لوبس: هل يحيي ترامب فكرة القدر المعلن لتبرير نهمه بالتوسع؟
تاريخ النشر: 7th, August 2025 GMT
قالت لونوفيل أوبسرفاتور (لوبس) إن مفهوم "القدر المعلن" برز في الرأي العام الأميركي منذ منتصف القرن التاسع عشر، وهو فكرة تقوم على أن البلاد يجب أن تتوسع، لأن العناية الإلهية اختارتها لذلك.
وربطت المجلة الفرنسية -في تقرير بقلم سيلفان كوراج- بين هذا المفهوم وخطاب التنصيب الذي ألقاه الرئيس الأميركي دونالد ترامب يوم 20 يناير/كانون الثاني 2025، واعدا "بعصر ذهبي" جديد.
وأضافت أنه قال بالحرف "ستعود أميركا أمة نامية، تزيد ثروتها، وتوسع أراضيها، وتشيد مدنها، وتعلي من سقف طموحاتها، وتحمل رايتها إلى أراض جديدة وجميلة. سنسعى وراء قدرنا المعلن إلى النجوم، ونرسل رواد فضاء لغرس النشيد الوطني الأميركي على كوكب المريخ".
وبذلك أعاد ترامب وسط تصفيق حار إحياء فكرة "القدر المعلن"، وهي فكرة ولدت في منتصف القرن التاسع عشر، مفادها أن للولايات المتحدة حقا إلهيا في توسيع أراضيها عبر قارة أميركا الشمالية، بل أبعد من ذلك بكثير.
وفي خضم ترحيل الهنود، وضم مساحات شاسعة من المكسيك، وغزو الغرب الأميركي في أربعينيات القرن التاسع عشر، احتاج الاتحاد الناشئ إلى تبرير توسعه الهائل، من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهادي، يقول المؤرخ آلان كراوت "إنه اعتقاد، في لحظة معينة من التاريخ الأميركي، بأن الله أراد لهذا البلد أن يتوسع من ساحل إلى آخر".
وقد كان لفكرة "القدر المعلن" تأثير دائم على تصور القوة العالمية الرائدة لدورها العالمي، إذ يرى المؤرخ وليام إيرل ويكس أن هذه الفكرة تكمن وراء "فرضية الفضيلة الأخلاقية الفريدة للولايات المتحدة، وتأكيد رسالتها في خلاص العالم من خلال نشر الحكم الجمهوري، وبشكل أعم "أسلوب الحياة الأميركي".
قدرنا المعلن هو أن ننتشر في القارة التي أوكلتها العناية الإلهية للتنمية الحرة لشعبنا المتزايد
بواسطة أوسوليفان
وظهرت هذه العبارة أول مرة في يوليو/تموز 1845 في المجلة الشهرية "مجلة الولايات المتحدة والمراجعة الديمقراطية"، التي كتبها الصحفي جون ل. أوسوليفان، وهو صحفي مقرب من الحزب الديمقراطي في ذلك الوقت، ومؤيد متحمس لضم جمهورية تكساس، وكتب أن "قدرنا المعلن هو أن ننتشر في القارة التي أوكلتها العناية الإلهية للتنمية الحرة لشعبنا المتزايد".
إعلانوكان أوسوليفان من أشد المؤيدين "للديمقراطية الجاكسونية"، نسبة إلى الرئيس السابع للولايات المتحدة أندرو جاكسون (1829-1837) الذي كان بطلا في حرب الاستقلال، وكان سياسيا جنوبيا شعبويا وندد بالنخب السياسية والاقتصادية، وواجهه سياسيون ليبراليون مناهضون للعبودية ومدافعون عن مؤتمر حزب الأحرار.
التوسع غرباوعلى الرغم من ديمقراطيته، أيد جاكسون نظام العبودية، إذ كان يملك 150 عبدا، وواصل إبادة الأميركيين الأصليين الذين حاربهم بشراسة في تينيسي، وأقر قانون ترحيل الهنود عام 1830، وهو قانون يأمر بترحيل "القبائل المتحضرة" إلى ما وراء نهر المسيسيبي، مما جعل قبيلة الشيروكي تسلك "درب الدموع" الذي يعني للرواد بداية الفتح العظيم للغرب ووعدا بمستقبل مشرق.
وبدعوته إلى "القدر المعلن"، قدم أوسوليفان إطارا أيديولوجيا لهذه القفزة الحتمية، ودعا إلى الاستيلاء على إقليم أوريغون، وكتب "يستند هذا الادعاء إلى حقنا المقدر في التوسع وامتلاك القارة بأكملها، فقد منحتنا إياه العناية الإلهية لتطوير التجربة العظيمة في الحرية والحكم الذاتي الفدرالي الموكلة إلينا".
