مع تضييق الخناق من مركزي عدن.. شركات صرافة على وشك الإفلاس والهروب
تاريخ النشر: 7th, August 2025 GMT
في بلد أنهكته الحروب وأرهق اقتصاده الانهيار المتكرر، شكّلت شركات ومحلات الصرافة في اليمن واحدة من أبرز مظاهر الفوضى الاقتصادية المقنّعة بالشرعية، حيث تحوّلت على مدى سنوات إلى أذرع مالية تمارس أدوارًا تفوق حجمها القانوني، دون حسيب أو رقيب.
ومع اتساع رقعة الفوضى المصرفية، بدأت ملامح انكشاف الحقيقة تتضح، شركات صرافة تُدار كمصارف غير رسمية، تمارس عمليات مضاربة ممنهجة على العملة المحلية، وتتحكم بأسعار الصرف عبر تلاعب يومي متعمّد، ساهم في إنهاك الريال اليمني، ورفع الأسعار، وحرمان المواطنين من أبسط مقومات الحياة.
بحسب خبراء مصرفيون أن تلك الشركات لم تكن مجرد وسطاء ماليين، بل تحوّلت إلى مافيا نقدية تدير شبكة من المصالح ترتبط بأسواق سوداء، وشبكات تحويل خارجة عن المنظومة البنكية الرسمية.
وبينما كانت البنوك تعاني من نقص السيولة وتراجع ثقة العملاء، راكمت تلك الشركات أرباحًا طائلة بطرق غير قانونية، من خلال المضاربة بالعملة وابتلاع السوق، بل ووصل الأمر إلى حد استلام ودائع التجار والمواطنين في صورة أشبه بالبنوك، دون ضمانات، ودون أي رقابة قانونية.
غير أن التحولات الأخيرة التي فرضتها إجراءات البنك المركزي اليمني والحكومة، خاصة تلك المتعلقة بتنظيم السوق، وملاحقة عمليات غسيل الأموال والمضاربة، أدت إلى فضح الممارسات المشبوهة لهذه الشركات. ووفق مصادر محلية فقد بدأ بعض ملاك شركات صرافة بإغلاق أبوابهم بشكل مفاجئ دون إي توضيح، وسط أنباء عن فرارهم من البلاد، بعد نهب أموال طائلة من ودائع المواطنين والتجار، في مشهد يكرر كوارث مالية شهدتها دول تعاني من انهيار مؤسسات الدولة.
أموال المواطنين في مهب الريح
وفي واقعة تحمل مؤشرات خطيرة على عمق الانفلات المالي في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، أُغلق أحد محلات الصرافة في منطقة السويداء بمديرية ماوية شرق تعز بصورة مفاجئة ومريبة، وسط تضارب الروايات بين حديث عن إفلاس مفاجئ، وشهادات مواطنين ترجّح سيناريو الهروب بعد جمع مبالغ مالية ضخمة تُقدّر بعشرات الملايين.
الناشط الصحفي سامي نعمان كشف في منشور له على صفحته الرسمية بموقع "فيسبوك" تفاصيل أولية عن الحادثة، محذرًا من كارثة مالية وشيكة تطال مئات الأسر، في ظل غياب أي إجراءات رقابية أو قانونية تضمن حقوق الضحايا، أو تحاصر فوضى "شركات الصرافة الطارئة" التي باتت تمارس أعمالًا مصرفية خارج الأطر القانونية.
وبحسب نعمان، فإن التقديرات الأولية تشير إلى أن المبالغ المستحقة على محل الصرافة المغلق تتجاوز 70 مليون ريال سعودي، أودعها عشرات المواطنين من مزارعين وباعة قات وتجار ومغتربين، بالإضافة إلى عمال يومية وباعة متجولين كانوا يعتمدون على محل الصرافة كخزينة يومية لأموالهم.
وأشار إلى أن أحد كبار المتضررين هو تاجر محلي أودع ما يعادل 720 ألف ريال سعودي (نحو 100 مليون ريال يمني) لدى الصراف المختفي. ومع اختفاء صاحب المحل، تجمهر عشرات المواطنين أمام الدكان المغلق، يطالبون بأموالهم بلا مجيب، ولا حتى مؤشرات على وجود أصول يمكن التحفّظ عليها، أو أي غطاء تأميني يغطي الخسائر.
فوضى السوق السوداء وهشاشة مالية
تعكس هذه الحادثة واحدة من مظاهر الفوضى المالية التي تشهدها مناطق الحكومة الشرعية، حيث تحوّلت محلات الصرافة إلى بنوك غير رسمية، تفتح حسابات، وتدير الودائع، وتُراكم السيولة النقدية دون أي رقابة من البنك المركزي، أو التزام بشروط الأمن المالي، أو مكافحة غسيل الأموال.
وفي تعليقه على هذه الفوضى، قال نعمان: "هذا ما يحدث حين تصبح السوق غابة وتضيع القوانين، ويشتغل دكان شغل البنوك ويفتح حسابات وتبات السيولة في عهدة السوق السوداء."
كما أشار إلى مفارقة مريرة تتمثل في أن المؤسسات الحكومية نفسها، والتي يحظر عليها القانون التعامل مع غير البنك المركزي أو البنوك المرخصة، تقوم بتوريد مئات الملايين إلى شركات ومحلات صرافة غير نظامية، ما يكرّس واقعًا ماليًا مختلًا وخطيرًا.
تأتي هذه الحادثة لتُسلط الضوء على هشاشة النظام المالي في البلاد، والتوسع المقلق لمحلات الصرافة التي تحوّلت إلى بنوك "شعبية" بدون غطاء قانوني، في ظل انعدام الثقة في البنوك الرسمية، وطول الإجراءات، والانهيار المستمر للعملة الوطنية.
