المساعدات الأمريكية في غزة: سلاح ناعم في حرب الإبادة الجماعية
تاريخ النشر: 8th, August 2025 GMT
بينما ينام العالم.. الفلسطينيون يطاردون طحينا تحت النيران
بينما يخلد العالم إلى نومه، يتكدّس آلاف الفلسطينيين في ساعات الليل القاسية قرب مراكز توزيع المساعدات الأمريكية جنوب ووسط قطاع غزة، يحدوهم الأمل بأن يسمح لهم جيش الاحتلال الإسرائيلي بالوصول إلى شحنات الغذاء، التي تديرها مؤسسة أمريكية.
لكن هذا الأمل غالبا ما ينتهي بمجازر، حيث يقتل العشرات وتُزهق أرواح المئات تحت وابل من الرصاص الإسرائيلي، في محيط يُفترض أن يكون بوابة للنجاة لا مصيدة للموت.
ففي واحدة من هذه الليالي، استشهد 25 فلسطينيا برصاص الاحتلال قرب محور نتساريم جنوب مدينة غزة، بينما كانوا ينتظرون حصّتهم من المساعدات.
المساعدات الأمريكية من الإغاثة إلى الأداة السياسية
الولايات المتحدة لا تنظر إلى المساعدات كمجرد إنقاذ إنساني، بل كأداة لإعادة تشكيل غزة سياسيا واجتماعيا وفق شروط ما بعد الحرب
منذ توقيع اتفاق أوسلو، استخدمت الولايات المتحدة أدوات مدنية وإغاثية لاختراق البنية الفلسطينية، بدعوى "دعم التنمية"، لكن المضمون السياسي لهذه الأدوات كان دائما حاضرا. وقد تضاعف هذا الحضور منذ حصار غزة عام 2007، حيث رعت منظمات مثل "USAID" ومؤسسات غير حكومية تابعة للسفارة الأمريكية؛ مشاريع ذات طابع إنساني ظاهريا، وسياسي واقتصادي باطنيا.
هذه المساعدات لم تكن يوما مجانية أو بريئة، بل حملت أهدافا خفية:
- تفكيك البنية الاجتماعية المقاومة.
- فرض نماذج سلوكية واقتصادية تتماشى مع الرؤية الغربية.
- ربط الفلسطينيين بعجلة اقتصادية تعتمد كليا على التمويل المشروط.
وهكذا، تحوّلت المساعدات إلى قيد سياسي جديد يعيق الاستقلال ويضرب البنية الذاتية.
7 أكتوبر.. التحول من "الإغاثة" إلى "الإبادة الناعمة"
مع انطلاق عملية طوفان الأقصى، وما تلاها من حرب إبادة شنّها الاحتلال الإسرائيلي، أخذت مراكز المساعدات الأمريكية شكلا جديدا لا علاقة له بالإغاثة، بل بالأمن والتحكم والهيمنة. إذ تحوّلت هذه المراكز إلى:
1- أداة ضغط سياسي: حيث تم ربط دخول المساعدات بمواقف محددة من الفصائل، وإجبار المستفيدين على توقيع وثائق مناهضة للمقاومة.
2- غطاء للجرائم: فالولايات المتحدة، التي تدّعي "الرحمة"، هي الممول العسكري الأول لإسرائيل، وتمنحها أسلحة محرّمة تقتل بها ذات المدنيين الذين تزعم واشنطن مساعدتهم.
3- بنية استخبارية ناعمة: استخدمت هذه المراكز كغطاء لجمع بيانات سكانية ومعلومات جغرافية، تحت ستار "التقييم الإنساني"، ما جعلها جزءا من منظومة الاستهداف العسكري الممنهج للبنية المدنية.
المساعدات كأداة استعمارية لإعادة هندسة غزة
الولايات المتحدة لا تنظر إلى المساعدات كمجرد إنقاذ إنساني، بل كأداة لإعادة تشكيل غزة سياسيا واجتماعيا وفق شروط ما بعد الحرب. وتتلخّص هذه الرؤية في الآتي:
- فرض قيادة بديلة خارج معادلة المقاومة.
- تفكيك النسيج المجتمعي، وربط البنية المدنية بشبكات ولاء موالية للغرب.
- تحويل "الوصاية الإنسانية" إلى نظام وصاية سياسية واقتصادية.
إن هذه السياسات تنتمي إلى مدرسة "الهندسة الاجتماعية"، التي اعتمدتها واشنطن في أفغانستان والعراق، وتحاول اليوم تطبيقها في غزة، مستغلة دمار الحرب وسلاح الجوع.
الصمت الدولي وتواطؤ "الإنسانية" الانتقائية
تتحوّل المؤسسات الدولية إلى شريك غير مباشر في الجريمة، عبر:
- تجاهل مشروطية التمويل الأمريكي التي تقوّض مبدأ الحياد.
- ترويج روايات منقوصة عن إسقاط مساعدات من الجو، دون الإشارة إلى حصار وتجويع متعمد.
- التساهل من أنظمة عربية تسهّل مرور هذه المساعدات دون رقابة، رغم علمها بالتوظيف السياسي لهذه العملية.
هذا التواطؤ الدولي يحوّل العمل الإنساني إلى "ستار ناعم" لإدارة مشروع إبادة سياسية وجغرافية كاملة لشعب بأكمله.
