جنوبٌ يتسع كل عام ونوارس لا تخشى الجمر
تاريخ النشر: 6th, August 2025 GMT
تبدو الرحلة إلى محافظة ظفار جوا رحلة عائلية، حتى وإن كنت تسافر وحيدا. الأطفال يركضون ويصرخون في كل صوب وحدب، الحقائب التي لا تراها إلا في البيوت تسافر أيضا، كل شيء في رحلة الذهاب إلى الجنوب يبدو كما لو كنت في بيت الجدة، لكنه بيت يطير في السماء.
محافظة ظفار لم تكن خضراء هذه المرة، ليس لأنني زرتها في منتصف يوليو حيث المكان يأخذ في الاخضرار بالتدريج وليس لأن الروابي الخضراء غبراء، ولكن لم يحدث قط في مواسم الخريف الماضية أن دخلنا قلاعا أو حصون أو بيوتا تراثية.
إذا كنت اتخذت من الخريف عادة سنوية، ولكنك رغم ذلك تطأ مرباط للمرة الأولى، فما الذي كنت تفعله طوال السنوات الماضية؟! لا أعرف في الحقيقة، لكني عندما وضعت جدول الرحلة فكرت أن أخصص اليوم الأول لمكان أزوره أول مرة، أما الأماكن المعتادة فوضعتها في ذيل القائمة. ماذا يعني أن تضع جدول الرحلة؟! أن تقود الرحلة دون أن تكون خلف مقود القيادة.
في الظهيرة الغائمة كان حصن مرباط يقف وحيدا، بينما يحج الناس إلى مطعم الجعيدي. مبخر لبان وتمر وقهوة عند مدخل الحصن، وفي السطح: مرباط، المباني القديمة والآثار التاريخية، كان رائعا أن تُركَت أنقاض البيوت المتهدمة على ما هي عليه، كالبيت القديم الذي يواجه بحر مرباط، سقط كل مافيه عدا نافذة وحيدة، تجعلك تشك لوهلة أن طريقة تداعي ذلك البيت كان مخططا لها، وإلا لمَ يسقط كل شيء وتبقى النافذة؟ في النهاية وأنت تغادر مرباط القديمة تدرك أنها للمشي وليست للتجول راكبا في سيارة. بعد حصن مرباط وفي أيام متفرقة زرنا حصن طاقة، وبيت كوفان وبرج العسكر، ألا يبدو الأخيران كأسماء خرجت من رواية ما؟!
النوارس في مرباط لا تشبه نوارس مطرح إلا في شكلها، وأظن أن الطيور أو الحيوانات في الأماكن ذات الأجواء اللطيفة تختلف في سلوكها عن طيور وحيوانات الأماكن الحارة حتى لو كانت من الفصيلة نفسها، كسناجب أدنبرة الودودة، والسناجب التي تقطن شاطئ السيب لتقطع أسلاك الكهرباء، تبدو النوارس في مرباط أكثر تآلفا مع الناس، تقترب بلا خوف وتشاركك طعامك وتكاد تحط فوق رأسك وحتى شوّايتك دون أن تخاف من الجمر. نوارس "خيصة دخيذيل" -التي يأتيها قلة من الناس- تقيم حفلة صاخبة وهي تحوم حولك، من يدري ؟ لعلها اكتسبت ذلك من هواء مرباط الذي لا يهدأ.
لا يذهب كثر إلى ضلكوت، بعيدة وطريقها ملتوية يمكن وصفها مبالغةً بالأفعوانية، زرت هذه المدينة مرتين هذه المرة، لسببين: الأول أننا أضعنا الطريق المؤدي إلى شاطيء الفزايح والثاني أننا لم نعرف أين يكون شاطيء عفول المخفي كما يقولون. أحب الجبل أكثر من البحر، لذلك كان مستحيلا أن أفوت جبلا يحتضن بحرا ، وأي بحر؟! بحر العرب.
في الطريق إلى "شاطيء الفزايح"، أوقفتنا عائلة هندية وطلبوا أن يرافقونا إلى المكان، كانت السيدة الحيدرابادية غاية في الحماس، واكتشفتُ أن الأماكن التي نزورها أول مرة تخلق حماسا مضاعفا إذا زرتها مع أشخاص جدد أيضا.
كان اليوم الذي زرنا فيه أشجار التبلدي العملاقة وعين حشير مشمسا بما يكفي لشيّ بعير، الشمس وحدها أكبر متحكم بالمزاج العام في محافظة ظفار، لكن المسار الجبلي باتجاه الأشجار العملاقة كان باردا قليلا بفضل الظلال، ولأن الرذاذ لم يلامس كثيرا تلك البقعة التي تسكنها الأشجار العملاقة كان المسار جافا، وسهلا للوصول إلى النهاية حيث الأشجار تزداد حجما كلما توغلت -حسب ما قيل لي-، لكني لم أكمل لأن رجلا كان يقف عند بداية المسار قال لي: "شي ثعابين داخل حافلي عمرك"، لكن ما أحسست به في منتصف المسار لم يكن حفيفا بل عواء.
