في عالم يعج بالتحولات الكبرى، ثمة قوة خفية تحرك دولاً بأكملها صعوداً وهبوطاً. إنه “فائض القوى”، ذلك المفهوم الذي يشرح لماذا تبنى بعض الأمم عجائب الدنيا بينما تزول أخرى دون أثر. تخيل معنا هذا المشهد: مزارعون في مصر القديمة ينتجون من القمح ما يفوق حاجتهم بفضل فيضان النيل، فيتحرر جزء من الشعب لبناء الأهرامات أو دراسة الطب.

هذا هو فائض القوى في أبسط صوره – موارد زائدة تسمح بالانتقال من مجرد البقاء إلى البناء والابتكار.

تاريخ البشرية يحكى قصصاً متشابهة. روما القديمة حولت فائضها الزراعي والتجاري إلى جيش جرار وشبكة طرق ممتدة عبر القارات. بريطانيا العظمى في القرن التاسع عشر استثمرت فائضها الصناعي في أسطول بحري سيطر على نصف الكرة الأرضية. اليوم، نرى الصين تعيد نفس اللعبة بأساليب عصرية، حيث تغرق الأسواق العالمية بفائض إنتاجها من الصلب والألواح الشمسية، بينما تبني شبكة “طريق الحرير الجديد” لربط القارات.

لكن القصة لا تقتصر على القوى العظمى. حتى الاتحاد الأوروبي، باقتصاده الذي يقترب من 20 تريليون دولار، يستخدم فائضه التنظيمي لفرض معاييره على العالم، من حماية البيانات إلى معايير البيئة. أما الولايات المتحدة، فتحول فائضها العسكري إلى وجود في 150 دولة، وفائضها الثقافي إلى هوليوود و”وادي السيليكون” اللذين يشكلان عقول الملايين.

لكن التاريخ يحذرنا ، الفائض وحده لا يضمن الخلود. روما سقطت عندما تحول فائضها إلى تبذير وفساد. فنزويلا الغنية بالنفط أصبحت مثالاً للأزمة عندما اعتمدت على مورد واحد. السؤال الحاسم ليس مقدار ما تملكه الدول من فائض، بل كيف تديره. هل يستثمر في التعليم والبحث العلمي كما فعلت ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية؟ أم يحرق في الحروب والصراعات كما حدث للاتحاد السوفيتي؟

في عصرنا هذا، حيث تتنافس الصين وأمريكا والاتحاد الأوروبي على الهيمنة، يصبح فهم فائض القوى أكثر إلحاحاً. إنه ليس مجرد مصطلح اقتصادي، بل هو المفتاح لفهم صعود الدول وسقوطها. فائض اليوم قد يكون أزمة الغد إذا أسئت إدارته، كما أن ندرة الموارد قد تدفع إلى الابتكار كما حدث لليابان. الخلاصة؟ الفائض هو البداية فقط، لكن الحكمة في إدارته هي التي تكتب نهاية القصة.

دول عديدة كبرى امتلكت فائض قوى وتراجعت مثل الإمبراطورية البريطانية والعثمانية ومؤخرا الاتحاد السوفيتي.

فائض القوى يحمل تحذيراً أكثر قتامة اذ قد يكون سلاحاً ذا حدين، ينقلب على صاحبه إذا فقد البوصلة الأخلاقية أو الاستراتيجية. التاريخ ليس مجرد سجل للنجاحات، بل هو أيضاً مقبرة للإمبراطوريات التي أهدرت فائضها في الغرور والجشع.

العبرة هنا أن الفائض ليس ضماناً للنجاح، بل هو فرصة قد تتحول إلى كارثة إذا لم تُدار بحكمة

حتى في عصرنا، نرى شركات كبرى مثل “نوكيا” أو “بلاك بيري” تحولت من عمالقة إلى أطلال لأن فائض نجاحها جعلها متغطرسة، ففقدت القدرة على التكيف. هل نرى شيئاً مشابهاً يحدث اليوم مع عمالقة التكنولوجيا مثل “غوغل” أو “ميتا”؟ الوقت كفيل بالإجابة.

أخيرا، الفائض هو وقود التاريخ، لكن البوصلة الأخلاقية هي التي تحدد وجهته. والسؤال الذي يبقى معلقاً ، هل تتعلم الدول ذات الفائض من دروس الماضي، أم تكرر أخطاء الإمبراطوريات البائدة؟

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

المصدر: عين ليبيا

إقرأ أيضاً:

البنك المركزي الكوري : تسجيل أعلى فائض للحساب الجاري خلال يونيو

سول, "د. ب. ا": أظهرت بيانات البنك المركزي الكوري اليوم الخميس تسجيل أعلى فائض للحساب الجاري خلال يونيو الماضي، ويرجع ذلك إلى ارتفاع الصادرات.

وذكرت وكالة يونهاب الكورية الجنوبية للأنباء أن بيانات البنك المركزي الكوري أظهرت أن فائض الحساب الجاري بلغ 27ر14 مليار دولار خلال يونيو الماضي، مقارنة بـ 14ر10 مليار دولار خلال مايو الماضي.

و يعد هذا أعلى فائض شهري يتم تسجيله على الإطلاق، كما أنه يعد الشهر الـ20 الذي تسجل فيه كوريا الجنوبية فائضا في الحساب الجاري على التوالي، حيث تحقق البلاد فائضا في الحساب الجاري شهريا منذ مايو .2023

وخلال النصف الأول من العام الجاري، بلغ فائض الحساب الجاري 37ر49 مليار دولار، مقارنة بـ 16ر40 مليار دولار خلال نفس الفترة من العام الماضي.

وسجل ميزان السلع فائضا بواقع 16ر13 مليار دولار في يونيو الماضي، حيث ارتفعت الصادرات بنسبة 3ر2% لتصل إلى 37ر60 مليار دولار، في حين ارتفعت الواردات بنسبة 7ر0% لتصل إلى 21ر47 مليار دولار.

مع ذلك، سجل ميزان الخدمات عجزا بواقع 53ر2 مليار دولار، ويرجع ذلك بصورة رئيسية إلى الطلب على السفر إلى الخارج.

مقالات مشابهة

  • البنك المركزي الكوري : تسجيل أعلى فائض للحساب الجاري خلال يونيو
  • السلاح السري لرحلة انقاص الوزن
  • إعلام إسرائيلي: نتنياهو يبني أوهاما ونجله يدخل في السجالات
  • الشّرْقُ يُصافِحُ الغَرْبَ
  • البنك المركزي يسحب فائض سيولة 224 مليار جنيه من 16 بنكا
  • سلامة استقبل السفير الصيني: مشاريع مشتركة في حوار الحضارات
  • أسعار النفط تواصل تراجعها وسط مخاوف من فائض المعروض
  • استقرار أسعار النفط وسط مخاوف من فائض المعروض
  • النفط يستقر بعد تراجعات متواصلة بسبب مخاوف فائض المعروض