واستولت الولايات المتحدة على ولايات يوتا ونيفادا وأريزونا ونيو مكسيكو وكاليفورنيا، وسارع 300 ألف مغامر من جميع أنحاء العالم للبحث عن الذهب، وأشادت الصحافة والأدب الشعبي بأسطورة "الغرب المتوحش" التي ألهمت أفلام هوليود الغربية بعد أقل من قرن.
ولكن سرعان ما تبددت أوهام "القدر المعلن" منذ خمسينيات القرن التاسع عشر -كما تقول المجلة- وركز النقاش السياسي على السؤال المحير: هل ستكون الولايات الغربية الجديدة مؤيدة للعبودية؟ وبلغ التوتر ذروته، لينتهي إلى تمرد الجنوب الكونفدرالي ضد الاتحاديين في الشمال، فبدأت الحرب الأهلية (1861-1865)، ودافع أوسوليفان على الجانب الخاسر عن مالكي العبيد، ومات منسيا عام 1895.
ما الذي يمكن أن يعنيه استخدام هذه الأيديولوجية لترامب، الذي لم يذكر "القدر المعلن" خلال ولايته الأولى، إلا إذا كان يبرر نهمه الإقليمي لقناة بنما وغرينلاند وكندا
تبرير لنهم إقليميوكانت هذه نهاية "القدر المعلن" الذي حلله المؤرخ ريجينالد هورسمان باعتباره مظهرا من مظاهر "العنصرية الأنجلوساكسونية في القرن التاسع عشر"، وكان الرئيس الجمهوري وليام ماكينلي (1897-1901) آخر من طبقها حرفيا، باسم المصالح البحرية والتجارية الجديدة، فضم هاواي وسيطر على أراض مثل الفلبين وغوام وبورتوريكو، ومعه تحول التوسع الإقليمي إلى سياسة نفوذ واستحواذ خارجي، معلنا بذلك انضمام الولايات المتحدة إلى صفوف القوى الإمبريالية العالمية.
وبعد الحرب العالمية الأولى، أكد الرئيس وودرو ويلسون أن بلاده تتمتع بامتياز "احترام مصيرها وإنقاذ العالم"، وفي خمسينيات القرن الماضي برر هاري ترومان واجب الولايات المتحدة في الدفاع عن الحرية والديمقراطية ضد التهديد السوفياتي، وفي عام 2003 استحضر جورج بوش الابن مهمة شبه إلهية لإضفاء الشرعية على الحرب في العراق.
وختمت المجلة بالسؤال: ما الذي يمكن أن يعنيه استخدام هذه الأيديولوجية لترامب الذي لم يذكر "القدر المعلن" خلال ولايته الأولى، إلا إذا كان يبرر نهمه الإقليمي لقناة بنما وغرينلاند وكندا، مستحضرا عقدة تفوق مقلقة للغاية تعود إلى 180 عاما.
إعلانالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات دراسات ترجمات الولایات المتحدة القرن التاسع عشر العنایة الإلهیة
إقرأ أيضاً:
الفصل السابع.. ماذا نعرف عن السلاح الأممي الذي يريد رئيس إيرلندا إطلاقه على الاحتلال؟
تسلط دعوة الرئيس الإيرلندي، مايكل هيغينز للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، لتفعيل الفصل السابق من ميثاق الأمم المتحدة، ضد جرائم الإبادة التي يرتكبها الاحتلال في قطاع غزة، الضوء على هذا الفصل الحساس من ميثاق الأمم المتحدة.
وقال هيغينز: "أعني بذلك فعليا سواء وافق مجلس الأمن أم لا، وحتى لوكان هناك تعطيل بالفيتو فإن الحق قائم للأمين العام في السعي لتشكيل دفاع دولي".
ونستعرض في التقرير التالي كل ما نحتاج معرفته عن الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة:
الفصل المؤثر
يعد الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الإطار القانوني الذي يمنح مجلس الأمن الدولي سلطة اتخاذ تدابير قسرية، والتي تصل إلى حد استخدام القوة العسكرية الدولية، للحفاظ على السلم والأمن الدوليين أو إعادتهما عند تعرضهما للتهديد.
يتألف هذا الفصل من المواد 39 إلى 51، ويعد من أكثر أجزاء الميثاق تأثيرا، إذ يتيح للمجلس تجاوز مبدأ السيادة الوطنية إذا ثبت وجود تهديد أو خرق للسلام.
وتنص المادة 39 على أن مجلس الأمن هو الجهة الوحيدة المخولة بتحديد وجود تهديد للسلم أو خرق له أو عمل عدواني، ويقرر ما يجب اتخاذه من تدابير وفقا للمادتين 41 و42. وتشمل هذه التدابير العقوبات الاقتصادية، قطع العلاقات الدبلوماسية، ومرورا باستخدام القوة العسكرية.