في كل عام تبدو محافظة ظفار كأرض تتوسع، كيف يمكن أن يكون هناك مكان جديد نسمع عنه لأول مرة كل عام؟! هكذا خطر ببالي كل أولئك الذين قرروا أن يسافروا لأوروبا أو شرق آسيا، متخلين عن عادتهم السنوية فقط لأنهم ملوا من الأماكن نفسها كل عام.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: محافظة ظفار کل عام
إقرأ أيضاً:
هجوم ترامب يتسع.. مؤسسات الاقتصاد الأميركي تفقد استقلالها
في تحول مقلق وصفته بلومبيرغ بأنه "جبهة جديدة في تسييس الاقتصاد الأميركي"، أقال الرئيس الأميركي دونالد ترامب رئيس مكتب إحصاءات العمل يوم الجمعة الماضي، وذلك بعد ساعات فقط من صدور تقرير أظهر تباطؤا مفاجئا في وتيرة التوظيف.
ترامب، الذي لم يقدم أي دليل، زعم أن "أرقام الوظائف كانت مزوّرة لجعل الجمهوريين، وأنا شخصيا، نبدو بمظهر سيئ".
وفي اليوم ذاته، أعلنت حاكمة الاحتياطي الفيدرالي أدريانا كوغلار استقالتها، مما يمنح ترامب فرصة لتعيين بديل يدعم حملته المتواصلة للضغط من أجل خفض أسعار الفائدة.
ووفق بلومبيرغ، قال ترامب في نهاية الأسبوع إنه سيعلن قريبا عن اسم الحاكم الجديد للفدرالي وكذلك رئيس مكتب الإحصاءات الجديد.
مخاوف من تآكل مصداقية البيانات والمؤسساتوكتب مايكل فيرولي، كبير الاقتصاديين الأميركيين في "جي بي مورغان"، في مذكرة للمستثمرين: "لقد نوقش خطر تسييس الاحتياطي الفدرالي كثيرا خلال الأشهر الماضية، لكن لا ينبغي التغاضي عن خطر تسييس عملية جمع البيانات ذاتها".
وأضاف في تشبيه لافت: "إذا استعنا بتشبيه الهبوط السلس للاقتصاد، فإن امتلاك لوحة عدادات معطوبة قد يكون خطيرا بقدر خطورة وجود طيار حزبي مطيع".
ووفق بلومبيرغ، فإن هذه المخاوف لا تقتصر على أميركا، بل تمتد إلى دول مثل المملكة المتحدة وأستراليا وكندا، حيث تعاني مكاتب الإحصاء من تراجع كبير في نسب الاستجابة على استطلاعات العمل بسبب تفشي البريد العشوائي والاحتيال.
ففي بريطانيا، أدى انهيار الثقة إلى تعليق بيانات البطالة واستقالة الإحصائي الوطني إيان دايموند في مايو/أيار الماضي.
"أعين جديدة" على البياناتوبرر كيفن هاسيت، كبير مستشاري ترامب الاقتصاديين ورئيس المجلس الاقتصادي الوطني الإقالة بقوله إن التعديلات المتكررة في بيانات الوظائف "لم يتم تفسيرها بشكل جيد"، ما يستدعي "مجموعة جديدة من الأعين".
إعلانوعندما سُئل هاسيت عما إذا كان ترامب سيقيل أي مسؤول يعرض بيانات لا تعجبه، قال "قطعا لا. الرئيس يريد أشخاصه في هذه المواقع حتى تكون الأرقام أكثر شفافية ومصداقية".
وحذر محلل بلومبيرغ الاقتصادي توم أورليك من أن الإقالة قد لا تؤثر فورا على آليات جمع البيانات، لكنها ستترك أثرا عميقا.
ويخشى المستثمرون من أن تضاف الضبابية الإحصائية إلى الفوضى الناتجة عن سياسات ترامب الجمركية، مما يجعل التنبؤ بالتضخم وسوق العمل أكثر صعوبة.
ويختم أورليك بالقول "من الصعب أن تكون معتمدا على البيانات في قرارات السياسة النقدية، إذا لم يكن بإمكانك الوثوق بالبيانات أصلا".
ضغوط على باول.. ومؤسسات في مرمى النيرانولطالما تعرض رئيس الاحتياطي الفدرالي جيروم باول لانتقادات ترامب، ومع استقالة كوغلار، يبدو أن ترامب يسعى لإعادة تشكيل مجلس الاحتياطي بما ينسجم مع رؤيته، عبر تعيين شخصيات أقل استقلالية وأكثر ميلا لدعم خفض الفائدة بحسب الوكالة.
ووفق بلومبيرغ، فإن هذه التوجهات تثير قلقا بالغا في الأوساط الاقتصادية، التي ترى في استقلالية المؤسسات الإحصائية والنقدية حجر أساس لاستقرار الأسواق وثقة المستثمرين.
ونقل تقرير بلومبيرغ أن أزمة الثقة في الإحصاءات ليست فريدة لأميركا، ففي المملكة المتحدة، أدى الغضب من التباينات في أرقام البطالة إلى أزمة سياسية، دفعت بالإحصائي الوطني إيان دايموند إلى تقديم استقالته. ومن المتوقع أن تزداد أهمية هذه الأزمة مع اتساع دور البيانات في توجيه السياسات الاقتصادية حول العالم.
وتقول بلومبيرغ إن الخطوة الأخيرة من ترامب لا تعني فقط تغييرا في الأشخاص، بل في قواعد اللعبة بأكملها. فتحويل مؤسسات مستقلة، مثل مكتب الإحصاء أو الاحتياطي الفدرالي، إلى أدوات حزبية، قد يؤدي إلى زعزعة ثقة الأسواق في "الدولار القوي"، ويقوض مكانة أميركا كمركز للشفافية الاقتصادية.