شهادات حية على المأساة: حين تتحوّل المساعدات إلى شرك دموي
من الميدان، تخرج شهادات تشكّل أدلة دامغة على الدور الدموي لمراكز المساعدات:
- مقاطع فيديو لجندي إسرائيلي يطلق النار من داخل مركز مساعدات أمريكي.
- ناجون يروون كيف ارتبطت بعض السلال الغذائية بتواقيع ضد المقاومة.
- عاملون سابقون يقرّون بوجود عناصر استخباراتية داخل المراكز "الإنسانية".
وفي أحد أبرز المشاهد، وصف مغردون مشهد انتظار المساعدات بـ"لعبة الحبار" الحقيقية، حيث يجب على الناس الركض ثم السقوط أرضا عند إطلاق النار، وإلا فإن القناص سينهي حياتهم.
المساعدات كوسيلة تهجير قسري
ما تُسمى بـ"المنطقة الإنسانية الآمنة" ليست سوى مقبرة صامتة للمدنيين، تُدار بالمساعدات وليس بالصواريخ فقط
لم تعد المساعدات مجرد وسيلة للبقاء، بل أصبحت أداة في مشروع التهجير وتغيير الخريطة السكانية. فالمساعدات التي تُسقَط جوا أو تُدار من معابر يتحكم بها الاحتلال، تُستخدم لتوجيه السكان نحو مناطق تعتبرها إسرائيل "آمنة"، في محاولة لفرض خريطة جديدة لغزة ما بعد الحرب.
إن ما تُسمى بـ"المنطقة الإنسانية الآمنة" ليست سوى مقبرة صامتة للمدنيين، تُدار بالمساعدات وليس بالصواريخ فقط.
خاتمة: نحو تفكيك "أسطورة العمل الإنساني" الغربي
ما يحدث في غزة ليس فشلا للضمير الإنساني، بل تواطؤا منظما بين أدوات الإبادة وأدوات الإغاثة. ولا يمكن بعد اليوم الفصل بين الدعم العسكري والتمويل الإغاثي، فكلاهما جزء من منظومة واحدة هدفها إخضاع الشعب الفلسطيني.
على النخب العربية والحقوقية أن تعيد تعريف العمل الإنساني بوصفه جزءا من مشروع تحرري، لا واجهة استعمارية ناعمة. إن تحرير العمل الإغاثي من الهيمنة الغربية يجب أن يصبح أولوية لأي مشروع مقاومة عربي أو فلسطيني، وإلا فإن التاريخ سيكتب أن شعوبا قُتلت بيد مموليها، وأن المساعدات كانت الطلقة الأخيرة في جسد وطن منهك.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء المساعدات غزة الاحتلال امريكا احتلال غزة مساعدات ابادة قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة صحافة مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المساعدات الأمریکیة التی ت
إقرأ أيضاً:
مسؤولة أوروبية: حرب غزة تشبه إلى حد كبير الإبادة الجماعية
قالت تيريزا ريبيرا نائبة الرئيسة التنفيذية للمفوضية الأوروبية اليوم الخميس إن التهجير والقتل في قطاع غزة يشبهان إلى حد كبير جدا الإبادة الجماعية، وهي أول مفوضة بالتكتل توجه اتهاما بهذا القدر وتخرج علنا عن موقف المفوضية من الحرب.
وأضافت ريبيرا -وهي ثاني أكبر مسؤول في المفوضية الأوروبية- في مقابلة نشرتها مجلة بوليتيكو "إذا لم تكن إبادة جماعية فهي تشبه إلى حد كبير جدا تعريف معناها".
وقالت ريبيرا لموقع بوليتيكو "ما نراه هو استهداف سكان حقيقيين وقتلهم والحكم عليهم بالموت جوعا".
وشددت على أنه لا وجود في غزة لأي مظهر من مظاهر الإنسانية، ولا يسمح لأي شهود بالحضور، قائلة "الشعب في غزة محاصر بلا مأوى وتدمر منازله، وهو بلا طعام أو ماء أو دواء".
وذهبت ريبيرا في تعليقاتها إلى أبعد مما تقوله المفوضية الأوروبية التي اتهمت إسرائيل بانتهاك حقوق الإنسان في غزة، لكنها لم تصل إلى حد اتهامها بالإبادة الجماعية.
وتأتي ريبيرا في المرتبة الثانية بعد رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين، وهي سياسية اشتراكية إسبانية تشمل اختصاصاتها قضايا المناخ ومكافحة الاحتكار، لكنها لا تتولى مسؤولية السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي.
واقترحت المفوضية الأسبوع الماضي الحد من وصول إسرائيل إلى برنامجها الرئيسي لتمويل الأبحاث بعد دعوات من دول الاتحاد الأوروبي لزيادة الضغط على إسرائيل لتخفيف وطأة الأزمة الإنسانية في غزة.
وأفادت المفوضية في الاقتراح بأن إسرائيل انتهكت بندا يتعلق بحقوق الإنسان في اتفاقية تحكم علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي.
وقالت المفوضية بـ"تدخلها في قطاع غزة والكارثة الإنسانية التي تلت ذلك -بما في ذلك آلاف القتلى من المدنيين والزيادة السريعة في أعداد حالات سوء التغذية الحاد المنتشرة، وتحديدا بين الأطفال- تنتهك إسرائيل حقوق الإنسان والقانون الإنساني".
إعلان