متى يمكن اللجوء للفصل السابع؟
يستلزم الوصول إلى مرحلة الفصل السابع في الأمم المتحدة، إلى قرار من مجلس الأمن الدولي، بعد وجود تهديد للسلم أو خرق للسلم الدولي، أو عمل عدواني، بحسب المادة 39، ويبنى هذا على أساس تقارير من الأمين العام للأمم المتحدة، و شكاوى من الدول الأعضاء وتطورات ميدانية في ساحة حرب أو نزاع.
ويجب أن تتوفر شروط للوصول إلى هذا التقييم، وهو وجود وقائع مثبتة تدل على وجود تهديد فعلي للسلم الدولي، وأن تكون الوسائل السلمية استنفدت ضمن الفصل السادس، أو فشلت ولم يعد لها قيمة أو فعالية، وأن يجمع كافة أعضاء مجلس الأمن، أو الأغلبية، دون استخدام الأعضاء الدائمين حق النقض "الفيتو"، على أن الوضع يتطلب تدخلا بالقوة للحل.
كيف يتحرك مجلس الأمن؟
يلجأ مجلس، وفق السلطة التقديرية التي يمتلكها لتفعيل الفصل السابع، بعد تقييم الوضع، والإقرار بوجود تهديد، إلى الإعلان عن أن التدابير العسكرية ستكون كافية لإنهاء التهديد، أو يجب اللجوء إليها، وفق المادتين 41 و42، ويكون القرار ملزما لكافة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.
ويحتاج القرار تحت الفصل السابع لتمريره، موافقة تسعة من أصل 15 عضوا في مجلس الأمن، بشرط عدم استخدام الدائمين حق النقض، وهم أمريكا وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا.
الفصلان السادس والسابع:
اللجوء للفصل السابع يجب أن يسبق بالفصل السادس، ويتعلق باستخدام، أساليب سلمية مثل الوساطة والتفاوض، والقرارات ضمنه تأتي في طابع توصيات غير ملزمة قانونية للأطراف، ولا تفرض القرارات أو التوصيات التي تخرج من الأمم المتحدة على المعنيين.
لكن الفصل السابع، يذهب إلى التدابير القسرية وتحت القوة، مثل العقوبات الاقتصادية وحظر التعامل مع الدولة المعنية، وذورة الوسائل تكون باستخدام القوة العسكرية، تتولى الأمم المتحدة تشكيله أو تكليفه لدول عبر جيوشها من أجل تنفيذه.
"الفيتو" المعرقل:
يعد حق النقض من أبرز العراقيل أمام تطبيق الفصل السابع، ويمكن لدولة واحدة، منع اللجوء إليه، حتى لو حصل على أغلبية الدول، ومنع مرارا تدخلات دولية لحماية الفلسطينيين، وفي سوريا والنزاعات الأفريقية، وبات سمة وعلامة مميزة لسطوة الكبار ومفاقمة النزاعات في الدول الضعيفة.
ويتهم الأعضاء الدائمون بمجلس الأمن، بالامتناع عن استخدام الفيتو، في حال كانت القرارات الصارمة، تخدمهم لأسباب سياسية، في حين يلجأون إليه لمنع معاقبة أو الضغط على دول ترتكب انتهاكات وحشية بسبب العلاقات معها، كما فعلت الولايات المتحدة، منذ حرب الإبادة في قطاع غزة، حين استخدمت الفيتو لحماية الاحتلال من قرارات بوقف العدوان.
متى استخدم الفصل السابع؟
الكثير من الحالات الدولية، لجأ فيها مجلس الأمن لاستخدام الفصل السابع، ومن أبرزها:
بعد قيام النظام العراقي السابق، بغزو الكويت، قام مجلس الأمن بتفعيل الفصل السابع، وصدر القرار رقم 678، والذي أجاز استخدام كافة الوسائل لإخراج القوات العراقية من الكويت.
وعلى ضوء التفعيل، تشكل تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة، وأعلن عن عملية حملت اسم عاصفة الصحراء، تضمنت تحركا عسكريا كبيرا، وجه ضربات للجيش العراقي داخل الكويت، أجبره على الانسحاب، كما فرضت عقوبات شاملة على العراق بموجب القرار 661 ضمن الفصل.
وفي ليبيا عام 2011، وبعد لجوء نظام القذافي إلى القوة العسكرية، لقمع التظاهرات في البلاد، وسقوط مئات الضحايا من المتظاهرين، قرر مجلس الأمن عبر القرار 1973، اللجوء إلى الفصل السابع، "لحماية المدنيين"، وفرض منطقة حظر طيران فوق ليبيا، وأوكل المهمة لحلف شمال الأطلسي، والذي بدوره قام بقصف الأهداف العسكرية للنظام الليبي.
وساهم تدخل الناتو في تدمير الجيش الليبي، وخسارة سيطرته على الأرض، وصولا إلى سقوط النظام واعتقال رئيسه معمر القذافي والذي أعدم بعد ساعات من ذلك على يد المسلحين الليبين.