وفي ختام منشوره، وجّه الناشط نعمان تحذيرًا شديدًا للمواطنين قائلًا: "انتبهوا على أموالكم.. واستعيدوا ثقة البنوك". مضيفًا أن "ثمة محلات صرافة تحوّلت إلى بنوك تحت مسمى (إسلامية) للتمويل الأصغر، لكنها تبقى أكثر التزامًا بالشروط المصرفية مقارنةً بمحلات الصرافة العشوائية."
قضية صراف السويداء ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة، ما لم يتم فرض رقابة حقيقية على سوق الصرافة، ومحاسبة المتورطين في الاحتيال المالي، وضمان حماية أموال المواطنين، عبر تعزيز دور البنك المركزي وإلزام المؤسسات الحكومية بالتعامل الحصري مع البنوك الرسمية.
هذه الحادثة تُبرز كيف تحوّلت بعض محلات الصرافة إلى "بنوك غير مرخصة"، تجمع الودائع وتتعامل بأموال الناس وكأنها مؤسسات مصرفية رسمية، لكنها خارج أي إطار قانوني، مما يضاعف المخاطر، ويكشف الفجوة التشريعية والرقابية التي يستغلها البعض لتكديس الثروات على حساب البسطاء.
مخاوف حقيقية
وكشف الصحفي الاقتصادي ماجد الداعري في منشور مطوّل على صفحته في فيسبوك، عن مخاوف حقيقية تتنامى في أوساط كبار التجار الذين أودعوا أموالهم في شركات صرافة بدلاً من البنوك، مستفيدين من التسهيلات غير القانونية والمضاربات اليومية التي تتيحها تلك الشركات. وأشار الداعري إلى صدمة أحد مدراء الأسواق التجارية الكبرى في عدن الذي أبلغه عن إيداع عشرات الملايين يوميًا لدى إحدى شركات الصرافة التي بدأت الشكوك تدور حول احتمال إفلاسها أو تعرضها لعقوبات من البنك المركزي.
وأكد الداعري أن هذه الشركات مارست لسنوات أنشطة مصرفية محظورة قانونيًا، كفتح حسابات للعملاء واستقبال الودائع وتحويل الأموال بمعدلات صرف مضاربة دون رقابة أو التزام بالقواعد المنظمة للعمل المالي والمصرفي في اليمن. وأضاف أن معظم أرباح هذه الشركات كانت تُجنى من خلال المضاربة اليومية على العملة، على حساب الاستقرار النقدي وقوت المواطن الشرائية، وهو ما يُعد شكلًا من أشكال الغش والفساد المالي الممنهج.
كما توقع الداعري – استنادًا إلى تحركات البنك المركزي – أن تشهد الأيام المقبلة حملة واسعة لإغلاق شركات الصرافة المتورطة، قد يتخللها مداهمات أمنية، ومحاسبة قانونية لملاك الشركات التي فتحت حسابات للعملاء دون سند قانوني. وأشار إلى أن بعض ملاك تلك الشركات بدأوا فعليًا بالفرار خارج البلاد بعد نهب مبالغ طائلة من أموال المودعين والتجار، وسط صمت رسمي وعجز قانوني عن حماية الضحايا، في ظل غياب نظام تأمين فعال على أموال العملاء لدى هذه الجهات.
المصدر: نيوزيمن
كلمات دلالية: البنک المرکزی محلات الصرافة شرکات صرافة تلک الشرکات
إقرأ أيضاً:
لليوم الثاني.. بنوك وشركات صرافة بعدن والمناطق المحررة تواصل وقف بيع العملات الأجنبية وتكتفي بالشراء
تواصل البنوك التجارية وشركات ومنشآت الصرافة في العاصمة اليمنية المؤقتة عدن، والمناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دولياً، لليوم الثاني على التوالي، وقف عمليات بيع العملات الأجنبية.
وأوضحت مصادر اقتصادية وأخرى محلية لوكالة خبر، اليوم الثلاثاء، أن شركات الصرافة تقوم بشراء الريال السعودي بـ425 ريالاً، والدولار الأمريكي بـ1618 ريالاً، وهي التسعيرة المقرة من قبل البنك المركزي اليمني (عدن)، غير أنها تمتنع عن البيع بشكل كامل، رغم التوجيهات الصادرة عن البنك المركزي – المركز الرئيسي في عدن – التي حددت السعر الرسمي بـ1634 ريالاً للدولار و428 ريالاً للريال السعودي.
وأعرب المواطنون عن استيائهم من الإجراءات التي تتخذها البنوك وشركات الصرافة، متهمين إياها بـ"الاحتيال والمضاربة"، ومؤكدين في الوقت نفسه أن الامتناع عن بيع العملات الأجنبية وشراءها بأسعار منخفضة يشكل استغلالاً واضحاً لحاجات الناس، ويقوّض جهود البنك المركزي في ضبط السوق وتحقيق استقرار سعر الصرف.
وذكرت المصادر الاقتصادية أن هذه التطورات جاءت عقب إجراءات اتخذها البنك المركزي مؤخراً، تهدف إلى كبح المضاربة بالعملة الوطنية وتعزيز استقرار الريال بعد أن كان سعر شراء الدولار الأمريكي تخطى حاجز 2800 ريال.
ولم يصدر عن البنك المركزي حتى الآن أي توضيح رسمي بشأن امتناع البنوك وشركات الصرافة عن بيع العملات الأجنبية، أو الإجراءات المرتقبة لضبط أداء السوق المصرفية.