أسعار التأمين والمواطن الفقير
تاريخ النشر: 5th, August 2025 GMT
د. خالد بن علي الخوالدي
يعيش المواطن في حيرة من أمره، فمن جانب أعداد الباحثين عن عمل والمسرحين في ازدياد، وفي جانب آخر ترتفع الأسعار في كل شيء، والضرائب تلتهم ميزانيات وجيوب المواطن بدون نتائج ملموسة منها، حيث يتعامل المواطنون مع موجة من الارتفاعات بدون وجود بريق أمل للتخلص منها، ليدخل ارتفاع قيمة التأمين على السيارات حيز هذه الارتفاعات.
لقد ارتفعت أسعار تأمين المركبات بما يقترب من النصف في بعض الحالات، لتضاف إلى عبء المعيشة الثقيل أصلًا، لكن الغرابة تكمن في التناقض الصارخ بين ما يلمسه المواطن عند ذهابه لتجديد تأمين سيارته، وبين التصريحات الرسمية.
لا يحتاج المواطن إلى إحصائيات معقدة ليدرك الزيادة الكبيرة، يكفي أن يقارن الفاتورة التي دفعها العام الماضي للسيارة نفسها مع ما يُطلب منه هذا العام، ومئات من الشكاوى على منصات التواصل الاجتماعي تؤكد هذا الاتجاه، حيث تتراوح الزيادات بين 30% إلى 50% وأكثر في أقساط التأمين الطرف الثالث، حيث الأغلبية الساحقة من المواطنين المغلوب على أمرهم. هذه الزيادات ليست طفيفة أو تدريجية، بل هي قفزات مفاجئة ومؤثرة مباشرة في جيب المواطن الذي يعاني أصلًا من غلاء المعيشة وثقل الضرائب، والأغرب موقف هيئة سوق المال، حيث أكدت الهيئة عبر بيانات رسمية أنها لم توافق على أي زيادات عامة في أسعار منتجات التأمين على المركبات.
هنا يكمن لب الأزمة والتناقض الذي يضع المواطن في حيرة وغضب، فالهيئة تصر على عدم الموافقة على أي زيادات عامة وتؤكد التزامها بالرقابة، والواقع الملموس من الغالبية العظمى من المواطنين، بمن فيهم من يتمتعون بسجلات قيادة نظيفة ومركبات عادية، يواجهون فواتير تأمين أعلى بشكل كبير جدًا مقارنة بالعام الماضي، دون أي تغيير جوهري في عوامل الخطر الخاصة بهم.
وحقيقة لا يمكن فصل أزمة أسعار التأمين عن السياق الاقتصادي الأوسع الذي يعيشه المواطن، من ارتفاع شامل في تكاليف المعيشة من السكن والمواصلات إلى الغذاء والخدمات الأساسية، وفي هذه الحالة يصبح أي زيادة إضافية، خاصة بنسبة كبيرة مثل 50% على بند أساسي كتأمين المركبة (التي هي شريان الحياة للكثيرين في التنقل للعمل أو الدراسة)، ضربة قاسية للمواطن العادي، وخاصة ذو الدخل المحدود أو المتوسط، فميزانيته ستنهار تحت وطأة هذه التراكمات، ويصبح التوفير مستحيلًا، والديون ستتراكم، ونوعية الحياة ستتدهور أكثر وأكثر.
تتجاوز أزمة التأمين الجانب المالي البحت لتلامس الجانب الإنساني والاجتماعي. المواطن الفقير أو محدود الدخل هو الأكثر معاناة، فبين تأمين سيارته (التي قد تكون مصدر رزقه كسائق تكسي أو نقل بضائع صغيرة) وبين توفير احتياجات أسرته الأساسية، وعدم القدرة على تجديد التأمين الإلزامي تعرضه للمخالفات المرورية، مما يزيد أزمته.
ولوقف هذه الأزمة واستعادة الثقة، لا بد من خطوات جادة لهيئة سوق المال، وتعزيز الرقابة، وتكثيف التفتيش على نماذج تسعير شركات التأمين وممارساتها الفعلية مع العملاء، والتحقق من تطبيق معايير المخاطر بعدالة وشفافية، وتبسيط وتفعيل آلية سهلة وسريعة لتلقي شكاوى المؤمن لهم والتحقيق فيها بشكل علني ونزيه، مع فرض عقوبات رادعة على المخالفين، وفتح قنوات حوار مباشر بين الهيئة وشركات التأمين وممثلي المستهلكين لمعالجة الجذور الحقيقية للزيادات وإيجاد حلول متوازنة.
أزمة أسعار التأمين في عُمان تعد اختبارًا حقيقيًا لمصداقية المؤسسات الرقابية، وامتحانًا لضمير قطاع يقدم خدمة أساسية، وقبل كل شيء، مأساة يومية للمواطن الذي يشعر أنه يُحاصر من كل جانب، كما إن التناقض بين الإنكار الرسمي والمعاناة اليومية يغذي الإحباط ويهدد الاستقرار الاجتماعي. وسماع صرخة المواطن، وخاصة الفقير، والتحرك العاجل والشفاف لمعالجة هذا التناقض ومعالجة جذور الأزمة، يعتبر واجبًا وطنيًا وضرورة اقتصادية واجتماعية ملحة. ودمتم ودامت عُمان بخير.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً: