالس التشريعية بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وممثلي الهيئات والدوائر المحلية والجهات القانونية والقضائية والمؤسسات الأكاديمية، والرؤساء التنفيذيين للذكاء الاصطناعي.
ويهدف المنتدى إلى بناء رؤى قانونية وتنظيمية متقدمة تسهم في تعزيز الحوكمة المسؤولة للتقنيات الحديثة، وتسليط الضوء على أبرز المستجدات والتحديات التشريعية والبرلمانية في مجال الذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى استعراض التحديات التي تواجه المجالس التشريعية في مجال الذكاء الاصطناعي، وتطوير تشريعات استباقية وممارسات برلمانية رائدة تواكب تطلعات الحكومات والشعوب، كما أنه من شأنه أن يعزز الشراكة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية لضمان تناغم حكومي برلماني فعّال في مواجهة تحديات المستقبل، إلى جانب تبادل الخبرات والمعارف التشريعية بين المجالس التشريعية الخليجية في مجال الذكاء الاصطناعي.
وناقش المنتدى ضمن جلساته جملة من المحاور المهمة أبرزها الدور التشريعي للمجالس التشريعية الخليجية في حكومة الذكاء الاصطناعي على مستوى الواقع والتحديات وآفاقه المستقبلية، والإطار التشريعي الخليجي الموحد للذكاء الاصطناعي من حيث الدروس المستفادة من قانون الذكاء الاصطناعي الأوروبي، ومحور أخر يتناول قيادة التحول في الذكاء الاصطناعي، إلى جانب مناقشة موضوع الشراكة التشريعية والتنفيذية في عصر الذكاء الاصطناعي، نحو تناغم برلماني حكومي فعال.
وقدم سعادة الدكتور أحمد بن علي السعدي رئيس اللجنة التشريعية والقانونية بمجلس الشورى ورقة عمل باسم سلطنة عُمان في أعمال المنتدى حملت عنوان "الدور التشريعي للمجالس التشريعية الخليجية في حوكمة الذكاء الاصطناعي الواقع، التحديات، وآفاقه المستقبلية" وتطرقت الورقة إلى الدور التشريعي للمجالس التشريعية الخليجية في حوكمة الذكاء الاصطناعي من خلال استعراض واقع الدور الذي تقدمه المجالس التشريعية في حوكمة الذكاء الاصطناعي والتحديات التي تواجه المجالس التشريعية في حوكمة الذكاء الاصطناعي.
كما تناولت الورقة الخطط والاستراتيجيات الرقمية في سلطنة عُمان، وجهود مجلس الشورى في حوكمة الذكاء الاصطناعي من خلال استعراض الإنجازات التشريعية الحديثة، ومراجعة وتحديث القوانين القائمة، وتعزيز التعاون مع المجالس التشريعية الخليجية والدولية لمواءمة التشريعات المحلية مع المعايير العالمية. بالإضافة إلى الدور الاستشاري الاستراتيجي للمجلس، من خلال تقديم توصيات للحكومة حول تبني السياسات والتشريعات التي تحقق التوازن بين الابتكار وحماية الحقوق.
وقدمت ورقة العمل جملة من التوصيات والمقترحات الداعمة لإيجاد حوكمة تشريعية خليجية متكاملة للذكاء الاصطناعي أبرزها إنشاء لجنة خليجية مشتركة لدراسات الذكاء الاصطناعي، وإصدار تقارير دورية ترصد القدرات والتحديات والمخاطر المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، وتزويد صانعي القرار بمعلومات دقيقة ومحدثة.
أوصت الورقة كذلك بأهمية إجراء دراسات متخصصة حول دور الذكاء الاصطناعي في دعم التنمية المستدامة بمجالات الصحة، والطاقة، والتعليم، والتمويل، والزراعة، والمناخ، والتجارة الرقمية، بما يتماشى مع الأولويات الاستراتيجية لدول الخليج، بالإضافة إلى تحليل المخاطر الناشئة عن الاستخدامات الأمنية والقانونية للذكاء الاصطناعي، واقتراح سياسات وقوانين استباقية تحد من المخاطر وتعزز الاستخدام المسؤول.
كما أوصت بضرورة وضع أطر تنظيمية واضحة للاستخدام الآمن والمسؤول للذكاء الاصطناعي، تراعي الأبعاد القانونية والأخلاقية للتقنية، ودعم بناء القدرات البشرية عبر التعليم والتدريب المتخصص، بما يمكن من إعداد جيل من الكفاءات الخليجية القادرة على قيادة مسار الذكاء الاصطناعي وتوجيهه بما يخدم المصالح الوطنية.
يشار إلى بأن المنتدى البرلماني التشريعي 2025 هو المنتدى الأول من نوعه على مستوى المنطقة، ويُعد منصة إقليمية رائدة تُعنى بمناقشة العلاقة المتنامية بين التشريعات وتقنيات الذكاء الاصطناعي في دول مجلس التعاون الخليجي.